كلمة العدد | ||
| مجلة دار الإفتاء المصرية | ||
| Volume 17, Issue 62, July 2025, Pages 3-8 PDF (444.29 K) | ||
| Document Type: أبحاث متخصصة فی الفقه والأصول | ||
| DOI: 10.21608/dftaa.2025.465996 | ||
| Author | ||
| أ. د / نظير محمد عياد | ||
| مفتي جمهورية مصر العربية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الافتاء في العالم | ||
| Abstract | ||
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،،، فيسرني أن أقدم للقراء هذا العدد المبارك من مجلة "دار الإفتاء المصرية"، والذي يتضمن بحوثًا علمية متنوعة تناقش قضايا فقهية وفكرية معاصرة، تسعى دار الإفتاء من خلالها نحو تصحيح المفاهيم المغلوطة، وتأصيل المنهجية العلمية الرصينة للتعاطي المنهاجي السليم مع القضايا والنوازل المعاصرة، وهذا ما قد ألزمت به الدار نفسها منذ نشأتها حتى اليوم. فدار الإفتاء المصرية وعبر تاريخها الطويل ومنذ نشأتها عام 1895م، وحتى العام 2025م، تقوم بدور فعال لبيان حكم الله تعالى وفق مراده تعالى، وبما يحقق مصلحة العباد فهي ومنذ نشأتها تحرص على المحافظة على ثوابت الدين وأصوله، وفي ذات الوقت الانفتاح على الواقع والتعامل مع مسائله والاشتباك مع قضاياه، والإجابة عليها بصورة علمية مثلى تحقق مراد الشارع الحكيم ولا تتعارض مع مصالح الناس وأحوالهم. وقد استطاعت من خلال ذلك نشر الوعي الديني وتقديم خطاب ديني رشيد يقطع الطريق أمام الفتاوى الشاذة والآراء الغريبة والاجتهادات الضالة والتي تأتي بعيدة عن أي أساس علمي تستند إليه وتقوم من خلاله. ولا تزال الدار إلى يومنا هذا تؤدي هذا الدور بفاعلية واقتدار، مستندةً في ذلك إلى توفيق الله تعالى، ثم إلى جهود المخلصين من العاملين فيها، وحسن قيادة علمائها الأجلاء أدركوا عظم التحديات التي تمر بها دول العالم عامة، ودول العالم الإسلامي على وجه الخصوص. فقد شهد الواقع المعاصر تطورات كثيرة وطفرات متنوعة في كافة المجالات العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية وهو ما نتج عنه العديد من المستجدات والقضايا التي لم تكن موجودة من قبل وليس لها مثيل فيما تصنفه كتب الفقه المعروفة. الأمر الذي دفع بها إلى مزيد بحث ودراسة لمثل هذه القضايا والمستجدات بغية الوصول بها إلى التكييف الفقهي الصحيح، ومن ثم بيان الرأي الشرعي الرشيد الذي يزيل اللبس، ويقضي على الغلو والتطرف ويكشف عن يسر الشريعة وتمامها وكمالها. ومن بين أهم القضايا التي تناقشها هذه البحوث: قضية أثر القواعد الفقهية في استنباط الأحكام الشرعية بشكل عام، وفي النوازل والمستجدات بشكل خاص، ومدى تأثير هذه القواعد في التكييف الشرعي السليم لهذه النوازل، وما يمكن أن يترتب على إغفالها من إشكاليات فقهية واجتماعية. وإننا، في رحاب القراءة المتأنية لتاريخ الفقه الإسلامي التليد، ومن خلال دراسة واعية لما أصله الفقهاء من قواعد فقهية ونظريات أصولية، قد وقفنا على حرص الفقه الإسلامي -بكل مكوناته المعرفية والثقافية- على ضرورة استثمار هذه القواعد في معرفة الحكم الشرعي المناسب، بما يصون الإنسان ويحقق مصالحه، وبما يوافق أحواله، ويعزز استقراره، ويؤمن سلامته، ويحول دون وقوعه فيما نهى الله تعالى عنه، في سعي نبيل لتحقيق فوزه في الدنيا، ونجاته في الآخرة. وقد كان المجتهدون -في كل عصر- يراعون تلك القواعد والأصول في نظرهم وإفتائهم للقضايا والمستجدات؛ لذا نجدهم يجيزون العمل بالقول المرجوح إذا احتف به مدركٌ ناهضٌ، ودعت إليه مصلحةٌ راجحةٌ، وضرورة الدوران في الاجتهاد مع العلل والمناطات حيث دارت، ووجوب الالتفات إلى الأعراف والتقاليد والعادات، وأهمية مراعاة الظروف الاستثنائية والطارئة في تنزيل الأحكام على الوقائع والأحداث. ولهذه الوجوه وغيرها، أصدر فقهاء الأمة فتاوى في قضايا عصرهم تدل على السعة والمرونة، وجودة الفهم، ودقة النظر المصلحي الذي يوازن بين المصالح والمفاسد بشكل منهاجي دقيق. ومن وجهة نظري؛ فإن خصيصة السعة والمرونة، ومنازع الاستشراف والاستبصار، وقواعد النظر الاجتهادي المُعنى بمواجهة النوازل المتتابعة التي اتسم بها الفقه الإسلامي؛ كانت من أبرز الخصائص التي مكنته من القيام بدور فاعل في بناء الإنسان والنهوض به في كل زمان ومكان؛ إذ توفرت له من السمات والأصول ما ميزه عن غيره من النظم والمعارف، وجعله قادرًا على التكيف مع واقع الإنسان واستيعاب المتغيرات الطارئة على حياته، بما يصونه من المخاطر والمهددات العقدية والاجتماعية على السواء. ومما يشهد لهذا المعنى ويؤكده: ما زخرت به المدونة الفقهية من نظريات وقواعد أصيلة فريدة، كـ"فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد"، و"فقه الأولويات"، و"اعتبار مآلات الأفعال"، و"سد الذرائع"، و"فتح الذرائع"، وغيرها، مما يدل دلالةً بينةً على أن الله تعالى لم يحصر طرق الفهم الصحيح في نوع واحد، وأبطل غيره من الطرق، بل بين بما شرعه من الطرق المتنوعة أن غايته هي إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق، ومعرفة العدل، وجب الحكم بموجبها ومقتضاها. ونحن إذا رحنا نعدد القواعد التي زخرت بها المدونات الأصولية والفقهية بغرض الفهم الصحيح للإسلام وتحقيق مصالح الإنسان؛ فلن يسعنا هذا المقام، ومنها: قواعد التيسير ورفع الحرج، كقاعدة: "المشقة تجلب التيسير"، وقاعدة: "إذا ضاق الأمر اتسع"، و"الضرورات تبيح المحظورات"، و"الحاجة تنزل منزلة الضرورة"، و"الأصل في المعاملات الإباحة". وقواعد رفع الضرر، كقاعدة: "لا ضرر ولا ضرار"، و"الضرر يزال"، و"يرتكب أخف الضررين"، و"الضرر لا يزال بالضرر". وقواعد المصالح والمفاسد، كقاعدة: "درء المفاسد أولى من جلب المصالح"، و"إذا تعارضت مفسدتان روعي أخفهما ضررًا بارتكاب أخفهما"، و"درء المفاسد مشروطٌ بأن لا يؤدي إلى مثلها". وغير ذلك من القواعد التي أخرجت المسائل الفقهية من ضيق القوالب الجامدة الصلبة إلى سعة المرونة والحركة الحضارية الواقعية والمتجددة، ومكنت الفقيه من القدرة على التأطير للمسائل الفقهية والتأصيل لها من جميع الجوانب الشرعية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والتربوية، والنفسية، والتاريخية، والقانونية، مما يؤهل الفقه الإسلامي للاستدامة والصلاحية لكل زمان ومكان، ويجعل منه منظومةً راقيةً قادرةً على التكيف مع واقع الإنسان المتغير وتوجيهه وصيانته والنهوض به في شتى مجالات الحياة. أما عن بحوث هذا العدد فهي على النحو الآتي: البحث الأول: أثر القواعد الفقهية في استنباط الأحكام الفقهية للنوازل الطبية المعاصرة وقد تناول هذا البحث مفهوم "القواعد الفقهية"، ونشأتها، وفوائدها، والتعريف بالنوازل الطبية المعاصرة، ونماذج منها، وبيان التدابير اللازمة للوقاية من الأوبئة؛ كالحجر الصحي، ومنع التجمعات والفاعليات الجماعية، والتعرف على الآداب الإسلامية للوقاية من الأوبئة. وقد فصل الباحث القول عن أثر القواعد الفقهية في استنباط الأحكام الفقهية للنوازل الطبية المعاصرة، تطبيقًا على أحدث وأخر الأوبئة (وباء كورونا المستجد). ومن بين أهم هذه القواعد التي اعتمد عليها في التكييف الشرعي السليم لهذه النازلة: "المشقة تجلب التيسير"، و "الضرورات تبيح المحظورات"، و "الضرورة تقدر بقدرها"، و "لا ضرر ولا ضرار"، و "تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة". وقد انتهى الباحث إلى عدد من النتائج والتوصيات التي تؤكد ضرورة العناية بالقواعد الفقهية في التعاطي السليم مع المستجدات الفقهية والنوازل المجتمعية. البحث الثاني: التخصيص بعمل أهل المدينة عند الأصوليين وأثره في الفروع الفقهية وقد ناقش الباحث معنى التخصيص وحكمه، وبيان أنواع المخصصات، ثم تحدث عن عمل أهل المدينة وأنواعه ومدى وحجيته، ثم تحدث عن مسألة التخصيص بعمل أهل المدينة، ورصد أقوال العلماء فيها وأدلتهم ومناقشتها وترجيح المناسب منها، وقد حرص الباحث على ذكر بعض النماذج التطبيقية التي تؤكد صحة ما ذكره من أقوال وترجيح، وذلك مثل: تحية المسجد لمن دخل يوم الجمعة والإمام يخطب، والاستعاذة قبل الفاتحة في الصلاة، وقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة، وغيرها من النماذج والقضايا. وقد انتهى الباحث إلى عدد من النتائج والتوصيات يمكن أن يفيد منها الباحثون والدارسون في القضايا الفقهية والأصولية المتنوعة. البحث الثالث: تفكيك الإرهاب الأكاديمي، ردا على ما ورد في الفصل الخامس والعشرين من مرجع بالجريف للدين والدولة: "ترتيب الدين في مصر: اصطفافات جديدة بين الدولة المصرية والأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية" لراشيل سكوت، دراسة تحليلية نقدية. ويعد هذا البحث دراسة نوعية وجديدة لنوع جديد من الإرهاب يمكن أن يسمى: بـ"الإرهاب الأكاديمي"، وهو ما يقوم به بعض الأكاديميون والمتخصصون من تضليل وتزييف للحقائق، وتشويه للمنهج الوسطي المعتدل، وتحريض على ممارسة العنف والإرهاب، ضد المؤسسات الدينية والمجتمعية، وذلك من خلال بحوثهم وتحليلاتهم الأيدولوجية المتطرفة، والتي تقف خلفها جهات ومنظمات تسعى لنشر الفوضى وتأجيج روح الكراهية بين أفراد المجتمع، وتعزيز الطائفية والعنصرية بين شركاء الوطن، في الوقت الذي نكرس فيه جهودنا المؤسسية والفردية في نشر ثقافة التسامح والتعايش بين الناس جميعًا. وقد انتهى الباحث إلى نتائج وتوصيات مهمة تتضمن ضرورة التماسك الاجتماعي، والاصطفاف خلف القيادات السياسية والدينية بما يرسخ مبادئ السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي، ويعزز القدرات الوطنية المتنوعة نحو مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وفي النهاية لا يفوتني أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير للسادة الباحثين المشاركين ببحوثهم العلمية في هذه المجلة، وكذلك القائمين على إدارتها وإخراجها بالشكل اللائق بها، ونسأل الله لنا ولهم دوام التوفيق والسداد. والحمد لله رب العالمين أ. د / نظير محمد محمد عياد مفتي جمهورية مصر العربية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الافتاء في العالم | ||
|
Statistics Article View: 3 PDF Download: 1 |
||