المحددات الاقتصادية الکلية لهجرة العمل الدولية (دراسة حالة للهجرة من مصر الى المملکة العربية السعودية)

   تتعدد أسباب الهجرة الدولیة للعمل فی الدول النامیة لتشمل أسباب اقتصادیة وغیر اقتصادیة. ویتباین الأدب الاقتصادی بشأن المحددات الاقتصادیة الکلیة للهجرة رغم أهمیتها، وذلک لعدم وجود نظریة اقتصادیة وحیدة أونموذج وحید یفسر الهجرة الدولیة للعمل بکفاءة. ویهدف هذا البحث الى تحدید المحددات الاقتصادیة الکلیة للعمالة المصریة المهاجرة للمملکة العربیة السعودیة للفترة 1987-2016(حیث تستوعب المملکة العربیة السعودیة النسبة الأکبر من العمالة المصریة المهاجرة) باستخدام نموذج شبه لوغاریتمی، وتقدیره بطریقة المربعات الصغرى العادیة، فضلاً على اختبارات سببیة کرانجر. وقد أکدت النتائج على وجود أثر معنوی للمحددات الاقتصادیة الکلیة ( وقد فاق أثر النمو الاقتصادی ومعدل الفائدة علی القروض فی مصر وسعر الصرف الاسمی آثار المتغیرات الأخرى) وسببیة واضحة من تلک المحددات للعمالة المصریة المهاجرة، وهو ما یستوجب ربط تلک النتائج بالتغیر فی السیاسات الاقتصادیة المستخدمة .

 

هجرة العمل الدولیة، المحددات الاقتصادیة الکلیة، عوامل السحب والدفع، مصر

 

المحددات الاقتصادیة الکلیة لهجرة العمل الدولیة

(دراسة حالة للهجرة من مصر الى المملکة العربیة السعودیة)

 

 

مستخلص

   تتعدد أسباب الهجرة الدولیة للعمل فی الدول النامیة لتشمل أسباب اقتصادیة وغیر اقتصادیة. ویتباین الأدب الاقتصادی بشأن المحددات الاقتصادیة الکلیة للهجرة رغم أهمیتها، وذلک لعدم وجود نظریة اقتصادیة وحیدة أونموذج وحید یفسر الهجرة الدولیة للعمل بکفاءة. ویهدف هذا البحث الى تحدید المحددات الاقتصادیة الکلیة للعمالة المصریة المهاجرة للمملکة العربیة السعودیة للفترة 1987-2016(حیث تستوعب المملکة العربیة السعودیة النسبة الأکبر من العمالة المصریة المهاجرة) باستخدام نموذج شبه لوغاریتمی، وتقدیره بطریقة المربعات الصغرى العادیة، فضلاً على اختبارات سببیة کرانجر. وقد أکدت النتائج على وجود أثر معنوی للمحددات الاقتصادیة الکلیة ( وقد فاق أثر النمو الاقتصادی ومعدل الفائدة علی القروض فی مصر وسعر الصرف الاسمی آثار المتغیرات الأخرى) وسببیة واضحة من تلک المحددات للعمالة المصریة المهاجرة، وهو ما یستوجب ربط تلک النتائج بالتغیر فی السیاسات الاقتصادیة المستخدمة .

 

  کلمات مفتاحیة :

هجرة العمل الدولیة، المحددات الاقتصادیة الکلیة، عوامل السحب والدفع، مصر

 

 

  مقدمة:

1.  مشکلة البحث:

     مع نهایة الحرب الباردة وبدایة عصر العولمة فی بدایة عقد التسعینات من القرن العشرین، ازدادت الهجرة من الدول النامیة الى الدول المنتجة للبترول والدول المتقدمة. وقد أسهمت العولمة الاقتصادیة فی زیادة موجات الهجرة الدولیة للعمل، حیث أصبحت الهجرة سمة عامة للاقتصاد العالمی.ومع ازدیاد معدلات الهجرة على مستوى العالم⁾¹⁾، رکزت منظمة العمل الدولیة على تحلیل اتجاهات الهجرة وأسبابها، خاصة للدول النامیة ذات مستوى الدخل المنخفض،التی تعد المصدر الأساسی للمهاجرین. وتتعدد أسباب الهجرة الدولیة للعمل- مما یجعل ادارة الهجرة الدولیة للعمل تشکل تحدیاً عالمیاً خاصة مع القرن الحادی والعشرین- لتشمل أسباب دیموغرافیة وسیاسیة واقتصادیة واجتماعیة(انظرشکل(1) فی ملاحق البحث)، وعلى الرغم من ذلک،تبدو الأسباب والمحددات الاقتصادیة أکثر أهمیة، الا أن الأدب الاقتصادی اختلف بشأنها.

وتعد مصر احدى الدول النامیة ذات الکثافة السکانیة المرتفعة، وقد أصبحت الهجرة الدولیة للعمالة المصریة سمة عامة لاقتصادها، حیث بلغت العمالة المهاجرة 3.6، 8 ملیون مهاجر للسنوات 2006، 2013 على التوالی. وتعد الدول العربیة المنتجة للبترول هی الأکثر استیعاباً للعمالة المصریة المهاجرة بعد الطفرة البترولیة الأولی فی عام1973⁾²⁾ انظر جدول(2) بملاحق البحث. وتؤکد دراسة Wahba(2014) أن أغلب العمالة المصریة المهاجرة (15% من الأسر المصریة لهم مهاجر حالی) خلال العقود الأربعة الماضیة تنتمی للفئة الأکثر تعلیماً (وصلت نسبتها الى 22.6% من اجمالی المهاجرین فی الفترة 2010- 2012، بینما کانت فی عقد الثمانینات11.8%) ومن الریف أکثر من المدن.الا أن أغلب العمالة المصریة المهاجرة تکون مؤقتة فی طبیعتها⁾³⁾.ویؤیدآخرون ما سبق، بأن أغلب الهجرة من الدول النامیة الى الدول العربیة تکون مؤقتة ،بینما أغلب الهجرة للدول المتقدمة تکون دائمة⁾⁴⁾ .

وتستوعب المملکة العربیة السعودیة النسبة الأکبر (النصف تقریباً فی نهایة عام 2012) من العمالة المصریة المهاجرة، خاصة بعد حرب الخلیج والثورات العربیة، وهو ما یوضحه جدول(2) بملاحق البحث.ویوضح شکل(2) بملاحق البحث زیادة تحویلات العاملین المصریین بالخارج خلال الفترة 1987 -2016، وهی الفترة التی شهدت زیادة فی أعداد العمالة المصریة المهاجرة للمملکة العربیة السعودیة،والتی یوضحها شکل(3) بملاحق البحث. وبالنظر الى المؤشرات (المحددات الاقتصادیة للهجرة) الاقتصادیة الکلیة للاقتصاد المصری للفترة 1987-2016( یوضحه جدول 3 فی ملاحق البحث ) نلاحظ أن الاقتصاد المصری، قد شهد تباین واضح فی قیم المحددات الاقتصادیة الکلیة للهجرة خلال العقود المختلفة .فلقد تواجد انخفاض واضح فی متوسط الأجر الحقیقی، وارتفاع معدل البطالة، وسعر الصرف الاسمی( للریال السعودی مقابل الجنیه المصری) والتحویلات للعاملین بالخارج خلال تلک الفترة ،مما دفع العمالة المصریة للهجرة للخارج. أما معدل التضخم فقد شهد انخفاض نسبی ثم ارتفاع خلال الفترة 2011-2016 ،بینما شهد معدل النمو الاقتصادی تقلباً واضحاً بالزیادة ثم النقص، ثم ارتفاع خلال الفترة 2011-2016. وقد تزاید الائتمان الحقیقی للقطاع الخاص خلال الفترة 1987-2016 رغم ارتفاع تکلفة القروض. ولاشک أن ما سبق یُثیر التساؤل حول أثر تلک المتغیرات الاقتصادیة الکلیة على هجرة العمالة المصریة ،وهل هناک محددات أخرى للهجرة لتلک العمالة ،خاصة مع تباین الأدب الاقتصادی حول تلک المحددات، وعدم وجود نظریة اقتصادیة وحیدة مفسرة للهجرة.

وقد أسهمت عوامل عدیدة (بجانب المحددات الاقتصادیة الکلیة ) فی زیادة هجرة العمالة المصریة للمملکة العربیة السعودیة أهمها:وحدة الدین واللغة والثقافة بین البلدین، اتباع المملکة مبادئ الشریعة الاسلامیة والتعاون الدائم مع مصر فی أوقات الأزمات، امکانیة أداء فرائض الحج والعمرة بسهولة، توفر مکاتب وشبکات عدیدة لهجرة العمالة ،اتساع النشاط الاقتصادی داخل المملکة العربیة السعودیة ،تحمل الطرف المستقبل للعمالة فی المملکة لکافة تکالیف السفر والتأمین الصحی،توفر الخدمات المختلفة والمعلومات عن المهاجرین وفرص العمل داخل المملکة، عدم وجود أیة قیود على التحویلات المالیة للعمالة المصریة ،فضلاً على التطور المالی والمصرفی داخل المملکة.

وهکذا تتلخص مشکلة البحث فی السؤال الآتی ماهی المحددات الاقتصادیة الکلیة لهجرة العمالة المصریة الى المملکة العربیة السعودیة؟ ویتضمن هذا السؤال أسئلة فرعیةهی: ماهی المحددات الاقتصادیة الکلیة للهجرة الدولیة فی الأدب الاقتصادی؟،ماهی النظریات المفسرة للهجرة الدولیة ؟، ماهی المحددات الاقتصادیة الأکثر أثراً على العمالة المصریة المهاجرة للمملکة العربیة السعودیة؟،هل توجد علاقة سببیة بین هجرة العمالة المصریة وتلک المحددات؟، وماهی المقترحات المقدمة؟.

2. أهداف البحث: یهدف البحث الى تحدید المحددات الاقتصادیة الکلیة التی تدفع العمالة المصریة للهجرة الى المملکة العربیة السعودیة، ویتطلب ذلک استعراض:الدوافع والآثار للهجرة، الأدب الاقتصادی للمحددات الاقتصادیة للهجرة ، بناء نموذج لاختبار أثر المحددات الاقتصادیة الکلیةعلى هجرة العمالةالمصریة الى المملکة العربیة السعودیة ،وتقدیم مقترحات یمکن الاستفادة منها .

3. أهمیة البحث :تتمثل فی :1) من الناحیة النظریة: یمثل محاولة لسد ثغرة فی الأدب الاقتصادی العربی، تتعلق بالمحددات الاقتصادیة الکلیة لهجرة العمل الدولیة.2) ومن الناحیة العملیة یوضح أهم المحددات الاقتصادیة الکلیة لهجرة العمالة المصریة الى المملکة العربیة السعودیة لاستیعابها النسبة الأکبر من العمالة المهاجرة.3) قلة وندرة الدراسات بشأن تلک المشکلة فی مصر فی إطار زمنی. 4) تقدیم توصیات لصانعی السیاسة فی مصر، بشأن الهجرة الدولیة مبنیة على نتائج فعلیة.

4. منهج البحث :تم استخدام منهج الاقتصاد القیاسی، الذی یتضمن إطاراً نظریاً لمشکلة البحث، وإطاراً تطبیقیاً للمحددات الاقتصادیة الکلیة للعمالة المصریة المهاجرة الى المملکة العربیة السعودیة ، باستخدام نموذج قیاسی للوصول إلى نتائج دقیقة ووضع التوصیات المناسبة.

5. مصادر البیانات: تم الاعتمادعلى احصائیات الهجرة الدولیة International Migration Statistics، وقاعدة بیانات البنک الدولی World Bank ، فضلاً على بیانات مؤسسة النقد العربی السعودی  للحصول على بیانات البحث.

6.الحدود الزمنیة للبحث وتحدید المفاهیم:تم الترکیز على الفترة 1987-2016 م ، لأن البیانات قبل عام 1987 عن الهجرة وبعض المتغیرات المؤثرة تعد نادرة،کما أن تلک الفترة شهدت زیادة واضحة فی أعداد المهاجرین من مصر للمملکة العربیة السعودیة.وقد تم استخدام عام 1995 کسنة أساس لکل من مصر والمملکة العربیة السعودیة لتمتعه بالاستقرار النسبی.

*وفی اطار مفاهیم البحث تم الترکیز على:1) الهجرة الدولیة الشرعیة أو النظامیة المؤقتة للعمل من مصر للمملکة العربیة السعودیة.2) تدفقات الهجرة سنویاً ولیس رصید الهجرة للعمالة المصریة فی المملکة العربیة السعودیة.3) المحددات الاقتصادیة الکلیة فقط للهجرة الدولیة للعمل.4) التحویلات النقدیة من العاملین المصریین فی الخارج ککل ،لعدم وجود بیانات تخص المملکة العربیة السعودیة.

7. خطة البحث: یتضمن البحث مقدمة موجزة اشتملت علی مشکلة البحث ،أهدافه ،أهمیته، منهجه ،حدوده الزمنیة والمفاهیمیة فضلاً علی أربعة أقسام أساسیة ،یختص أولها بإیضاح دوافع وآثار هجرة العمل الدولیة،وثانیهما المحددات الاقتصادیة لهجرة العمل الدولیة فی اطار الأدب الاقتصادی،ویتناول ثالثهما النموذج المستخدم ونتائجه العملیة ،وأخیراً یتم استعراض نتائج وتوصیات البحث.

أولاً: هجرة العمل الدولیة (الدوافع والآثار) :

تشیر کلمة هجرة الى الحرکة والانتقال من مکان لآخر، لتحقیق الأغراض التی یهاجر من أجلها الانسان.وتُعرِف منظمة الهجرة الدولیة والأمم المتحدة الهجرة الدولیة للعمل، بأنها حرکة أو انتقال أفراد یترکون بلدهم أو بلد اقامتهم من أجل الاقامة بصفة مؤقتة(لمدة 12 شهر أو أکثر) أو دائمة فی بلد آخر بصرف النظر عن الهدف من ذلک⁾⁵⁾. وتتعدد المصطلحات الانجلیزیة المستخدمة للدلالة على الهجرة،فیشیر مصطلح (in)Migration الى الهجرة الداخلیة من مکان لآخر داخل حدود الدولة، بینما یشیر مصطلح International Migration الى الهجرة الدولیة أو الخارجیة من دولة الى أخرى.ویستخدم مصطلح Emigration للدلالة على الهجرة من وجهة نظر الدولة الأم أوالمصدرHome/SourceCountry)هی الدولة التی ینتمی لها العمالة المهاجرة)،بینما یستخدم مصطلحImmigration  للدلالة على الهجرة من وجهة نظر الدولة المضیفةأو دولة الوصولHost /Destination Country  وهی الدولة التی یتجه الیها العمالة المهاجرة للعمل فیها⁾⁶⁾.

وقدیماً ارتبطت الهجرة بوجود الانسان، حیث لم یستطیع السیطرة على الطبیعة والتدخل فیها ، فکانت الهجرة وسیلة للإنسان للحصول على احتیاجاته، والمواد الأساسیة لحیاته. ومع تطور البشریة وزیادة التقدم التکنولوجی والعولمة استمرت الهجرة وازدادت معدلاتها⁾⁷⁾.ویقسم الاقتصادیون تاریخ الهجرة الدولیة الى خمسة فترات⁾⁸⁾:الأولى الفترة التجاریة(1500-1800م،حیث ترکزت تدفقات المهاجرین من أوروبا الى أمریکا وافریقیا وآسیا والیونان لأهداف استعماریة )،والفترة الصناعیة (من بدایة القرن التاسع عشر،وقد نشأت من التطور الصناعی فی أوروبا وانتشار الرأسمالیة لمناطق بالعالم الجدید )،والفترة التالیة للحرب العالمیة الأولی(وهی امتداد لما سبق) وفترة ما بعد الصناعة (من منتصف عقد الستینات حتی 1989،والتی ازدادت فیها الهجرة من افریقیا وآسیا وأمریکا اللاتینیة) وأخیرا الهجرة فی فترة العولمة،والتی ازدادت فیها الهجرة من الدول النامیة لدول متقدمة ومنتجة للبترول.

وتتعدد تصنیفات الهجرة الدولیة للعمل⁾⁹⁾:1)حسب ارادة الفرد : توجد الهجرة الاختیاریة التی تتم وفقاً لإرادة الفرد،فی بیئة من قیود سوق العمل والقیود المؤسسیة ، والهجرة الاجباریة التی تحدث لأسباب تُجبِر الفرد على الهجرة،مثل النزاعات وتفشی العنف والاضطهاد وعدم استقرار النظام. وهناک الهجرة المختلطة التی تتم لأسباب سیاسیة واقتصادیة. 2) حسب دوام الهجرة: هناک الهجرة المؤقتة وتعنی التزام دائم أقل بدولة الوصول،اما لأن هدف المهاجر العودة لدولته الأم،أو لأن الدولة المضیفة تحد من اقامته) ،والهجرة الدائمة التی لا تتضمن أیة رغبة من المهاجر فی العودة.3) حسب شرعیة أو قانونیة الهجرة: توجد الهجرة الشرعیة التی تحدث من خلال القنوات المسموح بها بین الدول) والهجرة غیر الشرعیة التی تحدث بدون تأشیرة دخول قانونیة، ویطبق على المهاجر عقوبات عدیدة. ویؤکد تقریر الهجرة الدولیة لعام 2015 أن النسبة الأکبر من الهجرة تکون اختیاریة ومؤقتة. کما أن الهجرة غیر الشرعیة لا مجال لمناقشتها، لأنها مخالفة لأحکام القانون وهو ما یبرر حدود بحثنا.

ویعد موضوع الهجرة الدولیة للعمل ذو أهمیة لأسباب عدیدة:

1- زیادة عدد المهاجرین على المستوى الدولی، ففی الفترة 1908-1957 بلغ عدد المهاجرین دولیاً 15.7 ملیون شخص،ثم ازداد عدد المهاجرین من 75 الى 154 الى 175 الى 244  ملیون مهاجر خلال الأعوام 1965 ،1990،2001، 2015 على التوالی. وتعد الدول النامیة الفقیرة هی المصدر الأساسی لتلک التدفقات. ویتوقع تقریر الهجرة الدولیة لعام2015 أن یصل عدد المهاجرین دولیاً الى 450 ملیون فی عام 2050 ⁾¹⁰⁾.

2- لهجرة العمل الدولیة آثاراً عدیدة على حیاة المهاجرین وعائلاتهم، وعلى اقتصادیات الدولة الأم والمضیفة، مما یزید من صعوبة دراسات الهجرة. فللهجرة آثاراً ایجابیة على الدولة الأم(کخفض معدلات البطالة والتفاوت فی توزیع الدخول والعجز الخارجی وزیادة المهارة للمهاجرین) وأخرى سلبیة کاستنزاف الخبرات وضعف الانتاجیة والنمو والتنمیة،ونقل ثقافات مغایرة لطبیعة تلک الدول.کما تتواجد آثاراً ایجابیة للهجرة على الدولة المضیفة(سد النقص فی الوظائف،انتاجیة المهاجر غالباً أعلى من مواطنی الدولة مقارنة بأجره)وأخرى سلبیة کمزاحمة المهاجرین سکان الدولة فی فرص التوظف ،وقبولهم أجر منخفض،زیادة العبء على الموازنة العامة، واحتمال حدوث مشاکل اجتماعیة وسیاسیة⁾¹¹⁾.

3- من الصعب السیطرة على الهجرة الدولیة للعمل (الهجرة الداخلیة یمکن السیطرة علیها من خلال السیاسات المختلفة للدولة) الا أن الحکومات تسعى لتنظیم الهجرة من خلال الاجراءات وتأشیرات الدخول والرقابة على حدود الدولة⁾¹²⁾. وعلى الرغم من وجود نظریات ونماذج عدیدة مفسرة لها،الا أنها عجزت عن تفسیرها بکفاءة. وتتعدد الأسباب وراء الهجرة الدولیة لتشمل أسباب اقتصادیة وغیر اقتصادیة (انظر شکل(1) فی ملاحق البحث)،وهو ما یشکل قیوداً عدیدة على الباحثین فی الهجرة الدولیة⁾¹³⁾ .

4- یؤکد تقریر الهجرة الدولیة لعام 2015 على توجه أغلب المهاجرین من سکان الدول العربیة الى دول مجلس التعاون الخلیجی ،مع حدوث الطفرة البترولیة الأولى فی عام 1973.وقد استمر هذا الاتجاه خاصة مع حدوث الثورات العربیة وانهیار لیبیا وسوریا والیمن. ففی عام 2013 استوعبت المملکة العربیة السعودیة وحدها 9.1 ملیون مهاجر من الدول العربیة، یلیها الامارات العربیة، حیث استوعبت 7.8 ملیون مهاجر⁾¹⁴⁾ .

5- مع زیادة اندماج الاقتصاد العالمی وزیادة التقدم التکنولوجی، أصبحت الهجرة الدولیة تستجیب أکثر للحوافز الاقتصادیة،وازدادت امکانیة الحصول على المعلومات عن المحددات الاقتصادیة ، کما أصبح قرار الهجرة أسهل من خلال شبکات المعلومات على مستوى العالم ⁾¹⁵⁾.

وتتعدد النظریات التی فسرت الهجرة الدولیة للعمل سواء فی إطارجزئی أو کلی⁾¹⁶⁾:ففی اطار الاقتصاد الجزئی ظهرت النظریة الاقتصادیة النیوکلاسیکیةNoe-classical EconomicTheory (ترى أن اختلافات الأجور بین الدول هی السبب الرئیسی للهجرة ،حیث یزداد الأجر فی الدول التی بها نقص فی عرض العمل ،وهی الدول المضیفة للمهاجرین) ونظریة الاقتصاد الحدیثNew Economic Theory( التی قدمها Stark 1991 ،وقد أوضحت أن قرار الهجرة یتم على مستوى العائلة ،التی تسعی لخفض المخاطر فی الدخل من خلال الهجرة ،التی تضمن عوائد وتحویلات تسهم فی زیادة الاستهلاک والاستثمار للعائلة فی الدولة الأم) ونظریة رأس المال البشریHuman Capital Theory (أوضحها Sjaadstad1962 وترى أن الهجرة اختیاریة ، وتکون لأفراد ذوی خصائص شخصیة واجتماعیة کالعمر والمهارة والتعلیم والرغبة فی المخاطرة وغیرها) ونظریة الشبکاتNetworks Theoryالتی قدمها Esveldt  et al 1995التی ترى أن هناک روابط بین المهاجرین وغیرهم تشبه الشبکات ،التی تقدم الدعم والمساعدة والمعلومات ،التی تقلل من تکالیف ومخاطر الهجرة وتشجع علیها، الا أن تلک الشبکات یکون لها أثر عکسی على دوام الهجرة ،وهو ما أوضحه Bauer &Gang(1999).

وفی إطار النظریات المفسرة للهجرة التی استندت على المدخل الکلی فی التحلیل⁾¹⁷⁾:ظهرت نظریة سوق العمل المزدوج Dual Labor Market Thoery(التی قدمهاPoire (1979) ;Massey et al(1993) وترى أن هناک سوق عمل أولی کثیف رأس المال یحتاج لعمالة ماهرة فی الدول المتقدمة، وآخر ثانوی کثیف العمل یحتاج لعمالة أقل مهارة تکون متوافرة فی الدول النامیة، وأن الهجرة الدولیة تنشأ من طلب الدول المتقدمة على العمالة من السوق الثانوی المتاحة فی الدول النامیة ،وبتقدیم أجر أعلى لها) ونظریة الحرمان النسبیة Relative Deprivation Theory(التی قدمها Stark& Taylor(1989)والتی أوضحت أن التفاوت فی الدخول فی الدول النامیة یکون دافع وحافز کبیر للهجرة الدولیة للعمل) والنظریة الکینزیة Keynesian Theory( ترى أن الهجرة تزداد للدول التی بها أجر اسمی مرتفع ،وتتدفق من الدول التی بها معدلات بطالة مرتفعة ،وأن الهجرة آلیة توازن تقضی على الاختلافات فی البطالة بین الدول) والنظریة المؤسسیة Institutional Theory( التی أوضحها  Massey et al 1993ترى أن الهجرة الدولیة تخلق تنظیمات قانونیة وغیر قانونیة توفر معلومات وعقود عمل للهجرة ،بما یشجع أکثر على الهجرة فی المستقبل) ونظریة النظام العالمی World System Theory(التی أوضحها Wallerstein (1983);Sassen (1988) ;Amankwaa (1995)  التی أوضحت أن اندماج الاقتصاد العالمی یشجع أکثر علی الهجرة ،حیث یسهم فی رواج فی بعض الدول على حساب دول أخرى، فیندفع الأفراد للهجرة للدول التی بها رواج للاستفادة من فرص التوظف المتاحة بها.

وعلى الرغم من کثرة النظریات المفسرة للهجرة، الا أن أغلبها لم یقدم دوافع قابلة للقیاس، فهی تستند على رؤى فلسفیة، کما أنها لم تفسر الهجرة من دولة نامیة لأخرى،وهو ما دفع العدید من الباحثین لتقدیم نماذج عملیة تشرح محددات الهجرة الدولیة أشهرها النماذج التی قدمهاStark(1990);Massey et al(1994); Bauer et al (1998)…etc. ومع نهایة عقد التسعینات من القرن العشرین بدأ الترکیز على نموذج السحب والدفع ،ویعد أول من أوضحهLee(1996); Datta(1998)، وهو أکثر النماذج أهمیة فی تفسیر الهجرة الدولیة⁾¹⁸⁾.

ویرکز نموذج السحب والدفعPush and Pull Model على آلیات اقتصادیة کلیة للهجرة ، تشمل قوى للدفع (تعمل فی مناطق أقل تطوراً تمثل دول المصدر، وهی التی تدفع العمالة للهجرة للخارج)، وأخرى للسحب(تعمل فی مناطق متطورة اقتصادیاً(أو غنیة) تمثل الدول المضیفة التی تسحب العمالة المهاجرة للعمل فیها، وعوامل أخرى شبکیة تربط دول المصدر بالدول الأم والمضیفة ،کوجود منظمات مساعدة فی نقل المعلومات واتاحة الهجرة، وأفراد لهم أسر وأصدقاء لغیرهم خارج دولتهم ...الخ) ،ویُفترض أن الهجرة الدولیة تحقق التوازن الاقتصادی بین الدول .

ثانیاً: المحددات الاقتصادیة لهجرة العمل الدولیة فی الأدب الاقتصادی:

(2-1) الأدبیات النظریة :یتفق أغلب الأدب الاقتصادی على أن الدوافع الاقتصادیة للهجرة تمثل أهم الأسباب للهجرة ،الا أن آراء الاقتصادیین تباینت بشأن تلک الدوافع، ومدى ارتباطها بالدولة الأم أو بالدولة المضیفة أوبکلیهما.وقد رکز الأدب المتعلق بالهجرة لفترة طویلة على الدول المضیفة فقط فی قرار الهجرة،الا أن الأدب الحدیث أکد على أهمیة الظروف الاقتصادیة للدول الأم للمهاجرین فی التأثیر على قرار الهجرة ،خاصة للعمالة المهاجرة من الدول النامیة، وهو ما نتبعه فی تحلیلنا.

ویتفق عدد کبیر من الاقتصادیین على أن، تحدید أثر المحددات الاقتصادیة الکلیة على الهجرة الدولیة ،لابد أن یراعی فترات ابطاء زمنیة لتلک المحددات، والتی غالباً تتراوح من عام الى ثلاثة أعوام، فمن غیر الممکن أن تُحدِث  تلک المحددات آثارها فی نفس العام⁾¹⁹⁾ . ویؤید آخرون ذلک ⁾²⁰⁾ بأن فترة ابطاء عام واحد أو اثنین للمحددات الاقتصادیة تعد أکثر تناسباً مع الدول النامیة التی تعانی من بطالة مرتفعة، حیث تتأثر العمالة المهاجرة بسرعة بالتقلبات فی قیم المتغیرات الاقتصادیة الکلیة.

ولاشک أن الرؤیة السابقة تعد صحیحة،لأن قرار الهجرة وتنفیذه من جانب المهاجر یتطلب مدة لاتقل عن عام ،مما یجعل الهجرة تتأثر بمحددات اقتصادیة سابقة ولیست حالیة،وهو ما یتم استخدامه فی البحث، حیث اعتمدت أغلب الدراسات السابقة على قیم المحددات الاقتصادیة لنفس الفترة.

ویعد نموذج الجاذبیة أول النماذج فی تفسیر الهجرة، وهو مشابه للنموذج الذی قدمه Tinbergen(1962) للتجارة، وفیه عدد المهاجرین دالة فی اختلاف الدخل بین الدولتین() والمسافة والسکان لکل دولة)21) .

 

ویوضح هذا النموذج أهمیة اختلاف الدخل(الأجر أو نصیب الفرد من الناتج المحلی) فی تفسیر الهجرة ، وأن أثره وأثر السکان یکون طردیاً، ووجود أثر عکسی للمسافة بین البلدین على الهجرة . وقد اعتمد العدید من الاقتصادیین أمثال Ivan (2008) ;Lewer &Vandenberg (2008) ; Mayda (2010)على هذا النموذج وتطویره. ویعد نموذج  Ullah(2012)أکثر النماذج تطویراً لنموذج الجاذبیة فی تفسیر الهجرة ،حیث أضاف للمحددات السابقة الحریة السیاسیة والدیانة واللغة ومعدل النمو الاقتصادی بالدول المضیفة وسعر الصرف الحقیقی⁾²²⁾.

وفیما یلی نستعرض الأدب الاقتصادی النظری للمحددات الاقتصادیة الکلیة للهجرة الدولیة:

*الأجر:یعد الأجر أحد محددات الهجرة وفقا للنظریة الاقتصادیة النیوکلاسیکیة ،فهو أحد عوامل الدفع ( فانخفاض الأجرفی الدولة الأم یدفع الأفراد للهجرة الدولیة ) والسحب( ارتفاع الأجر فی الدولة المضیفة یجذب الأفراد للهجرة الدولیة) للهجرة.ویعد أول من لفت الأنظار الى أهمیة الأجر النقدی کدافع للهجرة Fleisher(1963) وتلاهWalsh(1974);Marr(1975); Maldonado (1976);  حیث أوضحوا أن اختلاف الأجر یعکس فرص اقتصادیة متباینة، ومکاسب متوقعة أکبر للمهاجرین⁾²³⁾.الا أنه من الصعب عملیاً تحدید الاختلاف فی الأجر النقدی بین الدول، وهو ما دفع الاقتصادیون للترکیز على أثر الأجر للدولة المضیفة أو الأم.

وقد أید آخرون أن أثر الأجر للدولة الأم یکون أکبر من أثر الأجر فی الدولة المضیفة کمحدد  للهجرة^{) 24)}.وقد أوضح آخرون أن الأجر النقدی المرتفع فی الدول المضیفة یقلل من هجرة العودة،وأن الدول المتقدمة تطلب العمالة المهاجرة لملأ مواقع فی القاع فی القطاع الثانوی ،ویقدمون لهم أجوراً مرتفعة^{) 25)}.

وفی اتجاه آخر یؤکد آخرون أن الهجرة المؤقتة تعتمد على الأجر الحقیقی ، وأنه اذا تم الاعتماد على الأجر النقدی یتم ادخال التضخم کمحدد للهجرة الدولیة للعمل لمعرفة أثره^{) 26)}.

وعلى الرغم من أهمیة الأجر کمحدد للهجرة ،الا أن هناک صعوبة بالغة فی الحصول على بیاناته ،کما أن بعض الدول کدول الخلیج یختلف فیها الأجر المتاح لمواطنی الدولة عن المهاجرین الیها. . لذلک یمکن استخدام نصیب الفرد من الدخل المحلی الحقیقی کمؤشر للأجر الحقیقی.وهو ما تتفق معه الباحثة وطبقته دراسات عدیدة .

وهکذا یتضح لنا أهمیة الأجر الحقیقی للدولة الأم  کمحدد للهجرة خاصة مع التحلیل المعتمد على سلسلة زمنیة.

* البطالة:أوضحت النظریة الاقتصادیة الکینزیة ونظریة الاقتصاد الحدیث ونظریة سوق العمل المزدوج أهمیة البطالة کمحدد رئیسی للهجرة الدولیة، الا أن النظریة الأولی والثانیة رکزت على البطالة فی الدولة الأم،بینما رکزت النظریة الأخیرة على البطالة فی الدولة المضیفة^{) 27)}. وعلى الرغم من تلک الرؤیة ،یؤکد العدید من الاقتصادیین على أن ارتفاع البطالة فی الدولة الأم یعد من أهم محددات الهجرة ،وأنه غالباً ما یصاحبه انخفاض فی الأجر النقدی، وأن هذین العاملین معاً محددات هامة للهجرة^{) 28)}.ویؤکدSulaimanova and  Bostan (2014)أن سن المهاجر ودرجة التعلیم محددات أخرى هامة ،لکن من الصعب توافر بیانات عنها^{) 29)}.

ولاشک أن تلک الرؤیة صحیحة، فدولة مثل المملکة العربیة السعودیة معدل البطالة بها مرتفع ،ورغم ذلک تستوعب عدد کبیر من المهاجرین بسبب النمو الاقتصادی المرتفع فیها،وهذا یؤکد أن معدل البطالة فی الدولة المضیفة لیس محدد هام للهجرة بینما یعد معدل البطالة فی الدولة الأم محدداً هاماً للهجرة .

* التحویلات:ازدادت أهمیة تحویلات العاملین فی الخارج فی الدول النامیة فی الوقت الحالی، حیث أصبحت مصدراً أساسیاً للتمویل فی العدید من الدول النامیة . ففی عام 2010 بلغت تلک التحویلات 350 بلیون دولار،وهو ما یتجاوز المساعدات الرسمیة والاستثمار الأجنبی المباشر التی بلغت 130 بلیون دولار فی نفس العام^{) 30)}.

ویعد تعظیم التحویلات المالیة الهدف الأساسی لأی مهاجر.وتتحقق العوائد للمهاجر عندما یکون أجره بالخارج أعلى من مستوى استهلاکه بالخارج⁾³¹⁾.وتمثل التحویلات مقیاساً آخر للفرص الاقتصادیة المتباینة للمهاجرین، والتی تعد محدداً رئیسیاً للهجرة⁾³²⁾.

ویمکن تصنیف المهاجرین الى نوعین هما:1) مهاجرین دورة الحیاةLife-Cycle  Migrants. 2) مهاجرین المکسب المستهدف Target-Earning Migrants .وکلا النوعین یسعون للحصول على عائد مرتفع من الاقامة بالخارج ،الا أن النوع الثانی یستخدم العائد المتحقق من الهجرة فی الاستثمار فی الدولة الأم، بینما یستخدم النوع الأول أغلب العائد فی الاستهلاک،ویعد النوع الثانی الأکثر عدداً والأکثر ارتباطاً بدولته الأم من خلال التحویلات⁾³³⁾.ویؤکدKu(2008) أن تحویلات المهاجرین عامل دفع هام للهجرة،وتتأثر بسعر الصرف⁾³⁴⁾.

وقد اختلفت آراء الاقتصادیین بشأن أثر التحویلات على الهجرة.فیرى Borjas(1989)  وکذلک Massey(1998) أن زیادة التحویلات(ووجود قیود أقل علیها من الدول المضیفة) تحفز على الهجرة⁾³⁵⁾.ویتفق آخرون مع تلک الرؤیة بأن التحویلات لها أثر معنوی طردی على الهجرة ،لکن هذا الأثر یتوقف علی سعر الصرف( یتم مناقشته فیما بعد)⁾³⁶⁾.کما یشیر آخرون الى أن علاقة التحویلات بالهجرة الدولیة ذات اتجاهین، فزیادتها تحفز على الهجرة، کما أن زیادة الهجرة أسهمت فی زیادة التحویلات⁾³⁷⁾.وفی اتجاه عکسی لما سبق، یرى آخرون أن زیادة التحویلات اقترنت بهجرة أکبر للعودة، وقد یعود المهاجر لارتباطه بأسرته، أو توقع وظیفة أفضل فی المستقبل فی دولته الأم⁾³⁸⁾.

وهکذا یتضح لنا أن اختلاف الأدب بشأن أثر التحویلات ،الا أن هذا الأثر یتوقف على سعر الصرف .

*سعر الصرف:یعد من أهم المتغیرات الاقتصادیة الکلیة، التی تعکس الوضع الاقتصادی للدولة الأم والمضیفة فی آن واحد. وقد أهمل الأدب الاقتصادی لفترة طویلة أثر سعر الصرف على الهجرة ، بسبب انخفاض عدد المهاجرین فی الماضی على المستوى الدولی، وبالنسبة لحجم سوق العمل المحلی، وقلة الأزمات المالیة (استقرار سعر الصرف) قبل عام 1995.ومع زیادة التقدم فی وسائل الاتصالات والتطور المالی والمصرفی، ازدادت أهمیة سعر الصرف فی التأثیر على الهجرة الدولیة.

ویعد أول من أشار الى أثر سعر الصرف الاسمی على الهجرة الدولیةHowever ,Hanson and Spilimbergo (1999)عندما أوضحوا أن انخفاض قیمة البیزو المکسیکی وقت الأزمة فی عام 1995أسهم فی زیادة الهجرة للخارج. وقد لوحظ فیما بعد أن تقلبات سعر الصرف وقت الأزمات المالیة صاحبها تقلبات فی الهجرة الدولیة للعمل.وقد أوضحMishra and Spilimbergo(2009)أن زیادة سعر الصرف الاسمی تسهم فی زیادة الأجر النقدی فی الدولة المضیفة،فیزداد عرض العمالة المهاجرة⁾³⁹⁾.ویتفق العدید من الاقتصادیین مع تلک الرؤیة⁾⁴⁰⁾.

ویوضح شکل(3)بملاحق البحث أن تقلبات سعر الصرف تؤثر على الهجرة الدولیة من خلال تأثیرها على التحویلات والأجور.ویؤکدKu(2008)أنه مع ارتفاع سعر الصرف الاسمی تنخفض قیمة العملة المحلیة، فتزداد الأسعار المحلیة، وتنخفض الأجور الحقیقیة، وتقل تنافسیة الدولة الأم ،فتزداد الهجرة⁾⁴¹⁾.ویوضح Yang(2008)أن أثر تقلبات سعر الصرف یختلف حسب نوع المهاجرین .ففی حالة مهاجرین المکسب المستهدف زیادة سعر الصرف تؤدی الى زیادة الهجرة، وفی حالة مهاجرین دورة الحیاة زیادة سعر الصرف تؤدی الى خفض الهجرة⁾⁴²⁾.

وتعد التحویلات القناة الأساسیة التی ینتقل من خلالها أثر سعر الصرف الی الهجرة. وعلى الرغم من أهمیة الکفاءة وعدد سنوات الاقامة فی تحدید التحویلات للمهاجرین ،الا أن أثر سعر الصرف یکون أکبر ومعنوی ،کما أن أغلب تحویلات المهاجرین تستخدم فی زیادة الاستثمار فی الدولة الأم،حیث لا یفضل المستثمرین الاستثمار والاستهلاک فی الدولةالمضیفة.وأن ارتفاع سعر الصرف الحقیقی(حیث تمیل أسعار الصرف الحقیقیة للتعادل مع القوة الشرائیة فقط فی الأجل الطویل جداً، بینما تحدث تقلبات عدیدة فی الأجل القصیر) یؤدی الى انخفاض العوائد من الهجرة الخارجیة ،بسبب ارتفاع المستوى العام للأسعار فی الدولة الأم فتقل الهجرة الدولیة للعمل⁾⁴³⁾.ویوضحMishra and Spilimbergo(2009) أن أهمیة سعر الصرف الحقیقی تتضح من تأثیره على کل من عرض العمل والطلب علیه فی عالم مندمج مع الاقتصاد العالمی. ففی إطار الاقتصاد المغلق عرض العمل والطلب علیه یعتمد على الأجور، بینما فی إطار الاقتصاد المفتوح زیادة سعر الصرف الحقیقی تخفض عرض العمل والطلب على العملوالهجرة الدولیة للعمل ⁾⁴⁴⁾.

وعلى الرغم مما سبق،تتفق أغلب الآراء على أهمیة أثر سعر الصرف الاسمی بدرجة أکبر من سعر الصرف الحقیقی، من وجهة نظر المهاجر عند اتخاذه قرار الهجرة . ویرى آخرون عدم وجود أثر معنوی لسعر الصرف الاسمی والحقیقی على الهجرة الدولیة ⁾⁴⁵⁾. الا أن تلک الرؤیة السابقة دلیلها المتاح محدود للغایة، ویستند أغلبه على حزمة بیانات.

وهکذا یتضح لنا اختلاف الأدب بشأن أثر سعر الصرف کمحدد للهجرة، على الرغم من أهمیة سعر الصرف الاسمی .

*النمو الاقتصادی: یعد النمو الاقتصادی مؤشراً للظروف الاقتصادیة للدولة،فزیادة النمو الاقتصادی للدولة تتضمن زیادة فی الاستثمار وفرص التوظف المتاحة.وقد أوضح الاقتصادیون أن النمو الاقتصادی المرتفع فی الدول الأم  یخفض من الحافز على الهجرة الدولیة⁾⁴⁶⁾. وقد أوضح آخرون بالتطبیق على مالیزیا أن النمو الاقتصادی المرتفع فی الدول المضیفة کان له أثراً معنویاً طردیاً واضحاً على الهجرة الدولیة للعمل، وأنه یفوق أثر النمو الاقتصادی بالدول الأم ⁾⁴⁷⁾.لذلک یوضح آخرون أن النماذج الأکثر کفاءة للهجرة هی التی توضح أثر النمو الاقتصادی فی الدول الأم والمضیفة ⁾⁴⁸⁾ ،وهو ما سوف نتبعه.

وهکذا یتضح لنا أهمیة ادخال النمو الاقتصادی للدول الأم والمضیفة فی نموذج محددات الهجرة.

*الائتمان المتاح للقطاع الخاص: تعد القیود المفروضة على القروض المقدمة للقطاع الخاص أحد العوامل المؤثرة على الهجرة الدولیة للعمل. وتتمثل تلک القیود فی حجم الائتمان المتاح وتکلفته . ویعد Piore(1979) أول من أشار الى أهمیة هذا العامل،حیث أوضح أن وجود قیود على منح قروض للقطاع الخاص فی الدول الأم، قد یدفع العمالة للهجرة الى الخارج، للحصول على عوائد یمکن استغلالها فی الاستثمار فی الدول الأم .ویتفق کل من Mesnard (2004) &Yang(2004) مع تلک الرؤیة، لأن هناک العدید من المهاجرین یکونوا مهاجرین للمکسب المستهدف، فمع وجود قیود على منح القروض، تضطر العمالة للهجرة للحصول على عوائد،وتحویلها للدول الأم لاستثمارها ⁾⁴⁹⁾. ویتفق آخرون مع هذا الرأی ، بأن القیود على منح القروض لا تکون فقط قیود کمیة ،ولکن ارتفاع معدل الفائدة على القروض أیضاً سیحفز الهجرة الدولیة للعمالة ⁾⁵⁰⁾.

ولاشک أن کمیة الائتمان وتکلفته فی الدولة المضیفة تعد أیضاً أحد العوامل للسحب للهجرة.ففی المملکة العربیة السعودیة،یتم منح قروض للمهاجرین بتکلفة منخفضة،بسبب اتباع المملکة الشریعة الاسلامیة،واعتبار الفائدة نوع من أنواع الربا.ولاشک أن تلک القروض تزداد قیمتها بالجنیه المصری مع ارتفاع سعر الصرف ،مما یجعلها حافز لهجرة العمالة المصریة للمملکة العربیة السعودیة،الا أنه من الصعب الحصول على بیانات دقیقة لها.

وهکذا یتضح لنا أهمیة الائتمان وتکلفته کأحد محددات الهجرة سواء فی الدول الأم والمضیفة ،على الرغم من اهمال العدید من الاقتصادیین له.

* عوامل أخرى: یتفق العدید من الاقتصادیین على أن القرب الجغرافی وتقارب اللغة والدیانة، تکون عوامل مشجعة على الهجرة الدولیة، بجانب العوامل الاقتصادیة الأخرى ،وهو ما أکده نموذج الجاذبیة فی تفسیر الهجرة الدولیة للعمل،والذی أثبتته دراسات عدیدة⁾⁵¹⁾.الا أن آخرین یوضحون أن تلک العوامل غیر کافیة للتأثیر على الهجرة ،فوجود قیود على انتقال العمالة کشروط الفیزا ونظام الدخول للدول المضیفة یقید من الهجرة الدولیة للعمل فی تلک الدول،الا أن الحوافز التی قد تُقدم للعمالة المهاجرة تحفز على الهجرة کمقابل السکن والتأثیث وتکالیف السفر فی بعض الوظائف⁾⁵²⁾. کما یوضح آخرون أن الضرائب المفروضة فی الدول الأم تعد محدداً للهجرة الدولیة، فزیادتها تعد عامل دفع قوی⁾⁵³⁾.ویوضح Ravlik(2014) أن مستوی التنمیة البشریة المرتفع فی الدول المضیفة یعد من العوامل المحفزة للهجرة أیضاً بجانب الأجور المرتفعة⁾⁵⁴⁾.ویوضح آخرون أن السیاسات التی تضعها الدول الأم والمضیفة،یکون لها أثراً واضحاً على الهجرة ،ولا تقل عن المحددات الاقتصادیة الکلیة ⁾⁵⁵⁾.

وهکذا یتضح لناأن هناک العدید من المحددات الاقتصادیة للهجرة الدولیة للعمل ،الا أن الفترة الزمنیة المستخدمة ستعد أحد القیود الهامة فی ادراج تلک المحددات، کما أن عدم وجود بیانات تفصیلیة لبعض المتغیرات سیشکل قیداً آخر.

(2-2)الأدبیات التطبیقیة : إزاء الغموض الواضح فی الأدبیات الاقتصادیة النظریة، وتنوع المناهج المستخدمة فی دراسة الهجرة الدولیة للعمل، ووجود محددات اقتصادیة کلیة عدیدة ،وندرة الدراسات السابقة على مستوى الاقتصاد المصری فی اطار تلک المشکلة کان من الأهمیة استعراض الدراسات التطبیقیة المتاحة للاستفادة بها فی منهجیة البحث الحالى کالآتی:

*دراسة ⁾Chapin,Vedder and Gallaway(1970)⁵⁶⁾ لمحددات الهجرة من بریطانیا ونیوزیلندا وألمانیا الغربیة الى جنوب أفریقیا للفترة 1950-1967 باستخدام نموذج خطی وطریقة OLS.وقد أوضحت وجود أثر معنوی لمعدل البطالة فی الدولة الأم والأجر المتوسط فی الدولة الأم والمضیفة. الا أن الدراسة رکزت على أثر معدل البطالة ومتوسط الأجر فقط فی نفس العام،مع اهمال الابطاء الزمنی لمحددات الهجرة ،والهجرة من دول متقدمة لدول أقل تقدم.

*دراسة ⁾ Huang(1987)⁵⁷⁾ لمحددات الهجرة من 25 دولة نامیة ومتقدمة للولایات المتحدة الأمریکیة للفترة 1962-1976باستخدام نموذج خطی وطریقة OLS. وقد أوضحت وجود أثر معنوی طردی للاختلاف فی نصیب الفرد من الناتج الحقیقی بین الدول ونسبة الضرائب فی الدولة الأم، وأثر معنوی عکسی لمعدل البطالة فی الدولة المضیفة ومعدل النمو الاقتصادی فی الدولة الأم.الا أن الدراسة رکزت على الهجرة لدولة متقدمة وأهملت متغیرات عدیدة والابطاء الزمنی فی التحلیل.

*دراسة ⁾ Greenwood & Mcdowell(1992)⁵⁸⁾ لمحددات الهجرة (المسافة بین الدول، الأجر النقدی وعدد السکان فی الدولة المضیفة ) من 23 دولة نامیة الى الولایات المتحدة الأمریکیة باستخدام بیانات مقطعیة للسنوات 1971،1970، 1975 ونموذج خطی وطریقة OLS. وقد أوضحت وجود أثر معنوی طردی للأجر النقدی. الا أن الدراسة رکزت على الهجرة لدولة متقدمة وبیانات مقطعیة.

*دراسة ⁾ Carlos (2002) ⁵⁹⁾ لمحددات الهجرة من الفلبین الی 26 دولة نامیة ومتقدمة للفترة 1981-1995 باستخدام نموذج خطی وطریقة OLS.وقد أوضحت وجود أثر معنوی طردی للتحویلات ومعدل البطالة للدولة الأم وأثر معنوی عکسی لعدد سکان الدولة المضیفة على الهجرة الدولیة للعمل.الا أن الدراسة تضمنت دول عدیدة (لها ظروف مختلفة) وأهملت سعر الصرف والنمو الاقتصادی والائتمان .

*دراسة ⁾ Yang(2008)⁶⁰⁾ لمحددات هجرة العودة للفلبین للفترة 1997-1998 باستخدام بیانات شهریة ،ونموذج خطی لعدد المهاجرین العائدین کدالة فی تقلبات سعر الصرف الاسمی وتحویلات العاملین والقیود علی الاقراض للقطاع الخاص فی الفلبین(کمتغیر وهمی) وطریقة OLS.وقد أوضحت أن هجرة العودة تقل مع صدمات سعر الصرف الاسمی الایجابیة ،ووجود قیود على الاقراض للقطاع الخاص ، الا أن الدراسة أهملت محددات اقتصادیة کلیة عدیدة،ورکزت على هجرة العودة فقط.

*دراسة ⁾Myada(2007)⁶¹⁾ لمحددات الهجرة الی 14 دولة من منظمة التعاون الاقتصادی والتنمیة للفترة 1980-1995 باستخدام نموذج خطی وطریقة OLS . وقد أوضحت وجود أثر معنوی طردی لمعدل البطالة والتفاوت فی توزیع الدخل (فی الدولة الأم ) والمسافة الجغرافیة والثقافة واللغة والاختلاف بین دخل الفرد فی الدولة المضیفة والأم . الا أنها تناولت دول عدیدة ومتغیرات محدودة.

*دراسة ⁾ Tan &Santh(2007)⁶²⁾ لمحددات الهجرةالى مالیزیا من 39 دولة نامیة للفترة 1998-2004 باستخدام نموذج خطی وطریقة OLS.وقد أوضحت أن النمو الاقتصادی لمالیزیا یعد من أهم عوامل السحب، بینما یعد معدل البطالة فی الدولة الأم للمهاجرین من أهم عوامل الدفع للهجرة الدولیة .الا أن الدراسة لم تجری اختبارات الاستقرار وأهملت متغیرات اقتصادیة عدیدة.

*دراسة ⁾ Ku(2008) ⁶³⁾ لأثر سعر الصرف الحقیقی على التحویلات والهجرة من دول الکاریبی الى أمریکا اللاتینیة للفترة 1990-2005.وقد أوضحت أن زیادة سعر الصرف الحقیقی أسهمت فی زیادة الهجرة للخارج . الا أن الدراسة اعتمدت علی تحلیل نظری ومؤشرات بسیطة .

* دراسة⁾ Ahmed et al(2008)⁶⁴⁾ لمحددات الهجرة لباکستان للفترة 1973-2005 باستخدام نموذج خطی واختبارات الاستقرار والتکامل المشترک ونموذج تصحیح الخطأ.وقد أوضحت أن أهم عوامل الدفع للهجرة الدولیة للعمل انخفاض الأجر الحقیقی وزیادة البطالة والتضخم والتحویلات. الا أن الدراسة رکزت فقط على محددات الهجرة من الدولة الأم فقط، ولم تراعی فترة الابطاء فی التحلیل.

* دراسة Ullah^(b)(2012)⁽⁶⁵⁾ لمحددات الهجرة(اختلاف الدخل بین دولتین،سعر الصرف الحقیقی، سکان الدولة، النمو الاقتصادی بالدول المضیفة ،المسافة ،والحریة السیاسیة لدولة الوصول، الدیانة واللغة) من بنجلادیش الى23 دولة نامیة ومتقدمة للفترة 1995-2009 باستخدام نموذج خطی وطریقة OLS. وقد أوضحت وجود أثر معنوی طردی لاختلاف الدخل والنمو الاقتصادی واللغة والدیانة والحریة السیاسیة وأثر معنوی عکسی لسعر الصرف الحقیقی. الا أن الدراسة أهملت محددات أخرى هامة.

*دراسة Kumpikaite and Zickute(2013) ⁽⁶⁶⁾ لمحددات الهجرة فی لتوانیا للفترة 2001-2011 باستخدام نموذج غیر خطی وطریقة OLS . وقد أوضحت وجود أثر معنوی طردی لمعدل البطالة ومعامل جینی وأثر معنوی عکسی لمدة الاعفاءات الضریبیة  للدولة الأم. الا أن تلک الدراسة لم تجری اختبارات الاستقرار وفترات الابطاء ورکزت على متغیرات محدودة فی التحلیل.

*دراسةNekoei(2013) ⁽⁶⁷⁾ لأثر تقلبات سعر الصرف الحقیقی(وعمر المهاجر وسنوات الهجرة والحالة الاجتماعیة) على هجرة العمالة المکسیکیة الى الولایات المتحدة الأمریکیة للفترة 1994-2011باستخدام دالة لوغاریتمیة مزدوجة وطریقة OLS .وقد أوضحت وجود أثر معنوی عکسی لتقلبات سعر الصرف علی الهجرة ،الا أن الدراسة لم تجری اختبارات الاستقرار وأغفلت متغیرات عدیدة والابطاء فی التحلیل.

* دراسة Sulaimanova &Bostan(2014) ⁽⁶⁸⁾ لمحددات الهجرة من کازخستان وکرجستان للفترة 1998-2011 باستخدام دالة لوغاریتمیة مزدوجة وطریقة OLS. وقد أوضحت وجود أثر معنوی طردی لمعدل البطالة والتحویلات وسعر الصرف الاسمی،وأثر معنوی عکسی لمتوسط نصیب الفرد من الناتج المحلی بالدولة الأم (ویکون الأثر طردی فی الدولة المضیفة ).الا أن الدراسة لم تجری اختبارات الاستقرار وأغفلت متغیرات عدیدة .

*دراسة Birundu(2016) ⁽⁶⁹⁾ لمحددات الهجرة من کینیا الی خمسة دول متقدمة للفترة 2000-2015 باستخدام طریقة OLS ونموذج لوغاریتمی مزدوج واختبارات الاستقرار. وقد أوضحت وجود أثر معنوی طردی للتضخم وسعر الصرف الاسمی وعدد السکان لکینیا (وأثر غیر معنوی لتحویلات العاملین ومعدل البطالة لکینیا) وأن الاستقرار الاقتصادی لکینیا یخفض من معدلات الهجرة للعمل، الا أن الدراسة تنطبق نتائجها فقط على کینیا وأهملت متغیرات عدیدة .

ومما سبق یتضح لنا وفی اطار معرفتنا ،عدم وجود دراسات سابقة عن محددات هجرة العمالة المصریة للمملکة العربیة السعودیة ،فی اطار زمنی طویل الأجل ،حیث أن معظم الدراسات تمت على مستوى الدول المتقدمة ،وفی اطار حزمة بیانات أوبیانات مقطعیة،کما رکزت أغلبها على عدد محدود من المتغیرات الاقتصادیة الکلیة،ولم تجری بعضها اختبارات الاستقرار وهو ما یجعل توصیاتها غیر دقیقة، کما أغفلت أغلبها فترة الابطاء فی التحلیل للمحددات الاقتصادیة. وهکذا تختلف هذه الدراسة عن ما سبق فی الهدف والمجال:أولاً فی الهدف: حیث تستعرض المحددات الاقتصادیة الکلیة لهجرة العمل الدولیة فی اطار الأدب الاقتصادی، وتقدم نموذجاً یوضح أثر المحددات الاقتصادیة الکلیة على هجرة العمل بین دولتین لهما روابط فی اللغة والدین والثقافة.ثانیاً فی المجال: 1) تجمع بین الإطار النظری والتطبیقی باستخدام نموذج قیاسی یربط بین معدل الهجرة  والعدید من المحددات الاقتصادیة الکلیة المؤثرة علیه .2) تُطبق على العمالة المصریة المهاجرة الى المملکة العربیة السعودیة  فی إطار زمنی طویل الأجل.3) کما تعتمد على اختبارات قیاسیة عدیدة تشمل الانحدار المتعدد واختبارات الاستقرار وسببیة کرانجر،وتراعی فترة ابطاء زمنی مناسب للمحددات الاقتصادیة الکلیة للوصول لنتائج أکثر دقة.

 

ثالثاً: النموذج المستخدم ونتائجه العملیة :

(3-1) فروض البحث :فی ضوء الإطار النظری للبحث وأهدافه والدراسات السابقة،تم وضع الفرض الرئیسی الآتی تمهیداً لاختباره إحصائیاً فی مصر:

الفرض العدمی : لا یوجد أثر للمحددات الاقتصادیة الکلیة علی هجرة العمل من مصر الی المملکة العربیة السعودیة

الفرض البدیل  : یوجد أثر معنوی للمحددات الاقتصادیة علی هجرة العمل من مصر الی المملکة العربیة السعودیة

(3-2) النموذج المقترح والأسالیب القیاسیة المستخدمة : توضح المعادلة(1) النموذج القیاسی المستخدم فی البحث کالآتی:

 

 

وقد تم استخدام نموذج شبه لوغاریتمی لتحقیق عدة أهداف : 1) امکانیة استخدامه فی حالة اختلاف درجات الاستقرار للمتغیرات المستخدمة. 2) یعکس أثر  معدل النمو ( التغیر النسبی السنوی ) فی المتغیرات المستقلة على المتغیر التابع مباشرة ، اذا اتسمت تلک المتغیرات بعدم الاستقرار فی مستویاتها الأصلیة والاستقرار فی الفروق الأولى لها.3) یعطی نتائج ذات جودة توفیق عالیة ،حیث یقلل من مشکلة عدم ثبات التباین،ویعطی أقل خطأ معیاری للبواقی مقارنة بالنماذج الأخرى.ویوضح جدول (1) بملاحق البحث رموز متغیرات النموذج المستخدم وقیاسها.

(3-3) الأسالیب الإحصائیة المستخدمة :تم استخدام البرنامج الإحصائی Eviews وعدة أسالیب إحصائیة وقیاسیة⁾⁷⁰⁾هی(Look in: Asteriou and Hall ,2007; Fuller , july 1981 ; Hamilton,1994):1) اختبارات الاستقرار للسلاسل الزمنیة المستخدمة، وذلک لتجنب الانحدار الزائف  Spurious Regressionبالاعتماد علی اختبارین هما اختبار دیکی فولار الموسع Augmented Dickey Fuller  واختبار فیلیبس- بیرون لزیادة الثقة فی النتائج.2)مصفوفة الارتباط لتحدید معاملات الارتباط بین متغیرات النموذج، للتأکد من عدم وجود مشکلة الارتباط الخطی المتعدد،وتحدید نوع العلاقة بین المتغیرات.3) تحدید فترات التباطؤ الزمنی المثلی Optimal Lag Lengthباستخدام نموذج الانحدار الذاتی VAR)) لتحدید الابطاء الأمثل للمتغیر التابع للنموذج المستخدم.4)استخدام طریقة المربعات الصغرى العادیة OLS فی تقدیر معلمات النموذج المستخدم لأنها تعطی أفضل تقدیرات غیر متحیزة ذات أقل تباین.        5) اختبار سببیة کرانجر Granger Causality للتأکد من وجود علاقة سببیة بین معدل الهجرة للعمل والمحددات الاقتصادیة الکلیة.

(3-4) نتائج النموذج القیاسی المستخدم:

1) نتائج اختبارات الاستقرار للسلاسل الزمنیة المستخدمة:یشیر جدول(4) فی ملاحق البحث  الى استقرار کل المتغیرات المستقلة فی الفروق الأولى( عند مستوى معنویة تراوح بین 1-5% باستثناء المتغیر - نصیب الفرد من الدخل المحلی- الذی بلغ فیه 8% )،بینما کانت قیم المتغیر التابع ( معدل الهجرة) ومعدل الفائدة على القروض مستقرة فی مستویاتها الأصلیة عند مستوى معنویة تراوح بین 7-8% ،لذلک تم ادخال معدل الهجرة والفائدة بالقیم الأصلیة مباشرة

 

2) نتائج مصفوفة الارتباط: یشیر جدول (5) الى أن معاملات الارتباط بین المتغیرات المستقلة  جاءت منخفضة ،فلم تتعدى.4 فی کل المتغیرات ،مما یقلل من احتمال وجود مشکلة الارتباط الخطی المتعدد. کما جاءت اشارة معاملات الارتباط بین معدل الهجرة والمحددات الاقتصادیة الکلیة متوافقة مع التحلیل النظری. 

3) نتائج فترات التباطؤ الزمنی:یوضح جدول(6) أن فترة الابطاء المثلى للتحلیل بلغت فترتین بأغلب المعاییر المستخدمة ،وهی ما یتم اتباعها.

4) نتائج تقدیر OLS: توضح النتائج بجدول (7) مایلی:أ- وجود أثر معنوی طردی لمعدل الهجرة فی العام السابق علی معدل الهجرة الحالی، وهو ما یثبت صحة نظریة الشبکات فی تفسیر الهجرة الدولیة للعمل.

ب- وجود أثر معنوی طردی لمعدل التغیر السنوی فی سعر الصرف وعدد العاطلین وتحویلات العاملین ومعدل الفائدة على القروض. ووجود أثر معنوی عکسی لمعدل التغیر السنوی فی الناتج المحلی المصری(النمو الاقتصادی بمصر)والائتمان للقطاع الخاص والدخل المحلی للفرد. ووجود أثر غیر معنوی لمعدل التغیر السنوی فی المستوى العام للأسعار فی مصر(معدل التضخم) والناتج المحلی للمملکة العربیة السعودیة وهو النمو الاقتصادی فی المملکة.

ج- توضح النتائج أن حدوث تغیر نسبی بمقدار 1% فی الناتج المحلی المصری، معدل الفائدة على القروض ، سعر الصرف الاسمی، الائتمان للقطاع الخاص، عدد العاطلین ،نصیب الفرد من الدخل المحلی ، تحویلات العاملین للخارج یؤدی الى تغیر معدل الهجرة بمقدار -0.422، 0.299، 0.079 ، - 0.072 ، 0.032، 0.025، 0.022، 0.012 على التوالی وهو ما یؤکد أهمیة أثر نمو الناتج المحلی المصری ومعدل الفائدة على القروض وسعر الصرف الاسمی بشکل یفوق أثر الائتمان الخاص وعدد العاطلین وتحویلات العاملین للخارج.وقد جاء أثر معدل الهجرة للعام السابق أقل فی تأثیره عن المحددات الاقتصادیة الکلیة .

- اتسمت نتائج التقدیر بالجودة حیث تواجد أثر غیر معنوی لثابت المعادلة ، ارتفاع معامل التحدید(94 % ) ومعامل التحدید المصحح(90%) ، وارتفاع قیمة احصاء D.W(2.2).

- یمکن حساب اجمالی المساهمة الحدیة للمحددات الاقتصادیة الکلیة کالآتی

 

ویوضح جدول(8) أن المساهمة الحدیة للمحددات الاقتصادیة الکلیة بلغة 65.8% ،مما یؤکد صحة الفرض الرئیسی للبحث، وقد أسهم سعر الصرف والتحویلات والناتج المحلی المصری بالأثر الأکبر.

5) نتائج اختبار سببیة کرانجر: یوضحها جدول(9) والتی تشیر الى علاقة سبیة واضحة مع نفس المحددات الاقتصادیة التی تواجد لها أثر معنوی على معدل الهجرة وهی سعر الصرف وعدد العاطلین والتحویلات للعاملین والائتمان المحلی ومعدل الفائدة على القروض ونصیب الفرد من الدخل المحلی والناتج المحلی المصری.وتؤکد کل النتائج السابقة  صحة الفرض الرئیسی للبحث.

*نتائج وتوصیات البحث:

1.نتائج البحث:على الرغم من تعدد أسباب الهجرة الدولیة للعمل، الا أن الدوافع الاقتصادیة تعد أهم تلک الأسباب. ویتباین الأدب الاقتصادی النظری والتطبیقی بشأن تلک المحددات الاقتصادیة وأهمیتها،هذا فضلاً على عدم وجود نظریة تفسر الهجرة الدولیة بکفاءة . ویعد نموذج الجاذبیة  ونموذج السحب والدفع من أهم النماذج فی تفسیر تلک المحددات الاقتصادیة الکلیة . الا أن اختلاف الظروف الاقتصادیة من دولة لأخرى یعد قیداً على اعداد نموذج للهجرة الدولیة للعمل .

ولاشک أن التحلیل الذی یستند على أساس زمنی طویل الأجل ودولتین فقط من أکثر التحلیلات أهمیة فی اطار مشکلة الهجرة ، کما یسهم فی الوصول لنتائج أکثر دقة. وقد ارتکز هذا البحث على هذا التحلیل بتحدید المحددات الاقتصادیة الکلیة للعمالة المصریة المهاجرة الى المملکة العربیة السعودیة باستخدام الفترة 1987-2016 ونموذج انحدار متعدد شبه لوغاریتمی، وتقدیره باستخدام طریقة المربعات الصغرى العادیة، واختبارات الاستقرار وسببیة کرانجر.وتوضح النتائج العملیة للبحث أهمیة المحددات الاقتصادیة الکلیة،حیث بلغت مساهمتها الحدیة وحدها 65.8% فی تفسیر الهجرة الدولیة للعمل من مصر الى المملکة العربیة السعودیة.وقد جاءت اشارة المعلمات المقدرة للمحددات الاقتصادیة الکلیة متوافقة مع التحلیل النظری . کما جاءت نتائج اختبارات السببیة متوافقة مع نتائج الانحدار المتعدد ، مؤکدة أن المحددات الاقتصادیة الکلیة ذات الأثر المعنوی سببت الهجرة الدولیة للعمالة المصریة، وهو ما یؤکد صحة الفرض الرئیسی للبحث.

2.  توصیات البحث: فی ضوء نتائج البحث السابقة التی تؤکد على أهمیة الدوافع الاقتصادیة للهجرة، وفی اطار ارتفاع معدل البطالة فی مصر،وأهمیة التحویلات للعمالة المهاجرة فی تحقیق المنفعة للاقتصاد المصری-فضلاً على تحقیق المنفعة للعمالة المهاجرة ذاتها-یجب تشجیع الهجرة الدولیة للعمل بجانب خلق فرص عمل بالداخل  للعمالة المصریة لتحقیق الاستفادة القصوى والحد من البطالة المرتفعة فی الاقتصاد المصری. ویمکن أن نوصی بتوصیات بعضها یتعلق بالدول المضیفة للعمالة المهاجرة والآخر یتعلق بالسیاسات الاقتصادیة کالآتی:

- زیادة التعاون بین مصر والمملکة العربیة السعودیة ،بتوقیع اتفاقیات تضمن وضع حد أدنی للمدة الزمنیة لعقود المهاجرین(على ألا تقل هذه المدة عن ثلاثة سنوات) بما یحقق التوازن والاستقرار لطرفی التعاقد وبما یسهم فی زیادة تحویلات العمالة المهاجرة لأهمیتها للاقتصاد المصری .

- اعداد بیانات تفصیلیة عن العمالة المصریة المهاجرة للمملکة العربیة السعودیة، وحالات الهجرة العائدة لاتخاذ القرارات اللازمة فی اطارها، والتنسیق بین مصر والمملکة العربیة السعودیة فیما یتعلق بالحقوق المالیة للعاملین المصریین بالمملکة لضمان الاستفادة القصوى من عوائد المهاجرین.

- تحسین العلاقات الثنائیة بین مصر والدول المضیفة للعمالة المصریة لزیادة فرص التوظف المتاحة فی الخارج ،وخلق منافسة بین الدول المضیفة للعمالة المصریة لزیادة المنافع المتحققة من الهجرة.

-ضرورة وضع هجرة العمل الدولیة فی أجندة قرارات صانعی السیاسة الاقتصادیة، وربطها بالتغییر الحادث فی أدوات السیاسة الاقتصادیة ،نظراً لتأثر الهجرة الدولیة بالمحددات الاقتصادیة.

-تحقیق الاستقرار فی سعر الصرف الاسمی لأثره الواضح على الهجرة الذی یفوق المتغیرات الأخرى.

- استخدام السیاسات الاقتصادیة خاصة الائتمانیة فی تحفیز الاستثمار الخاص الوطنی والأجنبی(بإعطاء مزایا خاصة للمشروعات التی تخلق فرص توظف أعلى للعمالة)للحد من الهجرة غیر الشرعیة التی لا تحقق منافع للمهاجرین ولخلق تنافس بین فرص العمل فی الداخل والخارج المتاحة للعمالة المصریة.

- تحقیق الاستقرار الاقتصادی فی مصر للحد من الاختلافات فی الأجور بین مصر والخارج لاتخاذ العمالة المصریة قرارات سلیمة بشأن الهجرة للخارج.

3. مقترحات لبحوث مستقبلیة:یمکننا اقتراح الموضوعات الآتیة:أثر هجرة العمل الدولیة على الرفاهیة الاقتصادیة فی الدول النامیة، أثر الاندماج الدولی فی سوق العمل على سعر الصرف فی الدول النامیة،أثر الصدمات الاقتصادیة على هجرة العمل الدولیة فی الدول النامیة والمتقدمة ( دراسة مقارنة)

 

ملاحق البحث

أولا أشکال بیانیة:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

         

 

 

 

 

ثانیاً: الجداول:

جدول(1) متغیرات النموذج المستخدم (رموزها وقیاسها)

 

جدول (2) النصیب النسبی للدول المضیفة من العمالة المصریة المهاجرة مؤقتاً فی عقود مختلفة

المصدر Wahba,2014:P12:

 

جدول (3) مؤشرات اقتصادیة کلیة للاقتصاد المصری للفترة 1987-2016 (متوسط سنوی)

المصدر: اعداد الباحثة باستخدام البیانات الأساسیة للنموذج

 

 

 

Table (4) Results of Unit Root Tests for used Model by ADF and PP

المصدر: إعداد الباحثة باستخدام البرنامج الإحصائی Eviews . وتمثل القیم بین الأقواس احتمالات قیم ت المحسوبة

 

Table(5) Correlation Matrix for Variables in the used Model

المصدر : إعداد الباحثة باستخدام البرنامج الإحصائی Eviews(راجع الرموز المستخدمة داخل قیاس المتغیرات)

 

Table (6) Optimal Lag for used Model According to VAR Analysis

المصدر: إعداد الباحثة باستخدام بیانات النموذج المستخدم والبرنامج الإحصائی Eviews.

*Indicates lag order selected by the criterion

LR: sequential modified LR test statistic (each test at 5% level). 

FPE: Final prediction error

AIC: Akaike information criterion. SC: Schwarz information Criterion

HQ: Hannan-Quinn information criterion

 

Table(7) Results of Estimated Model by OLS Method

المصدر : إعداد الباحثة باستخدام البرنامج الإحصائی Eviews، D تشیر للفروق الأولی فی القیم للمتغیر

 

 

 

Table(8) Marginal Contribution for Macroeconomic Determinants of Used Model

 تمثلMC المساهمة الحدیة لکل متغیر من المحددات الاقتصادیة الکلیة فی تفسیره للتغیر فی معدل الهجرة، وقد حسبت القیم من خلال الباحثة باستخدام نتائج الانحدار للنموذج المستخدم

 

Table )9) Granger Causality Results for Macroeconomic Determinants

          المصدر : إعداد الباحثة باستخدام بیانات النموذج المستخدم والبرنامج الإحصائی Eviews  .

 

 

Article View: 909

PDF Download: 2,262