التوزيع الأورکسترالي لإفتتاحية الکونسير عند کل ٍمن هکتور برليوز وديمتري شوستاکوفيتش (دراسة تحليلية مقارنة)

أولاً: مشکلة البحث والدراسات السابقة:-

مقدمة:

إن معرفة العصور الموسيقية المختلفة وما بداخلها من أعلام ومؤلفات وخصائص موسيقية کاللحن والإيقاع والهارموني وأساليب التوزيع الأورکسترالي تعد من أهم الأسس التي يجب على دارسي التربية الموسيقية الإلمام بها وذلک لإلقاء الضوء على شکل الموسيقى في الفترات السابقة وأيضاً فکر وأسلوب المؤلفين في هذه الفترات وذلک للاستفادة منها في مؤلفاتنا المعاصرة.

ولقد مرت الأورکسترا والتوزيع الأورکسترالي بالعديد من التطورات على مر العصور من حيث: (صناعة الآلات – حجم الأورکسترا وترتيب الجلوس -  توزيع الألحان والخلفية المصاحبة) حتى وصلت إلى قمتها على يد العديد من المؤلفين الموسيقيين أبرزهم هکتور برليوز Berlioz Hector (1803 – 1869م) وريتشارد فاجنر  Richard Wagner(1813 – 1883م) في القرن التاسع عشر وايجور سترافنسکي Igor Stravinsky (1882 – 1971م) وديمتري شوستاکوفيتش Dmitri Shostakovich (1906 – 1975م) في القرن العشرين.

 (Laki, 2003, 64), (Rushton, 2003, 92), (Tolanski, 2003, 129).

ويتعرض هذا البحث لأساليب التوزيع الأورکسترالي لإفتتاحية الکونسير کمؤلفة أورکسترالية عند کل ٍ من: هکتور برليوز کممثل للقرن التاسع عشر وديمتري شوستاکوفيتش کممثل للقرن العشرين.

مشکلة البحث:

على الرغم من أهمية إفتتاحية الکونسير کمؤلفة أورکسترالية وکذلک أساليب التوزيع الأورکسترالي بداخلها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين إلا أن مثل هذا النوع من المؤلفات لم يحظ بالدراسة الکافية مما حث الباحث على تناولها بالدراسة والتحليل.

هدف البحث:

إلقاء الضوء على عناصر التوزيع الأورکسترالي لإفتتاحية الکونسير عند کل ٍ من هکتور برليوز في القرن التاسع عشر وديمتري شوستاکوفيتش في القرن العشرين.

أهمية البحث:

إن إلقاء الضوء على عناصر التوزيع الأورکسترالي لإفتتاحية الکونسير عند کل ٍمن هکتور برليوز وديمتري شوستاکوفيتش: يفيد دارسي التربية الموسيقية في التعرف على الأساليب المتنوعة في التوزيع الأورکسترالي لمؤلفة أورکسترالية عند إثنين من أبرز المؤلفين الموسيقيين في مرحلتين مختلفتين من المراحل الموسيقية وکيفية توظيفهما لهذه الأساليب.

سؤال البحث:

ما هي عناصر التوزيع الأورکسترالي لإفتتاحية الکونسير عند کل ٍ من هکتور برليوز وديمتري شوستاکوفيتش؟

منهج البحث:

وصفي (تحليل محتوى).

أدوات البحث:

§    المدونات الموسيقية الأورکسترالية.

§    التسجيلات الصوتية.

عينة البحث:

§    إفتتاحية الکرنفال الروماني مصنف 95 (Roman Carnival Overture op.95) في سلم لا / ک لــ. هکتور برليوز والتي قام بتأليفها عام 1844م.

§    إفتتاحية المهرجان مصنف 96 (Festive Overture op.96) في سلم لا / ک لــ. ديمتري شوستاکوفيتش والتي قام بتأليفها عام 1954م.

مصطلحات البحث:

§    الأورکسترا Orchestra:

عبارة عن تشکيل متنوع لمجموعة من الآلات الموسيقية المختلفة وتنقسم إلى أربع مجموعات وهي: مجموعة الآلات الوترية – مجموعة آلات النفخ الخشبية مجموعة آلات النفخ النحاسية – مجموعة الآلات الإيقاعية.

(Ammer, 2004, 282:285), (Apel, 1979, 604), (Kennedy, 2007, 549).

§    التوزيع الأورکسترالي Orchestration:

فن ومهارة الکتابة للآلات الموسيقية المختلفة بشکل من التوازن فيما بينها، وذلک يتطلب من المؤلف أو الموزع الموسيقي معرفة کبيرة بالخصائص الفنية وتقنيات الأداء لکل آلة بالإضافة إلى مدى قدرته على توظيف هذه الآلات في تصوير أفکاره وأحاسيسه.  

(Ammer, 2004, 286), (Apel, 1979, 607), (Kennedy, 2007, 550).

§    إفتتاحية الکونسير Concert Overture:

مقطوعة موسيقية تأتي في حرکة واحدة إما في صيغة صوناتا أو صيغة حرة کما في القصيد سيمفوني وهي تشبه الإفتتاحية للأوبرا أو الباليه إلا أنها لا تسبق عملاً بعينه، وقد تروي قصة أو تصور صور مختلفة من الحياة أو الخيال دون الاهتمام بإبراز التفاصيل الدقيقة.

(Ammer, 2004, 90), (Apel, 1979, 636), (Kennedy, 2007, 162).

الدراسات والبحوث السابقة المرتبطة بموضوع البحث:-

دراسات تناولت تطور الأورکسترا والتوزيع الأورکسترالي وسمات الموسيقى البروجرامية:

§    دراسة بعنوان: "الأورکسترا والتوزيع الأورکسترالى عند برليوز وليست وفاجنر"⁽¹⁾.

هدفت تلک الدراسة إلى الوصول إلى شکل الأورکسترا وأساليب التوزيع الأورکسترالي عند المؤلفين الثلاثة وأيضاً التجديدات التي قاموا بإدخالها على الأورکسترا، وترتبط تلک الدراسة مع البحث الحالي في التعرف على أعمال برليوز الأورکسترالية وأساليب التوزيع الخاصة بها.

§    دراسة بعنوان: "الموسيقى البروجراميه في مؤلفات رفعت جرانه - دراسة تحليلية"⁽²⁾.

هدفت تلک الدراسة إلى تحديد انتماء الأعمال التي انتقاها رفعت جرانه لمذهب الموسيقى البروجرامية، ومدى توظيف العناصر الموسيقية لخدمة البرنامج، والتعرف على مواصفات القصيد السيمفوني عند رفعت جرانه، وترتبط تلک الدراسة مع البحث الحالي في التعرف على مفهوم الموسيقى البروجرامية والمؤلفين اللذين برعوا في هذا الاتجاه وکذلک أشکال التأليف البروجرامي في هذه الفترة.

دراسات تناولت مؤلفة الإفتتاحية:-

§    دراسة بعنوان: "طبعة نقدية لإفتتاحيات الکونسير لهکتور برليوز مع توضيح الخلفية التاريخية والأدبية"⁽³⁾.

هدفت تلک الدراسة إلى عمل حصر لمجموعة الإفتتاحيات التي قام برليوز بتأليفها في الفترات المختلفة والتي تظهر الناحية الأدبية وکذلک عمل الرؤية النقدية لهذه الإفتتاحيات، وترتبط تلک الدراسة مع البحث الحالي في التعرف على الإفتتاحيات الخاصة بهکتور برليوز.

§    دراسة بعنوان: "ثلاث مدونات للأرغن المنفرد عند کلاً من أرکانجلو کوريللي بعنوان (صوناتا الکنيسة مصنف 3 رقم 3) و جوزيبي فيردي بعنوان (إفتتاحية قوة القدر) وديمتري شوستاکوفيتش بعنوان (إفتتاحية المهرجان مصنف 96)"  ⁽¹⁾.

الهدف من الدراسة:

هدفت تلک الدراسة إلى تناول طرق الأداء الخاصة بالثلاثة أعمال السابق ذکرها والتعليقات عليها ومدى تناسبها مع ذوي المهارات العالية وذوي المهارات المتوسطة، وأيضاً استخدام هذه المقطوعات کمرجع إضافي في خدمة العبادة داخل الکنائس، وترتبط تلک الدراسة مع البحث الحالي في عرض وتحليل إفتتاحية المهرجان لشوستاکوفيتش.  

دراسات تناولت مؤلفات أخرى لـ.هکتور برليوز ولـ.ديمتري شوستاکوفيتش:-

§    دراسة بعنوان:"أسلوب هکتور برليوز الکورالي الثوري من خلال عينة من الأعمال الأورکسترالية الکورالية"⁽²⁾.

الهدف من الدراسة:

هدفت تلک الدراسة إلى التعرف على أسلوب برليوز في عينة من الأعمال الأورکسترالية الکورالية، وترتبط تلک الدراسة مع البحث الحالي في التعرف على کيفية توظيف برليوز لمجموعات الآلات الموسيقية المختلفة عند الأداء مع أقسام الکورال المختلفة.

§    دراسة بعنوان: "البريليود والفوجه عند شوستاکوفيتش - دراسة تحليلية عزفيه"⁽¹⁾.

هدفت تلک الدراسة إلى التعرف على مؤلفة البريليود والفوجه وکيفية التغلب على الصعوبات العزفية لهذه المؤلفة، وترتبط تلک الدراسة مع البحث الحالي في التعرف على حياه المؤلف شوستاکوفيتش.

ثانياً: الإطار النظري:-

الأورکسترا والتوزيع الأورکسترالي في القرن التاسع عشر والقرن العشرين:

§    الأورکسترا والتوزيع الأورکسترالي في القرن التاسع عشر:

التطورات التي حدثت على الآلات الموسيقية:

لقد أدى التطور التکنولوجي خلال القرن التاسع عشر إلى حدوث تغيرات في مجموعة آلات النفخ النحاسية بشکل خاص حيث ظهرت آلات السربنت والأوفيکلايدة والتي أضيفت لتحسين ودعم المنطقة الغليظة لمجموعة آلات النفخ النحاسية والتي جاءت کاستعاضة عن آلة التوبا بأشکالها المختلفة وذلک بدءا من عام 1830م، وأيضا ً إضافة الصمامات لآلتي الترومبيت والهورن والتي أتاحت لها العزف في المناطق المنخفضة والمتوسطة بالإضافة إلى العزف في مفاتيح متعددة،

وقد شارکت الآلات الطبيعية والآلات ذات الصمامات في نفس الأورکسترا في النصف الأول من القرن التاسع عشر في أوبرا رينزي لفاجنر عام 1842م حيث صاحبت اثنين من الترومبيت الطبيعية اثنين من الکورنيت ذات الصمام واثنين من السربنت والأوفيکلايدة، وقد تم إضافة مفتاح جديد في مجموعة آلات النفخ الخشبية والذي مکن العازفين من العزف في أي منطقة صوتية بشکل کبير من الثقة والانسجام، وفي بعض الأحيان تعزف آلات البکيولو – الهورن الانجليزي – الباص کلارينيت – الباصون المزدوج في المناطق القصوى فقط عند الحاجة لعمل مؤثرات خاصة، ومنذ عام 1820م اشتملت الأورکسترا على اثنين من آلات الهارب والتي غالبا ما کان يعزفها السيدات.(Spiitzer, 2004, 539).  حجم الأورکسترا:

بسبب عمل الأورکسترا الواحدة في العديد من الأماکن فمن الصعب إجراء تعميم على حجمها، ولکن هناک بعض الفرق الأورکسترالية التي کانت محددة الحجم في تلک الفترة مثل: أورکسترا المحکمة في دريسدن وأورکسترا الفلهارومونية في لندن وأوبرا باريس وکانت حوالي 60 عازف في عام 1890م، وأورکسترا الوحش في الأحتفال بذکرى هاندل 1784م حوالي 400 عازف، وأورکسترا فيينا احتفالا بذکرى هاندل أيضا فکان عدد الفرقة حوالي300، وأورکسترا برليوز في باريس التي أقامت العديد من الحفلات الموسيقية الضخمة وخاصة في الأوبرا التى عرضت في 1840 م حيث بلغ عددها 450 عازف ومغني ولقد وضع برليوز الشکل المثالي للأورکسترا ليصل العدد
إلى 465 مؤدي.(Spitzer, 2004, 539,540), (Laki, 2003, 120)

ترتيب الجلوس:

خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر تم التخلي عن نظام الصفوف الطويلة المتوازية وکان الجلوس على شکل أزواج في مواجهة المدونة الموسيقية، کما تم استبدال نظام جلوس العازفين حسب أدوارهم إلى نظام الجلوس على شکل أقسام حسب نوع الآلة ووضع نظام لترتيب أقسام الآلات في النصف الاول من القرن فکان مجموعة الوتريات في جنب – النفخ في الجانب الآخر وفيما بعد تم تقسيم الکمان إلى کمان أول وکمان ثاني وآلات النفخ الخشبي مع النفخ النحاسي وتم تفريق آلات الکونترباص حول الأورکسترا أو وضعها خلف الأورکسترا لجعل صوتها مسموعاً لجميع العازفين، وبالنسبة لفرق الأورکسترا الخاصة بالحفلات الموسيقية لم تعرض ترتيب معين وذلک بسبب اختلاف المکان وتقاليد المحلية والتقنيات الصوتية.      

کان جلوس الأورکسترا موضوع في غاية الأهمية للموسيقيين في تلک الفترة ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر نشرت الرسوم البيانية لفرق الأورکسترا المشهورة والتي کانت تظهر قائد الأورکسترا في منتصف الفرقة وفي مواجهة الجمهور وتظهر مجموعة الکمان في مجموعتين وجه لوجه وتوضع مجموعة آلات النفخ على روافع بحيث تکون آلات النفخ الخشبي في المقدمة يليها النفخ النحاسي وعند وجود الکورس يکون مکانهم أمام الأورکسترا.  (Spiitzer, 2004, 540,541).

أهم المؤلفين اللذين أسهموا في مجال التوزيع الأورکسترالي في تلک الفترة:

شوبيرت:

کان لشوبيرت اثنين من السيمفونيات (السيمفونية الناقصة في سلم سي الصغير عام1822م  - السيمفونية العظيمة في سلم دو الکبير عام 1825م) التي لم يکن لها التأثير الواضح في بداية الأمر نتيجة لاختفائهما مؤقتا ولکن أصبحت معروفة ولها تأثير في العديد من المؤلفين اللذين جاءوا من بعده مثل شومان ومندلسون في أواخر عام 1830م، وقد جاء شوبيرت بتطويرات بسيطة وساذجة في نفس الوقت في سيمفونيته الخامسة عام 1816م فحذف آلات الکلارينيت والترومبيت والتيمباني ورکز على تفصيلات خاصة (أسلوب الترعيد في الوتريات – مدخلات آلات الترومبون)، وفي سيمفونيته العظيمة کان هناک تجانس کبير بين الأصوات المختلفة بالإضافة إلى الاندماج الکامل لآلات الترومبون وفي الحرکة البطيئة التي تجسدت في ثنائي الشيللو والأوبوا مع صوت رقيق لآلة الهورن(Kreitner, 2004, 411).

برليوز وفاجنر:

بالنسبة لبرليوز کان عنده حب استطلاع وملاحظة وتحمس إلى الابتکار والتجديد ولذلک کان الأکثر تقدما حيث کان منهجه کان توزيع آلات الأورکسترا بشکل طبيعي مع اهتمامه بالتوسع في اظهار المثل العليا في سيمفونياته المتعددة أو في الأعمال الروائية والدرامية، ومن أهم وأشهر الأعمال لبرليوز السيمفونية الخيالية عام 1830 م وتداخل الآلات لإبراز المعاني المختلفة: فعزف الشيللو معاني القلق وظهر الکونترباص ضربات القلب في البداية – وعزف الهارب في حرکة الفالس –  الحوار بين الهورن الإنجليزي والأوبوا في مشهد الکواليس – تصوير الرعد عن طريق الطبول – تصوير مشهد المحبوبة بالکلارينيت  في الحرکة الرابعة والخامسة – وکتم أصوات الوتريات للتأثيرات المخيفة – واستخدام حلية الجليساندو لإظهار صوت الرياح، أدت هذه الاصالات إلى الکتابة بأسلوب توزيع النغمات بالنسبة لمجموعة الوتريات والتوسع في استخدام آلات النفخ الخشبية مع إضافة البيکولو و الهورن الإنجليزي والکلارينيت مي، وقد کان لبرليوز والأوبرا الفرنسية الأثر الأکبر في فاجنر عندما استخدام الهورن الإنجليزي في أوبرا تريستان وايزولده في مشهدها الثالث، ومن أهم مميزات برليوز في التوزيع زيادة بين المغنيين من الجنسين في أوبرا هارولد في ايطاليا وأوبرا روميو وجولييت بالإضافة إلى الإهتمام بالديکورات والألون الصوتية المختلفة.

کما کان لفاجنر رأى مختلف في تداخلات الآلات الأورکسترالية مع بعضها البعض فتمز بالنسيج البولوفوني القائم على التضاد بين أصوات الوتريات وأصوت الکورس أو باقي الباند، کما کان اختياره لآلات النفخ النحاسية مناسبا ً في درامته الموسيقية خاتم نيبلنج Nibelung's Ringلتوضيح طابع البطولة والفتنة وعلى النقيض ظهرة آلة الباصون المزدوج ومجموعة الوتريات في درامته تريستان في ايزولده Tristan und Isoldeالتي تميزت بالحنين والحزن وإظهار طابع الليل والعاطفة والجدير بالذکر أن اورکسترا فاجنر قد وصل إلى مائة عازف (الشکل الذي ظل قاعدة لکثير من المؤلفين اللذين أتوا من بعده).(Kreitnr, 2004, 411:413).

الرومانتيکين المتأخرين:

بالنسبة للمؤلفين الرومانتيکيين المتأخرين مثل الاتجاهات القومية وأنواع الموسيقي البروجرامية فقد مالت إلى تقديم أورکسترا أکثر شعبية يستخدم آلات الکاستنيت – الصنوج – التمبورين – مؤثرات الجيتار الإلکترونية وأيضا آلات النفخ الخشبية القائمة على مسافات الثالثات المتوازية والتي تهدف إلى اظهار الطابع الريفي المتميز بالبساطة. 

کما سار شتراوس ومالر على نهج فاجنر ولکن بشکل أوسع فالنسبة لمالر فکانت أعمال السيمفونية تتميز بنهايات مقنعة کما هو الحال في صرخات صياح في السيمفونية الخامسة واستخدام الأناشيد التي توضح الطابع الطفولي في السيمفونية الرابعة، وبالنسبة لشتراوس فقد تميزت أعماله من السيمفونيات والقصائد بالتأليف البروجرامي لإيضاح فکرة أو قصة معينة                (Kreitnr, 2004, 413).

§    الأورکسترا والتوزيع الأورکسترالي في القرن العشرين:

التطورات التي حدثت على الآلات الموسيقية:

تم اختراع العديد من الآلات الموسيقية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مثل: آلات الساکسفون – آلات الهورن – آلة الکورنيت – توبا فاجنر والتي تم استبدالها فيما بعد بالآلات الإلکترونية مثل: الثيرمين - أونديس مارتينوت – السينزر -  الجيتار الإلکتروني ذات المؤثرات الخاصة – المسجلات الصوتية – المحولات والمولدات من أجهزة الکمبيوتر، ومن أهم التطورات التي طرأت على الأورکسترا في تلک الفترة  ظهور واتساع مجموعة الآلات الإيقاعية عن بقية الآلات وأيضاً أصبح البيانو مدموجاً مع مجموعة الآلات الإيقاعية بدلا ًمن أداة للألحان کما في الفترات السابقة، والجدير بالذکر أنه تم استخدام آلات لم تکن ذات صلة بالثقافات الأوروبية مثل: Temple Blocks – Gongs – Maraca.

وبسبب تغير شکل وبنية الآلات الموسيقية وأساليب الأداء الخاصة بها في فترة القرن العشرين الشيء الذي جعل الفرق تبدو مختلفة عن ما سبقها ففي نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين زاد طول الرقاب في مجموعة الآلات الوترية کم أصبحت تؤدي مشاعر التوتر في المناطق المرتفعة – تعزيز وزيادة خطوط الباص، وبحلول منتصف القرن العشرين تم استبدال آلات الکمان المصنوعة الطبيعية المصنعة من الأمعاء بالآلات المصنعة من الفولاذ والصلب وکذلک آلات الفيولا والشيللو في وقت لاحق (کل هذه التغييرات أدت إلى زيادة لمعان وتألق مجموعة الوتريات)، وفي الربع الأول من القرن العشرين وحتى عام 1930م  زاد استخدام عازفين الکمان وعازفين آلات النفخ الخشبية لأسلوب الاهتزاز المستمر بداية من عازفين فرنسا وروسيا وأمريکا وتبعهم عازفين إنجلترا وإيطاليا وألمانيا في منتصف القرن، کما تم استبدال أزمنة فاجنر التقليدية في القيادة بنبرات أکثر انتظاما ً من قبل أرترو توسکانيني Arturo Toscanini (1867 – 1957م) والعديد من قائدي الأورکسترا في تلک الفترة، وفي النصف الأول من القرن العشرين تم توثيق أصوات الأورکسترا وأساليب الأداء المستخدمة تسجيلات محفوظة وفي النصف الثاني من القرن نفسه تم التوسع في استخدام الألوان الأورکسرتالية الجديدة من خلال بعض الأساليب مثل: النغمات التوافقية – المايکروتون – أسلوب الاهتزاز – رفرفة اللسان – الجليساندو.                                                  

حجم الأورکسترا وترتيب الجلوس:

فقد أقيم على نهج وأساس الأورکسترا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (Spiitzer, 2004, 543).

أهم المؤلفين اللذين أسهموا في مجال التوزيع الأورکسترالي في تلک الفترة:

أرنولد شوينبرج:

تأثر شونبيرج بتقنيات وأساليب التوزيع الأورکسترالي من قبل فاجنر وديبوسي ومالر ففي بعض أعماله الأورکسترالية مثل بالس وميلاند عام 1903م وجوراليدر عام 1911م کان أسلوب التوزيع الأورکسترالي يوضح طابع المغامرة والطموح، والأهم من ذلک أوضح شوينبرج مفهوم اللحن القائم على ألوان صوتية متعددة في أورکسترا فاربن رقم 3 عام 1909م ففيها اللحن والهارموني والايقاع ومهارته في مزج الألوان الآلية المختلفة.    (Kreitnr, 2004, 415).

ايجور سترافنسکي:

على الرغم من أن أورکسترا القرن العشرين تميز بأسلوب وطابع مميز إلى أنه قد تم مخالفة هذا الأسلوب في باليه طقوس الربيع لسترافنسکي والذي لم يتم دعمه من العديد من المؤلفين بسبب عدم الاستقرار النسبي المتعارف عليه في تلک الفترة، کما تميز العديد من المؤلفين بالمحافظة وخاصة التمسک بتقاليد السيمفونية التقليدية، وأخيرا وليس بآخر من أهم الآلات التي رکز عليه المؤلفين في القرن العشرين (آلات الإيقاعية ذات الدرجة الصوتية و التي ليس لها درجة صوتية – آلة البيانو – اهمال عائلة النفخ الخشبية  - اقتراض الفرق العسکرية من بعض الثقافات الغربية) (Kreitnr, 2004, 415).

بيلا بارتوک:

والذي کتب العديد من الأوبرات ومنها: أوبرا قلعة ذو اللحية الزرقاء Bluebeard`s Castle عام 1911م والتي تبعت نهج ديبوسي وموسورجسکي من حيث أساليب الکورال الغنائي، کما تأثر بارتوک بشتراوس وديبوسي في الباليه الخيالي المعروف باسم الأمير الخشبي The Wooden Princeعام 1917م من حيث عبقرية وفن التوزيع الأورکسترالي لهؤلاء المؤلفين.

إفتتاحية الکونسير:

بدأت في القرن السابع عشر: على شکلين الإفتتاحية الإيطالية والإفتتاحية الفرنسية والتي کانت تستخدم کمقدمة لعمل أکبر مثل الأوبرا أو الباليه أو الأوراتوريو أو المسرحية وأيضاً کمقدمة تلفت انتباه الجمهور إلى أن العرض على وشک البدأ، وفي القرن الثامن عشر: تم توسيع مفهوم الافتتاحية ليصف أعمال من مؤلفة السيمفونية وعلى سبيل المثال فقد وصفت بعض سيمفونيات هايدن بلندن باسم (افتتاحيات) في صيغة سوناتا کما جاء المؤلف الموسيقى کريستوف جلوک Christoph Gluck (1714-1787) فجعل الافتتاحية ذات اتصال وثيق بما يجئ بعدها، وفي القرن التاسع عشر: صممت للأداء المستقل في الحفلات الموسيقية فقط بعيدا ً عن دور العرض المسرحي والذي کان متبع في القرنين السابع عشر و الثامن عشر بحيث تصف محتوى بروجرامي تصويري أو للعرض في المناسبات والإحتفالات في صيغة صوناتا سريعة أو صيغة حرة، وفي القرن العشرين: بقى العنوان إفتتاحية الکونسير على ما هو ليصف مقطوعة أورکسترالية في حرکة واحدة ذات طول معتدل.

(Carew, 2014, 240,430,431,445), (Fend, 2014, 323), (Ferris, 2008, 221), (Temperly, 2004, 824,826).    

هکتور برليوز:

مؤلف موسيقى فرنسي وناقد وقائد أورکسترا ولد في مقاطعة لاکوت سان اندريه في الحادي عشر من شهر ديسمبر عام 1803م وتوفي في باريس في الثامن من مارس عام 1869م والذي کان رائدا ً ببلده في العديد من الفنون أهمها الأدب والموسيقى (الموسيقي البروجرامية) ومن أهم أعماله السيمفونية الخيالية وبذلک يعد خير مثال لتمثيل الحرکة الرومانتيکية ولکن مع الاحتفاظ بجذوره الکلاسيکية التي وقفت جنبا ًإلى جنب مع هذه الحرکة، کما قام برليوز بتأليف مرجع من أهم المراجع الموسيقية والذي تناول فن التوزيع الأورکسترالي المعروف باسم Grand traité d'instrumentation et d'orchestrationوالذي بحث في أنواع الآلات المختلفة وخصائصها الصوتية وحالات استخدامها عن طريق عرض بعض النماذج الموسيقية المتعددة وقد قام ريتشارد شتراوس بترجمة هذا العمل للغة الألمانية عام 1904م(Macdonald, 2004, 385).

ديمتري شوستاکوفيتش:

مؤلف روسي ولد بمدينة بيترسبرج عام 1906م وتوفي في موسکو عام 1975م، وله العديد من المؤلفات في الصيغ المختلفة أهمها السيمفونيات التي بلغت خمسة عشر سيمفونية (حيث لقب بأفضل مؤلف سيمفونيات في منتصف القرن العشرين) وأيضا له العديد من رباعيات الوتريات – الکونشرتات – الأعمال الغنائية والآلية – الأفلام – موسيقى المسرح والباليه، وفي عام 1836م أثر التدخل السياسي على الکثير من أعماله من حيث التأييد المتزايد والکبير علي انتاجه والذي عبر فيه عن أفکاره ومعاناه أبناء وطنه حيث ظل يواجه النظام السوفيتي حتى نهاية حياته وذلک في العديد من مذکراته وکتاباته الخاصة(Fanning, 2004, 279:282).

ثالثاً: الدراسة التحليلية:-

يتناول فيها الباحث: إثنين من الإفتتاحيات عينة البحث وهما إفتتاحية الکرنفال الروماني لـ. هکتور برليوز مصنف 95 التي قام بتأليفها عام 1844م وإفتتاحية المهرجان لـ. ديمتري شوستاکوفيتش مصنف 96 التي قام بتأليفها عام 1954م.

1-        إفتتاحية الکرنفال الروماني مصنف 95 لـ. هکتور برليوز:-

جدول رقم (1)

يوضح: عناصر التوزيع الأورکسترالي (للمقدمة – قسم العرض – قسم إعادة العرض – قسم التفاعل)

تابع: إفتتاحية الکرنفال الروماني مصنف 95 لـ. هکتور برليوز:-

جدول رقم (2)

يوضح: عناصر التوزيع الأورکسترالي (للموضوع الثاني من قسم العرض – الکودا)

2-        إفتتاحية المهرجان مصنف 96 لـ. ديمتري شوستاکوفيتش:-

جدول رقم (3)

يوضح: عناصر التوزيع الأورکسترالي (للمقدمة – الفکرة A1 – الفکرة B1 – الفکرة C1)

تابع: إفتتاحية المهرجان مصنف 96 لـ. ديمتري شوستاکوفيتش:-

جدول رقم (4)

يوضح: عناصر التوزيع الأورکسترالي (للفکرة D1 – الفکرة A2 – الفکرة C2)

تابع: إفتتاحية المهرجان مصنف 96 لـ. ديمتري شوستاکوفيتش:-

جدول رقم (5) يوضح: عناصر التوزيع الأورکسترالي (للفکرة D2 – الکودا)

رابعاً: نتائج البحث:-

بعد عمل الدراسة التحليلية توصل الباحث إلى:

1-        تکوين الأورکسترا:

استخدم کل ٍمن برليوز وشوستاکوفيتش (معظم الآلات الموسيقية) ولکن برليوز قد استثنى بعض الآلات وهي آلات الکونترفاجوت والتوبا وطبلة الباص وطبلة الأوتار.

2-        النسيج الأورکسترالي:

استخدم برليوز (اللحن الثانوي) واستخدم شوستاکوفيتش (اللحن والمصاحبة).

3-        الآلات المؤدية للألحان:

کانت تؤدى بالمجموعات کاملة ولکن الأکثر ظهوراً (مجموعة آلات النفخ الخشبية) في إفتتاحية برليوز و(مجموعة آلات النفخ الخشبية ومجموعة آلات النفخ النحاسية) في إفتتاحية شوستاکوفيتش.

4-        الآلات المؤدية للمصاحبة:

کانت تؤدى بالمجموعات کاملة ولکن الأکثر ظهوراً (مجموعة الآلات الوترية)
في الإفتتاحيتين.

5-        أشکال المصاحبة:

استخدام کل ٍمن برليوز وشوستاکوفيتش أشکال متعددة من أساليب المصاحبة ولکن (المصاحبة الهارمونية) کانت الأکثر ظهوراً في الإفتتاحيتين.

6-       المنطقة الصوتية:

استخدم کل ٍمن برليوز وشوستاکوفيتش المناطق المختلفة (الغليظة – المتوسطة – الحادة) ولکن الأکثر ظهوراً کانت (المنطقة المتوسطة) في الإفتتاحيتين.

7-       أساليب الأداء:

استخدم کل ٍمن برليوز وشوستاکوفيتش (معظم أساليب الأداء) المتعارف عليها.

التوصيات المقترحة:-

1-  ضرورة زيادة الدراسات المقارنة بين أحدث العصور الزمنية للتعرف على آخر ما توصل إليه المؤلفون الموسيقيون.

2-  دراسة الأساليب الحديثة في مادة التوزيع الأورکسترالي لطلاب مراحل الدراسات العليا في الکليات والمعاهد المتخصصة.

3-  عمل أبحاث مماثلة تلقي الضوء على أعمال برليوز وشوستاکوفيتش الأورکسترالية الأخرى والتي لم تدرس بعد للاستفادة منها في مجال التوزيع الأورکسترالي.