المبادئ الإدارية النبوية في صلح الحديبية | ||||
المجلة التربوية لتعليم الکبار | ||||
Article 1, Volume 6, Issue 3, July 2024, Page 1-25 PDF (638.75 K) | ||||
Document Type: أوراق بحثیة | ||||
DOI: 10.21608/altc.2024.374047 | ||||
![]() | ||||
Authors | ||||
حصة الغنام1; هيفاء السحيم2 | ||||
1جامعة الملك سعود وزارة التعليم | ||||
2جامعة الملك سعود - كلية التربية - قسم الإدارة التربوية | ||||
Abstract | ||||
سعى البحث إلى استنباط المبادئ الإدارية النبوية كما جاءت في مواقف صلح الحديبية وكان لها أعظم الأثر في نجاحه، واستخدم المنهج الاستنباطي التحليلي، وتم عرض الإطار المفاهيمي للمبادئ الإدارية النبوية من خلال عرض مفهوم الإدارة وأهميتها من منظور إسلامي، وتأصيل المبادئ الإدارية من منظور إسلامي، والكشف عن أبرز المبادئ الإدارية النبوية التي ظهرت في مواقف صلح الحديبية، ونظراً لما تميزت به الإدارة في الإسلام من شمول لجميع مجالات الحياة العامة والخاصة، وتنوع المبادئ الإدارية التي ترتكز عليها، والمستمدة من أعظم مصدرين هما القرآن الكريم والسنة النبوية، فإنه من الأهمية بمكان أن يتحلى القائد بالمبادئ الإدارية الإسلامية بما يتناسب مع الموقف ويكون عوناً له في منظمته، بما يعود عليه بالفائدة في تحقيق أهدافه وتجاوز ما قد يواجهه من تحديات. | ||||
Keywords | ||||
الإدارة الإسلامية; مبادئ الإدارة الإسلامية; صلح الحديبية | ||||
Full Text | ||||
كلية التربية كلية معتمدة من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم المجلة التربوية لتعليم الكبار– كلية التربية – جامعة أسيوط =======
المبادئ الإدارية النبوية في صلح الحديبية
إشــــــــــــــــــــــــــــــراف
} المجلد السادس – العدد الثالث – يوليو 2024م {
الملخص سعى البحث إلى استنباط المبادئ الإدارية النبوية كما جاءت في مواقف صلح الحديبية وكان لها أعظم الأثر في نجاحه، واستخدم المنهج الاستنباطي التحليلي، وتم عرض الإطار المفاهيمي للمبادئ الإدارية النبوية من خلال عرض مفهوم الإدارة وأهميتها من منظور إسلامي، وتأصيل المبادئ الإدارية من منظور إسلامي، والكشف عن أبرز المبادئ الإدارية النبوية التي ظهرت في مواقف صلح الحديبية، ونظراً لما تميزت به الإدارة في الإسلام من شمول لجميع مجالات الحياة العامة والخاصة، وتنوع المبادئ الإدارية التي ترتكز عليها، والمستمدة من أعظم مصدرين هما القرآن الكريم والسنة النبوية، فإنه من الأهمية بمكان أن يتحلى القائد بالمبادئ الإدارية الإسلامية بما يتناسب مع الموقف ويكون عوناً له في منظمته، بما يعود عليه بالفائدة في تحقيق أهدافه وتجاوز ما قد يواجهه من تحديات. الكلمات المفتاحية: الإدارة الإسلامية، مبادئ الإدارة الإسلامية، صلح الحديبية.
Abstract This research aimed to extract the prophetic administrative principles that were evident in the positions taken during the Treaty of Hudaybiyyah and had the most significant influence on its success. The deductive analytical approach was utilized. The two researchers introduced the conceptual framework of prophetic administrative principles by discussing the notion of administration and its significance from an Islamic perspective. They also synthesized the administrative principles from an Islamic perspective, unveiled the predominant prophetic administrative principles manifested in the provisions of the Treaty of Hudaybiyyah. Considering that administration in Islam encompasses all aspects of public and private life, and is guided by diverse administrative principles derived from the Holy Qur’an and the Sunnah of the Prophet, it is crucial for a leader to possess Islamic administrative principles that are suitable for the given situation. These principles will aid the leader in organizing his efforts, achieving his goals, and effectively addressing any challenges that may arise. Keywords: Islamic Administration, Principles of Islamic Administration, Treaty of Hudaybiyyah.
مقدمة: تهدف الإدارة إلى توظيف الإمكانات المادية والبشرية المتاحة لتحقيق أهداف المنظمة، وقد مارس الإنسان الإدارة كسلوك منذ أن خلقه الله على وجه الأرض؛ حيث كان يمارس الإدارة بشكل عفوي وتلقائي؛ لإدارة شؤونه، وتدبير أموره، وتلبية احتياجاته، دون أن يخضع لقواعد أو قوانين. حيث إن مفهوم الإدارة قديم، وقد مر بمراحل متعددة تطور خلالها إلى أن وصل إلى ما وصل إليه في العصر الحديث؛ الذي تزايدت فيه أهمية الإدارة بصورة ملحوظة بسبب ما تشهده المنظّمات من تحديات ومتطلبات عديدة ومعقدة ومنافسة حادة بينها، وكذلك ما يحدث من مشكلات تنظيميَّة وإداريَّة، حيث يتوقف نجاح المنظّمات في تحقيق أهدافها واستمرارها على القيادة الإداريَّة المتميزة، التي تتصف بالأخلاق أولًا، ثمّ بالفطنة والذكاء والدراية بالمبادئ الإدارية التي تمكنها من التعامل مع المواقف بحكمة وكفاءة. وتُمثل الإدارة في الإسلام أهمية وضرورة مُلحة مما يتطلب تنظيمًا حكيمًا، يعمل على ضبط نوازع الإنسان، ويوجهها الوجهة الصحيحة، وقد قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (القرآن الكريم، آل عمران: ١٠٤)، حيث بعث الله الأنبياء والمرسلين كقادة لدعوة البشر لعبادة الله، وإدارة شؤونهم، وإصلاحهم، وتعليمهم، وترسيخ الأخلاق. وقد انعكس أثر الأنبياء وتعاليم رسالتاهم، وسلوكهم على سلوك البشر، وطبائعهم، وساهم في نمو وتطور الحضارة البشرية. ولقد خاطب الله نبيه محمد صلى الله وعليه وسلم بقوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ (القرآن الكريم، الأحزاب: ٤٥- ٤٧)، حيث جاء هذا الخطاب له مُؤكدًا لأمته قيادته، وقدوته، ودعوته إلى الإيمان والعبودية لله تعالى في جميع نواحي الحياة التربوية والعملية (القريشي، ٢٠٢٠). ولقد تفردت الحضارة الإسلامية بوجود تنظيم إداري شمل معظم الوظائف الإدارية، فالفكر الإداري بدأ يتبلور منذ أن أنزل الله سبحانه وتعالى رسالته على الرسول صلى الله عليه وسلم. حيث كان الفكر الإداري في الصدر الأول من الإسلام يستند الى نصوص القرآن والسنة النبوية الشريفة ويقوم على أساس من القيم الإنسانية التي لايزال الفكر الإداري المعاصر يحاول الوصول إليها (عساف،2015). ويزخر الفكر الإداري الإسلامي بالكثير من المفاهيم والمبادئ الإدارية المتطورة القائمة على مجموعة من الأسس والقيم والثوابت المنهجية الربانية الصالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، والتي وردت لاحقاً في الإدارة الحديثة، رغم تفوق الإدارة الإسلامية وتميزها عليها. حيث ركزت المفاهيم الإدارية الحديثة على تحقيق المصلحة الخاصة المتمثلة في الأشياء المادية، في حين أن هدف الإدارة من المنظور الإسلامي هو خدمة الآخرين، وتغليب المصلحة العامة على الخاصة والاهتمام بالجوانب الروحية والنفسية قبل الاهتمام بالنواحي المادية، كما أثبتت سلسة التغيرات المستمرة أزلية صلاحيتها ودوام فاعليتها، فالفكر الإداري الإسلامي فكر متوازن ينشد الوسطية في الحكم والإدارة واتخاذ القرار؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ (القرآن الكريم، البقرة: ١٤٣). وينشد التيسير والرفق في الأمر كله. قال ﷺ: " إن الله يُحب الرفق في الأمر كله"(رواه البخاري).ويتأكد تفرد الفكر الإداري الإسلامي بأنه فكر لا ينحرف نحو الاتجاه المادي للفكر الإداري العلمي، ولا يتطرف في الاتجاه الإنساني للفكر الإداري المعاصر، بل نجده بين ذلك قواما إذ يحقق توافقا تاماً لصالح الفرد والجماعة معاً، ولا يسمح بطغيان أحدهما على الآخر؛ فلا فردية مطلقة ولا جماعية مطلقة(فتيحي، 2018؛الشايع، ٢٠١٦). وتتطلب الإدارة الإسلامية وجود القائد الذي يمتلك عقلًا ذكيًّا، وقلبًا نقيًّا، وخطوةً صائبةً يقود بها الجماعة، فيرشدهم وينميهم، ولقد كان النبي ﷺ مثالاً كاملاً يُحتذى به في جميع المجالات والمواقف، ومنها القيادة، فهو المعلم والمربي والقائد والناصح والداعي إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة على هدى وبصيرةٍ من ربِّه (الرشيدي،2020). فالقائد المسلم ينطلق من مبادئ الإسلام الراسخة، ومن العقيدة التي يُـؤمن بها، مُعتمدًا على العديد من المقومات والمرتكزات التي تنظم العمل الإداري وتقود المواقف الإدارية بكل اقتدار بعيداً عن الاستبداد أو الفوضى. كما أن سمات القادة تتشكل من خلال بعدد من المواقف القيادية التي مروا بها، وبالتالي تشير النظرية الموقفة إلى أنه وقبل تحديد أهم السمات التي تميز القادة يجب أولاً الأخذ في الاعتبار المواقف التي تعرض لها القادة، فالقيادة الفعالة تدور حول تحقيق التوازن الصحيح بين الاحتياجات والموقف والسلوك، ولا يمتلك أفضل القادة السمات الصحيحة فحسب، بل يمتلكون أيضا القدرة على تقييم احتياجات أتباعهم، وتحليل الموقف المطروح، والتصرف وفقا لذلك (الرويلي،2019).لذا فإن القائد في الإدارة الإسلامية لابد أن يتخذ المبدأ الـمُناسب والذي يُراعي الموقف بكافة جوانبه، ويُركز على تغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة، وربط القول بالعمل بما يتوافق مع التأصيل الإسلامي ومبادئ الشريعة الغراء. وبذلك فإن المواقف الإدارية تتطلب ظهور شخصية قيادية قادرة على قراءة الموقف، ومعالجته، والتعامل مبكل مرونة وحكمة. وتأسيساً على ماسبق فقد تمتع الفكر الإداري بالعديد من المبادئ التي تناولنا منها ما أرتكز عليه صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية بما يتناسب مع الموقف الإداري مما كان له أعمق الأثر في نجاح الصلح ومانتج عنه من فوائد عظيمة للمسلمين. مشكلة الدراسة: اتَّسمت حياة الرسول ﷺ الدعويةُ بصفات قيادية ناجحة، استطاع من خلالها توحيد الصف، ولمَّ الشمل، وجمْعَ الكلمة، وإقامة الدولة التي بلغ صداها المشرق والمغرب. وكان لقيادته الحكيمة لأُمَّته، نجاحٌ باهرٌ، فقادها إلى ما فيه خيرها وصلاحها في الدنيا والآخرة. وكان وراء ذلك النجاح والتميُّز- بعد توفيق الله وعونه - صفات قيادية وشمائل وأخلاق كريمة أهَّلته لأن يكون مثالاً ونموذجًا كاملاً في القيادة الحكيمة الناجحة القادرة على السير بالأُمَّة إلى تحقيق الأهداف والغايات التي جاءت من أجلها رسالة الإسلام (الجرادي،2022). وقد أكدت دراسة الجاسر (2022) أن القيادة في الإسلام ذات مفاهيم واضحة المعالم لا تخضع للظروف والمواقف التي قد تُغير القائد، ولكن قد تُغير هذه الظروف والمواقف سلوك القائد، فاختيار القائد في الإسلام يعتمد على اتباع التعاليم الربانية التي تجعله مرنًا مع كل المواقف المختلفة، كما يلزم الإسلام الجماعة بإتباع أوامر القائد والانصياع له مادام يسير على منهج الله. وعلى ذلك فالقيادة في الإسلام تأخذ في الاعتبار أن القائد الفعال هو من يستطيع أن يُشكل نفسه حسب الظروف والمواقف والإمكانات المتاحة، ليستثمر ما لديه ولدى فريقه من طاقات وقدرات يوجهها نحو الهدف. كما أشارت دراسة الطاهر (2017) أنه لا يوجد مبدأ إداري واحد يصلح لأن يكون ناجحا في كل المواقف، والذي يحدد نجاح القيادة هو مدى التوافق بين نمط تلك القيادة وطبيعة الموقف الذي تتواجد فيه، ويعتمد نجاح القائد وبروزه بالدّرجة الأولى على كفاءته وقدرته على التكيّف مع ظروف الموقف الذي يواجهه، فكلما استطاع القائد أن يتميز في تطبيق المبادئ الإدارية ويحسن استخدام مواهبه وقدراته في استغلال ظروف الموقف، كان أكثر تأثيرا ونجاحا في ذلك الموقف. والمتأمل للقيادة النبوية يجد أن الرسول ﷺ سعى إلى تثبيت مبادئها في قلوب المسلمين ليبث فيهم روح العمل الجماعي وحسن التصرف والتعامل مع الموقف بما يناسبه بهدوء وبدون خوف، حيث كان الصبر وحسن اتخاذ القرارات من أهم صفات القيادة النبوية. فكان يختار تطبيق المبدأ الإداري بما يتناسب مع الموقف ، كما أنه كثيراً ما يطبق أكثر من مبدأ حسب مايرى أنه الأنسب لتحقيق الهدف ، دون أن يخل ذلك بالمعتقدات والثوابت الأساسية للشريعة الإسلامية، حيث كان يسير بخطوات ثابتة نحو هدفه، والذي كان يتمثل في نشر رسالة ربه دون أن يستسلم ويتنازل عنها، ولكن كل ذلك لم يحدث بالصدفة العابرة، بل كان نتيجة لإتباع مبادئ الإدارة الاسلامية الراسخة(العجلوني، 2016). وقد أكدت عدد من الدراسات أن ما تبناه الرسول القائد ﷺ في مواقف صلح الحديبية من مبادئ إدارية ساهمت في تشكيل الموقف الإداري وحل الأزمة ؛ تعد هي في حد ذاتها دستوراً شاملاً يمكن الرجوع إليه للاقتباس منه في أبواب الحكمة والأناة وبعد النظر وضبط النفس، والعدل والوفاء بالعهد، والشورى، والتفاوض، واحترام المعارضة النزيهة (شحاته ،2021؛ الدريس ،2019؛ الجاسر،2019). وبناءً على ماسبق تتضح أهمية تأصيل هذه المواقف والمبادئ الإدارية النبوية لأثرها الفاعل في إنجاح صلح الحديبية، وما نتج عنه من فوائد جمة للإسلام والمسلمين، حيث تمثل السؤال الرئيس لهذه الدراسة في : ما المبادئ الإدارية النبوية التي ظهرت في مواقف صلح الحديبية؟ أسئلة الدراسة: - ما مفهوم الإدارة وأهميتها من منظور إسلامي؟ - ما المبادئ الإدارية من منظور الإدارة في الإسلام؟ - ما المبادئ الإدارية النبوية التي ظهرت في مواقف صلح الحديبية؟ أهداف الدراسة: تستهدف الدراسة الحالية استنباط المبادئ الإدارية النبوية كما جاءت في مواقف صلح الحديبية، وذلك من خلال: - التعرف على مفهوم الإدارة وأهميتها من منظور إسلامي. - عرض المبادئ الإدارية من منظور الإدارة في الإسلام. - توضيح المبادئ الإدارية النبوية التي ظهرت في مواقف صلح الحديبية أهمية الدراسة: 1. تتضح أهمية هذا الموضوع من أهمية المصدر الذي يعتمد عليه، وهو السنة النبوية، وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهي جزء من الوحي، وهو ما يعطي لهذا الموضوع سمات المصدر الذي يقوم عليه من الثبات والصدق والأصالة المعاصرة وغيرها. ٢. أن هذه الدراسة تتناول التأصيل الإسلامي لمجموعة من أهم المبادئ الإدارية التي ساهمت في نجاح صلح الحديبية، لدرجة أن سماه الله تعالى بالفتح المبين. حدود البحث: اقتصرت الدراسة الحالية على توضيح مفهوم الإدارة في الإسلام وأهميتها، والمبادئ الإدارية من منظور إسلامي، والمبادئ الإدارية النبوية التي ظهرت في مواقف صلح الحديبية، من خلال الاستدلال بالقرآن الكريم والسنة، والسيرة النبوية. منهج البحث: تم استخدام المنهج الاستنباطي التحليلي، وهو "منهج أسلوبه الشرح والنظر والتفكر والتأمل والتحليل، وينتقل من الكل إلى الجزء، ومن العام إلى الخاص"(المحمودي،2019)، وهو المنهج الذي ينتقل الباحث فيه من الكل إلى الجزء، بهدف الكشف عن الحقيقة، ويسمى منهج التحليل بطريقته الاستنباطية التي يربط العقل فيها بين المقدمات والنتائج، وبين الأشياء وعللها على أساس التأمل الذهني، فهو يبدأ بالكليات ليصل منها إلى الجزئيات المكونة لها وصولا إلى القوانين العامة. وسُمي بالمنهج الاستنباطي، وذلك لأن المعلومات يتم استنباطها من القاعدة الكلية، ويعتمد هذا المنهج بشكل رئيسي على ثلاث أدوات، وهذه الأدوات هي التجريب العقلي والقياس والتركيب. وهذا المنهج ينطلق من معطيات (قضايا ومسلّمات وبديهيات) قائمة بالفعل ليخرج منها إلى نتائج تتضمّنها، تنتج عنها بالضرورة، دون الالتجاء إلى التجربة، ويتمّ هذا بواسطة القول أو بواسطة الحساب. فهو بعبارة أخرى تفكيك القضية إلى أجزائها، أي الدراسة الكلية لظاهرة معينة وصولا إلى جزئياتها. وقد تم استخدام المنهج الاستنباطي من قبل علماء المسلمين في مجالات معرفية عديدة، من أبرزها علوم الرّياضيّات، وعلم أصول الدين من قبل علماء مسلمين كثر؛ منهم أبو حامد الغزالي (٥٠٥هـ)، وأبو العبّاس تقي الدين أحمد بن تيمية (٧٢٨هـ) ، وجلال الدين السيوطي (۹۱۱هـ) وغيرهم (المهدي،2019). وقد تم الاعتماد في هذه الدراسة عن الاستنباط والتحليل للنصوص الواردة في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة كمصدران أساسيان من مصادر التشريع الإسلامي، وذلك كما وردت في كتب التفسير وأمهات الكتب كصحيح البخاري ومسلم، إضافة إلى الدراسات والمراجع العلمية التي تم الحصول عليها من قواعد البيانات، والتي تناولت كل مايتعلق بالإدارة الإسلامية وخصوصاً مبادئها والمواقف النبوية الإدارية التي تجلت فيها هذه المبادىء وتحديداً ماتضمنه صلح الحديبية من ومبادىء إدارية تجلت في المواقف النبوية الشريفة. مصطلحات الدراسة: المبادئ الإدارية من منظور إسلامي تعرف المبادئ في علم الإدارة بأنها "اللائحة الأساسية من الحقائق التي توفر دليلا يسترشد به في القول والعمل"(شبلي، 2017،ص.42). وتعرف المبادئ الإدارية التربوية وفق المنظور الإسلامي بأنها : " المرتكزات الأخلاقية والعقدية والفقهية بغض النظر عن قطعية دلالتها ودرجة الالزام بها المهيمنة على سياسات وعمليات وخطط المنظمة،والمستمدة من أحكام وأصول وتشريعات الإسلام والمراعية لثقافة المجتمع،والمساهمة في ضبط مجالات التطور عبر مراحل الزمان المتلاحقة "(الحوشان، 2014،ص.332). صلح الحديبية صُلح الحُديبية: هو "صلح عقد قربَ مكة في منطقة الحديبية التي تُسمى اليوم الشميسي، في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة بين المسلمين وبين مشركي قريش بمقتضاه عقدت هدنة بين الطرفين مدتها عشر سنوات" (المباركفوري،2020،ص.244). إجابات تساؤلات الدراسة: - إجابة السؤال الأول: ما مفهوم الإدارة وأهميتها من منظور إسلامي؟ تؤدي الإدارة دور مهماً في تحقيق أهداف المنظمات على اختلافها، كما أن الأسلوب التي تدار من خلاله المنظمة يسهم بشكل فاعل ومؤثر في بناء بيئة تنظيمية فاعلة ومؤثرة، فالقائد له دور بارز في صناعة منظومة القيم لدى المرؤوسين. وتُعرف الإدارة بالمفهوم العام بأنها: "مجموعة الأعمال والأنشطة والقواعد التي تهدف إلى الحصول على الغايات والأهداف المخطط لها مسبقا، وذلك من خلال العمل والجهد الجماعي للقوى العاملة في المؤسسة، ويُنظر لها بأنها تنسيق وتنظيم وتحديد أدوار الأفراد او الجماعات ضمن مجموعات أكبر أو أصغر منها لتحقيق رؤية أو أهداف محددة بأساليب معينة" (المرعشي،2017، ص.٢٢). مفهوم الإدارة الإسلامية: تُعرف الإدارة الإسلامية بأنها: "الإدارة التي يتحلى منسوبيها قيادة وجماعات، رجالاً ونساءً بالعلم والايمان عند أدائهم لأعمالهم الموكلة إليهم على اختلاف مستوياتهم ومسؤولياتهم في الدولة الإسلامية" (المطيري، ٢٠٢٠، ص.٢٩). وبمعنى آخر هي "الإدارة التي يقوم أفرادها بتنفيذ الجوانب المختلفة للعملية الإدارية على جميع المستويات وفقًا للسياسة الشرعية" (المطيري، ٢٠٢٠، ص.٢٩). كما عُرفت الإدارة الإسلامية بأنها: "نشاط مشروع مقصود صادر عن فرد او جماعة في فترة زمنية معينة لتحقيق هدف محدد" (عيسى، ٢٠١٧، ص.23). وعلى ضوء التعريفات السابقة يمكن بيان اختلاف المفهوم الإسلامي للإدارة عن المفاهيم الأخرى كما ذكرها المطيري (2020)، وعيسى (2017) كما يلي: ١. من حيث الفكر والمنهج: نجد أن مفاهيم الإدارة بلا استثناء تُركز على المفهوم المادي مما جعل أفكارها قاصرة، حيث إن مصدرها اجتهاد العقل البشري وحده بعيداً عن الوحي القرآني الذي هو المصدر الرئيسي للمنهج، مع عدم إغفال دور العقل في الاجتهاد، فيجب ان يتصف العاملون في الإدارة بخُلق القرآن الكريم والقيم الإسلامية، فالإدارة الخالية من هذه القيم تُعد إدارة جاهلة. ٢. من حيث الهدف والغاية: تهدف الإدارة الإسلامية إلى تحقيق معنى العبودية لله عز وجل وعمارة الكون وفق منهج الله لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(القرآن الكريم، الأنعام:162)،بخلاف الغاية والهدف الآخر للإدارة، والذي لا يتجاوز الإطار الدنيوي بلا ضوابط مع التأثر بالشبهات التي تخلخل العقيدة وتضعفها في نفس الفرد. ٣. من حيث الوسيلة: نُلاحظ في الإدارة ان الغاية تبرر الوسيلة، وحيث ان الغايات في الإدارات الوضيعة قد تحكمها الشهوات فإن الوسائل الـمُتبعة لا تحكمها ضوابط الدين وقيمه. بينما نجد عكس ذلك تمامًا في الإدارة الإسلامية حيث تخضع للضوابط الشرعية، فالوسائل لها أحكام ومقاصد في الشريعة الإسلامية، وعليه فإن الوسائل الـمُتبعة يجب أن تكون مشروعة للوصول إلى الغايات المشروعة في الحياة الدنيا، وهو جزء من هدف أكبر وهو رضا الله سبحانه وتعالى. لذا فلابد من وجوب التكامل بين العلم والدين أو الإيمان بالإدارة وعدم الفصل بينها لأن العلم في الإسلام يُعمق في النفس الإيمان، والدين الإسلامي يُشجع على كل علم نافع صالح للعباد، فإذا حدث الفصل بينهما أصبحت الإدارة علمانية خالية من الروحانية، حيث يجب تنفيذ جميع العمليات الإدارية من تخطيط وتنظيم ورقابة وتوجيه، وفق السياسة الشرعية المحكومة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وقد تميز الفكر الإداري الإسلامي بالتركيز على النظرة الشمولية، وتحقيق المصالح لجميع الأطراف دون ميل أو ظلم أو طغيان لجانب على حساب الجوانب الأخرى. يقول تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (القرآن الكريم،البقرة:286)، ويقول تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ (القرآن الكريم،التغابن:16)، وقوله سبحانه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَدَةِ فينبئكم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (القرآن الكريم،التوبة:105)، وقوله سبحانه: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ استأجرت الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ (القرآن الكريم،القصص:26)،، وقوله عز وجل: ﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ منكم﴾ (القرآن الكريم،النساء:59)، وحديث أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني قال: فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذ بحقها وأدى الذي عليه منها (رواه مسلم). وقوله ﷺ: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" وقوله ﷺ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" (رواه البيهقي) (الرويلي،2019). أهمية الإدارة في الإسلام: تأتي أهمية الإدارة في الإسلام منذ أن بدأ الرسول عليه الصلاة والسلام بالدعوة إلى الدين الجديد، والاهتمام بجميع أفراد المجتمع الإسلامي من جميع النواحي النفسية والروحانية والتربوية. وزاد الاهتمام بالإدارة بعد أن هاجر النبي عليه السلام إلى المدينة، وآخى بين المهاجرين والأنصار لبناء مجتمع متماسك من الداخل. وقد كان الرسول عليه السلام قائدًا تربويًا جمع بين الدين من أحكام وتشريعات وسياسات، والدنيا من أعمال وغايات، وبين السياسة والقيادة العسكرية حيث وضع من خلالها ضوابط إدارية تشتمل على كل السياسات بما يعرف الآن بالنظام (أبو المجد وآخرون، 2017). وتُمثل الإدارة في الإسلام أهمية وضرورة مُلحة مما يتطلب تنظيمًا حكيمًا، يعمل على ضبط نوازع الإنسان، ويوجهها الوجهة الصحيحة، وقد قال تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وأولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (القرآن الكريم، آل عمران: ١٠٤)، والأمة هنا تعني القلة أي الجماعـات التـي تتولى فعل الخير، وتكون قائمة بالمعروف ودفع المنكرات، وهؤلاء هم رجال الإدارة والقادة الذين يسعون نحو التغيير؛ لأن التغيير لا يمكن إحلاله دون وجود نماذج بشرية قيادية تمثلت في الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن ثم أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده أمثال أبو بكر رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه الذين اقتدوا به وبقيادته (العمرو، 2017). فللإدارة أهمية كبيرة في حياة الأفراد والشعوب في كل مكان وزمان، ولا تستطيع أي مؤسسة الاستغناء عن الإدارة في تيسير شؤونها. حيث ترتبط الإدارة بالإنسان، ولها دور كبير في تقدمه وتطوره في مختلف جوانب الحياة سواء على مستوى الفرد أو الجماعة. وتكمن أهمية الإدارة أيضًا في التقدم العلمي والتكنولوجي المتسارع مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الطارئة والسريعة التي يشهدها العالم المعاصر (الزكي، 2016). - إجابة السؤال الثاني: ما المبادئ الإدارية من منظور الإدارة في الإسلام؟ يُعتبر القرآن الكريم والسنة النبوية المصدران الرئيسان للتشريع الاسلامي، وبهما تنتظم شؤون الدنيا والآخرة، وتُشرَّع المبادئ العامة والأصول الكلية، حيث جاءت الأحكام الجزئية الشرعية على نحو يضمن اتجاه الحكم العام إلى الفرد والمجتمع والدولة، ويضمن تطبيق الاصول الكلية على الوقائع الجزئية، ليكون أكثر مرونة، وسعة في معالجته للوقائع المستجدة والمتغيرة، والقدرة على مواجهة الظروف والواقع المتجدد، مما يضمن له البقاء والديمومة، وهو شريعة كل شيء. والإدارة الإسلامية لا تعرف الاستبدادَ أو الفوضى، فالقائد المسلم ينطلق من مبادئ الإسلام الراسخة، ومن العقيدة التي يُـؤمن بها، مُعتمدًا على العديد من المقومات والمرتكزات التي تنظم العمل الإداري، وسيتم استعراض أبرزه هذه المبادئ كما ذكرت في دراسات كلٍ من (الأشعري، 2021؛ الجاسر، 2022؛ الدعيلج،2019؛ العجمي،2020؛ العمرو،2017؛ القريشي،2020؛ آل ناجي،2016؛ فتيحي،2018): 1- المرجعية الشرعية تنطلق الإدارة من مرجعية شرعية بمصادرها الأساسية المقررة مثل القرآن الكريم والسنة النبوية، أو اجتهادية ثابتة كالعرف والاجماع، أو اجتهادية مُتغيرة كالقياس وسد الذرائع والمصلحة العامة والشورى، أو من خلال سلوك ورأي الصحابة، لذا فهي إدارة عقائدية واجبة وحتمية وليست اختياريه. فالإدارة في الإسلام إدارة متميزة وذات خصوصية منفردة تجمع بين أصولها المرجعية، وأساليبها التطبيقية الإنسانية، وتقويها وتؤكدها بالأفكار والاجتهادات العقلية المستندة إلى تلك الأصول المرجعية الإلهية لغرض جعلها إدارة صالحة لكل زمان ومكان، وتتجلى فيها مضامين الدين والآخرة، إلى جانب مضامين الواقع والدنيا، والسمو الروحي، والعمل العقلي في سبيل التطور والارتقاء في تحقيق الأهداف والمصلحة الشرعية. 2- الاعتدال والوسطية أن الإدارة الإسلامية تركن إلى منهاج الوسطية والاعتدال في مختلف الأمور وذلك كسائر شرائع وأحكام هذا الدين، التي هي وسط بين طرفين الغلو والتفريط، وكذلك النظر إلى الأمور من جميع الجوانب كي لا يطغى جانب على آخر قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾(القرآن الكريم، البقرة: ١٤٣). 3- التعاون يتجسد ذلك في قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (القرآن الكريم، المائدة: ٢)، حيث يحث الإسلام على الالتزام بالجماعة والتعاون ونبذ الفرقة، وهو ما أكد عليه الرسول صلى عليه وسلم بقوله "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا" (رواه مسلم). ومن ذلك يتضح ما يجب أن يتسم به القائد المسلم من حب العمل مع الآخرين، والتأليف بين الموظفين، وبث روح التعاون والتعاضد، والعمل بروح الفريق، وحث المرؤوسين على العمل كفريق واحد. 4. تبادل المشورة حظيت الشورى بمكانة عظيمة في التشريع الإسلامي، وأصبحت من المبادئ التي يقوم عليها نظام الحكم والإدارة في الدول الإسلامية في مختلف العصور. ويؤكد على أهمية الشورى وقوعها بين فريضتين واجبة التنفيذ الصلاة والزكاة، حيث لا يكتمل إسلام الفرد إلا بتأديتهما، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ (القرآن الكريم، الشورى: ٣٨)، ليجعل من الشورى صفة وطابع أساسي للجماعة المسلمة أعمق من مجرد كونها نظامًا سياسيًا للدولة. كما يبزر إقرار الإسلام بمبدأ الشورى في أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بعد ما حل بهم في غزوة أحد بأن يبقى على درب الشورى مع أصحابه وذلك بقوله تعالى ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ (القرآن الكريم، آل عمران: ١٥٩). وقد شهد العهد النبوي بعد ذلك مواقف عدة للشورى بسائر الأمور الـمُرتبطة بالدين والدنيا، حيث كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير الجمع القليل أو الكثير. ومن الجدير بالإشارة أن الشورى لم تكن مُطلقة لكل أمر، وإنما تجب فقط في الأمور التي لم يرد بها نص قاطع في القرآن أو السنة، أو فقط في حدود التنظيم والتنفيذ لما نص عليه القرآن وبينته السنة النبوية. وإزاء ذلك فأن لتطبيق الشورى فوائد عديدة في إدارة المؤسسات على جميع أنواعها، ولعل أبرزها أنه يساهم في الالتزام بالعمل والرقابة الذاتية، وتنمية الولاء والانتماء للمؤسسات، والشعور بالأمن والرضا الوظيفي، وتعزيز التعاون والألفة والتماسك داخل الجماعة؛ نتيجة للمشاركة في اتخاذ القرارات والعمل الجماعي. كما يُساهم تطبيق الشورى في تنمية القدرات العقلية للأفراد، وزيادة خبراتهم بالعمل، وفي تنمية قيمة العدالة والحرية والمساواة والاخلاص في العمل مما يساهم في رفع الروح المعنوية، وزيادة الدافعية، وتحقيق التضامن الاجتماعي والتراحم بين الأفراد. إضافةً لكونها تحقيقًا لأمر الله عز وجل، وتنفيذًا لشريعته وإتباعًا واقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم. 5. المساواة جاء الإسلام بمبدأ المساواة، وكان بذلك أسبق في هذا المقام مما هو معروف من التشريعات في العصر الحديث. حيث أقر الإسلام المساواة بين الخلق جميعاً، وجعل لهم الحقوق والواجبات نفسها دون النظر إلى شعوبهم وقبائلهم، ولم يجعل الإسلام مقياسًا للتفاضل بين الناس سوى التقوى والعمل الصالح، ومن الآيات القرآنية التي تدعو إلى المساواة قوله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (القرآن الكريم، الحجرات: 13). 6. تكافؤ السلطة والمسؤولية حرص الإسلام على تكافؤ السلطة والمسؤولية، والذي ينطلق من قاعدة شرعية عريضة مؤداها أن يكون التكليف على قدر الوسع مصدقًا لقوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ (القرآن الكريم، البقرة: ٢٨٦)، وذلك بألا يتم تحميل أحد الأفراد مسؤولية دون منحه سلطة مكافئة تمكنه من أدائها. 7. القدوة الحسنة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو القدوة العظمى، والأسوة الكبرى، صاحب الخلق الأكمل والمنهج الأعظم، وقد أمرنا الله عز وجل في كتابه الكريم بالاقتداء والتأسي بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، فقال تعالى: ﴿لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ (القرآن الكريم، الأحزاب: 21). فالقدوة الحسنة هي منهاج كل قائد يتطلع إلى أن يحقق في أقواله وأفعاله أعلى معايير الاخلاق والتعامل الحسن؛ مما يكون أدعى لقبوله لدى الأفراد والمجتمع. 8. الجدارة طبقت الإدارة في الإسلام مقومات الكفاءة والجدارة والأمانة والقدرة على الأداء في العمل وتولية الوظائف العامة قبل أن تأخذ به النظم الإدارية الحديثة، ومعنى ذلك أن الإدارة الإسلامية ربطت بين السلوك التنظيمي وبين الإنتاج في العمل. وقد التزمت الإدارة الإسلامية بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية عن مقومات الجدارة فقد قال سبحانه وتعالى: ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ (القرآن الكريم، القصص: 26). 9. الرقابة تعد الرقابة الذاتية ومحاسبة النفس من أهم مبادئ الإدارة الإسلامية، حيث قال الرسول ﷺ : " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" (رواه البخاري)، والرقابة الذاتية أمر يقع في داخل نفس الإنسان، والرقابة في القرآن الكريم من اسم الله الرقيب؛ وقد ورد اسم الله الرقيب في القرآن ثلاث مرات ومنها الآية الكريمة ﴿إن الله كان عليكم رقيبا﴾ (القرآن الكريم،النساء:1). ويقول النبي ﷺ :"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطيع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" ، هذا دليل واضح على وجوب الرقابة على جميع أفراد المجتمع المسلم ، وهو واجب مشترك على الجميع كل على قدر استطاعته وإمكاناته وصلاحياته سواء كانت كبيرة أو صغيرة (أبوسن، 1417هـ). وتهدف الرقابة الإدارية في الإسلام إلى توطين الأفراد على التحلي بالأمانة، فهي منهج إسلامي يلتزم فيه العاملين بأداء الأعمال بأجود المستويات؛ سعياً لتحقيق أفضل النتائج في توظيف كافة الخبرات والإمكانات والموارد المتاحة لتحقيق مصالح العباد، ويؤكد هذا قوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا في أنفسكم فَاحْذَرُوهُ ﴾ (القرآن الكريم البقرة: 235). كما تهدف الرقابة في المنظمات إلى مراقبة الأداء وتحديد مسببات انخفاضه، واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع حدوث ذلك. إضافة إلى جلب المنفعة للمنظمة والعاملين فيها والمتعاملين معها والمستفيدين ودرء المفاسد عن الجميع (موسى وفاطمة،2011). - إجابة السؤال الثالث: ما المبادئ الإدارية النبوية التي ظهرت في مواقف صلح الحديبية؟ ركزت الدراسة الحالية على السنة النبوية - المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي - لدراسة صلح الحديبية، من خلال المواقف البارزة فيه كخطوة على طريق التأصيل الإسلامي لعلم الإدارة، كون تلك المواقف امتزجت بكثير من المبادئ الإدارية المتنوعة؛ إلا أنه سيتم التركيز على ثلاثة مبادئ وهي: (التفاوض، الشورى، القدوة الحسنة) لأنها من أكثر المبادئ الإدارية التي كان لها أعمق الأثر في إنجاح الصلح ومانتج عنه من فوائد عظيمة للإسلام والمسلمين. التفاوض: لقد اهتم الإسلام بعملية التفاوض، وتعددت آيات القرآن الكريم التي تضمنت هذه العملية المهمة، كما ورد في مواقف عدة من حياة النبي ﷺ وجاءت به سنته قولا وعملا وتقريرا، واهتم به خلفاؤه ﷺ ، والتراث الإسلامي من قرآن وسنة وما كتب حولهما من العلماء المسلمين حافل بما يؤكد أهمية التفاوض كمبدأ اداري إسلامي، فلقد فاوض النبي ﷺ كثيرًا من المناوئين لدينه والمقاومين لمشروعه التغييري، ففاوض - على سبيل المثال - الحارث الغطفاني في غزوة الخندق، على أن يشاطره تمر المدينة، كما فاوض عروة بن مسعود الثقفي في الحديبية، ومن قبل ذلك فاوض الوليد بن المغيرة وأقنعه بصدق ما يقول ولكنه جحد واستكبر، كما فاوض عتبة بن ربيعة (شحاته ومطر، 2021) وغيرها من المفاوضات والتي كان من أشهرها مفاوضته ﷺ في الحديبية. مفهوم التفاوض: التفاوض لغة: مأخوذة من مادة (فوض): تَفَاوَضَ الْقَوْمُ الْحَدِیث: َ أَخَذُوا فيه أَيْ فَاوَضَ بعضهم بَعْضًا. ويقال: تفاوضَ یتفاوض، تفاوُضًا، فهو مُتفاوِض، تفاوض الرَّجلان: تبادلا الرأي بُغیة التوصل إلى تسوية أو اتفاق (الرازي،2016، ص.244). تعریف التفاوض اصطلاحا: "عملية إجرائية سلوكية فنية بین طرفین أو أكثر بینھم تعارض في المصالح وتبحث فیھا مقترحات عامة أو محدودة بهدف التوصل إلى تقليل فجوة الخلاف أو التعارض أو إتمام اتفاق یحقق مصالح مشتركة للمتفاوضين"(عابد،2016، ص.2). إن تصرفات الرسول القائد ﷺ في حوادث الحديبية هي في حد ذاتها دستور شامل يمكن الرجوع إليه للاقتباس منه في باب الحكمة والأناة وبعد النظر وضبط النفس والسيطرة على الأعصاب أمام استفزازات السفهاء وتحدي الحمقى، وفي باب العدل والوفاء بالعهد واحترام المعارضة النزيهة وفي باب إدارة التفاوض، ومن ثم فقد استطاع أن يثني معارضيه عن الحرب، وجعلهم يميلون إلى الصلح ويجنحون إلى السلام، مُحققًا بذلك فوائد جمةً للإسلام والمسلمين أظهرتها سنوات ما بعد الصلح. والمفاوضات في الإسلام تقوم على الحق والعدل والوعظ والجدال الحسن الذي یتم من خلال عملیة التفاوض القائمة على الإقناع والإنصاف والصدق والرفق واللین والمتأمل في نصوص القرآن وأفعال الرسول ﷺ سیتضح له مشروعیة التفاوض في الإسلام والتفاوض وسیلة مباحة من وسائل نشر الإسلام وتمكینه والدعوة إلیه، قوله تعالى: ﴿وجادلهم بِالَّتِي هي أَحْسَنُ﴾(القرآن الكريم،العنكبوت:46) ﴿ادْعُ إلى سَبِیلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَة﴾ (القرآن الكريم،النحل: 125) (القريشي،2020). فالتفاوض لا یخرج من إطار الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ومن أعظم وأهم أدلة مشروعیة التفاوض في السنة النبویة ما نحن بصدده هو سیرة النبي ﷺ في صلح الحدیبیة، یقول الإمام الزهري: فما فُتِحَ في الإسلام فتحٌ قبله كان أعظم منه (أي صلح الحدیبیة))ابن هشام،2021). وإن المتأمل في تفاوض النبي ﷺ في صلح الحديبية یجد أنه تميز بعدة أمور هامة لابد للمفاوض الناجح أن ينتهجها ليؤتي التفاوض ثماره وهي كما يلي: أ- "حسنُ الاستماع والانصات للمفاوض" ويقصد بالإنصات الاستماع للآخرين بفهم وأدب واحترام وعدم مقاطعتهم، وقد كانت هذه الخصلة مع جمیع من فاوضهم النبي ﷺ من المفاوضین الخمسة (بُدَیْل الخزاعي، ومكرز بن حفص، والحلیس بن علقمة، وعروة بن مسعود الثقفي، وسهيل بن عمرو) وكان حسن الاستماع مع الأخیرین بشكل بَیِّن، وقد ضرب لنا النبي ﷺ أعظم مثال في فن التفاوض وذلك في أول حوار مع أول الوسطاء والمفاوضین وهو بُدَیْل الخزاعي، حیث قال له: (إنا لم نأت لقتال أحد، ولكننا، جئنا معتمرین) وهذا ما یسمى بوضوح الهدف، والتزام الشفافية في القضیة التفاوضیة (موسى، أحمد،2018). كما أن إنصات المفاوض لما يدور حوله له فوائده العديدة على عملية التفاوض ذاتها؛ إذ يساعد المتحدث على فهم وجهة نظر الآخرين وأساليب تفكيرهم؛ويعلم الصبر؛ ويعالج الاندفاعية في الكلام؛ كما أن الإنصات يدعم بناء العلاقات الإنسانية بين الأفراد والجماعات؛ إذ إنه وسيلة مجدية في إيجاد الفهم المتبادل بين المتفاوضين؛ كما أنه يشعر المتكلم بأنه مرغوب فيه وأنه ليس مهمشا أو مرفوضاً؛مما يجعله يعبر عما بداخله بلا خوف أو مواربة(العاسمي، ٢٠١٦). والمتأمل للحوارات التي دارت في صلح الحديبية يلحظ بوضوح الإنصات الجيد للنبي ﷺ مع جميع المتحدثين معه، بداية من لقائه ﷺ مع بدیل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عَيْبَةَ نُصْحِ رسول الله - من أهل تهامة (والعيبة: ما توضع فيه الثياب لحفظها أي أنهم موضع النصح له والأمانة على سره , كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب، وفى رواية: وكانت خُزاعة عَيبَة رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلُمها ومشركُها لا يُخفون عليه شيئاً كان بمكة) عندما قال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العُوذُ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت الحرام) (رواه البخاري) ثم لقاؤه ﷺ مع أبي مسعود عُروة بن مسعود الثقفي "الذي جعل يكلم النبي ﷺ فقال رسول الله ﷺ نحوًا من قوله لبديل بن ورقاء، فقال عروة بن مسعود عند ذلك : يا محمد أرأيت إن استأصلت قومك هل سمعت أحدًا من العرب اجتاح أصله قبلك، وإن تكن الأخرى فوالله إني أرى وجوها وأرى أشواباً من الناس خُلَقاءَ أن يفرُّوا ويدعوك" (رواه البخاري) كل ذلك والنبي ﷺ ينصت له رغم سوء أدبه وتطاوله على صحابة النبي ﷺ. ثم لقاؤه ﷺ مع مكرز، الذي ما إن أشرف عليهم قال النبي ﷺ : "هذا مكرز وهو رجل فاجر"، فجعل يكلم النبي ﷺ والنبي ينصت رغم علمه بفجوره. كما اتضحت مهارة الإنصات جلية عند النبي ﷺ عند لقاء هيل بن عمرو، وكذلك مشاورته لأصحابه. وهذه المواقف وغيرها تؤكد امتلاك النبي ﷺ مهارة من أبرز مهارات القائد الناجح وهي الإنصات الجيد (شحاته، مطر، 2021). ب- "الشَّفافيةُ ووضوح الهدف والتمسك به والسعي نحو تحقيقه" فمن أهم ما ينبغي أن يتوفر بالمفاوض الناجح وجود هدف واضح يسعى إلى تحقيقه بكل السبل؛ لأنه في غياب الهدف لا يستطيع المفاوض تحديد أساليبه ووسائله في عملية التفاوض؛ كما أن تحديد الهدف يساعد على المثابرة على تحقيقه بكل إقتدار، والناظر لصلح الحديبية يجد أن هدف النبي ﷺ كان واضحًا منذ البداية، وقد أعلن عنه بشفافية، وهو دخول مكة معتمرًا، ولقد أقسم النبي ﷺ على مقاتلة قريش حتى الموت إن هم منعوه من دخول مكة معتمرًا، يتضح ذلك من قوله ﷺ : "إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهكَتْهُمُ الحَرْبُ ، وأَضَرَّتْ بهِمْ، فإنْ شَاؤُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، ويُخَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ أَظْهَرْ: فإِنْ شَاؤُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيما دَخَلَ فيه النَّاسُ ،فَعَلُوا، وإِلَّا فَقَدْ جَمُّوا ، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هذا حتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي" (الجاسر،2022). ت- "المرونة والاستعداد لتقديم بعض التنازلات"، لابد للمفاوض الناجح مع تمسكه بالهدف الرئيس للمفاوضات أن يكون مستعدًا لتقديم بعض التنازلات، طالما أنها لا تمس أمورًا جوهرية بالقضية التفاوضية. ولقد ظهر ذلك جليًّا في صلح الحديبية، في عدد من المواقف، منها التنازل عن كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم)، واستبدال (باسمك اللهم) بها. وأيضاَ التنازل عن كتابة (من محمد رسول الله) واستبدال (من محمد بن عبد الله) بها، فلقد رأى النبي - ﷺ – أن اختلاف الصياغة ليس أمرًا جوهريا في التفاوض، خاصة وأنه لن يغير في المعنى، كما أنه تنازل عن عدم إعادة من خرج من المسلمين إلى قريش مع أن الصحابة راجعوه في ذلك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه "أنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فيهم سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو، فَقالَ النَّبيُّ ﷺ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ، بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا (باسْمِ اللهِ)، فَما نَدْرِي ما (بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، وَلَكِنِ اكْتُبْ ما نَعْرِفُ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقالَ: اكْتُبْ: مِن مُحَمَّدٍ رَسولِ اللهِ، قالوا: لو عَلِمْنَا أنَّكَ رَسولُ اللهِ لَاتَّبَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، فَقالَ النَّبيُّ ﷺ: اكْتُبْ: مِن مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، فَاشْتَرَطُوا علَى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ مَن جَاءَ مِنكُم لَمْ نَرُدَّهُ علَيْكُم، وَمَن جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فَقالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَنَكْتُبُ هذا؟ قالَ: نَعَمْ، إنَّه مَن ذَهَبَ مِنَّا إليهِم فأبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَن جَاءَنَا منهمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ له فَرَجًا وَمَخْرَجًاً" (رواه مسلم). إضافة إلى تنازل النبي ﷺ عن دخول مكة ذلك العام. إن قبول النبي ﷺ الرجوع إلى الحديبية ليدخل مكة في العام القادم هو ثمن لمكاسب عدة أهمها: حصول المسلمين على حقهم المشروع – وهو دخول مكة – دون أن يخسروا قطرة دم واحدة لأن النبي ﷺ كان حريصا كل الحرص على حقن الدماء وحفظها(موسى، أحمد،2018). ث- "معرفة المفاوض بالمتفاوضين وطبائعهم وأنماط شخصياتهم"، ويتضح ذلك في شخصية الرسول الكريم حينما بعثت قريش للنبي ﷺ مكرزَ بنَ حفصٍ فلما رآه النبيُ ّﷺ قال هذا رجلٌ غادر أو فاجر، ولما جاء سهيل بن عمرو يفاوضه قال سهل أمركم. ومن هذا الموقفين یتبین لنا فراسة النبي ﷺ واستقراءه لشخصيات المفاوضين، وهو أمرٌ هام ؛ إذ لابد للمفاوض أن یعرف طبیعة وشخصیة الطرف الآخر الذي يفاوضه لیعرف مداخله ویستغلها في عملیة التفاوض، وهذا ما حدث أيضاً مع المبعوث الآخر لقریش، وهو الحلیس بن علقمة، وكان سید الأحابیش، وهو من قومٍ يتألهون أي یعظمون البُدْنَ والهدْيَ كما أخبر بذلك النبيُّ واستغل معرفته بشخصه وعقیدته، فأمر أصحابه أن یرسلوا الهدي الذي جاءوا به أمام الحلیس وأن یرفعوا أصواتهم بالتلبیة فلما رأى الحلیس الهادي وسمع أصواتهم رجع في الحال قبل أن یرى النبيَّ ﷺ أو یكلمه، رجع إلى قریش فقال لهم ما ینبغي لهؤلاء أن یُصَدّْوُا عن البیت، وأمرهم أن یفتحوا المجال للنبي ﷺ لأداء العمرة، وأنه سیقف مدافعاً عنه ﷺ كل ذلك بسبب معرفة الرسول ﷺ لنمط شخصیة الحلیس واستغلالها على النحو الأمثل في تأكید المقصد والهدف من عملیة التفاوض (الدريس،2019). الشورى: تعددت المواطن في القرآن الكريم التي تحثُّ على الشورى، ويوجد سورة كاملة تحمل اسم الشورى، وهذا دليل على أهمية هذا الأمر وضرورة التمسك به واتخاذ الشورى منهجاً وأسلوباً في حياة المسلمين، والشورى مبدأ إسلامي، يستمد مشروعيته من القرآن الكريم، والسنة النبوية والشريفة، وهي منهاج مرتبط بالشريعة الإسلامية، كما هي قاعدة عميقة الجذور، واسعة النطاق في نفوس الأفراد، وفي كيان المجتمع المسلم. مفهوم الشورى: الشورى في اللغة: من التشاور وهي النظر في أمرٍ ما وإظهار الآراء المتنوعة فيه(ابن منظور،2017،ص473). والشورى في الاصطلاح: هي "طلب الرأي من أصحاب الرأي، وإطالة النظر فيها، حتى يُتوصل من تلك الآراء الى ما يُوافق الصواب" (سعد،2021،ص.18). لقد طبَّق الرسول ﷺ الشورى تطبيقًا عمليًّا في كثير مِن المواقف والأحداث والتي من أبرزها صلح الحديبية، وقد ضمنتْ هذه التَّطبيقات صورًا وألوانًا شتَّى من الشورى، ما أحوجَنا أن نتعلمها ونأخُذ منها الدروس والعِبَر، فهي من أعظم وسائل حشْد الجهود وتوحيد الصفوف لتحقيق الأهداف، والمواقف والأحداث التي استشار فيها النبي ﷺ أصحابَه كثيرة؛ أبرزها ماجاء في صلح الحديبية، مما كان له أكبر الأثر في حل الأزمة التي واجهها ﷺ؛ حيث أن النبي ﷺ استشار أصحابه في الخروج إلى البيت معتمرين، فإن صدتهم قريش قاتلوهم فأشاروا بالخروج وفرحوا بمقدمهم على البيت، ولكن الله تعالى أراد ما هو خير لهم فجرت مفاوضات طويلة حتى كتب الصلح بين رسول الله ﷺ وبين قريش يمثلهم سهيل بن عمرو وكان ذلك في صالح المسلمين وجعل الله لهم من دونه فتحاً قريباً، ولعل الصحابة رضوان الله عليهم تأثروا بصد قريش لهم ثم الصلح معهم على أن يرجعوا هذا العام ويأتوا العام القادم في عمرة القضاء "ولما فرغ رسول الله ﷺ من قضية كتابة الصَّلح قال لأصحابه: قوموا، فانحروا ثمّ احلقوا .. حتى قال ذلك ثلاث مرّات، فلمَّا لم يقم منهم أحد؛ دخل على أمَّ سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحبُّ ذلك؟ أخرج، ثم لا تكلَّم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدُنك، وتدعو حالقك فيحلقك فخرج، فلم يكلَّم أحداً منهم حتى فعل ذلك: نحر بُدنه، ودعا حالقه، فلمَّا رأوا ذلك؛ قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غما وقد حلق رجال يوم الحديبية، وقصَّر آخرون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله المحلقين. قالوا: والمقصَّرين يا رسول الله؟ قال: يرحم الله المحلقين قالوا: والمقصَّرين يا رسول الله؟ قال: يرحم الله المحلقين. قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال والمقصرين" (رواه البخاري). فقد كان رأي أمّ سلمة سديداً، ومباركاً؛ حيث فهمت رضي الله عنها عن الصحابة: أنه وقع في أنفسهم أن يكون النبي ﷺ أمرهم بالتَّحلل أخذاً بالرُّخصة في حقهم، وأنه يستمُّر على الإحرام أخذاً بالعزيمة في حق نفسه، فأشارت على النبي ﷺ أن يتحللَّ لينتفي عنهم هذا الاحتمال، وعرف النبيُّ ﷺ صواب ما أشارت به، ففعله، فلما رأى الصحابة ذلك بادروا إلى فعل ما أمرهم به، فكان ذلك رأيا سديداً، ومشورة مباركة، ومما يستفاد من هذا الموقف أن مشاورة المرأة الفاضلة مستحسنةٌ ما دامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة ما دامت مشورة صائبة، كما يدل ذلك على الاعتراف والاحترام لرأي المرأة؛ حيث استشارها النبي ﷺ وأخذ بمشورتها التي كانت سبباً لحل المشكلة التي واجهها (الباركفوري،2020). وفي موقف آخر في صلح الحديبية شاور النبي ﷺ أصحابه، بعد ما جاءه عَيْنُهُ الخزاعي، فقال النبي ﷺ: أشيروا عليَّ أترَوْنَ أنْ نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنُصيبهم، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين وإِنْ نجَوْا يكونوا عُنقا قطعها اللهُ، أم ترَوْنَ أنْ نؤُمَّ البيتَ فَمَن صدَّنا عنه قاتلناه؟ فقال أبو بكرٍ الصديق رضوان الله عليه: الله ورسوله أعلمُ يا نبيَّ اللَّهِ، إِنَّما جِئْنا مُعتمرين ولم نجِئْ لقتالِ أَحدٍ ولكنْ مَن حال بيننا وبيْنَ البيت قاتَلْناه، فقال النَّبيُّ ﷺ: فرُوحوا إِذًا"، )رواه البخاري)، وكان أبو هريرة يقولُ: "ما رأَيْتُ أحدًا أكثر مشاورةً لأصحابه مِن رسولِ اللهِ ﷺ" (المهدي، 2016). القدوة الحسنة: يُشكِّل المنهج الأخلاقي العنصر الأساس في بناء الحياة الاجتماعية، وتنظيم العلاقات الإنسانية، والتواصل بين أفراد المجتمع؛ فالأخلاق في الإسلام هي أخلاق اجتماعية وليست أخلاقاً فردية انعزالية، فالعدل والرحمة والتواضع والعفو والصدق والأمانة وحُسن الخلق والإيثار وغيرها من صادق الأخلاق، هي سلوكية تُمارس في الحياة الاجتماعية وأساس للتعامل مع الآخر، بل يُختبر الإنسان بحُسن خلقه عندما يتفاعل ويتعامل مع الآخرين ويكون قدوة لهم، فالتعامل الاجتماعي هو مقياس الاختبار لأخلاق الناس وسلوكهم. والدعوة إلى بناء المجتمع على أساس الأخلاق من أُولى الركائز القرآنية في البناء الاجتماعي والثقافي للإنسان، وخير قدوة هو النبي صلى الله عليه وسلم، لِما اتصف به من صفات الكمال البشري، حتى أثنى الله تعالى عليه في القرآن الكريم، وزكى أخلاقه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القرآن الكريم، القلم:4) والقرآن يأمر بالاقتداء به في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ (القرآن الكريم، الأحزاب: 21) (كاظم،2019). مفهوم القدوة: لغة: قدو دلُّ على اقتباس بالشيء واهتداء قُدوةٌ (بضم القاف وكسرها): يقتدى به والقُدْوَةُ والقِدْوةُ: الأُسوةُ. يقال: فلانٌ قُدوة يُقتدَى به (ابن منظور، 2014، ص 3556). واصطلاحاً: هي اتباع الغير على الحالة التي يكون عليها حسنةً أو قبيحة(ابن حميد،2021، ص351). لقد استحق نبينا محمد ﷺ أن يكون القُدوة الحسنة لكل باحث عن الحق والكمال، فقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"﴾ (القرآن الكريم، الأحزاب:21). وإذا كان قدوتنا ﷺ بهذه المكانة والمنزلة، كان حري بالمؤمن المقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، والمتبع له أن يسلك المنهج السليم في الاقتداء به؛ ذلك أن المنهج الصحيح للاقتداء، يجعل الاتباع والاقتداء سليماً وموزوناً بميزان الشرع، لا غلو فيه ولا تفريط (الجرادي،2020). وفي صلح الحديبية لما فرغ الرسول ﷺ من قضية الصلح قال لأصحابه: "قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا، فمَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمّاَ" (رواه البخاري). ويرى العجمي (2016) أن وجودُ المَثَلِ أو النموذجِ المُرْتَقَبِ في جانبٍ من الكمال الخُلُقِي والديني والثقافي والسياسي يثيرُ في النفسِ قَدْراً كبيراً من الاستحسان والإعجاب والتقدير والمحبة؛ لأن مستوياتُ الفهمِ للكلامِ عند الناس تتفاوتُ، لكنَّ الجميعَ يتساوى عند النظر بالعين؛ فالمعاني تصل دون شرح، ولأن القدوةُ تُعْطِي المرؤوسين قَنَاعةً؛ بأنَّ ما عليه النموذجُ القدوةُ هو الأمثلُ والأفضلُ الذي ينبغي أن يُحتذَى، كما أنه ﷺ كان قدوةً في حياته الزوجية في مشورة أهله والأخذ برأيهم، فقال ﷺ: "خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأهْلِهِ، وَأَنا خَيْرُكُم لأَهْلِي" (رواه الترمذي). كما كان رسول الله ﷺ قدوة حسنة في "العفو"، ويتجلى ذلك في صلح الحديبية حينما بعثَت قريش خمسين رجلاً منهم لمُعسكَر المسلمين ليلاً، وأمَروهم أن يُطيفوا بعسكر المسلمين ليُصيبوا لهم أحدًا من أصحاب رسول الله ﷺ غِرة، وكان عليهم مكرز بن حفص، ولكن جند المسلمين البواسل استطاعوا أن يأسروهم جميعًا إلا رئيسهم مكرز الذي فرَّ هاربًا، وكان على حراسة جيش المسلمين محمد بن مسلمة، فأتى بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعفا عنهم جميعًا، وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا عسكر رسول الله ﷺ بالحجارة والنَّبل (العاسمي،2016)، وكان لهذا العفو أثر بالغ ودور كبير في دخول المشركين للإسلام. كما كان رسول الله ﷺ قدوة في "الحلم" أثناء صلح الحديبية ، حيث واجه جهالاتهم وحماقاتهم بحلم ورحمة، وقابَل سفاهتَهم وطيشهم برأفة وحكمة، فلم يدفعه الموقف المتعنِّت من قريش إلى مناجزتهم بالسلاح، ولولا هذا الحلم ربما انتهت واقعة الحديبية إلى الحرب، وقد كان رسول الله ﷺ قادرًا على إنزال بأسه بهم، وتلقينهم درسًا لا ينسى ولكنه آثر أن يحلم عليهم. ومن مظاهر حِلْمه ﷺ تحمُّله لجهالة رسل قريش، ومنهم عروة بن مسعود الثقفي، الذي جاء بكلام وأفعال استفزازية؛ حيث استخفَّ بأصحاب رسول الله ﷺ، واتَّهمهم بأنهم سيَنكشفون عنه، ثم جعل يتناول لحية رسول الله ﷺ وهو يُكلِّمه، ولكن المغيرة بن شعبة كان يردُّ يده متوعِّدًا، ورسول الله ﷺ يتبسم(ابن القيم، 2017). كما كان رسول الله ﷺ قدوة في "حبه الخير للناس"، فكان أشدَّ ما يكون حرصًا على عدم قتال قريش؛ طمعًا في إسلامهم، واستفادة الدعوة منهم. ويذكر العمري (2022) أن الرسول ﷺ يَحرِص على الاستبقاء على حياة قريش، ويأمل في إسلامهم وإفادة الدعوة منهم، فالناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فَقُهوا، وقريش من أكثر العرب فصاحةً وذكاءً وخِبرةً ومكانةً، واستبقاؤها للإسلام فيه خير عظيم للدولة والدعوة كما برهنت الأيام، وها هو الرسول ﷺ يتحسَّر لعِناد قريش وفنائها في الحرب مع المسلمين فيقول: يا ويح قريش؛ أكلتْهم الحرب، ماذا عليهم لو خلَّوا بيني وبين الناس، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وهم وافِرون، وإن لم يفعلوا قاتَلوا وبهم قوة؟! فما تظنُّ قريش، والله إني لا أزال أجاهِدُهم على الذي بعثني الله له حتى يُظهِره الله، أو تَنفرِد هذه السالفة" (رواه أحمد). من أجل ذلك تجنَّب رسول الله ﷺ القتالَ مع خيالة قريش بقيادة خالد بن الوليد، وحرص على استقبال رسل قريش، وإرسال الرسل إليها؛ ليؤكِّد على رغبته في السلام، وأنه لم يَعزِم على الحرب، كما عفا عن الخمسين رجلاً الذين أسرهم من قريش. لقد أدت مهارات الرسول ﷺ الشخصية، ومبادئه الإدارية التي انتهجها في صلح الحديبية إلى نتائج عظيمة؛ كان لها أعمق الأثر في نجاح الصلح وما ترتب عليه من آثار إيجابية على الإسلام والمسلمين، ونوجز بعضها فيما يلي: - اعتراف قریش بالرسول صلى الله عليه وسلم نداً لهم، وبوجود بوادر الدولة الإسلامية. - انتشار الدين الإسلامي بدون حرب؛ فقد زاد عدد المسلمین إلى ١٠ آلاف مسلم بعد سنتین من الصلح. - أهمية تقديم التنازلات في التفاوض بما لايضر بالهدف الرئيس. - مشروعية الهدنة بين المسلمين والأعداء. - وجوب طاعة ولي الأمر، حتى وإن خالف ذلك هوى الرعية. - تأصيل عدة مبادئ إدارية من أهمها (التفاوض والشورى والقدوة الحسنة). ولعل الإداري الناجح يجد في مواقف صلح الحديبية وماورد فيها من مبادئ إدارية نبوية ما يكون عوناً له في منظمته، بما يعود عليه بالفائدة في تحقيق أهدافه وتجاوز ما قد يواجهه من تحديات. وختاماً.. نظراً لما تميزت به الإدارة في الإسلام من شمول لجميع مجالات الحياة العامة والخاصة، وتنوع المبادئ الإدارية التي ترتكز عليها، والمستمدة من أعظم مصدرين هما القرآن الكريم والسنة النبوية، ولأهمية ذلك فإن الباحثتان توصي بما يلي: 1. التوسع في إجراء العديد من الدراسات حول ما يلي: - تأصيل الإدارة في الإسلام. - المبادئ الإدارية النبوية في غزوة الخندق. - القيادة الموقفية للرسول ﷺ - الصفات القيادة في الرسول ﷺ - اساليب القيادة للخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. 2. إدراج مثل هذه المواضيع في مناهج مقررات الإدارة في مدارس التعليم العام، لنشر ثقافة الإدارة الإسلامية وتأصيل مبادئها الراسخة.
المراجع: ابن القيم، شمس الدين محمد.( 2017). زاد المعاد في هدي خير العباد. دار الإفهام. ابن حميد، صالح.( 2018).موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم. دار الوسيلة. ابن منظور، محمد بن مكرم. (2014). لسان العرب. دار صادر. ابن هشام، عبدالملك.(2021). السيرة النبوية. المكتبة العصرية. الأشعري، أحمد. (٢٠٢١). مقدمة في الإدارة الإسلامية (ط. ٣). خوارزم العلمية ناشرون ومكتبات. آل ناجي، محمد. (٢٠١٦). الإدارة التعليمية والمدرسية (ط. ٧). مطابع الحميضي. الجاسر، غادة. (٢٠٢٠). التأصيل الإسلامي للقيادة الإدارية. مجلة العلوم التربوية، ٣٠(٣)، ٥٦٢-٥٣٥. الجرادي، علي. (2022). الصفات القيادية في الداعية: رسولنا الكريم أنموذجاً. جامعة حمد بن خليفة. الدريس، بدر محمد (2019). فن التفاوض عن الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية أنموذجاً. مجلة كلية التربية الأساسية بجامعة الأزهر(17). 4480-4441. الدعيلج، إبراهيم. (٢٠١٩). الإدارة التربوية والتعليمية والإدارة المدرسية. الدار المنهجية للنشر والتوزيع. الرازي، محمد أبي بكر. (2016). معجم مختار الصحاح. دار صادر. الرشيدي، ناصر. (٢٠٢٠). الإدارة الإسلامية: مفاهيم ونظريات. مجلة كلية الآداب، ٣ (٥٤)، ١-٣٠. https://2u.pw/SPg5bC9 الرويلي، هبه فرجان. (2019). التأصيل الإسلامي للاتصال الإداري دراسة تحليلية. مجلة البحث العلمي في التربية،20 (2). 57-89. الزكي، أحمد. (2016). الإدارة التربوية أسسها وتطبيقاتها. مكتبة الرشد ناشرون. سعد، هبه. (2021). الشورى في القرآن الكريم : دراسة موضوعية. مجلة كلية البنات الأزهرية، 2(17)،132-156. شحاته، حامد. مطر محمد. (2021). التطبيقات التربوية المستفادة من عملية التفاوض في السنة النبوية الشريفة: صلح الحديبية نموذجا. مجلة كلية التربية بجامعة سوهاج،1(92)، 47-94. الطاهر، عبدالرحمن.( 2017) .القيادة الموقفية كمدخل لتحقيق الكفاءة المهنية للموارد البشرية. مجلة الأبحاث نفسية وتربوية بجامعة قسنطية،3(12)، 55-70. عابد، عبد الحافظ عبد الهادي. (2016). إدارة الأزمات ومهارات التفاوض تطبیق على جرائم خطف الطائرات واحتجاز الرهائن. أكاديمية سعد العبداالله للعلوم الأمنية. العجمي، محمد. (٢٠٢٠). الإدارة والتخطيط التربوي النظرية والتطبيق (ط. ٤). دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة. العجمي، محمد.(2016). تربية الطفل في الإسلام: النظرية والتطبيق. مكتبة الرشد . العمرو، إبراهيم. (٢٠١٧). الإدارة والإدارة التربوية. دار البداية. عيسى، أحمد. (2017). المدخل الى الإدارة الإسلامية الحديثة. دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع. فتيحي، محمد. (2018). موسوعة القيادة في الإسلام. دار أجيال للنشر. القريشي، فالح. (2020). الإدارة التربوية في السيرة النبوية وتطبيقاتها التربوية. المجلة العربية للعلوم التربوية والنفسية، (١٥)، ٥٤١-٥٦٢. https://2u.pw/oQJQz4L كاظم، عمار. (2019نوفمبر14). الرسول محمد قدوة الأخلاق ومعلمها. جريدة القبس. https://www.alqabas.com/article/5725652 المحمودي، محمد سرحان. (2019). مناهج البحث العلمي (ط.2). دار الكتب. المطيري، حزام. (٢٠٢٠). الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة. مكتبة الرشد. المهدي، القاضي. (2016). الشورى في الشريعة الإسلامية. دار الكتاب. المهدي، مجدي صلاح. (2019). مناهج البحث التربوي. دار الفكر العربي. موسى، غانم، أحمد، فاطمة. (2018). أخلاقيات التفاوض في المنهج الإسلامي. دار الكندي للنشر.
| ||||
References | ||||
المراجع: ابن القيم، شمس الدين محمد.( 2017). زاد المعاد في هدي خير العباد. دار الإفهام. ابن حميد، صالح.( 2018).موسوعة نظرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم. دار الوسيلة. ابن منظور، محمد بن مكرم. (2014). لسان العرب. دار صادر. ابن هشام، عبدالملك.(2021). السيرة النبوية. المكتبة العصرية. الأشعري، أحمد. (٢٠٢١). مقدمة في الإدارة الإسلامية (ط. ٣). خوارزم العلمية ناشرون ومكتبات. آل ناجي، محمد. (٢٠١٦). الإدارة التعليمية والمدرسية (ط. ٧). مطابع الحميضي. الجاسر، غادة. (٢٠٢٠). التأصيل الإسلامي للقيادة الإدارية. مجلة العلوم التربوية، ٣٠(٣)، ٥٦٢-٥٣٥. الجرادي، علي. (2022). الصفات القيادية في الداعية: رسولنا الكريم أنموذجاً. جامعة حمد بن خليفة. الدريس، بدر محمد (2019). فن التفاوض عن الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية أنموذجاً. مجلة كلية التربية الأساسية بجامعة الأزهر(17). 4480-4441. الدعيلج، إبراهيم. (٢٠١٩). الإدارة التربوية والتعليمية والإدارة المدرسية. الدار المنهجية للنشر والتوزيع. الرازي، محمد أبي بكر. (2016). معجم مختار الصحاح. دار صادر. الرشيدي، ناصر. (٢٠٢٠). الإدارة الإسلامية: مفاهيم ونظريات. مجلة كلية الآداب، ٣ (٥٤)، ١-٣٠. https://2u.pw/SPg5bC9 الرويلي، هبه فرجان. (2019). التأصيل الإسلامي للاتصال الإداري دراسة تحليلية. مجلة البحث العلمي في التربية،20 (2). 57-89. الزكي، أحمد. (2016). الإدارة التربوية أسسها وتطبيقاتها. مكتبة الرشد ناشرون. سعد، هبه. (2021). الشورى في القرآن الكريم : دراسة موضوعية. مجلة كلية البنات الأزهرية، 2(17)،132-156. شحاته، حامد. مطر محمد. (2021). التطبيقات التربوية المستفادة من عملية التفاوض في السنة النبوية الشريفة: صلح الحديبية نموذجا. مجلة كلية التربية بجامعة سوهاج،1(92)، 47-94. الطاهر، عبدالرحمن.( 2017) .القيادة الموقفية كمدخل لتحقيق الكفاءة المهنية للموارد البشرية. مجلة الأبحاث نفسية وتربوية بجامعة قسنطية،3(12)، 55-70. عابد، عبد الحافظ عبد الهادي. (2016). إدارة الأزمات ومهارات التفاوض تطبیق على جرائم خطف الطائرات واحتجاز الرهائن. أكاديمية سعد العبداالله للعلوم الأمنية. العجمي، محمد. (٢٠٢٠). الإدارة والتخطيط التربوي النظرية والتطبيق (ط. ٤). دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة. العجمي، محمد.(2016). تربية الطفل في الإسلام: النظرية والتطبيق. مكتبة الرشد . العمرو، إبراهيم. (٢٠١٧). الإدارة والإدارة التربوية. دار البداية. عيسى، أحمد. (2017). المدخل الى الإدارة الإسلامية الحديثة. دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع. فتيحي، محمد. (2018). موسوعة القيادة في الإسلام. دار أجيال للنشر. القريشي، فالح. (2020). الإدارة التربوية في السيرة النبوية وتطبيقاتها التربوية. المجلة العربية للعلوم التربوية والنفسية، (١٥)، ٥٤١-٥٦٢. https://2u.pw/oQJQz4L كاظم، عمار. (2019نوفمبر14). الرسول محمد قدوة الأخلاق ومعلمها. جريدة القبس. https://www.alqabas.com/article/5725652 المحمودي، محمد سرحان. (2019). مناهج البحث العلمي (ط.2). دار الكتب. المطيري، حزام. (٢٠٢٠). الإدارة الإسلامية المنهج والممارسة. مكتبة الرشد. المهدي، القاضي. (2016). الشورى في الشريعة الإسلامية. دار الكتاب. المهدي، مجدي صلاح. (2019). مناهج البحث التربوي. دار الفكر العربي. موسى، غانم، أحمد، فاطمة. (2018). أخلاقيات التفاوض في المنهج الإسلامي. دار الكندي للنشر.
| ||||
Statistics Article View: 1,699 PDF Download: 563 |
||||