البلاغة الغربية المعاصرة مدخل موجّه للباحث العربي | ||||
هرمس | ||||
Article 1, Volume 7, Issue 2, April 2018, Page 9-41 PDF (818.77 K) | ||||
Document Type: المقالة الأصلية | ||||
DOI: 10.21608/herms.1999.71896 | ||||
View on SCiNiTO | ||||
Author | ||||
عمادة عبداللطيف* | ||||
قسم اللغة العربية - کلية الاداب - جامعة القاهرة | ||||
Abstract | ||||
يهدف هذا البحث إلى تقديم مشهد بانورامي لحالة علم البلاغة في العالم الغربي الناطق بالإنجليزية في الفترة من 1980إلى 2015، بهدف تعريف القارئ العربي بالانشغالات الراهنة في حقل الدراسات البلاغية. والمستهدف بهذا البحث هم دارسو البلاغة العرب الساعين نحو ارتياد آفاق غير مطروقة في البلاغة العربية، مسترشدين بالمنجز البلاغي الغربي. لتحقيق هذا الهدف أقدم للقارئ العربي ستة توجهات أساسية، ربما تُمثّل بعض أهم التوجهات في البلاغة المعاصرة. أعرض في کل توجه لأسسه النظرية، وموضوعات البحث فيه، ومنهجياته أو أطره التحليلية. سوف أسعى على وجه التحديد للإجابة عن سؤالين أساسيين، هما: (1) ما الذي يميز کل توجه من هذه التوجهات البلاغية الستة؛ (2) ما الذي يمکن أن يُفيده الباحث العربي من کل توجه منها؟ وأختتم تقديمي لکل توجه بقائمة من موضوعات البحث التي يمکن للباحثين العرب القيام بها. وتعظيمًا من فائدة هذا المدخل الموجه للباحثين العرب؛ ذيلتُ عرضي لکل توجه بقائمة محدودة من الکتب الأساسية فيه، بهدف تيسير الأمر على الباحثين الراغبين في التواصل المباشر مع الأعمال المؤسّسة لهذه التوجهات. | ||||
Keywords | ||||
البلاغة الغربية; البلاغة العربية; بلاغة المرئي – البلاغة الرقميّة – البلاغة عبر الثقافات – القراءة الفاحصة – الإيديولوجيا | ||||
Full Text | ||||
البلاغة "الجدیدة" و"الحدیثة" و"المعاصرة": أوصاف مطلقة ومتعینات محدودة لا یُعدم متصفح کتب البلاغة مصادفة تعبیرات مثل "البلاغة الجدیدة"، و"البلاغة الحدیثة"، و"البلاغة المعاصرة" فی الدراسات البلاغیّة العربیة. وغالبًا ما تشیر هذه التعبیرات إلى إدراک مستعملها أن ثمة بلاغتین أو بلاغات؛ بعضها قدیمة، تقلیدیة، غابرة، فی مقابل أخرى جدیدة، حدیثة، معاصرة. یبدو هذا التمییز بدیهیًا، حین نضع فی الحسبان واقع التطورات المتلاحقة فی مفهوم هذا العلم وموضوعاته وحدوده ومناهجه، حیث یصبح التتابع الزمنی متضمِّنًا فی حد ذاته لمعنى المغایرة والتطور. ومع ذلک، فإن مثل هذه التقییدات الزمنیّة لا تقول لنا الکثیر فی معظم الاستعمالات العربیّة الراهنة. وهی فی الحقیقة قد تُربک أکثر مما تُعرّف. ویرجع ذلک إلى غیاب التمییز الدقیق بین دلالاتها، وغموض ما تحیل إلیه فی واقع الاستعمال. لعل أبرز تجلیات غیاب التحدید الدقیق لدلالة هذه التوصیفات، هو أنها قد تُستعمل على سبیل التبادل، بوصفها مترادفات یمکن لأحدها أن یحل محل الآخر. فضلاً عن ذلک، فإن ثمة علة أخرى لغموض دلالة هذه التوصیفات هو أنها مشروطة بالواقع الخارجی الذی تحیل علیه؛ فهی – مثلها مثل کل الإحالات الزمنیّة – لا تتعین دلالتها إلا بالتحدید الدقیق للعالم الخارجی المشار إلیه. فالمعاصر، إنما هو معاصر فقط، بالنسبة إلى من یستعمل هذا الوصف فی لحظة زمنیة-تاریخیّة محددة. ومن الطبیعی أن ما هو "معاصر" بالنسبة لباحث ما، سرعان ما یتحول إلى "حدیث" بعد فترة من الزمن، و"قدیم" بعد فترة أکبر، و"عتیق" بعد فترة أطول، و"بائد" بعد ردح کبیر من الزمان. بعبارة أخرى، فإننی حین أستعمل تعبیر بلاغة "حدیثة"، أو "جدیدة"، أو "معاصرة"، إنما أتحدث عما هو حدیث أو جدید أو معاصر بالنسبة إلیَّ أنا (مؤلّف هذا المقال) فی لحظة زمنیّة محددة، وعلى أقصى تعمیم، بالنسبة لمجایلیّ فی الزمن نفسه، لا أکثر. والخلاصة أن استعمال هذه التسمیات لن یکون دقیقًا إلا إذا عُیّن بواسطة التحدید الزمنی الدقیق. وفی مرحلة لاحقة، أظن أننا ربما نشهد تراجعًا عن استعمال توصیف "الجدید"، "القدیم"، أو "المعاصر"، أو "الحدیث"، لصالح بدائل زمنیّة أکثر دقة وتحدیدًا. قد یُفهم من العبارات السابقة أننی أدعو إلى التوقف عن استعمال تعبیرات "بلاغة حدیثة"، و"بلاغة معاصرة"، و"بلاغة جدیدة"، وهو أمر قد یکون غیر عملیّ إلى حد کبیر. وبخاصة بالنظر إلى شیوع استعمال هذه التوصیفات، واجتذابها لاهتمام الباحثین المتعطشین إلى الفکاک من کل ما هو "ماضوی"، "قدیم". وکذلک بالنظر إلى تحول بعض هذه التسمیات من توصیفات زمنیّة مبهمة إلى مصطلحات متعینة الدلالة، کما هو الحال مع مصطلح "الخطابة/البلاغة الجدیدة New Rhertoric"عند بیرلمان، الذی یُحیل إلى طرح محدد یطوّر نظریّة أرسطو فی المحاجّة والبرهان. إننی - بالأحرى - أدعو إلى التحرز من استعمال هذه المفردات دون تدقیق. وهو تحرز مدفوع فی الحقیقة بخبرات محبطة، ترتبط بقراءة أعمال عدّة، استعملت هذه التسمیات بإطلاق مروّع. وسأضرب مثالا واحدًا جلی الدلالة فی هذا السیاق. ففی عام 1995 نشر الدکتور مصطفى الصاوی الجوینی کتابًا یحمل عنوان "مدارس البلاغة المعاصرة"[1]، غیر مقید بشیء. ولو أننا طلبنا من عشرة باحثین ممّن لم یقرأوا الکتاب توقع محتواه، فإن محاولتهم – غالبًا - ستبوء بالفشل. فدلالة "البلاغة المعاصرة" فی الکتاب لا تُحیل إلا إلى المؤسسات الجامعیّة التی کانت تدرّس مقرر البلاغة فی مصر فی سبعینیات وثمانینیات القرن العشرین. والکتاب الذی لم یقیّد عنوانه شیء، لا یخرج عن حدود دولة عربیّة واحدة هی مصر، فی مرحلة زمنیّة محددة، وبمفهوم محدود للمعاصرة، وللبلاغة معًا. ینبغی ألا یُفهم أن نقدی لوصف بلاغة ما بأنها بلاغة "حدیثة" أو "جدیدة" أو "معاصرة" دون تقیید یقتصر على الاستعمالات العربیّة وحدها. فهذا النقد لابد أن یتوجّه إلى الکتابات الأجنبیّة أیضًا. ویکفی فقط أن أحیل إلى مثال واحد هو أن کتاب "Contemporary Rhetorical Theory" الذی یُعد أحد أهم الکتب البلاغیّة المنشورة آواخر القرن العشرین، یتضمّن تصورات نظریّة تنتمی إلى أربعینیات وخمسینیات القرن الماضی. ومن ثمّ، فإن دلالة الکتاب مقیدة إلى حد کبیر بزمنه الخاص، ویؤدی التعامل معه بشکل مطلق إلى الوقوع لا محالة فی أشکال عدّة من سوء الفهم. فیما یتعلق بهذا البحث، فإننی أستعمل وصف "البلاغة المعاصرة"، للإشارة إلى النظریات والمنهجیات البلاغیّة التی طوِّرت فی المدة من ثمانینیات القرن العشرین حتى 2015. واختیار التاریخ الأول یرجع إلى أن حقبة الثمانینیات شهدت تحولات مهمة فی البحث البلاغی، لاسیّما فی أواخرها. ویبدو هذا التغییر جذریًا إلى حد أنه یشتهر الآن إطلاق تسمیة "المنعطف البلاغی"، على الإسهامات المعرفیّة المقدّمة خلالها، اعترافًا بجذریّة هذه الإسهامات. أما اختیار التاریخ الثانی فیرجع إلى أنه تاریخ نشر أحدث الدراسات التی رجعتُ إلیها. وعلى الرغم من أن معظم الدراسات التی رجعتُ إلیها تنتمی إلى السنوات الخمس عشرة الأخیرة، فإن جذورها توجد فی العقدین السابقین على ذلک. لقد اخترتُ ستة توجّهات بلاغیّة لتقدیمها للقارئ العربی، هی: تتضمّن قائمة التوجّهات البلاغیّة التی أقدمها فی هذا البحث ما یأتی:
بررتُ، فی سیاق تناول کل توجه، العلة وراء اختیاره ومدى فائدته المحتملة للقارئ العربی. لکن من الضروری قبل أن أتناول بالتفصیل هذه التوجّهات أن أؤکد أن اختیار هذه التوجّهات دون غیرها مدفوع بتقدیر شخصی لأهمیتها للقارئ العربی. ومثل کل اختیار، فإنه یقوم على آلیتی اصطفاء واستبعاد تقدیریّتین. وربما یختلف معی باحثون آخرون – ولهم کل الحق فی ذلک – فی تقدیری لمدى أهمیّة التوجّهات التی اخترتها على حساب تلک المستبعدة. وفی الحقیقة، إننی أقر أن الخطة الأصلیّة للمقال کانت تتضمّن ثلاثة توجّهات إضافیة، اضطررت للتخلی عنها بسبب قیود عدد صفحات المقال؛ وهی النقد البلاغی rhetorical criticism؛ ودراسات الحجاج argumentation studies، والبلاغة الإدراکیة cognitive rhetoric. والتوجّهات الثلاثة المستبعدة لا تقل أهمیّة للقارئ العربی عن التوجّهات التی أوردتها هنا. ولکنی اخترتُ أن أعرض التوجّهات المعروفة بدرجة أقل بین الباحثین العرب. وفی الحقیقة، فإن الإسهام الغربی فی النقد البلاغی ودراسات الحجاج، متاح فی کثیر من أعماله للقارئ العربی فی الوقت الراهن، بفضل الترجمة أو التألیف. أما البلاغة الإدراکیة فعلى الرغم من أنها حقل حدیث نسبیًا إلا أنها تحظى أیضًا ببعض الاهتمام من بعض الباحثین العرب، خاصة فی غمرة المنعطف الإدراکی الذی ألقى بظلاله على الدراسات العربیّة اللسانیّة والنقدیّة والبلاغیّة أیضًا. وأبدأ بأول التوجّهات المختارة وهو توجّه بلاغة المرئی. أولاً: بلاغة المرئی: من الکلمة إلى الصورة فی تصدیرهما لمجلد کامل خُصّص لدراسات بلاغة المرئی، یقر تشارلز هیل ومارجریت هیلمرز Charles A. Hil & Marguerite Helmers 2004، بأن تعبیر "بلاغة المرئی Visual Rhetoric"، یُستعمل للإشارة إلى أشیاء متباینة. ویُرجعان ذلک إلى أنه نادرًا ما یحدث اتفاق على ما یعنیه من یستخدمون هذا التعبیر. ومن ثمَّ، یصلان إلى نتیجة هی أن الدراسات التی تستعمل تعبیر بلاغة المرئی، یصعب أن تندرج کلها فی حقل معرفی واحد[2]. یرصد هیل وهیلمرز بعض الإحالات التی یُستعمل تعبیر "بلاغة المرئی" للإشارة إلیها. فالبعض یستعملها للإشارة إلى استخدام الرسوم البیانیّة والتوضیحیّة للتعبیر عن العلاقات الکمیّة. وفی حین یتوجّه اهتمام قطاع من باحثی بلاغة المرئی إلى دراسة العناصر المرئیّة فی الإنترنت والتواصل الإلکترونی فحسب، یهتم قطاع آخر بدراسة تاریخ الفنون التشکیلیّة ونظریاتها. ویرصد هیل وهیلمرز تباینًا آخر فی الاهتمامات الأکادیمیّة للمشتغلین ببلاغة المرئی؛ فبعض المشتغلین یقصرها على المرئیات (الملموسة) ثنائیّة الأبعاد، فی حین یذهب آخرون إلى توسیع دائرة اهتمامها لتشمل الصور الداخلیة، التی تُشکّل فی الذهن. وهکذا، فإن هذا الحقل المعرفی یتسع لیشمل فی الوقت الراهن دراسة الإعلانات المقروءة والمصورة، والتلیفزیون والسینما[3]. یُرجع هیل وهیلمرز هذا التعدد فی دلالات تسمیة "بلاغة المرئی"، إلى الثراء الدلالی للمفردتین اللتین تشکلانه، وهما "مرئی"، و"بلاغة". فثمة تفاوت فی فهم العلماء لما هو "مرئی"، إذ یقصره البعض على الصور التمثیلیّة representational images، فی حین یوسّعه آخرون لیشمل کل ما صنعته ید الإنسان تقریبًا، بما یجعل بلاغة المرئی تتداخل على نحو کبیر مع دراسة التصمیم design. وبصیاغة أکثر تفصیلاً، تذکر مورین جوجین Maureen Goggin (2004)، أن مجال بلاغة المرئی قد یضیق إلى حد اقتصاره على دراسة توزیع النصوص على الصفحات المطبوعة، وقد یوسّع لیشمل دراسة تصمیم النصوص على الصفحات، ویزداد اتساعًا لیشمل دراسة کل العلامات المرئیّة بما فیها فنون الأشکال التوضیحیّة والتلفزیون ووسائل الإعلام، فضلاً عن دراسة الممارسات المرئیّة المادیة، من المعمار حتى صناعة الخرائط الجغرافیة، ومن فن تصمیم المساحات الداخلیّة حتى الأبنیة التی تخلد الأحداث الوطنیة"[4]. بغض النظر عن هذه التباینات فی تحدید مادة بلاغة المرئی، فإن دارسی بلاغة المرئی یهتمون بأسئلة معرفیة محددة تعالج کیفیة تأثیر الصور والرسومات والأشکال التوضیحیة والجداول والرسوم البیانیة والصور المتحرکة فی اتجاهات الناس وآرائهم ومعتقداتهم[5]. وبذلک یمکن القول إن محور المقاربة البلاغیّة للمرئی هو الأبعاد الحجاجیة والإقناعیة للمرئیات عمومًا، وللصور على نحو الخصوص. یحظى بحث العلاقة بین الصورة والکلمة بمساحة کبیرة من اهتمام دارسی بلاغة المرئی، وثمة رؤى متنوعة لهذه العلاقة. ویُسلّم دارسو البلاغة المرئیة بأن الصورة والکلمة تکادان لا تنفصلان فی الخطابات العمومیة المعاصرة. الانتقادات الموجهة لبلاغة المرئی یرى هیل وهیلمرز أن دارسی البلاغة المرئیة، بذلوا جهدًا محدودًا للبرهنة على جدارة انتماء دراساتهم إلى مجال الدراسات البلاغیّة، ولیس إلى مجالات أخرى مثل السیمیوطیقا والدراسات الثقافیة، على سبیل المثال. وقد أدى ذلک إلى اتساع مساحة الخلط بین هذه المنهجیات وحقول البحث التی تتسم بقدر من التداخل فی الأصل. وعلى الرغم من أن هیل وهیلمرز یعتقدان أنه من غیر الممکن رسم حدود فاصلة بین هذه الحقول، فإنهما یؤکدان ضرورة تبریر الباحثین لادعائهم بانتماء البحوث التی تحمل تسمیة "بلاغة المرئی" إلى دائرة الدراسات البلاغیّة[6]. إضافة إلى ذلک، ثمة نقد آخر یخص الإطار النظری لبلاغة المرئی. إذ لا یقدم توجّه بلاغة المرئی نظریة موحدة لتفسیر کیف تحمل الصورة المعنى، ولا کیف تُنجز الإقناع. ووفقًا لـهیلمرز فإن بلاغة المرئی هی إطار تحلیلی للبحث والتأویل[7]. ما الذی یمکن أن یفید الباحث العربی من توجّه "بلاغة المرئی"؟ ینطوی توجّه بلاغة المرئی على تحویل جذری فی المادة التقلیدیة للدرس البلاغی. فقد ارتبطت البلاغة لقرون طویلة بالکلمات، فی حین اهتمت فنون أخرى بالصورة، مثل الفنون الجمیلة. وحین نستحضر الأعمال المؤسّسة فی البلاغة غربیًا أو عربیًا، نجد أنفسنا أمام حقیقة ساطعة هی أن الدراسات البلاغیّة نادرًا ما اهتمت بأنساق علاماتیة أخرى غیر اللغة. بالطبع نجد فی حفنة معدودة من الأعمال – مثل البیان والتبیین للجاحظ - اهتمامًا بعلامات غیر لغویة، لکنه یظل اهتمامًا هامشیًا ومحدودًا واستثنائیًا فی مسار الدرس البلاغی. من بین توجّهات البلاغة المعاصرة فإننی أظن أن بلاغة المرئی تمثل منطقة البحث الأکثر خصوبة للدرس البلاغی العربی فی المستقبل القریب. وأستند فی رأیی هذا إلى عدد من الأسباب: أولاً: أن الخطابات البلاغیّة الراهنة تشهد تمازجًا غیر مسبوق بین الکلمة وأنساق العلامات الأخرى، ویُعد مفهوم منعطف المرئی visual turn[8] - الذی بدأ فی تسعینیات القرن العشرین - اعترافًا بهذا التطور الهائل فی الأنساق العلاماتیة للتواصل الإنسانی. ویبدو أن ثمّة علاقات ثریة مثیرة للاهتمام بین المنعطف البلاغی والمنعطف المرئی. ووفقًا لتصور بلاکسلی Blakesley (2004) فإن المنعطف المرئی فی تسعینیات القرن العشرین هو التحول الطبیعی للمنعطف البلاغی فی الثمانینیات. ویفسّر ذلک بأن المنعطف البلاغی أبرز الوعی بأن وسائلنا اللفظیة التی نستعملها لتمثیل الواقع لا تنفصل بسهولة عن السبل التی نستعملها للحصول على المعرفة. وباختصار، فإن اللفظی متضمّن بشکل لا مفر منه فی المعرفی. ومن ثمّ، فإننا نُدرک العالم بواسطة أنظمة رمزیة وسیطة. وهنا یصبح التحول إلى المنعطف المرئی حتمیًا؛ فالأنظمة الرمزیة تستدعی بالضرورة تمثیلات مرئیة[9]. یضعنا المنعطف المرئی أمام واقع جدید تصبح فیه المقاربات البلاغیّة التقلیدیة عاجزة عن معالجتها ومقاربتها. ویضعنا هذا أمام أسئلة وتحدیات معرفیة مثیرة، یُتوقع أن تدفع الباحثین إلى إعادة النظر فی منهجیات التحلیل البلاغی وأدواته على نحو جذری. وقد شرعتُ بالفعل فی استکشاف إمکانیات تطویر مفاهیم بلاغیّة أساسیة لتعالج هذه الکینونة المستحدثة للخطابات العمومیة الراهنة. وبدأتُ بدراسة حول کیفیة تطویع مفهوم أرکان البلاغة maxims of rhetoric لدراسة الخطابة العربیة المرئیة المعاصرة[10]، وأکرّس الآن دراسة أخرى لتطویر مفاهیم الباتوس واللوجوس والإیتوس، لتتمکن من معالجة الخطابات العربیة المرئیة. ثانیًا: تنوع المقاربات المعرفیة التی تعالج الأبعاد البلاغیّة للعلامات المختلفة. بالإضافة إلى الأفکار المنجزة فی إطار بلاغة المرئی، هناک حقلان معرفیان آخران یقدمان أدوات مهمة لمعالجة التنوع العلاماتی الراهن؛ أولهما، وأکثرهما اتساعًا وترسخًا، هو السیمیوطیقا. وهو الحقل الأم، الذی أفضّل أن أرى بلاغة المرئی بوصفها نقطة التقاء بینه وبین حقل البلاغة؛ تهتم بالأبعاد الإقناعیة والحجاجیة للعلامات غیر اللغویة. الحقل الثانی هو مقاربة التعدد العلاماتی multimodality، وهی مقاربة تنتمی إلى دراسات الخطاب، وتمثل أحد أکثر توجّهات تحلیل الخطاب نموًا وازدهارًا فی الوقت الراهن. لا یمکن حصر موضوعات الدراسات العربیة التی یمکن أن تُنجز فی إطار بلاغة المرئی. إذ تتسم هذه المادة بالضخامة الهائلة، فثمة طوفان من العلامات غیر اللغویة، من صور ورموز ورسوم ثابتة ومتحرکة، تمارس أشکالا مختلفة من الحجاج والإقناع والتأثیر والاستمالة والاستثارة والتحریض وغیرها من التأثیرات البلاغیّة. ودراسة الکیفیة التی تُحدث بها هذه العلامات تلک التأثیرات لم تُنجَز إلا فی أقل القلیل من المادة الهائلة المتاحة. لا یمکن أن یشکو باحث البلاغة المعاصر من قلة المادة فی هذا المیدان، فبإمکانه أن یدرس منجزات فنون بأکملها، مثل فن الکاریکاتیر والجرافیتی، والکومیکس، وإعلانات التلفزیون والصحف والشوارع، ومهرجانات الدعایة السیاسیّة، والبث المرئی للخطب العمومیّة، وجلسات المداولات فی مجالس العموم، وبرامج صناعة النجوم، ومسابقات الأطفال، وغیرها. وفی الحقیقة، فإن توافر المادة المدروسة یدعمه أیضًا توافر نسبی فی المرجعیات النظریّة وأطر التحلیل. ویمکن أن یجد الباحث المهتم فیما یأتی بعض الأعمال المرجعیّة فی هذا الشأن. قراءات إضافیّة حول بلاغة المرئی: Mitchell, W. T. (1995). Picture theory: Essays on verbal and visual representation. University of Chicago Press. Hill, C. A., & Helmers, M. (Eds.). (2012). Defining visual rhetorics. Routledge. Elkins, J. (2001). The domain of images. Cornell: Cornell University Press. Olson, L. C., Finnegan, C. A., & Hope, D. S. (2008). Visual rhetoric: A reader in communication and American culture. Sage. ثانیًا: البلاغة الرقمیّة والبلاغة الافتراضیّة: دراسة التواصل فی العالم الافتراضی البلاغة الرقمیّة توجّه بلاغی نشأ بفضل التطور التقنی الحادث فی التواصل البشری. وهو یشترک مع توجّهات أخرى مثل بلاغة المرئی، وبلاغة الجمهور، فی کونه یمثل ضرورة معرفیّة، فرضتها الخصوصیّة النوعیّة للخطابات المعزّزة تقنیًا. ویشیر جیمس زابان James Zappan (2005)، إلى أن مصطلح البلاغة الرقمیّة Digital Rhetoric یتصف بأنه مثیر للاهتمام وللمشاکل فی الآن نفسه. ویفسر کَونَ المصطلح مثیرًا للاهتمام بأنه یقدم إمکانیات بحث واعدة، أما کونه یثیر مشکلات فیرجع إلى أنه یرفع الغطاء عن مشکلات وتحدیات تکییف تقالید بلاغیّة استمرت لأکثر من ألفی عام مع قیود التواصل الرقمیّة الجدیدة وشروطه ووسائله[11]. یوضح البحث فی البلاغة الرقمیّة، بحسب زابان، کیف تعمل الاستراتیجیات البلاغیّة التقلیدیّة فی الفضاءات الرقمیّة، ویقدم اقتراحات بشأن کیفیّة إدراک هذه الاستراتیجیات وتصوُّرها. وعلى نحو أکثر دقة، تدرس البلاغة الرقمیّة الخصائص الممیِّزة لوسائل التواصل الرقمی، ومحدداتها، والإمکانیات التی تستعملها فی خلق هویات فردیّة، وقدراتها فی بناء جماعات اجتماعیّة. وبشکل عام، فإن هذه الدراسات، وفقًا لزابان أیضًا، تقدم مقترحات بشأن کیف یمکن توسیع مجال البلاغة التقلیدیّة، وإجراء تحویلات علیها؛ لتصبح نظریّة شاملة للخطابات الرقمیّة، وکیف یمکن لمثل هذه النظریّة أن تسهم فی المتن الأوسع للنظریّة البلاغیّة والنقد الأدبی، وبلاغة العلم، وبلاغة التقنیّة على وجه التحدید[12]. ثمة مصطلح آخر یُحیل إلى ظواهر مقاربة لتلک التی یُحیل إلیها مصطلح البلاغة الرقمیة، وهو مصطلح "البلاغة الافتراضیة virtual rhetoric"، ویُستعمل للإشارة إلى المادة البلاغیّة المنتجة والمتداولة فی/عبر الفضاءات الافتراضیة؛ أی الفضاءات التقنیّة التی تخلق عالمًا موازیًا للعالم الحقیقی، مثل عالم أفلام الکرتون وألعاب الفیدیو، وغیرها. وتُعنى البلاغة الافتراضیة بدراسة کیف تختلف سبل الإقناع والتأثیر المعززة بتقنیات الواقع الافتراضی عن الوسائل التقلیدیة[13]. والبلاغتان الرقمیة والافتراضیة، معنیتان بدراسة الإقناع والتأثیر فی الفضاءات التقنیّة، سواء أکان بواسطة اللغة أم العلامات اللغویة الأخرى. ما الذی یمکن أن یفیده الباحث العربی من البلاغتین الرقمیة والافتراضیة؟ أظن أن توجّهی البلاغة الرقمیة والافتراضیة یُمکن أن یُصبحا فی السنوات القلیلة المقبلة مجال بحث خصب للبلاغیین فی العالم العربی. یرجع ذلک إلى اتساع الفضاء الرقمی، وثراء الخطابات التی تُنتج وتُتداول وتُستهلک فیه. کما أن هذا الفضاء یُنتِج أنواعًا بلاغیّة جدیدة، تمثّل تحدیًا معرفیًا ثریًا. فأنواع مثل تغریدات تویتر، وتعلیقات الفیسبووک، وتذییلات الصور الفوتوغرافیة captions، والشعارات المرئیة logo، وغیرها، وُلِدتْ أو ازدهرتْ فی الفضاء الرقمی، وأصبحت تُنتَج وتُمارَس على نطاق واسع بین شرائح ضخمة من الناس فی الوقت الراهن. وتحتاج هذه الأنواع إلى معالجات بلاغیّة، تدرس خصوصیاتها الأسلوبیة، وسُبُلها فی الإقناع والتأثیر، ووظائفها البلاغیة ...إلى آخره. فضلا عن ذلک، فإن وسائل التواصل الرقمی أحدثت تحولا جذریًا فی طبیعة النصوص المتداولة فی النطاق العمومی؛ فقد أدت إلى اتساع نطاق إنتاج النصوص الیومیة المکتوبة وتوزیعها وتداولها. وهو ما قد یؤدی إلى تحول فی مرکز اهتمام الدرس البلاغی، نحو دراسة بلاغة النص المکتوب. کذلک فتَحَ التواصل الرقمی الباب على مصراعیه أمام القراء والمشاهدین والمستمعین لإنتاج استجابات متعددة العلامات، متباینة الوظائف. وبفضل هذه الوسائط ربما نشهد تحوُّلا فی مرکز اهتمام نظریة البلاغة وتطبیقاتها من خطاب المرسِلِین إلى خطابات المستقبلین، وهو ما تحاول أن تُنجزه البلاغة العربیة من خلال توجه بلاغة الجمهور. وأخیرًا، فإن ظواهر التواصل فی الفضاءات الافتراضیة، وشیوعها، یمثل تحدیًا معرفیًا کبیرًا أمام البلاغیین العرب، إذ یتعین علیهم البحث فی مدى ملاءمة التنظیرات والمنهجیات البلاغیّة العربیة الراهنة لدراسة النصوص والخطابات المنتجة فی الفضاء الافتراضی. قراءات إضافیة فی البلاغتین الرقمیة والافتراضیة: Fagerjord, Anders. “Rhetorical Convergence: Studying Web Media. In” Digital Media Revisited: Theoretical and Conceptual Innovation in Digital Domains”. Ed. Gunnar Liestøl, Andrew Morrison, and Terje Rasmussen. Cambridge: MIT P, 2003. 293–325. Welch, Kathleen E. Electric Rhetoric: Classical Rhetoric, Oralism, and a New Literacy. Digital Communication.Cambridge: MIT P, 1999. Killoran, J. B. (2001). @ home among the. coms: Virtual Rhetoric in the Agora of the Web. Alternative Rhetorics: Challenges to the Rhetorical Tradition, 127-44. ثالثًا: البلاغة عبر الثقافات: بلاغة العرب فی مرایا بلاغات الآخرین تُعد البلاغة عبر الثقافات توجّها بلاغیًا مزدهرًا فی الوقت الراهن[14]. وقد سبق أن قدمتُ للقارئ العربی دراسة تسعى إلى الإفادة من دراسات البلاغة عبر التواصل فی تقلیل مخاطر فشل التواصل بین العرب والغرب، فی إطار ما یُعرف بالحوار بین الحضارات. وقد قدمتُ فی هذا العمل نبذة موجزة حول تاریخ دراسات البلاغة عبر الثقافات، التی تعود إلى مقال روبرت کابلان عام 1966 بعنوان "أنماط التفکیر الثقافی فی التعلیم عبر الثقافات". والذی میز فیه کابلان بین الأنماط البلاغیّة فی خمس لغات هی العربیة والفرنسیة والصینیّة والإسبانیّة والروسیة. وذهب کابلان فی مقاله إلى أن کل لغة تمثل خطابًا محددًا، یعبر عن ثقافة معینة. "الثقافة الأولى هی الثقافة الأنجلو أمریکیة؛ ویتسم خطابها بأنه واضح ومنظم ویتتابع فی خط مستقیم. الثقافة الثانیة هی الثقافة الشرقیة؛ ویتسم خطابها بأنه دائری یتناول موضوعه من منظورات مختلفة تجمع بینها الروابط المفتعلة لا المنطق الصارم. الثقافة الثالثة هی ثقافة الرومانس؛ وتضم الثقافات الفرنسیة والألمانیّة والإسبانیّة وغیرها؛ ویتسم خطابها بأنه یتأسس على الاستطراد من موضوع مرکزی، ویمکن أن یُشبَّه بالطریق الملتوی. والثقافة الرابعة هی الثقافة السامیة؛ (وتشمل الثقافتین العربیة والعبریة)؛ وخطابها حافل بالتراکیب المتوازیة التی تُکرّر ما قیل وتضیف المعلومات الجدیدة بتقتیر. الثقافة الخامسة والأخیرة هی الروسیة؛ ویتسم خطابها بأنه یتشکل من استطرادات طویلة وتغیرات مفاجئة تضفی علیه سمة عدم التماسک"[15]. وبغض النظر عن النقد المنهجی الذی تعرض له مقال کابلان، فقد حفّزت فکرة المقارنة بین الخطابات التی تقوم بإنتاجها ثقافات مختلفة على تقدیم بحوث أصیلة تخص التجلیات الخطابیة للتنوع الثقافی والحضاری واللغوی فی العالم[16]. وتأسس استنادًا إلى تراکم هذه الدراسات المقارنة حقل معرفی اصطُلح علیه "بالبلاغة التقابلیة Contrastive Rhetoric". وهو حقل معرفی یستند إلى دعوى أن الثقافات المختلفة تُنتِج أنماط نصوص وخطابات مختلفة. واستهدفت دراسات البلاغة التقابلیة البرهنة على هذه الدعوى، متخذة من کتابات الإنشاء composition مادة لدراستها، ومن عملیة الکتابة writing موضوعًا لها. ورکزت دراسات البلاغة التقابلیة معظم اهتمامها على دراسة النصوص المکتوبة فی سیاق اکتساب لغة ثانیة second language acquisition مغایرة فی ثقافتها للغة الأم[17]. لقد أدى تعرض البلاغة التقابلیة للانتقاد بسبب تصورها السکونی للّغات والثقافات، والسعی نحو تجاوز هذه الانتقادات إلى الدمج بینها وبین الدراسات عبر الثقافیة cross-cultural studies على ید أولا کونور Connor. واستخدمتْ کونور مصطلح intercultural rhetoric للدلالة على الحقل الذی تشکل بواسطة هذا الدمج بین دراسة الکتابة عبر اللغات والدراسات الثقافیة. ورأتْ أن هذا الحقل یضم القطاع الأکبر من دراسات تحلیل الأنواع والنصوص، ویتیح دراسة التفاعل بین-الثقافی فی المنطوق والمکتوب معًا. کما أنه یحافظ على المقاربات التقلیدیة التی تستخدم تحلیل النصوص والأنواع والمدونات، ویضیف إلیها مقاربات اثنوجرافیة تفحص اللغة المستخدمة فی سیاقات التواصل والتفاعل[18]. لتصبح البلاغة عبر الثقافات "معنیّة باستخدام اللغة فی التواصل الفعلی بین أفراد یمثلون خلفیات لغویة وثقافیة مختلفة"[19]. ما الذی یمکن أن یفیده القارئ العربی من توجّه البلاغة عبر الثقافات؟ عرف الدرس البلاغی العربی على مدار تاریخه أحادیة لغویة فی المدونة المدروسة. فقد کانت اللغة العربیة ونصوصها وخطاباتها مرکز اهتمام الدرس البلاغی نظریة وتطبیقًا. ونادرًا ما تبنى علماء البلاغة القدماء منظورات مقارنة فی تحلیلاتهم أو تنظیراتهم البلاغیّة. وفی المواضع المحدودة التی أشار فیها بلاغیون عرب إلى بلاغات أخرى یشیع عادة میلٌ إلى التعمیم، على نحو ما یتجلى فی عبارات مثل "قیل للفارسی ما البلاغة فقال..، وقیل للیونانی ما البلاغة فقال... إلخ[20]"، کما نصادف نزعة متحیّزة، على نحو ما نرى مثلا فی مقارنة الجاحظ بین الخطابة عند العرب والعجم[21]. بالطبع تغیّر هذا الواقع فی العصر الحدیث، وحدث تراکم جید فی الأعمال البلاغیّة المقارنة؛ خاصة تلک التی تقارن بین البلاغة العربیة وبلاغات مشابهة مثل البلاغة الفارسیة[22]. لکن الدراسات البلاغیة المقارنة ما تزال محدودة. یَعِدُ توجّه البلاغة عبر الثقافات بإثراء البحث البلاغی العربی مستقبلا، بفضل الاهتمام بموضوعات غیر مطروقة على نطاق واسع، تخص المقارنة بین اللغة العربیة وغیرها من اللغات من منظور بلاغی. لقد رکزت الدراسات التقلیدیة فی البلاغة عبر الثقافات على النصوص التعلیمیة، وعلى أعمال متعلمی اللغات الأجنبیة. ویمکن أن نضم إلى ذلک، مواد أخرى مثل دراسة التباینات الأسلوبیة بین العربیة وغیرها من اللغات کما تتجلى فی الترجمات من العربیة وإلیها، وفی دلالات الرموز والإشارات المصاحبة للتلفظ اللغوی، وغیرها. قراءات إضافیة فی البلاغة عبر الثقافات: Connor, U., Nagelhout, E., &Rozycki, W. (Eds.). (2008). Contrastive rhetoric: Reaching to intercultural rhetoric (Vol. 169). John Benjamins Publishing. Enkvist, N. E. (1991). Discourse type, text type, and cross-cultural rhetoric. Empirical research in translation and intercultural studies. Tübingen: Gunter Narr Verlag 5-16. رابعًا: البلاغة النقدیة: النقد البلاغی للسلطة تُعدُّ البلاغة النقدیة Critical Rhetoric أحد أهم اتجاهین بلاغیین فی البلاغة الأمریکیة المعاصرة([23]). وقد ارتبطت بکتابات عالِمَی بلاغة أمریکیین هما مایکل ماکجی Michael McGee وریمی مکرو Mckerrow Raymie. لکن تأسیس هذا المشروع یرجع بشکل مباشر إلى کتابات مکرو (1989، 1991، 2001 Mckerrow). وقد نشر مکرو فی عام 1989 دراسته "البلاغة النقدیة: النظریة والممارسة" التی قدّم فیها مشروع البلاغة النقدیة إلى الأوساط الأکادیمیة الأمریکیة. وبعدها بعامین خصصت الدوریة الفصلیة لدراسات الکلام Quarterly Journal of Speech منتدى العدد رقم 77 للبلاغة النقدیة. ویبدو أن دعوته لتأسیس مشروع البلاغة النقدیة قد لاقت استجابة من بعض دارسی البلاغة الأمریکیین؛ یظهر ذلک من القائمة الکبیرة، غیر الشاملة، التی أورد فیها مکرو الدراسات البلاغیّة التی تنتمی للبلاغة النقدیة([24]). تهتم البلاغة النقدیة بنقد الخطاب لا إنشائه. هذا النقد یُمارَس بشکل أساس على الخطابات العامة، مثل المقالات الصحفیة والبرامج الإذاعیة والتلیفزیونیّة ...إلخ، التی یرى مکرو أنها وإن لم تکن فی حد ذاتها نصوصًا راقیة فإنها تمارس تأثیرًا کبیرًا، خاصة فی تشکیل الثقافات الشعبیة. ویتخذ مشروع البلاغة النقدیة من هذه الخطابات العامة مادة لتحلیله؛ خاصة تلک التی تُسهم فی إنجاز القهر والقمع[25]. تتمثل أدوات مشروع البلاغة النقدیة فی بعض المفاهیم النظریة، وبعض مبادئ للممارسة. تتضمّن قائمة المفاهیم عددًا محدودًا من المفاهیم المأخوذة عن أدبیات النظریة النقدیة، وبعض توجّهات ما بعد الحداثة؛ خاصة منهاج فوکوه فی تحلیل الخطاب، مثل: السُلطة Power، الخطاب Discourse، المساءلة Critique، الهیمنة Hegemony، التشظی Fragmentation. وفی الواقع، فإن البناء النظری الذی تدخل فیه هذه المفاهیم لا یتأسس بوضوح. وکانت عنایة مکرو بالتأسیس النظری لمشروعه محدودة فی کل دراساته حول البلاغة النقدیة. تعددتْ السیاقات التی یؤکد فیها مکرو أن مشروع البلاغة النقدیة لا یقدم منهجًا أو إجراءات للبحث، ولا یقترح أدوات، أو عملیات، أو منطلقات للتحلیل. ویتبنى مفهومًا للبلاغة تصبح فیه نقدًا، تُنظمه مبادئ للممارسة Principles of Practice. هذه المبادئ - بحسب ما یقدمه یازنسکی (2001)- هی: "المبدأ الأول: النقد ممارسة ولیس منهجًا. ومن ثمّ، فإن عملیة الفهم لا تنفصل عن عملیة التقییم. المبدأ الثانی: الخطاب السلطوی خطاب مادی. فالخطاب لا یصف العالم فحسب بل یخلق ما یُدرک بوصفه حقیقة فیه. المبدأ الثالث: تکوِّن البلاغة معرفةً اعتقادیة doxatic، ولیس معرفة ابستمولوجیة epistemic. فالبلاغة النقدیة وظیفیة، ترمی إلى البحث فی الکیفیة التی توجِد بها الممارسات الخطابیة السلطة. المبدأ الرابع: الاسمیة Nominalization فعلٌ محوری فی الإنشاء البلاغی. المبدأ الخامس: الأثر لیس هو السببیة. المبدأ السادس: الغیاب له نفس أهمیة الحضور فی فهم الفعل الرمزی وتقییمه. والنقطة الأساسیة فی هذا المبدأ هی: أهمیة ما یقال ربما لا تماثل أهمیة ما لا یقال فی کثیر من الحالات. المبدأ السابع: ینطوی التشظی على إمکانیّة تعدد التأویلات ولیس التأویل الأحادی. المبدأ الثامن: النقد أداء. ویرتبط هذا المبدأ بکون البلاغة ممارسة، ولیست منهجا للتحلیل"([26]). تقوم المبادئ السابقة بوظیفة الإطار العام الذی قد یوجِّه إدراک البلاغی النقدی لکلٍّ من طبیعة المعرفة التی یمارسها؛ أعنی البلاغة، وطبیعة المادة التی یقوم بدراستها؛ أعنی الخطاب. وتهدف هذه المبادئ، کما صرح ماکرو بشکل مباشر، إلى وضع البلاغة فی فضاء ما بعد حداثی. ما الذی یمکن أن یفیده القارئ العربی من توجّه البلاغة النقدیة؟ تکمن أهمیة البلاغة النقدیة للقارئ العربی فی ثلاثة أمور: الأول: أنها تحوِّل اهتمام الباحث البلاغی من تحلیل النصوص الأدبیة إلى تحلیل الخطابات الاجتماعیّة السیاسیّة؛ والثانی: أنها تمنح علم البلاغة غایة عملیّة هی مساءلة سلطة الخطاب؛ والثالث: أنها تحاول أن تقدم منظورًا ما بعد حداثیًا للبلاغة، یربطها بخطابات المهمّشین، ویستکشف واقع التشظی فی الخطاب، ویکرِّسها لغایة مساءلة السلطة. ومن ثمّ، فإن البلاغة النقدیة تسهم فی تغییر إدراکنا لحدود علم البلاغة وماهیته، وبالأخص لطبیعة الأسئلة التی یطرحها، والمدونات التی یعمل علیها. ومع ذلک، فإن هشاشة التأسیس النظری والمنهجی للبلاغة النقدیة یضع صعوبات أمام تبنیها بوصفها مقاربة بلاغیّة. وفی الحقیقة، فإن البلاغیّ العربیّ الذی یسعى إلى دراسة الأبعاد البلاغیّة للخطابات السلطویة یمکنه أن یفید من مقاربات معرفیة أخرى أکثر ترسخًا وشمولا مثل الدراسات النقدیة للخطاب Critical Discourse Studies. قراءات إضافیة فی البلاغة النقدیة: McKerrow, R. E. (1989). Critical rhetoric: Theory and praxis. Communications Monographs 56(2), 91-111.. Zompetti, J. P. (1997). Toward a Gramscian critical rhetoric. Western Journal of Communication 61(1), 66-86.. Murphy, J. M. (1995). Critical rhetoric as political discourse. Argumentation and Advocacy, 32(1), 1. خامسًا: القراءة الفاحصة: المقاربة الوصفیة للنص البلاغی إنّ القراءة الفاحصة – بحسب یازنسکی – إحدى أکثر الحرکات أهمیة فی النقد البلاغی. ویرجع ظهورها إلى أوائل ثمانینیات القرن العشرین بواسطة إسهامات تشارلز ریدنج Redding و ج .ب .موهرمان Mohrmann. وقد استندتْ فی مشروعیة ظهورها إلى النقد الذی وجهه موهرمان للدراسات البلاغیّة؛ إذ ارتأى أن الکم الکبیر من المناهج البلاغیّة النقدیة الذی ظهر فی ستینیات وسبعینیات القرن العشرین لم یُمکّن البلاغیین من تحلیل المکونات الداخلیة للنصوص البلاغیّة. ویلخص یازنسکی نقد موهرمان، فی أن نقاد الأدب اختاروا أن یدوروا حول موضوعات دراستهم دون أن یلجوها. وللخلاص من هذا المأزق وجد موهرمان العزاء فی نقاد الأدب الذین یحفرون فی أعماق الکلام. وذهب إلى أن دارسی الأدب یقدمون نموذجًا ملهمًا ومشبعًا بالنصائح التی یجب أن یحتذیها البلاغیون. ومن هنا، فإن القراءة الفاحصة تُعدُّ وثیقة الصلة بحقل الدراسات الأدبیة والنقد الأدبی[27]. الغایة الأساسیة للقراءة الفاحصة تتمثل فی وضع النصوص بأنواعها فی مرکز النشاط النقدی. ویتخذ رواد القراءة الفاحصة موقفًا نقدیًا من فکرة أن النصوص تتسم بالشفافیة، ویتبنون بدلا من ذلک تصورًا للنصوص بوصفها تنطوی على سلطة وتعقید هائلین. ویحلل یازنسکی الأوصاف التی یقدمها أصحاب توجّه القراءة الفاحصة للنصوص؛ مثل کونها تمتلک "نسیجًا بلاغیًا"، وتنطوی على "تکامل وکثافة"، وأنها "ساحة للأفعال"، وأنها تتشکل من "دینامیات داخلیة". ویُلقی یازنسکی مزیدًا من الضوء على هذه التوصیفات، ویذهب إلى أن القول بأن للنص "نسیجًا texture"، ربما یهدف إلى جذب الانتباه إلى بنیته وعناصره التفاعلیة، ونفى کون النص مجرد مجموعة من الکلمات والجمل والفقرات، لصالح کونه تألیفًا منظمًا من مصادر عدّة (مثل الصور، والأفکار، والحجج). أما القول بأن النصّ یمتلک تکاملا integrity فإنه وسیلة للاعتراف بکلیة النص؛ فالنصوص لیست مقتطفات متنافرة، بل هی بالأحرى منتجات خطابیة مکتملة وموحدة. على نحو مشابه، یرى یازنسکی أن الکتابة عن کثافة النص تُعدُّ وسیلة للاعتراف بثراء المادة التی یحویها بین أعطافه، فالنصوص لیست قواقع فارغة، بل هی بالأحرى خزانات ملفات تحوی داخلها تبصرات - تکاد لا تنتهی - بشأن سیاقاتها الخاصة. وأخیرًا، فإن وصف النصوص بأنها ساحات للأفعال، أو جذب الاهتمام لدینامیاتها الداخلیة، إنما هی طریقة للتأکید على التفاعل بین العناصر والقوى المختلفة التی تشکل النصوص وتصوغها، فالنصوص لیست أشیاء ساکنة، لکنها أحداث تتکشف، وأحیانًا تتحور عبر الزمن[28]. أولى مدشنو القراءة الناقدة اهتمامًا بالخطابة، التی عرّفها لیف Leff (1986)، بأنها "شکل فنی" مثلها مثل الشعر والفن التشکیلی. ویرى لیف أن ثمة تمییزًا بین الخطابة وهذه الفنون، هو أن الخطابة لا تجذب الاهتمام إلى مکوناتها الفنیّة، بل بالأحرى تنفی عن نفسها هذا الاهتمام، وتُعدُّ أکثر نجاحًا حین تذوب فی سیاق الخبرة العادیة، لا الجمالیة. ویخرج من هذا بتعمیم مؤداه أن النص البلاغی یُخفی تقنیاته واستراتیجیاته المؤسِّسة. ومن هنا تأتی أهمیة القراءة الفاحصة؛ لأنها تمکِّن القراء من توظیف آلیات معینة تُعرِّی النص، وتکشف هذه التقنیات والاستراتیجیات. إن القراءة الفاحصة – بحسب إمی سلیجال Slegall- قراءة میکروسکوبیة، ترى بالتدقیق ما تراه القراءة العادیة. ولکی یُنجز القراء الفاحصون هذا یُدققون فی "الکلمات، والصور اللفظیة، والعناصر الأسلوبیة، والجمل، والأنماط الحجاجیة، والوحدات الخطابیة للفقرة الکاملة وما هو أکبر منها لاستکشاف مغزاها جمیعًا، وغایتها فی مستویات متعددة"[29]. یتساءل یازنسکی عن طبیعة الغایة التی تهدف القراءة الفاحصة إلى تحقیقها. ویرى أن غایتها هی فض مغالیق النصوص، بهدف الکشف عن کیفیة عمل نصوص بلاغیّة بعینها مثل الخطب والمقالات السیاسیة. ویمیز یازنسکی بین توجّهین أساسیین فی حرکة القراءة الفاحصة. الاتجاه الأول مهدت طریقه أعمال لوکاس وآخرین، وینقل یازنسکی عن لوکاس تحدیده لغرض الناقد بأنه لیس إعادة صیاغة الکلام بلغته، بل فهمه فهمًا تامًا، بهدف تفتیت عناصره البلاغیّة، ومعرفة کیف توظَّف بشکل فردی، وشرح کیف تتفاعل هذه العناصر لتصوغ النص بوصفه استجابة استراتیجیة فنیّة لتفسیر موقف محدد. وبذلک، فإن القراءة الفاحصة تُظهِر کیف یتفاعل الفن (مثل النحو والأسلوب والبنیة)، مع الاستراتیجیة (مثل الغرض، والحجج الجلیة) لتحقیق تأثیر أداتی[30]. یرى یازنسکی أن الاتجاه الآخر للقراءة الفاحصة ظهر مع بعض الصیغ النظریة الأولیة التی قدمها لیف. والسؤال الذی یشغل لیف فی بحثه هو: "ما العلاقة المناسبة بین النظریة النقدیة والممارسة النقدیة؟". وتهدف هذه المقاربة إلى إثراء المفاهیم النظریة بواسطة تجذیرها فی القراءات النقدیة. هناک کتابات تطبیقیة متعددة تنتمی إلى القراءة الفاحصة، منها دراسة میرفی Murphy 1997، التی حلّل فیها خطاب بیل کلینتون فی ممفیس فی نوفمبر 1993. لقد ألقى کلینتون خطابه أمام تجمع من وزراء أمریکیین من ذوی الأصل الإفریقی. وقد عالج میرفی الخطبة من منظور القراءة الفاحصة بهدف الکشف عن الطرق التی استعملها کلینتون لتوظیف التراث البلاغی الثری الذی ینتمی إلى تقالید الوعظ الدینی الشائعة بین الأمریکیین من ذوی أصل إفریقی، وبخاصة التراث الخطابی لمارتن لوثر کینج[31]. یلخص یازنسکی بعض الانتقادات التی وجّهت لتوجّه القراءة الفاحصة، ومنها النقد الذی وجهه کوندیت Condit لزعم القراءة الفاحصة أنها تمثل قراءةً للمعنى؛ إذ یرى أنها لا تقدم إلا قراءة لعدة خبرات یتیحها النص لمجموعة مختارة. أما وارنیک Warnick فقد انتقد القراءة الفاحصة لکونها تهدف إلى إضافة بُعد سحری احتفالی على خطابات السلطة. إضافة إلى ذلک، انتُقدت القراءة الفاحصة لکونها ترکز على عناصر شکلیة، إذ تکتفی بوصف النص فحسب، وتولی اهتمامًا هامشیًا لدراسة سیاقات النص[32]. وأظن أن ثمة انتقادًا آخر یمکن توجیهه لتوجّه القراءة الفاحصة هو أن معظم الدراسات التی تنتمی إلیها، اتخذت من الخطاب السیاسی عمومًا، والخطابة السیاسیة على نحو الخصوص، موضوعًا لها. ولم یُوجَّه إلا القلیل من الاهتمام للخطابات غیر السیاسیة، وهو ما یجعل مجال حرکتها محدودًا إلى درجة کبیرة. ما الذی یمکن أن یفیده الباحث العربی من توجّه البلاغة الفاحصة؟ على الرغم من أن البلاغة الفاحصة تُعد توجّها مهمًا من توجّهات البلاغة الأمریکیة منذ تسعینیات القرن العشرین، فإن القارئ العربی قد یجد فیها القلیل من الإلهام. یرجع ذلک إلى أن الدراسات العربیة تحتفی، (قبل أن تتعرف بالقراءة الفاحصة)، بالبعدین الوصفی والتأویلی فی تحلیلها للنصوص. وفی الحقیقة، فإن أحد الاتهامات الموجهة لکثیر من الکتابات البلاغیّة العربیة هی أنها تستنفد جل طاقتها فی وصف التشکیل البلاغی للنصوص، دون تجاوز الوصف إلى النقد مثلا. فضلاً عن ذلک، فإن القراءة الفاحصة لا تقدم إطارًا تحلیلیًا، أو نسقًا من المفاهیم النظریة المستقلة، بل بالأحرى مجموعة من المفاهیم المقترضة من النقد الأدبی، وعلم اللسانیات. ویمکن أن یتعزز توجه القراءة الفاحصة بواسطة الإسهام العربی الثری فی حقل التحلیل النصی؛ فالبلاغة العربیة الکلاسیکیة ترکت تراثًا هائلا من التحلیلات النصّیة، وقوائم شدیدة الثراء من الأسالیب، وخبرات متراکمة بشأن عملیات إنتاج المعنى. وآمل أن یتمکن البلاغیون العرب من تقدیم هذه الإسهامات على نحو دقیق للقارئ غیر العربی. قراءات إضافیة فی القراءة الفاحصة: Beers, G. K., & Probst, R. E. (2013). Notice & note: Strategies for close reading. Portsmouth, NH: Heinemann. Wolfreys, J. (2000). Readings: Acts of close reading in literary theory. Edinburgh University Press. البلاغة والإیدیولوجیا: البلاغة فی آتون الصراعات الفکریة لا أقدم فی هذا الجزء توجّها بلاغیًا، کما هو الحال - مثلا - فی البلاغة عبر الثقافات أو بلاغة المرئی، بل أقدم منطقة بحث، خصوصیتها أنها تعالج العلاقات المعقدة بین البلاغة والإیدیولوجیا. والتمییز الذی أضعه بین التوجّه المعرفی ومنطقة البحث یستند إلى مفهوم خاص محدد لکلیهما. فمصطلح التوجّه البلاغی – کما أستعمله – یشیر إلى حزمة من البحوث التی تشترک فی - وتطوِّر- منطلقاتها النظریة، وأسئلتها البحثیة، ومنهجیاتها أو مقارباتها، ومادة بحثها. فبلاغة المرئی، على سبیل المثال، تنطلق من أسس نظریة تُستمد من علوم السیمیوطیقا والفنون وغیرها، وتطوّر منهجیات مشترکة فی تحلیل المرئی، وتتشارک أسئلة معرفیة محددة، مثل العلاقة بین اللفظی والبصری، وکیفیة إنجاز المرئی للإقناع والتأثیر ...إلخ، وتشترک فی مادة بحثها؛ وهی العلامات المرئیة على تنوعها. أما منطقة البحث، فهی حزمة من الدراسات تشترک – فحسب - فی موضوعات بحثیة تکرّس لها اهتمامها. فمنطقة البحث فی تاریخ البلاغة – على سبیل المثال - تضم البحوث المکرّسة لدراسة تاریخ البلاغة. وفی إطار منطقة البحث فی تاریخ البلاغة تعمل العدید من المقاربات والمنهجیات والتوجهات، وتُطرح العدید من الأسئلة المعرفیة المتباینة، وتتنوع المنطلقات النظریة المستند إلیها. إن التمییز بین التوجّه البلاغی ومنطقة البحث البلاغی قد لا یکون – ولا یجب أن یکون – صارمًا. إذ یمکن أن تتحول مجموعة بحوث فی منطقة بحث ما إلى توجّه بحثی إذا نجحت فی تطویر منهجیات، وأسس نظریة، وأسئلة معرفیة مشترکة. والعکس صحیح، إذ یمکن أن ینکمش توجّه بحثی لیکون منطقة بحث إذا لم یوفّق فی تطویر هذه العناصر المشترکة. ومن زاویة أخرى، فإن منطقة البحث یمکن أن تحتوی على أکثر من توجّه؛ ومنطقة البحث فی الإیدیولوجیا مثال على ذلک؛ إذ تضم توجّهات البلاغة النقدیة، والإیدیوجراف، والبلاغة النسویة، والبلاغة الأفروأمریکیة، وغیرها. وقد أدرجتُ منطقة البحث فی البلاغة والإیدیولوجیا فی دراستی انطلاقًا من الأهمیّة الکبیرة التی یشغلها هذا الحقل فی البلاغة الغربیة المعاصرة، والآثار الإیجابیة التی یمکن أن تعود على البلاغة العربیة المعاصرة من التلاقح مع دراساته، على نحو ما سأوضح بالتفصیل لاحقًا. یعود ازدهار منطقة البحث فی العلاقة بین البلاغة والإیدیولوجیا إلى ثمانینیات القرن العشرین | ||||
References | ||||
أولاً: العربیة: الجاحظ. عمرو بن بحر. (ت255). البیان والتبیین. تحقیق عبد السلام هارون، مکتبة الخانجی بالقاهرة، ط7، 1998، ج3، ص 6-13. الجوینی، مصطفى. (1995). مدارس البلاغة المعاصرة. دار المعرفة الجامعیة، الإسکندریة. سلوان، توماس. (تحریر) موسوعة البلاغة، نشر جامعة أکسفورد، ترجمة نخبة، وإشراف وتقدیم، عماد عبد اللطیف، نشر المرکز القومی للترجمة، 2016. عبد اللطیف، عماد. (2012). البلاغة والتواصل عبر الثقافات. الهیئة العامة لقصور الثقافة، مصر. عبد اللطیف، عماد. (2016). مبادئ البلاغة: کیف نطوع البلاغة القدیمة لدراسة الخطابة المرئیة. ضمن "بلاغة الخطاب السیاسی"، منشورات الاختلاف ودار الأمان، الجزائر والمغرب. عبد اللطیف، عماد. (2011). نقد بلاغة السلطة، وتقویض سلطة البلاغة. مجلة نزوى، سلطنة عُمان، عدد 66، 49-58. عبد المنعم، محمد نور الدین. (2008). البلاغة العربیة وأثرها فی نشأة البلاغة الفارسیة وتطورها. المجلس الأعلى للثقافة. اللواتی، إحسان. (2014). علوم البلاغة عند العرب والفرس، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت. ثانیًا: الأجنبیة: Enkvist, N. E. (1997). Why we need contrastive rhetoric. Alternation, 4 (1), 188-206. Blakesley, D. (2004). Defining film rhetoric: The case of Hitchcock’s Vertigo. Defining visual rhetorics, 111-133. Connor, U. (2004). Introduction. Journal of English for Academic Purposes 3 (2004) 271–276. Goggin, M. D. (2004). Visual rhetoric in pens of steel and inks of silk: Challenging the great visual/verbal divide. Defining visual rhetorics, 87-110. Helmers, M. (2004). Framing the fine arts through rhetoric. Defining visual rhetorics, 63-86. Jasinski, j. (2001). Sourcebook on Rhetoric: Key Concepts in Contemporary Rhetorical Studies. Thousand Oaks, Calif: Sage Publications. Kaplan, R. (1966). Cultural Thought Patterns in Intercultural Education. Language Learning, 16(1): 1-20. Lucaites, J. L., Condit, C. M., & Caudill, S. (Eds.). (1999). Contemporary rhetorical theory: A reader. Guilford Press. Sarangi, S. (1995).Culture. In J. Verschueren, J. Stman, & J. Blommaert (Eds.). Handbook of pragmatics, Philadelphia: John Benjamin. Ulrich, M. (2015). Seeing Is Believing: Using the Rhetoric of Virtual Reality to Persuade. Young Scholars in Writing, 9, 5-18. Zappen, J. P. (2005). Digital rhetoric: Toward an integrated theory. Technical Communication Quarterly, 14(3), 319-325. | ||||
Statistics Article View: 391 PDF Download: 208 |
||||