کلمة العدد

الحمد لله حمدًا کثیرًا طیبًا مبارکًا فیه, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمین, سیدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى یوم الدین وبعد,,,

فإن مقومات رسالة الإسلام الخالدة إلى یوم القیامة, القائمة على الخلود والخاتمیة تتطلب المنهج الرصین والحکیم والنابع من منطق العقل, والحکمة, والاعتدال, والسماحة والتوازن, ومیایرة الفطرة الإنسانیة, والواقع المعیشی, ومراعاة اختلاف الأمزجة والمیول والرغائب, وإقرار الأمن والسلام, والحرص على تطبیق العدل والمساواة والحریة, وصون الکرامة الإنسانیة, وکا ما من شأنه الحفاظ على حقوق الإنسان, والإشادة بالبناء العقدی الراسخ والبعد عن کل عوامل الهدم والضعف والأساطیر والخرافات.

والواقع أن الوصول إلى تحقیق هذه الغایات السامیة یتطلب إدراک مفاهیم الإسلام فی علاقته مع الأفراد والشعوب والأمم والدول على حد سواء, حتى لا تهتز الثقة بشریعة الوحی الإلهی المتمثلة فی القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة, حیث یلمس کل إنسان أن المصلحة الحقیقیة والتماس النجاح والنجاة, والاطمئنان والراحة النفسیة تتجسد کلها فی الخطاب الإلهی التشریعی العقدی والتعبدی والتعاملی والأخلاقی والسلوکی والاقتصادی والإنسانی, والفقه الحضاری القویم القائم على التجرد والموضوعیة, والاستقرار والشمول, والواقعیة المنسجمة مع المُثل العلیا القائمة على الخیر والإحسان, والتضحیة والإیثار, والأخوة الإنسانیة, والاعتقاد الحق, وترسیخ معالم المدنیة والتحضر, وتوفیر الشعور بالطمأنینة والإحساس بالسعادة الغامرة فی عالم الدنیا والآخرة, ولا سیما فی عصرنا الحاضر, حیث یتعرض الإسلام وأهله لتحدیات خطیرة, واتهامات مغرضة, وافتراءات وأباطیل فی مظلة ما سموه مکافحة الإرهاب والعنف والتطرف, والإسلام منه براء.

وتأتی مجلة دار الإفتاء المصریة التی یسعدنی أن أقدم لها فی هذا العدد فی مقدمة المنارات الفکریة التی تقدم الکلمة الصادقة المکتوبة التی تحوی فکرًا ثقافیًّا لعلماء أجلاء من کل حدب وصوب, والحقیقة أنه حین طالعت ما یحویه هذا العدد (29) من هذه المجلة ازدادت سعادتی لما یضمه من أبحاث رصینة حول الطبع البشری ومدى اعتباره فی التکلیف, دراسة تطبیقیة أصولیة, کما یقدم بحثًا حول مشکلات الاستخدامات الطبیة للأجنة المشوهة من منظور الفقه الإسلامی والقانون الوضعی, فضلاً عن بحث یتناول تنازع الزوجة مع ورثة زوجها فی استحقاقها فی المیراث, کدراسة فقهیة مقارنة, ومن عناوین تلک الأبحاث یتضح لنا ما لها من أهمیة من الناحیة الدینیة والثقافیة التی تُفید القارئ وتوضح له ما خفى علیه فی تلک الجوانب التی قد تکون خافیة على کثیرین ممن یقرؤون وممن لا یقرؤون.

وإذ أُقدم لهذا العدد, فإننی أتمنى من عمق نفسی ومن صمیم وجدانی کل التوفیق والسداد للقائمین على هذه المجلة, داعیًا الله تبارک وتعالى بمزید من التقدم والرقی لهذه المنارة الفکریة والتوعویة والثقافیة التی تقدم فکرًا رصینًا.

والله ولی التوفیق,,,