الاستفادة من الفن الشعبي وتوليف الخامات المختلفة في انتاج مشغولات نسجية معاصرة " مدخل تجربي "

المقدمة:

منذ بداية القرن العشرين وحتي وقتنا الحالي تزايدت وتعددت الاتجاهات الفنية بصورة تفوق ما جاء في مسارات الفنون من العصور السابقة فهي تعطينا ( تجارب حديثة ) في التحرر من الخامات التقليدية والاستجابة لخامات جديدة^([1]).

وبمتابعة تطور المشغولات النسجية في الآونة الاخيرة نجد انها تطورت تطورا ملحوظا في الشکل والمضمون فبدأت تخرج من اطارها التقليدي الي اشکال جديدة ومستحدثة ومن مظاهر هذا التطور ثورة " فناني النسجيات اليدوية " للتحرر من سيطرة الخامات التقليدية المعروفة بطرق اضافية جديدة واتجاههم المتزايد نحو البحث والتجريب . فرغبة فنان النسجيات اليدوية في البحث عن افاق جديدة للتعبير عن افکاره ورؤياه الفنية دفعته الي تناول خامات عديدة بالتجريب والتوليف .

ومن هنا اتجهت الباحثة إلي إيجاد مدخل لإثراء المشغولة النسجية من خلال توليف واضافة بعض الخامات بها، فهو يعد أسلوبا لزخرفـة المشغولة النسجية والتي يتم عن طريـقها استغلال التراکـيب النسجية المتنوعة وجماليات الخيوط من حيث لونها وسمکها ونوعها ، لتحقيق قيم فنية عالية من خلال تعـاشـقـها وما تحقـقه من ملامس مختـلفة ومتنوعة بإضافة خامات وخيوط مختلفة .

حيث يـعد التوليف بالخيوط أحد العنـاصر الجمالية التي تميز الأعمال الفنية النسجية حيث يبرز إمکانيات عناصر التشکيل النسجي بما يؤدي إلي دمج العناصر الجمالية للخيوط لإحداث نوع من الترابط في القطعة المنسوجة مع الخامات والخيوط المضافة (من قبل الباحثة مع عينة التجربة) من خلال الاستفادة من الخامات المختلفة والخيوط وجماليات الرموز الشعبية المستخدمة کمصدر من مصادر وسائل التشکيل الفني لما تمتاز به من إمکانيات تشکيلية وقيم جمالية مظهرية لکل مشغولة نسجية .

 مؤکدة علي "أهمية التراث الشعبي لما به من حلول ابتکارية وأساليب أداء متعددة تظهر ملامحه الواضحة علي ما ينتجه الفنان النساج من مشغولات نسجية تتميز بالأصالة في التفکير، ومرتبطة بعادات وتقاليد وعناصر ثقافيه متوارثه."[2]، تستمد خصائصه وأساليبه الفنية المتنوعة من بيئته وخاماته الطبيعية ، التي تعکس عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا الفني والحرفي ، والتي بدأت تأخذ طريقها الي الانحسار او الاندثار، أي أن هويتنا وشخصيتنا المصرية بدأت أيضاً تأخذ هذا الطريق. لقد کانت الحرف النسجية اليدوية الي وقت ليس ببعيد مصدر رزق للعديد من الطوائف بمصر.

فالمشغولة النسجية هي مدرک بصري يعکس أحاسيس الفنان وأفکاره ومشاعره ويخاطبها في المتلقي ويسعي بکل ما لديه من إمکانيات ومهارات مستخدما الخيوط المتنوعة والتراکيب النسجية المختلفة التي بين يديه بما تحمله من خصائص شکلية وسمات تشکيلية.

المشکلة :

حاولت الباحثة الاستفادة من الامکانات التشکيلية للخيوط والخامات المتنوعة في مجال تدريس مقرر النسيج اليدوي لطلاب الفرقة الرابعة بقسم التربية الفنية لإيجاد مدخل لإثراء المعلقة النسجية المستوحاة من الفن الشعبي بتوليف بعض الخامات بأسلوب الاضافة کاستحداث صياغات فنية جديدة وادخال الجانب الإبداعي وايجاد الفرادة والتميز للمعلقة النسجية للابتعاد عن النمطية التعبيرية .

لذا حاولت الباحثة تلخيص مشکلة البحث في التساؤل التالي :

• ما امکانية الاستفادة من توليف الخامات البيئية في إنتاج معلقة نسجية مستوحاة من الفن الشعبي بإسلوب الاضافة لإثراء سطح المنسوج ؟

أهداف البحث:

يهدف البحث إلي...

1. فتح أفاق جديدة للإبداع الفني في انتاج مشغولة نسجية ( معلقة ) مستوحاة من الفن الشعبي لتحقيق القيم الجمالية والنفعية .
2. إثراء المشغولة النسجية ( معلقة ) جمالياً من خلال التوليف بين الخيوط والخامات المتنوعة بما يعطيها أبعاد تشکيلية جديدة .

فروض البحث:

تفترض الباحثة أنه...

1. هناک علاقة إيجابية بين توليف الخيوط والخامات المتنوعة في المشغولة النسجية ( معلقة ) وإثراء الجانب الجمالي لها.
2. هناک علاقة ايجابية بين رموز الفن الشعبي وجماليات التراکيب النسجية للمشغولة النسجية .

حدود البحث :

يقتصر البحث علي : -

1. استخدام بعض رموز الفن الشعبي .
2. استخدام اکثر من ترکيب نسجي في المعلقة الواحدة ( الوبرة المعقودة – التابستري – انواع من المبرد – النسيج السادة 1/1 ) .
3. استخدام خيوط وخامات متنوعة طبيعية وصناعية بأسلوب الاضافة ( معدنية – جلود – خيوط واقمشة – احجار – اکسسوارات زجاجية ) .
4. يقتصر البحث علي طلاب الفرقة الرابعة ( عينة البحث ) قسم التربية الفنية بکلية التربية النوعية جامعة المنصورة .

أهميه البحث :

وترجع أهمية هذا البحث إلي :

1. إکساب مهارات التوليف بالخيوط والخامات والاستفادة منها في انتاج معلقات نسجية حديثة.

2. تعتبر هذه الدراسة مدخلا تدريسيا لطلاب شعبة التربية الفنية نظرا لأهمية التوليف بالخيوط والخامات في دراسة مقرر النسجيات للفرقة الرابعة 0

1. تعريف الطلاب بسمات الفن الشعبي والاستفادة منه في تحقيق مشغولة نسجية معاصرة .

مصطلحات البحث : -

• التوليف : Blends

توالف أو مؤلفة وألف الشيئين أي يأتلف إحداهما بالآخر [3].

وصل الشيء بعضه ببعض ، تنظيمه ، تجميعه[4]. تستخدم کلمة توليف بمعني التوفيق بين أکثر من خامة في العمل الفني الواحد 0 بحيث تثري الخامات المجتمعة في العمل الفني ذاته .

• خامة : Material

هي عنصر إلهام وتوجيه للفنان ، فتوافر خامة معينه أمام الفنان بشکل ميسر ومتاح في متناول يديه توفقه إلي الإبداع والابتکار فلکـل خامة سطوتها المباشرة علي فکر الفنان وعلي موضوعاتـه أثـناء تشکيله للعمل الفني [5].

• توليف الخامات : Material - Blending

طريقة لعمل منتج باستخدام خامات مختلفة وهذه الطريقة تطبق عادة علي الأشکال التجريبية .

استغلال خامات مختلفة تحمل بداخلها قيم تشکيلية وفنية ومحاولة توظيفها علي السطح أو التکوين بصورة تعبر عن وحدة التکوين[6] .

يطلق علي الأعمال التي تم صياغتها باستخدام العديد من الخيوط والخامات المختلفة ويحتاج إلي حساسية وخبرة خاصة من حيث أساليب وطرق التشکيل والصنعة حتي يمکن السيطرة علي أجزاء العمل الفني وإکسابه طابع الوحدة[7] .

منهج البحث :

يتبع البحث المنهج الوصفي التجريبي .

اولا : الاطار النظري

الفن الشعبي :

يعرفه قاموس "إکسفورد Oxford "[8] بأنه اصطلاح يصف الأشياء والزخارف التي صنعت يدويًا، إما للاستعمال اليومي والزينة أو لأجل مناسبات خاصة مثل حفلات القرآن، والجنازات ويتأثر الفن الشعبي بأنماط الجماعة ومدي تزوقهم له حيث يتوارثه جيل بعد جيل مصاغه جماليًا من خلال الرموز والأشکال والفن الشعبي فهو اللغة الرمزية التي تؤول رموزها لتدل وتشير إلي حقائق أيديولوجية أو عقائدية أو سحريه ترتبط بالعادات والتقاليد.

ويعرفه " عبد الغني النبوي الشال و أحمد رشدي صالح علي أنه "^[9] ذلک الانتاج المتعدد الجوانب والمتنوع في خاماته وأساليبه ومظاهره شعرًا کان أم أدبًا أم غناء أم رقصًا أم تصويرًا أم کان فنًا تطبيقيًا نفعيًا يرتبط بالحياة وحاجاتها وهو الحصيلة الفنية بين حياة الإنسان وعمله وبين الطبيعة ولم يکن فنًا نشأ من فراغ ومن لهو .

وتعرفه الباحثة بأنه تلک العناصر الشعبية المميزة التي يتناولها الفنان الشعبي في بناء العمل الفني المرتبط والمعبر عن الوسط أو المجال المکاني الذي يعيش فيه وله خصائصه ودلالاته الذاتية ليوظفها في صياغات متعددة ويرتبط بمفهومها من حيث المظهر المرئي (بسيطة أو مرکبة هندسية أو عضوية أو مجرد) .

لذا يعد الفن الشعبي في واقعه ضرورة من ضرورات النشاط الحيوي للإنسان داخل مجتمعه ، لکونه دورًا هامًا ومؤثرًا في معالم وسمات الأعمال الفنية المعاصرة . حيث تلعب الخامات دورًا فعالا في إنجاز الأعمال الفنية الشعبية التشکيلية باعتبارها لها واقعها و تقديرها في علاقتها بغيرها من المفردات الأخري التي تتقن صياغتها الشکلية والتعبيرية وتحديد مدي فعاليتها الجمالية المؤثرة ومدي الجاذبية الرفيعة والتي تختلف من خامة إلي أخري .

" والفن الشعبي حمل کثيرًا من الأفکار والمعتقدات الصادقة في التعبير عن هذا الواقع الثقافي فهو يعتبر مصدر تأثير مهم علي الفنون التشکيلية، فقد يؤثر علي الفنان المصري بعض المفردات المستخدمة في حياتنا اليومية مثل المفردات التي تعطي وحيًا للفنان فيجعلها عنصرًا من عناصر تکوين العمل الفني "^[10].

کما يتميز الفن الشعبي بمجموعة مختارة من المفردات الشعبية النابعة من صميم الحياة الشعبية التي يعيش فيها يومًا بيوم يتأثر بها ويؤثر فيها. لذلک تجسدت فيها کل المفاهيم الاجتماعية والثقافية والشعبية المحيطة به.

" فالمفردات الشعبية نابعة من أصل بيئة الفنان ، کما أن الفکر الشعبي السائد في المجتمع والظروف المحيطة بالفنان هي التي تشکل انتاجه الفني الذي يقوم علي علاقة الفنان بما حوله من مفردات ورموز قديمة ينشأ عليها ويعتقد فيها ولکل مفردة عند الفنان الشعبي تحمل معني مفصلا بحياته وتقاليده ومعتقداته ، فالسمک يرمز لوفرة النسل والکف رمز الحسد والأسد رمز للشجاعة والقوة والحمام رمز للوداعة والسلام والسفينة رمز للسفر والنبات والنخيل رمز يدل علي الإخصاب أما السيف فهو يرمز للبطولة والانتساب إلي الملک وجميع هذه المفردات لها دلالات وجذور عميقة في حياة المجتمع الشعبي "^[11].

معني التوليف ومفهومه :

في البحث عن المعني الأصلي اللغوي لکلمة التوليف ، وجد في معجم المصطلحات الفنية " أن التوليف يعني اتحاد مجموعة مؤتلفة "[12].

في معجم المورد بمعني "يطعم" أو "يرصع" بطريقة الزخرفة أو الحفر ، وکلمة تطعيم بمعني ترصيع ، وأيضا کلمة "ملصقة" أي الرسم التجريدي المؤلف من قصاصات ، وأطلق عليه الفن التلصيقي[13] .

وتسمي هذه الکلمة في المنجد في اللغة والأدب والفنون فان التوليف هو توالف أو مؤلفة ووالف الشيئين أي ائتلفا أحدهما للآخر[14] .

أما " دائرة معارف الفنون "[15] تستخدم کلمة توليف بشکل أکثر تصميما علي أساس استغلال خامات مختلفة ونفايات من وجهة نظر القيمة التشکيلية ، أو الملمس أو القيمة الفنية للشکل بينما خامات التوليف تستخدم مبدئيا لقيمتها التمثيلية أي علي اعتبار أنها أشکال تشير إلي معان ، وتستدعي قيما ترابطية تهدف في النهاية لثراء العمل الفني .

کما استخدم "نبيل السيد الحسيني"[16] هذا المصطلح بمعني التوفيق بين أکثر من خامة في العمل الفني الواحد بحيث تثري الخامات المجتمعة العمل الفني ذاته.

وقد ذکرت "ثريا عبد الرسول"[17] معني التوليف بأنه الاستفادة من جميع الطرق المستعملة في تنفيذ عمل فني جديد بأشکال مبتکرة مع استعمال بعض الخامات المساعدة لتلک الخامة لتزيد من جمال العمل الفني ، وتعطيه رونقا جديدا متميزا .

ومن هذه المعاني يتضح أن کلمة توليف ليست جديدة وإنما هي مصطلح يستخدم لإيجاد تکوين مبتکر يستثير المشاهد نتيجة الإيحاءات التي ينجح التوليف عادة في إثارتها من خلال قيم فنية متعددة حسب طبيعة المنتج الفني القائم علي التوليف[18].

أنواع التوليف :

يذکر " مصطفي عبد العزيز "[19] أن هناک ثلاثة أنواع رئيسية هي :

- النوع الأول :

توليف أساسه (إيقاعي) وهو الذي يعتمد علي الإيقاع الشاعري الذي يوحي بطريقة التوليف بمعاني غير محدودة وقابلة للتفسير من المشاهدين باختلاف رؤاهم ومزاجهم .

- النوع الثاني :

توليف أساسه (فکري أو ذهني) يعبر عن فکرة معينة مسبقة .

مثال ذلک "صورة ( الجيرنيکا ) التي تعبر عن رفض الغرب ، وسخط الفنان بيکاسو علي ما أصاب مدينة الجرنيکا الإسبانية من دمار".

- النوع الثالث :

توليف أساسه ( التوازي والتجاور) ويعتمد علي المقارنة بين شيئين أو أکثر لموضوعين متجاورين بسبب المقارنة أو التناقض أو التشابه کما انه عملية ذهنية وشعورية معا، فکلما کان الفنان قادرا علي استيعاب المواد الأولية من ناحية الملمس واللون وقوة الإيحاء ورؤيته لها من زاوية جديدة کان فنانا قادرا علي "التوليف" لهذه الخامات والحصول منها علي قيمة تشکيلية وتأثير جمالي .

مفهوم التوليف وأثره علي المشغولة النسجية ومدلولاته في ضوء الفن المعاصر :

لقد شغلت ظاهرة التوليف فکر الفنان منذ القدم ، فهي صورة من صور التفکير في کيفية الاندماج والصياغة ، وإيجاد العلاقات بين الشکل المادي والمضمون التعبيري لمکونات بنية العمل الفني التشکيلي .

وکان لفلسفات کل عصر أثره علي تلک الظاهرة بما يغير من شکل العمل ، والمضمون الذي يسعي إليه ، للتوافق بين أکثر من خامة تجتمع في العمل الفني الواحد ، فهو إذن حصيلة تفاعل الخيوط والخامات المتعددة ذات المصادر المختلفة بحيث تتوازن الجوانب العملية (الوظيفية) والقيم الجمالية داخل إطار الإمکانيات والحدود الطبيعية لتلک الخامات سواء کانت تشکيلية أو تقنية .

للتوليف قيمة بالنسبة للعمل الفني ولکنه يجعل المبدع حريصاً علي مراعاة خصائص وسائطه المادية ، فالفنان المبدع يميل إلي الوثوق والاعتماد علي بديهيته الفنية ، من أجل الانتقاء التمهيدي لمادته الخام وتقديرها حق قدرها ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخري فإن تعدد الخامات في العمل الفني الواحد يثري العمل من حيث أنه يمد الفنان بمتغيرات شکلية وتعبيرية تحفز من قدراته الإبداعية وتزيد من عمل تصوره وسعة مخيلته .

توليف الخامات المختلفة في تحقيق القيم الملمسية في المشغولة النسجية من خلال :

-   الخامةودورهافيعمليةالتوليففيالمشغولةالنسجية :

" الخامة کمفهوم لغوي تعني ( المادة الأولية Raw material ) أي الخامة التي لم تجر عليها عمليات التشکيل والتشغيل بمعني إنها المادة قبل أن تعالج"[20] . وبما أن الخامة يمکن أن تستخدم في صياغة وتشکيل العمل الفني ومنها ما هو طبيعي ومنها ما هو صناعي ، يمکن من خلال تلک الخامات أن يحدث التوليف ، حيث أن التوليف يتم من خلال اندماج خامة مع خامة أخري أو أکثر من خامتين في العمل الفني التشکيلي في وحدة فنية ، علي أن يتحقق التآلف والترابط بين عناصر العمل الفني بحيث يتحقق الجانبان الفني والوظيفي في آن واحد فالمادة أو الخامة هي الوسيط التي يتجسد فيها المضمون ، وما ينطوي عليه من تعبير انفعالي ودلالة معنوية أو فکرية [21].

فهناک ارتباط بين مکونات العمل الفني من خامة وشکل ومضمون يعتمد کل منهما علي الآخر، والمضمون التعبيري لأي عمل لا يکون علي ما هو عليه إلا بسبب العناصر المادية والتنظيم الشکلي"[22].

فالفنان الحديث يستخدم المواد والخامات المختلفة ذات المواصفات الخاصة ، ليعبر بها عن أفکاره وبصفة خاصة لإعطاء ملمس جديد علي فنه .

-   التقنيةودورهافيعمليةالتوليففيالمشغولةالنسجية :

يعرف لفظ التقنية کمصطلح لغوي بأنه "مجموع العمليات التي يمر بها أي عمل فني أو صناعي حتي يصبح منتجا قائما"[23].

کما تعني التقنية عند "مونرو"[24] أنها مکونة من جانبين :

الأول هو مجموع العمليات والمهارات التي يمر بها الفرد والمشتغل للوصول إلي منتج قائم محدد المعالم .

الثاني فهو المعرفة أو النظرية أو العلم الذي ينمو ويتطور بصدد المهارات .

ولقد عبر علماء الجمال عن التقنية بأنها "جسم العمل الفني وروحه"[25].

فمن خلال التقنية والخامة المضافة تتحول المشغولة النسجية إلي عملا فنيا به الکثير من القيم والتعبيرات التشکيلية ، کما تعتبر تقنيات النسيج المختلفة إحدي المکونات المؤثرة في تصميم العمل الفني فلابد أن ترتبط بالعملية التصميمية من حيث دقة التشکيل أو التنظيمات أو العلاقات ، کما أن لکل أسلوب نتائج مظهرية تتباين في مظاهر السطح ، والتي لها دورها المؤثر في هيئة العمل الفني ، کذلک يساعد تحديد الأساليب التقنية علي تصور الملامح النهائية للشکل ، کما أن للأدوات المستخدمة آثارها التي تعتبر کبصمات تحقق تنوع في الصفات المرئية للمشغولة النسجية .

ومن خلال الممارسة والتطبيق للتقنيات والخيوط والخامات المتنوعة کان لها الأثر الواضح في تحديد ملامح الفکرة التشکيلية لتلک النوعية لأساليب التقنيات حيث يکون لکل منهما الاثر في إظهار القيم الجمالية في الشکل العام للمشغولة النسجية ، فالتعامل مع الخيوط والخامات المضافة لإخراج المشغولات النسجية المنفذة (الاعمال التطبيقية للبحث ) وذلک من خلال امکانية الاستفادة من الامکانات التشکيلية لإظهار جماليات سطح المعلقة النسجية بأسلوب الاضافة .

المعلقة النسجية من الناحية الفنية :

- ماهية المعلق :

 کلمة "معلق" کلمة شاملة يمکن أن تتسع لتضم کل ما يمکن تعليقه مادياً کان أو معنوياً ، وللتحديد اللفظي لابد من محاولة الوصول إلي أصل الاصطلاح والوقوف علي ما يمکن أن يطلق عليه بدايته ، يظهر نموذجاً واضحاً يعرفه العامة من المثقفون وهو "معلقات الکعبة " أو "المعلقات السبع" أو "المعلقات"[26].

 ـ ويعتبر المعلق الفني کأي عمل فني لابد وأن يتصف بالشمول والتکامل ، حيث يعتمد في تکوينه علي ملامس السطوح المختلفة وعلي الإيقاع الذي ينتج من التناسق بين مختلف العناصر التي تتفاعل مع بعضها البعض لتکون في النهاية العمل الفني للمعلق الحائطي ، ويعني المعلق "Hanging" في الإنجليزية " ستارة أو سجادة تعلق علي الحائط ، وتطلق علي کل ما هو معلق أو متدلي من أعلي إلي أسفل "[27].

 ومن الممکن القول بأن المعلق هو " تلک الهيئة الفنية التي يمکن تعليقها ، سواء ارتبطت بغرض وظيفي أو کانت غاية في ذاتها ، ولهذا يمکن أن تکون الستائر ، والضفائر المستعارة للشعر ، والبراقع ، والتمائم ، وبعض القلائد ، والرايات ، والبيارق بمنزلة معلقات حقيقية "[28] .

 وتعتبر المعلقات نمط فني مرکب يشمل الکيان المنسوج والعناصر الفنية المشکلة من خلاله أو عليه ، کالأنماط التکوينية والأساليب التصميمية المتبعة في إخراج التصميم ، مع الطريقة المتبعة في التنفيذ کذلک الأسلوب التقني وأخيرا أسلوب التوظيف[29] .

وتعتبر المعلقة النسجية إحدي أشکال التعبير في مجال فن النسيج ، والتي تعد أحد مجالات ممارسة الفن التشکيلي ، فهي صورة للتعبير بالخيوط والخامات التي تتضمن إتاحة الفرصة للتوليف بين أکثر من خامة ، لکل منها خصائص وتقنيات وإمکانات تشکيلية خاصة .

والابتکار في المعلقة النسجية عبارة عن استحداث إنتاج جوهري لأعمال مکتملة التکوين مبنية علي مفردات الفن الشعبي ، تعتمد علي قدرة المصمم علي صياغة ثقافته وقدراته التخيلية ومهارته في عمل تصميمي مبتکر يؤدي إلي تحقيق الغرض أو الوظيفة التي وضع من أجلها ، وذلک من حيث الترابط والتنظيم الجديد للأفکار في صياغات جديدة بعلاقات وتنظيمات مبتکرة ، تعبر عن إحساس وشعور الفرد نفسه أي ترتيب الأفکار بصورة جديدة وليس مجرد تجميع معلومات .

فالمعلقات النسجية بصفة خاصة في الفنون التشکيلية تقتضي نوعيات من التصميمات قد يغلب عليها الجانب الفني الخالص ، فيفضل فيها المساحات والتأثيرات اللونية المتنوعة والخطوط الدقيقة والأشکال المتفاوتة والمختلفة في المساحات وذلک طبقا للغرض المصمم من أجله المعلق حيث تحمل المعلقة المبتکرة حس الإنسان ومشاعره وتعکس خبراته وتفکيره وانفعالاته[30] .

 ومما سبق يتضح للباحثة أن المعلقات النسجية "کمشغولات فنية" ذات قيمة فنية عالية تنتج بغرض استکمال العمارة الداخلية لأغراضها الوظيفية مما يستلزم أن يکون لتصميماتها طابعاً مميزاً له اعتباره بما يحقق فکرتها الموضوعية من خلال أسلوب تنفيذها، کما أن مفهوم التصميم في المعلق الفني يرتبط بمفهوم التصميم لأي عمل تصميمي آخر من حيث المعايير العامة ، ويعني ذلک أنها عملية ترتبط ارتباطا وثيقا بالعقل والقدرة علي الإحساس والإدراک والتخيل والتعبير والتنفيذ .

وتري الباحثة أن المعلقة النسجية تتميز بوظيفتين أساسيتين :

1. أن تکون المشغولة النسجية (المعلقة) شکلاً جمالياً في حد ذاتها وهي في هذه الحالة تقبل المرونة في التصميم والتنفيذ والتغيير علي ذلک تمنح الفنان قدر أکبر من الحرية قبل وأثناء تشکيلها .

2. أن تکون المشغولة النسجية (المعلقة) لها وظيفة عملية ، وهنا يجب أن يحتوي التصميم المسبق علي کل التفاصيل النهائية للشکل ليساعد المصمم علي تنفيذ الفکرة الوظيفية إلي حد کبير .

 وعلي ذلک فنحن بصدد التعرض لمجال الفنون التشکيلية بصفة عامة ، والمعلقة کشکل من أشکال المشغولة النسجية بصفة خاصة في ضوء الاتجاهات الفنية الحديثة وما تحملها من مضامين فلسفية وفکرية وإمکانات فنية وتقنية .

مفهوم المعلقة النسجية کشکل فني معاصر :

 مع بداية القرن الحالي بدأت أشکال الفن تخرج من إطار التقليدية ، وتنطلق في تشکيلات جديدة مستحدثة تحاول الخروج عن الشکل المعتاد لإطار اللوحة أو التمثال ، کما کان لظهور الخامات الغير تقليدية المستخدمة في مجال الفن التشکيلي أثره في ظهور تلک الهيئات الجديدة وتعددت معارض هذه النوعية من الفنون . " فعلي الصعيد العالمي بذل الکثير من الفنانين مجهودات کبيرة في ميدان الفن التشکيلي ، ممن عملوا من خلال خامات تقليدية مع التجديد في الفکر .

 وبدراسة الحصاد الإنساني في هذا المجال يتضح أن تصميمات المعلقات النسجية کانت دائماً مرآة عصرها فهي تعبر عن العصر وحضارته واتجاهاته الفنية وتسرد أحياناً وقائع من أحداثه .

فهي لا تختلف من حيث أغراضها الفنية عن أعمال التصوير الحائطي إلا أنها أکثر صعوبة ودقة لما تتطلبه من مهارة وجهد وما تستنفذه من زمن لتنفيذها وما تفرضه طبيعة استخدام خامات خيوط الصوف المنسوجة يدويا بأسلوب النسيج السادة 1/1 والتابستري و الوبرة المعقودة والمبرد مع اضافة خامات متنوعة (طبيعية ومصنعة) بأسلوب التوليف لتکون معلق نسجي رفيع القيمة له وظيفته العملية التي تستتر في کيانها المعنوي شأنها شأن المجالات المختلفة للفنون التشکيلية بصفة عامة ، فقيمتها المادية والأدبية تنبع مما تتضمنه من قيم تعبيرية ، فهي دائماً الغاية الحقيقية المستهدفة مما يتم من أعمال ابتکارية وتنفيذية متعددة .

وتري الباحثة ان هذا البحث يهدف الي امکانية التوليف بين الخيوط والخامات المتنوعة لمفردات الفن الشعبي لإنتاج مشغولات نسجية جمالية ( کمعلقات ).

ثانيا الاطار التطبيقي

تجربة طلابية علي الفرقة الرابعة بقسم التربية الفنية بکلية التربية النوعية وذلک لتحقيق الهدف من البحث علي النحو التالي :

1. قامت الباحثة بتعريف طلاب عينة البحث ببعض تقنيات النسيج اليدوي ( السادة 1/1 – التابستري – المبرد – الوبرة المعقودة ) التي نفذت علي نول ( البرواز الخشبي ) .

1. تم اجراء مناقشات مع الطلاب بهدف التعرف علي مفردات الفن الشعبي لقيامة بعمل تصميمات مستوحاة من تلک المفردات .

3. قامت الباحثة بتدريب الطلاب ( عينة البحث ) علي المهارات اللازمة لإمکانية صياغة وإضافة الخيوط والخامات المتنوعة علي المعلقة النسيجية المنفذة .

4. التأکد من تحقيق التناغم المساحي والتوافق اللوني والظل والنور من خلال الغائر والبارز بواسطة الخيوط لإظهار جماليات التقنيات النسجية والخامات المتنوعة وکيفية اضافتهم فوق المسطح النسجي کصياغات تشکيلية تهدف الي ابراز ملامس السطوح المختلفة .

5. التأکيد علي عنصر الحرکة والمضمون التعبيري بتنفيذ التصميم المستوحي من مفردات الفن الشعبي حسب رؤية کل طالب الخاصة ( عينة التجربة ) ، وما يتناسب من توزيع التقنيات النسجية لتحقيق التنوع الملمسي .

حيث اقتصر دور الباحثة في هذا البحث علي التوجيه والإرشاد بکيفية التعامل مع التراکيب النسجية المتنوعة داخل العمل الفني المنفذ للوقوف علي امکانية توليف الخامات المختلفة وصياغة الخيوط المتنوعة لإنتاج معلقات نسجية حائطية محققة الاحساس بالبعد الثاني من خلال :

     ‌أ-    مدي التنوع الايقاعي العام وتباين المفردات الشعبية المستخدمة .

   ‌ب-  مدي تنوع ملامس السطوح وإظهار التسطيح الشکلي بالعمل الفني .

    ‌ج-   مدي تناسب توزيع التقنيات النسجية المستخدمة في الشکل والأرضية .

    ‌د-   مدي وضوح امکانية الخيوط والخامات المتنوعة في اداء الطالب .

    ‌ه-   مدي تحقيق عنصر التوافق والتناغم والحرکة کقيم جمالية للمعلقة النسجية .

اعمال طلاب العينة التجريبية

نتائج البحث:

باستعراض النتائج التي تم الحصول عليها من تجربة هذا البحث والتي تم عرض نماذج منها ومن خلال تقويم أعمال الطلاب من قبل الباحثة تم التوصل إلي النتائج التالية:

١- أمکن تطويع الخيوط و الخامات المختلفة في تحديد الخط الخارجي للمفردات الشعبية داخل المعلقة النسجية.

٢- من خلال دراسة خواص الخيوط والخامات المختلفة أمکن تحقيق العديد من التقنيات علي سطح المعلقة النسجية متمثلة في:

                ‌أ-    تأثيرات لونية أحدثتها لون الخامة.

               ‌ب-  تأثيرات ملمسيه حقيقية أحدثتها طبيعة الخامة.

  ‌ج- وعي الطالب بالمفردات الشعبية ومدي أهميتها في إبراز الشخصية القومية بعيدًا عن سيطرة الاتجاهات الغربية في إنتاج المعلقة النسجية.

  ‌د- الإمکانات التشکيلية للمفردات الشعبية بواسطة الخامات المستخدمة لتعطي المعلقة النسجية بعض القيم الجمالية التي تميزها عن غيرها.

  ‌ه- أن تنوع الخامات المستخدمة في مجال النسيج هو من أهم الأسس القائم عليها التجريب في العملية التعليمية في مجال الفنون والتربية الفنية.

توصيات البحث:

١- ضرورة الاهتمام بالمفردات الشعبية برؤية عصرية.

٢- ممارسة طلاب التربية الفنية بکلية التربية النوعية للخيوط والخامات المتنوعة في مجال النسيج بإمکانات فنية وتشکيلية متعددة لتثري المعلقة النسجية.

٣- ضرورة العمل السريع علي إنشاء متحف للفن الشعبي في محافظة الدقهلية يضم شتات هذا التراث الذي أوشک علي الاندثار.

٤- يجب تبصير الطلاب بالإمکانات التشکيلية للمفردات الشعبية من خلال عرض مجموعة صور للفن الشعبي ومدي الاستفادة منها في مجال النسيج .