مستقبل الکتاب الجامعي بالجامعات العربية "جامعة القصيم نموذجًا"

 

 

 

 

         کلیة التربیة

 کلیة معتمدة من الهیئة القومیة لضمان جودة التعلیم

المجلة التربویة لتعلیم الکبار – کلیة التربیة – جامعة أسیوط

      =======

 

مستقبل الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة

 "جامعة القصیم نموذجًا"

 

إعـــداد.

د/ علاء محمد ربیع محمد عمر

أستاذ أصول التربیة المساعد، کلیة التربیة، جامعة المنیا

 

 

 

}     المجلد الأول– العدد الثانى –  أبریل 2019م {

http://www.aun.edu.eg/faculty_education/arabic

 

 

 

    مقدمة البحث :

التعلیم الجامعی ظاهرة إنسانیة رفیعة، تعلو فوق السحاب وفوق التقدیر، وقیمتها لا تُقدر بثمن، فالجامعات لیست خزائن کتب، أو أماکن لصب عقول جاهزة، بل هی مراکز فکر وتنویر وإشعاع وتطویر؛ لقیادة المجتمعات، وحل مشکلاتها، والحفاظ على استقرارها وهویتها، فالجامعات فی العصور الحدیثة من المقومات الرئیسة للدولة العصریة، ومن ثم فإن أی تطویر أو تحدیث فی المجتمع لابد أن یبدأ أولاً بالجامعة .

لذلک فالتعلیم الجامعی والعالی له عدید من الأهداف یسعى لتحقیقها من خلال مؤسساته؛ لخدمة المجتمع والارتقاء به حضاریًا، وترقیة الفکر، وتقدیم العلم، وتنمیة القیم الإنسانیة، وتزوید البلاد بالمتخصصین والفنیین والخبراء، وإعداد الإنسان المزود بأصول المعرفة، وطرق البحث من خلال نقل المعرفة لطلابها، ونقد تلک المعرفة فی ضوء النظریات الحدیثة، وفلسفة المجتمع، ثم الإضافة إلى تلک المعرفة، والإعداد لتخصصات مستقبلیة تفرضها تطورات العلم، واحتیاجات العصر، ومطالب المجتمع المستقبلیة (5، ص 203)^(**)، والتطبیع الاجتماعی والثقافی للطالب وفقًا لخصائص مجتمعه ونمطه الثقافی، وإعداد الشخصیات القیادیة على کافة الأصعدة، وإعداد الطلاب لمهن تخصصیة؛ لربط التعلیم الجامعی بسوق العمل، فالإعداد الجید، والتأهیل الأکادیمی والفنی یبث روح الاعتماد على النفس فی عقول هؤلاء الطلاب، ویجعل لهم أدوارًا فعَّالة ومباشرة فی خطط التنمیة وزیادة معدلات الإنتاج (48، ص 73) (21، ص 28) .

لکن بالطبع تواجه الجامعات العدید من التحدیات أهمها التوجه العالمی نحو مجتمع المعرفة، فی ظل المستجدات العلمیة والتکنولوجیة، والتقدم العلمی المذهل فی الحیاة المعاصرة، وکذلک المستجدات الاقتصادیة وظهور التجارة الإلکترونیة (18، ص158)، کل هذا شکَّل أزمة للتعلیم فی عصر المعرفة؛ بسبب سرعة تقادم المعارف والمعلومات، وضعف مؤسسات صناعة المعرفة، خاصة فی ظل ربط المعرفة بالربح المالی         (29، ص58) .

وحتى تحقق الجامعة تلک الأهداف فی ظل هذه التحدیات وغیرها لابد لها من أدوات یُطلق علیها کثیرًا (المحتوى) وهو ما یضعه المخطط من خبرات سواء أکانت معرفیة أم إنفعالیة أم حرکیة؛ لتحقیق النمو الشامل والمتکامل للمتعلم (49، ص36)، وهذا المحتوى یتم إعداده وتقدیمه من جانب الأستاذ الجامعی أو عضو هیئة التدریس الذی هو المرجع الأول لاختیار الکتاب الجامعی أو مجموعة الکتب الجامعیة فیما یتعلق بما یقوم بتدریسه، والذی من المفترض أن یسعى جاهدًا لوضع هذا المحتوى فی وعاء یمکن من خلاله تعلیم الطلاب والإقبال على المعرفة بکل جوانبها، وتعلیمهم کیف یصلون إلى مصادر المعرفة المتعددة، والتفکیر فیها بل ونقدها بدلاً من حملها وحفظها فقط، هذا الوعاء یُطلق علیه          (الکتاب الجامعی)، أو الکتاب المقرر، لکن الإجدر أن یُطلق علیه المرجع الجامعی، "وقد عنیت مقاییس ضمان الجودة فی مؤسسات التعلیم العالی بشکل مباشر أو ضمنی بتقویم جودة الکتاب الجامعی من خلال مواصفات ومعاییر ترقى بجودته کونه لبنة أساسیة فی عملیة التعلیم والتعلم ومحقق لأهدافها" (28، ص382)، ووضعت معاییر خاصة للکتاب الجامعی یتم فی ضوئها تقویم أداء الجامعات (44، ص124) .

لذلک فالکتاب الجامعی أو المرجع الجامعی له من الأهمیة الکثیر، وکما ذکر (جاجنGagen) أنه بإفتراض أن الطالب یمتلک المهارات الأساسیة الضروریة فإن التعلیم بواسطة کتاب تکون عادة عملیة فعالة رائعة مما یجعل الأمر یستحق العناء؛ لتطویر هذه الوسیلة التعلیمیة فی جامعاتنا، فالکتاب الجامعی له دور مهم ومفید ولکن المهم هو الدرایة والوعی بقدراته وامکاناته، أو بقصوره ومحدودیته، وفهم الظروف والأحوال الضروریة لنجاح استعماله، وتحویل التعلیم معه إلى متعه (57، ص33)، خاصة فی ظل حاجة الطلاب إلى الکتاب الجامعی کمصدر للمعرفة یُرجع إلیه        فی مراجعة وتطویر معارفهم، ولیکون مصدرًا مساعدًا لهم فی عملیات التعلیم والتعلم          (19، ص422) .

ویحتل الکتاب الجامعی مکانة مهمة فی تطویر التعلیم العالی؛ کونه أداة تعلیمیة مهمة ینبغی أن تکون جیدة صالحة فی ید کل من الأستاذ والطالب؛ لذلک فعملیة إعداد وتألیف الکتاب الجامعی عملیة تنافسیة قد تجد أکثر من کتاب فی الموضوع الواحد تتنوع فی عرض ذلک الموضوع، وکذلک هناک الکتب الورقیة وأخرى إلکترونیة؛ لما نعیشه الیوم من تغیر سریع، وتقدم مذهل فی العلوم بصورة لم یسبق لها مثیل، وهذا التغییر وذلک التقدم یقتضیان على الدوام ویستوجبان إعادة النظر دائمًا فی العملیة التعلیمیة بعناصرها المختلفة ومراجعتها؛ لأن کثیرًا من الکتب المقررة لا تتلائم وطلاب تلک المرحلة لا من حیث المادة العلمیة أو الطریقة والأسلوب (38، ص1) .

 

 لذلک رغم کون الکتاب الجامعی هو الوعاء للمحتوى المراد تقدیمه للطلاب لکن التغییرات المتلاحقة ستغیر حال الأستاذ وکذلک الوعاء، فهل عضو هیئة التدریس بالجامعات العربیة مستعد لذلک، وهل اهتم باختیار کتبه الجامعیة لکی تواکب ذلک فی ظل مستقبل ملئ بالمتغیرات، "مستقبل إذا لم نفکر فیه لن یکون لنا، مستقبل یولد فی رحم الحاضر، فکل حاضر کان یومًا ما فی عِداد المستقبل وسیصبح ماضیًا، ورغم أنَّنا یمکن أن نعلم الکثیر عن الماضی کلما نقَّبنا عن الکثیر من وقائعه، ومع أنَّنا نستطیع تفسیره، وتغییر تفکیرنا نحوه فإنَّنا لا یمکننا تغییره، وسیظل على ما هو علیه، بعکس المستقبل فلأنَّه لم یحدث بعد یظل طوع إرادة الإنسان وأفعاله، وحتَّى الأحداث التی تقع خارج سیطرة الإنسان فإنَّه یمکنه التکیف معها بنجاح إذا أمکن توقعها، فالمستقبل هو الجزء الوحید من حیاتنا الذی یمکننا تغییره بما نفعله أو لا نفعله" (43، ص188)، ودراسة المستقبل تساعدنا على رسم هذا المستقبل من خلال الاستعداد له، وإتخاذ الخطوات اللازمة لمواجهة تحدیاته، فی عالم یتصف بالتغییر المتلاحق، الذی یحتاج الاستعداد له باتجاهات ومهارات جدیدة تتکیف مع الأوضاع القادمة، لذلک اهتم البحث الحالی بالوقوف على مستقبل الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة؛ لما له من أهمیة فی تحقیق الأهداف الاستراتیجیة للجامعات العربیة .

    مشکلة البحث:

إن الدراسة الجامعیة یتم الاعتماد فیها کثیرًا على ما یبذله الطالب من جهود شخصیة فی مطالعة الکتب والمجلات العلمیة والدوریات؛ لیستطیع إنجاز أعماله، وتقاریره العلمیة، ومعارفه النظریة، فی ظل مرحلة لم یسبق للطالب فیها أی إعداد لهذا الدور، ففی مراحله السابقة کان یکتفی بالتأمل فی الکتاب المدرسی، ولا یحاول أن یتجاوزه إلى غیره، فوقته مشحون بالواجبات المنزلیة، مما جعله لم یحتک بالکتاب کثیرًا، ولم یألف المطالعة، وحینما إلتحق الجامعة وجد نفسه لا یملک مهارات اختیار المراجع والکتب المناسبة، ویتخوف من الکتاب، ویفشل کثیرًا فی اعتماد المطالعة العلمیة، التی لا غنى لطالب علم عنها، کل هذه مظاهر أولیة وجدیدة یواجهها الطالب الجامعی تدفع بقوة نحو تناول الکتاب الجامعی .

فأین سیکون موقع الکتاب الجامعی الذی یحتوی معلومات أعدت من قِبل مؤلف أو مجموعة من المؤلفین منذ زمن إذا ما قیس بعصر السرعة وثورة المعلوماتیة الآن فإنه یبدو قدیمًا جدًا مع معلومات تتضاعف کل عام بعد أن کانت تتضاعف کل مئة عام (49، ص45)، لذلک فقد اعترض بعض على وجود کتاب جامعی لکل مقرر، وربما الصحیح أن یکون الاعتراض على اتخاذ الکتاب الجامعی مصدرًا أوحد للمعرفة الجامعیة؛ حتى ینال الطالب فرصة البحث والاستقصاء للتوصل إلى الحقائق والمعلومات بنفسه (48، ص74).

 

لکن لوحظ أن العدید من طلاب الجامعة یعتمدون فی تغطیة مقرراتهم الدراسیة على المذکرات والملخصات، وتصویر متفرقات من بعض الکتب، مما یشیر إلى وجود العدید من المقررات الجامعیة دون تغطیة مرجعیة کافیة بمواصفات ومعاییر تجذب الطلاب إلیها، وتبعدهم عن الطرق البدیلة غیر المشروعة (52، ص 385)، وهذا ما دفع بعضنا بعضًا إلى أن یطلق على الکتاب الجامعی مصطلح (الشیخ الهرم) وصفًا لحالة الکتاب الجامعی فی مواجهة الملخصات، وانصراف بعض الأساتذة عن التألیف العلمی المتمیز للکتب الجامعیة (9، ص1)، مما جعل البعض أیضًا یعترف ویحترم تدوین المحاضرات وتجهیزها إلکترونیًا فی صورة ملخصات ومذکرات ویعتبرونها (رصاصة الرحمة) الموجهة للکتاب الجامعی بعد کم الملاحظات الکبیرة والکثیرة علیه طیلة السنوات الماضیة (51، ص2) .

ورغم اختلاف الرأی حول فکرة المقررات الدراسیة الجامعیة، فثمة من یرى الاقتصار على الکتب الجامعیة المحددة، وثمة من یوسع النظرة إلى ضرورة توافر مواد دراسیة أخرى کالمراجع والدروس العملیة وکل له مبرراته فی ذلک (27، ص372)، إلا أن عدید من الدول العربیة اعترفت بالکتاب الجامعی رسمیًا وقررته من خلال مراسیم جمهوریة وملکیة، من منطلق منع استغلال الطلاب من قِبل دور النشر، وتیسیر المادة العلمیة فی کتاب یضم أساسیات العلم للطلاب؛ لمساعدتهم بعد ذلک على تحصیل العلم من مصادر متعددة (5، ص205)، وأنشأت لذلک أجهزة لنشر وتوزیع الکتب الجامعیة فی وحدات ذات طابع خاص بفروع مختلفة بالکلیات، وفی ظل لوائح حددتها الجامعات لذلک (25، ص255) .

وبالفعل فإن نسبة کبیرة من أعضاء هیئة التدریس بالجامعات تتبع سیاسة تحدید کتاب واحد لکل مقرر، وأن نسبة أقل تلجأ إلى إضافة عدد من المراجع أثناء تدریس المقرر (46، ص218)، وهذا ما أکدته العدید من الدراسات من أن أکثر الممارسات شیوعًا لدى أعضاء هیئة التدریس هو تحدید کتاب جامعی مقرر لکل مقرر یدرسونه، وأن أقل الممارسات شیوعًا لدیهم هی تحدید مجموعة من المراجع للطلاب لیرجعوا إلیها دون تحدید کتاب مقرر (19، ص423)، ورغم اعتماد الکثیر على کتاب واحد لکل مقرر لا غنى عنه للمتعلم یثیر لدیه الحافز على التعلم إلاَّ أن هناک ملاحظة محزنة حقیقیة وهی أن جانب کبیر من الکتب الجامعیة لا تتصف بالجاذبیة للمتعلمین، فلا تثیر اهتماماتهم، ولا تشجعهم على القراءة، وقد لا تتناسب ومستویاتهم الفکریة (35، ص347)، مما یؤدی فی کثیر من الأحیان إلى إنخفاض فی مستویات تحصیل الطلاب والتی من ضمن أسبابها الظاهرة ضعف بل سوء الکتب الجامعیة المقررة (32، ص8).

 

وفی إطار تناول الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة فإن العدید من المؤلفات تشیر إلى أن الجامعات التی تأخذ بنظام السنوات الدراسیة تمیل إلى تقریر کتاب جامعی واحد لکل مقرر، بینما الجامعات التی تأخذ بنظام الساعات المعتمدة تمیل إلى تقریر أکثر من کتاب لکل مقرر (19، ص424)، لکن واقع الحال یشیر إلى غیر ذلک فمعظم جامعاتنا العربیة تعتمد على نظام الساعات المعتمدة، ویُلاحظ اعتماد الکثیر منها على الکتاب الجامعی الأوحد بکل عیوبه ونواقصه العلمیة والشکلیة .

کل هذا یدفع إلى ضرورة التفکیر بل إلى دراسة مستقبل هذا الکتاب الجامعی، وهل من الممکن أن یحدث توازن بین وجود کتاب جامعی موحد وبین الاعتماد على التعلم الذاتی، أو هل یمکن للکتاب الجامعی أن یکون أداة للإبداع عند المتعلمین أکثر من کونه أداة لتحجیم عقولهم، فقد تکون هذه إحدى الصور الضروریة لمجتمعاتنا حالیًا ومستقبلیًا، فلابد أن تتغیر النظرة إلى الکتاب الجامعی وعلاقته بالمحاضرة التدریسیة؛ لیتحول اعتماد الطالب على أکثر من مصدر علمی، "ویتحول الکتاب الجامعی المقرر الذی تم تطویر محتواه وبنیته بحیث یصبح أداة فعالة للتعلیم من کتاب مقرر وحید إلى کونه مجرد خریطة للملاحة داخل المادة العلمیة لهذا المقرر ولیس کل المادة" (24، ص236) .

وهناک العدید من الصور لما قد یؤل إلیه الکتاب الجامعی مستقبلاً، متأثرًا بالعدید من العوامل والمبادئ منها: هل تحدید کتاب جامعی بعینه ضرورة لمنح الطلاب خطوة نحو تکافؤ الفرص التعلیمیة، وهل التعلیم عن بعد یفرض علینا تقریر کتب جامعیة بعینها خاصة فی ظل انتشار ثقافة التعلم عن بعد، والتعلم الإلکترونی، والافتراضی والتخیلی، وکذلک التعلیم المفتوح، وهل ستتحول کل المقررات والکتب إلى کتب إلکترونیة تتناسب مع أنظمة البلاک بورد التی تنتشر بالجامعات العربیة بشکل متسارع، کل هذه الصور وغیرها من المتوقع أن تحدث فی المستقبل القریب، مما یستوجب معها دراسة علمیة لتلک الرؤى؛ حتى یمکننا الاستعداد الجید لمستقبل الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة، وتلک هی المشکلة التی یتصدى لها البحث الحالی فی محاولة للإجابة عن الأسئلة التالیة؛ للوصول إلى صورة هذا المستقبل .

 

1ـ ما مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس بجامعة القصیم ؟

2ـ ما مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید من وجهة نظر الطلاب بجامعة القصیم ؟

3ـ ما واقع استخدام الکتاب الجامعی من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس بجامعة القصیم؟

4ـ ما واقع استخدام الکتاب الجامعی من وجهة نظر الطلاب بجامعة القصیم ؟

5ـ ما مستقبل الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة ؟

أهداف البحث:

هدف البحث إلى التعرف على:

1ـ مفهوم الکتاب الجامعی ونشأته .

2ـ معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید .

3ـ المشکلات والصعوبات التی یواجهها الکتاب الجامعی بجامعاتنا العربیة.

4ـ مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس والطلاب بجامعة القصیم ـ حالیًا ـ ؛ للانطلاق منه فی التعرف على مستقبل الکتاب الجامعی .

5ـ واقع استخدام الکتاب الجامعی من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس والطلاب بجامعة القصیم .

6ـ أسالیب الدراسات المستقبلیة ومنهجیتها .

7ـ مستقبل الکتاب الجامعی واستخدامه بالجامعات العربیة من خلال مجموعة من (السیناریوهات) المستقبلیة لصورة هذا الکتاب .

8ـ امکانیاتنا، ومحاولة اکتشاف المشکلات قبل وقوعها؛ لمواجهتها والحیلولة دون وقوعها، کمحاولة للسیطرة على المستقبل، وبناء عالم أفضل یعیش فیه الإنسان، ومعاونة متخذی القرار فی إتمام أعمالهم

 

أهمیة البحث:

تعود أهمیة البحث الحالی إلى ما یأتی:

1ـ إنَّ البحث یتعامل مع أداة من أهم أدوات الجامعة فی تحقیق أهدافها، وهی الکتاب الجامعی المُقدم للطلاب والباحثین؛ لإعداد جیل من الشباب قادر على النهوض بالمجتمع، من خلال مصادر قادرة على بناء شخصیة الطالب من جمیع جوانبها المعرفیة والنفسیة والأخلاقیة والثقافیة ضمن إعداده لمساره المهنی، حیث أصبح مستقبل الطالب الأکادیمی والمهنی أمرًا مهما لابد أن تضع جمیع الجامعات خدمات الکتاب الجامعی على أولویة مهام الهیئة التدریسیة بها، وذلک لاستثمار قدرات طلابها وإمکاناتهم وطاقاتهم إلى أقصى مداها، ومساعدتهم للتوافق مع الحیاة الجامعیة .

2ـ یمکن أن تستفید منه الجهات المسئولة عن الأوعیة التی تُقدم الجامعة من خلالها المعارف والمهارات والقیم الواجب منحها لطلابها؛ لتفادی الکثیر من المشکلات التی قد تظهر لدى طلاب المرحلة الجامعیة، خاصة وأن الکتاب الجامعی یُعد أحد العوامل المهمة على مستوى تقییم الکلیات والجامعات وترتیبها وفقًا للمعاییر العلمیة والعملیة المعتمدة سواء على المستوى المحلی أم الدولی .

3ـ قد تفید نتائج هذا البحث أعضاء هیئة التدریس بالجامعات فی تقویم أدائهم فی إعداد وتألیف الکتب الجامعیة، ومحاولة تلافی الثغرات التی تعوق إعدادهم لکتاب جامعی جید. 

4ـ یلبی البحث نداء خبراء التربیة وخبراء المستقبلیات بضرورة استشراف آفاق المستقبل فی کافة القضایا التعلیمیة ومن أهمها قضیة الکتاب الجامعی وأهمیته فی المستقبل القریب والبعید، من خلال التخطیط والتنبؤ والتحدیث اللازم لمنظومة التعلیم؛ لمواجهة الآثار الناجمة عن الثورة التکنولوجیة، واکتشاف بدائل جدیدة تزید من فاعلیة وکفایة نظام التعلیم؛ لمساعدة الأفراد على الحیاة فی عالم متغیر؛ حتَّى لا یأتی المستقبل علیهم کصدمة .

5ـ قد یفید البحث قطاعات عریضة من المجتمع ممن لهم صلة واهتمام بالموضوع؛ فعلى سبیل المثال: یقدم معاییر للکتاب الجامعی الجید أو المثالی؛ حتى یحاول الجمیع الالتزام أو الاقتراب من هذه المعاییر، ویقدم توصیات لأعضاء هیئة التدریس لتوعیتهم بأن أدوارهم قد ینتابها بعض التغییر فی المستقبل، وأنه من الضروری الاستعداد لذلک، ومحاولة التکیف معه للإبقاء على أدوارهم فی المستقبل، ویمکن الاستفادة من أسلوب الدراسات المستقبلیة فی دراسة موضوعات أخرى بنفس المنهج المستقبلی، ویمد المسئولین والقائمین على التعلیم الجامعی ـ بصفة عامة ـ والکتاب الجامعی ـ بصفة خاصة ـ من خلال نتائجه و(سیناریوهاته) المستقبلیة بتوصیف لمجموعة من الأشکال والمکانات المتوقع أن یُصبح علیها الکتاب الجامعی فی المستقبل وذلک للاستعداد لها .

 

حدود البحث:

1-  الحد الموضوعی: یقتصر البحث الحالی على تناول معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، والمشکلات والصعوبات التی یواجهها الکتاب الجامعی بجامعاتنا العربیة، ومدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس والطلاب بجامعة القصیم ـ حالیًا ـ، والوقوف على واقع استخدام الکتاب الجامعی من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس والطلاب بجامعة القصیم، للانطلاق منه فی التعرف على مستقبل الکتاب الجامعی .

2-  الحد المکانی: تمَّ تطبیق أدوات البحث فی بعض کلیات جامعة القصیم بالمملکة العربیة السعودیة؛ نظرًا لعمل الباحث بإحدى کلیاتها، ولأن حدود علاقات الباحث بالجامعة مکنته من التطبیق فیها، وأیضًا نتیجة التوجه العام ـ حالیًا ـ إلى مزید من الاهتمام بالدراسات الإقلیمیة کدعوة إلى اللامرکزیة والاهتمام بالبیئات المختلفة .

3-  الحد البشری: تضمنت العینة طلاب أعضاء هیئة تدریس بکلیات جامعة القصیم طُبِّقت علیهم أدوات البحث، وهذه العینة هی أقرب ما یکون لموضوع البحث .

      منهج البحث:

    حیث إنَّ المنهج هو مجموعة عملیات عقلیة وخطوات وإجراءات عملیة وفق منطق عقلی تمکن الباحث من إجراء بحثه، وتمکنه من الوصول إلى نتائج علمیة فإنَّ البحث الحالی استخدم المنهج الوصفی، حیث"إنَّه یتلاءم ویتناسب بفنیاته وأدواته مع طبیعة البحث الحالی وموضوعه، فهو یقوم بوصف ما هو کائن وتفسیره، ویهتم بتحدید العلاقات التی توجد بین الوقائع والحقائق"(45، ص 270)، ومن خلال المنهج الوصفی یسعى البحث إلى تحدید معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، والمشکلات والصعوبات التی یواجهها الکتاب الجامعی بجامعاتنا العربیة، ومدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس والطلاب بجامعة القصیم، والوقوف على واقع استخدام الکتاب الجامعی من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس والطلاب بجامعة القصیم، وذلک من خلال استبانة مصممة لذلک؛ لکونها من أدوات المنهج الوصفی ـ معتمدًا على الوثائق والمراجع المختلفة المتصلة بالموضوع، ثم دراسة وتحلیل هذه البیانات الکمیة التی یتم الحصول علیها میدانیًا والتوصل لبعض نتائج البحث .

 

کما أنَّ البحث الحالی اعتمد على أحد مداخل الدراسات المستقبلیة وهو المدخل الاستکشافی من خلال مجموعة من (السیناریوهات)، فهذا المدخل یعتمد التنبؤ فیه على استقراء منهجی للماضی وتصورات الحاضر للمستقبل، ویطلق علیه المستقبل المنطقی ویشمل بناء السیناریوهات(scenarios) (39، ص ص 66 : 72) (43، ص 194) التی هی "أداة تخطیطیة تشمل تصورًا مستقبلیًا مبنیًا على فروض منطقیة وواقعیة ومبرهن بأدوات ریاضیة تتناسب مع طبیعة السیناریو الاحتمالیة" (22، ص 209)، کما تعرف السیناریوهات أیضًا بأنها " قصص حول کیفیة المستقبل " (30، ص 13) أو "وصف لوضع مستقبلی ممکن، أو محتمل، أو مرغوب فیه، مع توضیح ملامح المسار أو المسارات التی یمکن أن تؤدی إلى هذا الوضع المستقبلی، وذلک انطلاقًا من الوضع الراهن، أو من وضع ابتدائی مفترض"(1، ص 7) .

      أداتا البحث:

1ـ استبانة؛ للوقوف على مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید وواقع استخدامه من وجهة نظر الطلاب بجامعة القصیم .

2ـ  استبانة؛ للوقوف على مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید وواقع استخدامه من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس بجامعة القصیم .

       مصطلحات البحث:

        تتمثل أهم مصطلحات البحث الحالیفیما یلی:

1ـ الکتاب الجامعی:   

وقد ورد لفظ الکتاب فی القرآن الکریم فی (229 آیة) للدلالة على اللوح المحفوظ ـ أُمَّ الکتاب، الکتاب المحفوظ، أو المسطور ـ أو على القرآن ذاته، فالکتاب أحد أسماء القرآن الکریم، والمشار إلیه فی مطلع سورة البقرة الآیة (1، 2) "ألم (1) ذَٰلِکَ الْکِتَابُ لَا رَیْبَ ۛ فِیهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِینَ (2)"، أو لإطلاقه على جنس الوحی، أو الکتب الإلهیة المنزلة على الرسل علیهم الصلاة والسلام، أو على کتاب التوراة المنزل على موسى علیه السلام، وقد یُراد به القدر الأزلی المدون للکائنات، أو وصف الیهود والنصارى بأنهم أهل الکتاب، أو الأجل المکتوب المحدد لعدة المرأة بعد فراق زوجها، أو صحیفة کل إنسان التی رصدت فیها أعماله فی حیاته ویتسلمها یوم القیامة بیمینه أو شماله، أو یُراد به وثیقة العهد والاتفاق بین المتعاقدین، " والذین یبغون الکتاب..."(سورة النور آیة 33) (54، ص 231).

 

  ویُفرد البعض تعریف للکتاب المطبوع Printed textbook بأنه عبارة عن مقدار کبیر من الورق، مجلد بین غلافین، مرتب طولیًا، مع طریقة منظمة إلى حد ما للاستعمال مثل قائمة المحتویات أو الفهرس الذی یعرض محتوى المنهج، ویوجه خطط الأستاذ التعلیمیة، ویشکل الفهم التصوری للطالب (60، ص49)، وبذلک فالکتاب مجموعة من الصفحات المخطوطة أو المطبوعة وصلت أو ثبتت أو خُیطت بعضها ببعض، فأصبحت وحدة قائمة بذاتها، لکن المفهوم الحدیث للکتاب یزید عن هذا التعریف بوضع حد أدنى لعدد صفحاته، کما یقتضی ضرورة أن یکون مطبوعًا وذلک کما ورد فی مؤتمر الیونسکو عام 1964 الذی عرَّف الکتاب بأنه مطبوع غیر دوری لا یقل عدد صفحاته عن (49) صفحة بالإضافة إلى صفحات الغلاف، ومعنى ذلک أن المطبوع الذی یقل عدد صفحاته عن هذا العدد المقرر لا یُعد کتابًا وإنما یدخل تحت مسمیات أخرى کالنشرات (35، ص352) .

  والکتاب الجامعی هو الکتاب المؤلف أو المترجم، والمعتمد لتغطیة کامل موضوعات مقرر تدریس واحد أو أکثر أو جزء منه، یحوی مادة علمیة تُقدم للطالب من خلاله فی مجال موضوعات مقررة، ویُعد للاستخدام فی مستوى تدریسی محدد           (28، ص380)، کما یُقصد بالکتاب الجامعی المقرر ذلک الکتاب الذی یحدده عضو هیئة التدریس کمرجع للطلاب لمقرر دراسی یقوم بتدریسه، إذ قد یعتبره عضو هیئة التدریس المصدر الأول للمعرفة العلمیة التی یقدمها للطلاب أثناء المحاضرات ووفقًا لخطة المقرر التی یلتزم بها خلال الفصل الدراسی (19، ص425) .

  والکتاب الجامعی فی هذا البحث هو الکتاب أو الوعاء الذی یُقدم المادة العلمیة لأحد المقررات الجامعیة فی مرحلة التعلیم الجامعی والمطلوب من المتعلمین التعرف علیها والتفاعل معها، وقد یکون هذا الکتاب ورقیًا مطبوعًا، أو کتابًا مسجلاً أو محفوظًا بشکل إلکترونی یتناسب وطبیعة بعض طلاب الجامعة فی وقتنا الحاضر .

2ـ الدراسة المستقبلیة:Futuristic study

علم المستقبل: هو علم یتناول الأحداث التی لم تقع بعد، ویشیر إلى الفترات الزمنیة التی لم تحل بعد، وهو اجتهاد علمی منظم یرمی إلى صیاغة مجموعة من التنبؤات المشروطة التی تشمل المعالم الرئیسة لمجتمع ما عبر فترة زمنیة محددة (41، ص9)، یحاول فیه الباحث تکوین صورة مستقبلیة متنوعة محتملة الحدوث وفی الوقت ذاته یهتم بدراسة المتغیرات التی یمکن أن تؤدی إلى احتمال تحقیق هذه الصور المستقبلیة بهدف رسم صورة تقریریة محتملة للمستقبل بقدر المستطاع (22، ص28) .

 

 

أما الدراسة المستقبلیة ـ فی هذا البحث ـ فهی دراسة علمیة منظمة لما یُتوقع حدوثه فی المستقبل من مکانة وهیئة وشکل واستخدام للکتاب الجامعی، من خلال مجموعة من (السیناریوهات) للتنبؤ المشروط بهذه المکانة والهیئة والشکل والدور، معتمدة على قاعدة من المعلومات لاشتقاق ما هو ممکن من هذه البدائل.

3ـ جامعة القصیم:

إحدى جامعات المملکة العربیة السعودیة الحکومیة، أُنشئت عام 1423ه، وتضم الآن بین جنباتها 38 کلیة، بها أکثر من 5000 عضو هیئة تدریس وموظف، بلغ عدد طلابها أکثر من 71000 طالب وطالبة ینتمون لأکثر من 13 جنسیة عربیة وإسلامیة وأجنبیة عام 2019، والجامعة حاصلة على الاعتماد الأکادیمی المؤسسی الرسمی من الهیئة الوطنیة للتقویم والاعتماد الأکادیمی بعد جامعتی الملک سعود والملک فهد للبترول کثالث جامعة سعودیة معتمدة مؤسسیًا (4، ص2) .

    الدراسات السابقة:

أدرک العدید من الباحثین المعنیین بالتعلیم أهمیة وضرورة الأدوات المستخدمة فی تحقیق أهداف التعلیم الجامعی بتلک المؤسسات، والدور الحیوی الذی یمثلة الکتاب الجامعی بها؛ لذا عکفت العدید من الدراسات على تناول الکتاب الجامعی بقضایاه المختلفة، سواء واقع استخدامه ومشکلاته أم معاییر اختیار أم تحدید أم إعداد وتألیف هذا الکتاب داخل الجامعات، کمحاولة لتفعیل هذا المکون المهم فی التعلیم الجامعی، ونظرًا لأنَّ البحث الحالی یهدف إلى معرفة واقع الکتاب الجامعی بجامعاتنا العربیة، ومستقبل هذا المکون؛ فسوف یتناول البحث الحالی بعض الدراسات السابقة ـ العربیة والأجنبیة ـ التی ترتبط بالبحث ارتباطًا وثیقًا، والتی یمکن الإفادة منها فی صیاغة مشکلة البحث وتأکیدها، وأسئلته، وإطاره النظری، وأدواته، ومنهجه .

وأولى هذه الدراسات ـ فی حدود علم الباحث أو التی تمَّ الحصول أو الاطلاع علیها ـ دراسة (مرکز البحوث التربویة بقطر 1982) والتی هدفت الوقوف على مشکلات الکتاب الجامعی؛ لتقدیم بعض الحلول لتلک المشکلات، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفی      من خلال استبانة موجهة لـ (121) من أعضاء هیئة التدریس بعدة جامعات عربیة، واستبانة أخرى لمجموعة من القائمین على توفیر الکتب الجامعیة بما فیهم أمناء المکتبات، وتوصلت الدراسة إلى عدة نتائج منها: أن نسبة کبیرة من أعضاء هیئة التدریس تتبع سیاسة تحدید

 

کتاب واحد لکل مقرر، وأن نسبة أقل تلجأ لإضافة عدد من المراجع، وأن الاتجاه السائد فی تحدید الکتاب الجامعی المقرر هو اختیار أستاذ المقرر للکتاب الجامعی، وأن التقویم الدوری للکتاب الجامعی یتم فی کثیر من الحالات مرة کل عامین، وأن هناک طرقًا متنوعة فی توفیر الکتب الجامعیة للطلاب تختلف باختلاف سیاسة الجامعة، فمنهم من یوزعها مجانًا على الطلاب، ومنهم من یوفرها بأسعار منخفضة، أو إعارتها فی بعض الحالات، وأظهرت النتائج أن نسبة قلیلة من الأساتذة تُلزم طلابها باستخدام المراجع المتعددة فی دراسة المقرر الواحد، وانتهت الدراسة بمجموعة من التوصیات منها التأکید على أهمیة عدم الاکتفاء بکتاب واحد لکل مقرر دراسی ووجوب اضطلاع مجالس الأقسام بالدور الرئیسی فی تحدید الکتب الجامعیة، مع وضع سیاسة لتشجیع الأساتذة على التألیف العلمی المنضبط فی کافة المجالات (46، ص ص217 : 235) .

ثم أجرى (آرنولد Arnold 1990) دراسة هدفت إلى تحدید جودة الکتاب الجامعی من خلال التوصل إلى أهم المعاییر المتبعة فی اختیار الکتاب الجامعی المقرر والتی یأخذ بها أعضاء هیئة التدریس فی کلیات التربیة بأمریکا، وهذه المعاییر هی: محتوى الکتاب، ومدى صحة الحقائق العلمیة فیه، ودقتها، ونوعیة الأمثلة ومناسبتها، والخصائص التربویة التی یتضمنها، کما بیَّنت الدراسة أن بعض أعضاء هیئة التدریس یأخذون بعین الاعتبار سمعة المؤلف العلمیة عند اختیارهم للکتاب الجامعی، إضافة إلى عوامل أخرى مهمة ترتبط بالرسومات التوضیحیة، والجداول التی یحویها الکتاب، وسلامة اللغة، وملاءمة سعر الکتاب لإمکانات الطلاب المادیة (55، ص ص12: 25) .

وفی عام 1995 أجرى (عبد الله إبراهیم سعید) دراسة هدفت إلى الوقوف على واقع الکتاب الجامعی المقرر بسوریا، والذی عانى کثیرًا من الملخصات والمذکرات والآمالی مما أدى إلى ضعف المستوى اللغوی للطلاب الذین لم یتعدوا استخدام الکتب الجامعیة والمراجع ونشأوا على الملخصات الهزیلة لغویًا وفکریًا، وهذا الواقع شارک فیه قلة مؤلفات الأساتذة، وصعوبة تداولها، واستمر الأمر بهذا السوء حتى صدور قرار جمهوری فی ثمانینیات القرن الماضی یضمن توفیر هذه الکتب منذ بدایة العام الجامعی؛ حتى یحقق الکتاب الجامعی أهدافه وأغراضه، وانتهت الدراسة بدعوات لتطویر الکتاب الجامعی مرکزة على ضرورة تغییر النظرة للکتاب الجامعی، وضرورة عدم الاعتماد على مصدر وحید للمعرفة من خلال کتاب أوحد مقرر على الطلاب، وکذلک ضرورة مراجعة الکتب حتى لا یهملها الطلاب، وضرورة رصد حوافز قیمة لتشجیع التألیف لتلک الکتب (26، ص 143: 158) .

 

    وفی نفس العام 1995 قدَّم (سمرفیلد  Summerfield) دراسة اعتمدت على المنهج الوصفی بیَّنت أن ممارسات أعضاء هیئة التدریس بجامعة کولومبیا فی اختیارهم لکتب الجامعة أو توظیفها فی التدریس تقوم على مراجعة فهارس الناشرین، مع الاهتمام باختیار کتب لمؤلفین معروفین فی ذات المجال والتخصص، إضافة إلى الاطلاع على تقییم المحکمین والباحثین للکتب الجدیدة فی الدوریات العلمیة التی تُعنى بذلک، وتصفح الکتب الجدیدة بمکتبة الجامعة، والاطلاع على قائمة الابداعات الجدیدة فیها، والأخذ بآراء الزملاء الأکادیمیین فی مجال التخصص خاصة ذوی الاطلاع الواسع فی مجال تخصصهم (61، ص ص35: 64) .

أما (أسما جرجس إلیاس 1996) فقَّدمت دراسة هدفت الوقوف على المعاییر الأساسیة التی یجب أن تتوفر بالکتاب الجامعی، وإلى أی مدى تنطبق هذه المعاییر على کتب دبلوم التأهیل التربوی، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفی التحلیلی من خلال دراسة جمیع کتب دبلوم التأهیل التربوی وهی (13) کتابًا، ووضعت الدراسة مجموعة من المعاییر الأساسیة لجودة الکتاب الجامعی، منها: البیانات، والمفاهیم والمبادئ، والمهارات، والتوازن بین الجانب النظری والتطبیقی، وحداثة المعلومات وصحتها، والتقویم، والتوثیق، وسلامة اللغة، والترابط فی المعرفة، والتعلم الذاتی، والتوازن بین فصول الکتاب، أما الدراسة التحلیلیة النقدیة لکتب دبلوم التأهیل التربوی فأظهرت بشکل عام اهتمام کبیر بالمقدمة، وإهمال فی صیاغة الأهداف العامة للمقرر، وأن المادة العلمیة الموجودة تحتاج فریق متکامل لضبط البیانات والمفاهیم، وعدم الترکیز على المعارف الجزئیة، أما عن حداثة المعلومات فالکتب تحوی معلومات قدیمة مضت علیها عدید من السنوات دون تحدیث، وقد أهملت الکثیر من الکتب موضوع الترابط بین الفصول والأجزاء، وکذلک لم تراع مبدأ الاستمرار فیما یتعلمه المتعلم مستقبلاً، وکذلک جاءت هیئة وشکل وإخراج الکتاب الجامعی بشکل متواضع، وأنهت الباحثة الدراسة بمقارنة بسیطة بین فریق یتمسک بالکتاب الجامعی وآخر یعارض الاعتماد علیه بشکل کلی داخل الجامعة  (2، ص ص 59: 73) .

أما دراسة (حفیظ ملیکة 1998) فهدفت الوقوف على واقع الکتاب الجامعی فی جامعة قسنطینة بالجزائر؛ وذلک لما له من أهمیة جوهریة فی إتمام العملیة التعلیمیة، والذی لم یحظ بالاهتمام المطلوب للعدید من الأسباب، وقد أشارت الدراسة من خلال جزءها المیدانی المطبق على مجموعة من الأساتذة والطلاب إلى أن واقع الکتاب الجامعی بالجزائر عمومًا واقع (مزری)، وأنه ـ الکتاب الجامعی ـ غیر متوفر ویعانی من القصور الشدید فی جودته وحداثته؛ وذلک لعدم وجود سیاسة واضحة فی التعامل مع الکتاب الجامعی تحفز على التألیف والنشر العلمی، وتزید من درجة الرضا عن         محتوى الکتب الجامعیة، وانتهت الدراسة بمجموعة من التوصیات للأساتذة والطلاب تعین على النهوض بالکتاب الجامعی ووضعه فی مکانه الصحیح داخل العملیة التعلیمة  (13، ص ص 39: 50) .

 

   وفی نهایة القرن العشرین 1999 کانت دراسة (وهبة محمد الزحیلی) والتی هدفت الوقوف على واقع الکتاب الجامعی وبالتحدید الکتاب الفقهی؛ للتعرف على حال الکتب الفقهیة الجامعیة، وعلى التألیف الموسع والمختصر لها، ومدى حاجة الطلاب للکتاب الجامعی، والمعاییر التی یؤلف أو یُختار الکتاب فی ضوئها، وقد توصلت الدراسة إلى أهمیة وضرورة وجود کتاب جامعی بید الطالب فی کل مقرر؛ للعدید من الأسباب التی لا یستغنی الإنسان مهما کان ذکیًا وذاکرته قویة عن مراجعة الکتاب الجامعی، خاصة فی ظل أنظمة تقویم تقیس مستویات التحصیل المختلفة، کما أشارت الدراسة إلى خطورة الاعتماد على المذکرات والملخصات فی مثل مقررات الفقه، والتی قد تحتوی على الکثیر من الأخطاء، وانتهت الدراسة بمجموعة من المقترحات والتوصیات تشیر إلى ضرورة تحدیث الکتب الجامعیة أولاً بأول؛ حتى یظل الکتاب الجامعی صالح لکل العصور           (54، ص ص 231: 266) .

أما فی بدایات القرن الحادی والعشرین فکانت دراسة (فاطمة الزهراء محمود محمد عثمان 2001) التی هدفت إلى تحدید أساسیات تصمیم وإنتاج الکتاب الجامعی للمواد العلمیة،        وشکله فی ضوء المستحدثات التکنولوجیة المعاصرة؛ حتى یمکن الإفادة به فی جامعاتنا العربیة، واعتمدت الدراسة المنهج الوصفی، من خلال استبانة لتحدید أساسیات تصمیم       وإنتاج وشکل الکتاب الجامعی للمواد العلمیة، وبطاقة استطلاع رأی الطلاب فی مدى توفر المواصفات والمعاییر ـ التی تم التوصل إلیها فی هذا البحث ـ فی الکتب الجامعیة للمواد  العملیة المقررة علیهم، وتوصلت الدراسة لعدة نتائج، منها: التوصل لمجموعة من المعاییر والمواصفات لتصمیم وإنتاج الکتاب الجامعی، کالمواصفات التربویة، والفنیة للإخراج الفنی للکتاب، وکانت آراء الطلاب حول تفضیلهم لشکل الکتاب الجامعی التقلیدی بنسبة (85٪) بینما الکتاب الإلکترونی بنسبة (10٪)، أما تفضیلهم للکتاب التخیلی فکانت النسبة (5٪)  فقط، وانتهت الدراسة بمجموعة من التوصیات منها تضمین دورة إعداد المعلم الجامعی  للبرنامج المقترح فی إعداد وتصمیم الکتب بما یحقق متطلبات الجودة فی ضوء المعاییر التربویة والفنیة، وإنشاء وحدات لإنتاج الکتب الجامعیة تشمل إمکانیات مادیة، وبشریة،        ومواد خام، وأجهزة، ومتخصصین، ومراجعین أی بمثابة بیوت خبرة، والإعلان عن مسابقات على مستوى البلاد لتألیف الکتب الجامعیة، ویُصرَّح لأعضاء هیئة التدریس الاشتراک فیها (35، ص ص443: 472) .

 

   وفی العام نفسه 2001 أجرى (سلامة یوسف طناش) دراسة هدفت إلى التعرف على معاییر الکتاب الجامعی المقرر ومعوقات ذلک ومشکلاته من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس فی الجامعة الأردنیة، وذلک من خلال استبانة؛ للوقوف على تلک المعاییر والمعوقات، وتم تطبیق هذه الاستبانة على (203) عضو هیئة تدریس، وقد أظهرت النتائج أن (71.4٪) من أعضاء هیئة التدریس یحددون کتابًا جامعیًا مقررًا، وأن أهم معاییرهم فی الاختیار هی: توافق محتویات الکتاب مع توصیف المقرر، وأن أکثر المعوقات فی اختیار الکتاب الجامعی هی قلة توفر کتاب جامعی یفی بمتطلبات التوصیف المحدد للمقرر، ویفی بحداثة المعلومات العلمیة ومواکبتها للتطور، وانتهت الدراسة إلى وجود فروق واضحة فی القدرة على تحدید الکتاب المناسب تعزى إلى الرتبة العلمیة، وسنوات الخبرة، والجامعة التی تخرج فیها الأستاذ، وکذلک لغة التدریس         (19، ص ص 422: 455) .

  ودراسة (صالحة عبد الله عیسان، وعبد الله محمد خطایبة 2002) هدفت إلى معرفة تقدیرات أعضاء هیئة التدریس بکلیة التربیة بجامعة السلطان قابوس للأسس والمعاییر التی یتبعونها لاختیار الکتاب الجامعی المقرر، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفی، من خلال استبانة مکونة من (43) مفردة موزعة على خمسة مجالات، هی: محتوى الکتاب، والتصمیم التعلیمی، والنشاطات التربویة المصاحبة، ومراعاة الکتاب لمتطلبات البیئة العمانیة، والإجراءات العملیة لاختیار الکتاب، وقد طُبقت الاستبانة على (83) عضو هیئة تدریس بمختلف الرتب الأکادیمیة، وأظهرت النتائج عدم وجود فروق دالة إحصائیًا تعزى للکلیة التی یعمل بها عضو هیئة التدریس أو جنسیته، أو رتبته، أو خبرته الأکادیمیة، وأوصت الدراسة بعدم استخدام کتاب جامعی واحد للمقرر الجامعی؛ لما له من آثار سلبیة على تعلم الطلاب فی المرحلة الجامعیة (21، ص 27: 57) .

   أما (منى یونس بحری 2004) أجرت دراسة هدفت إلى الوقوف على دور الکتب الجامعیة فی مواکبة الانفجار المعرفی، فی زمن الثقافات الحدیثة والمعلوماتیة، وانتشار الحاسوب والانترنت، وکذلک رصد العلاقة بین الکتاب الجامعی والمناهج، ثم البحث فی مواصفات الکتاب الجامعی، ومدى الاعتماد على الکتاب الإلکترونی فی ظل تحدیث الکتاب الجامعی، وقد توصلت الدراسة لعدة نتائج منها ضرورة إعادة النظر فی مناهج

 

 

کلیات التربیة وبالتالی الکتب الجامعیة المحددة لتدریس تلک المناهج، باعتبار هذه الکتب مرآة المناهج التربویة، وقدمت الدراسة مجموعة کبیرة من المواصفات التی یمکن فی ضوئها تقدیم الکتاب الجامعی وضرورة تحدیثه تماشیًا مع الثورة المعلوماتیة الآن، لذلک تقدم الدراسة مقترحات بضرورة الاعتماد على الکتب الإلکترونیة الجامعیة؛ لما تمتاز به من سهولة التخزین والاستخدام، وانتهت الدراسة بضرورة تفعیل دور المکتبات الجامعیة، وحث الطلاب على استخدامها بصورة فعالة (49، ص ص35: 53) .

 وفی عام 2005 أجرى (عبد الله أبو هیف) دراسة هدفت إلى بحث واقع الکتاب الجامعی من خلال مقرر مصادر التراث العربی أو المکتبة العربیة نموذجًا؛ وذلک لطرح أطر إجرائیة لتطویر الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة، وتناول البحث العلاقة الواضحة بین المنهج والکتاب الجامعی والخطة الدراسیة، وأن الکتاب الجامعی أحد الوسائل الجوهریة لضمان إثراء الخطة الدراسیة، لکن أظهرت الدراسة أن الکتاب الجامعی قاصر عن الاحاطة بمفردات المنهج بمفرده، کما أن عدید من الأساتذة بالجامعات یکتفون بمحاضراتهم کمقررات دراسیة بحکم معرفتهم بمفردات المقرر، وقلة رضاهم ـ أحیانًا ـ عن الکتاب الجامعی المقرر، وانتهت الدراسة بآفاق لتطویر الکتاب الجامعی منها: ضرورة تآلف تألیف الکتاب مع عناصر الخطة الدراسیة، ومراعاة الجدة والابتکار من خلال اشتراک مجموعة من الأساتذة أو فریق متناغم لتألیف الکتاب الجامعی(27، ص ص371: 404)

  ودراسة (کولنشمدت Kuhlenschmidt 2007) التی هدفت إلى تحدید طرق لاختیار الکتاب الجامعی بدقة، وتجنب العاطفة فی ذلک، ومراعاة العوامل الاقتصادیة والفکریة المتعلقة بالأستاذ والطلاب والمؤثرة فی اختیاره للکتاب الجامعی، وأظهرت الدراسة أهمیة مراعاة الکتاب للأهداف التعلیمیة المرسومة، وکذلک خصائص الطلاب، وکذلک تحدید الأنشطة الجماعیة، وتعزیز المحتوى الأکادیمی، وکذلک تمکین الطلاب من معرفة الکتاب الجامعی قبل بدایة الفصل الدراسی؛ للإطلاع علیه وقراءته، حتى تتکون لدیهم أفکار عنه قبل بدایة الفصل الدراسی، کما بینت الدراسة أهمیة مراعاة الکتاب لمبادئ تنظیم الفصول، وتخصیص وقفات بعد کل فصل فیه؛ لتقییم مستوى التحسُّن فی فهم الطلاب، ومدى تطور مهاراتهم الفکریة المرتبطة بالأهداف (59، ص ص 18: 42) .

 

  أما (أمل کرم خلیفة 2008) قدمت دراسة هدفت إلى التعرف على دور الکتاب الجامعی ومعاییر جودته فی العملیة التعلیمیة، والوضع الحالی للکتاب الجامعی، والجوانب السلبیة له، وفوائد التعلم الإلکترونی، وطبیعة المشکلات التی تعترضه، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفی، وتوصلت إلى عدة نتائج منها: خطورة الدور الذی یمثله الکتاب الجامعی فی العملیة التعلیمیة، فهو الوسیط المنظم للتعلم داخل الجامعة، ویجب علاج أی جوانب سلبیة تنتابه مثل الاعتماد الکلی علیه فی تحصیل المعلومات؛ حتى نحافظ على فرص الإثراء القرائی الذی هو التربیة الحقیقیة لسعة الأفق والإبداع وحریة التفکیر، وفی خطوة لتطویر وتحسین الکتاب الجامعی وسط الانفجار المعرفی المشهود کان من الضروری الأخذ بالتقنیات الحدیثة فی طرق التعلیم والتعلم ومنها اللجوء للکتب الإلکترونیة المعتمدة على الوسائط المتعددة فی شکل رقمی بما له من مزایا قد تعالج بعض القصور الذی ینتاب الکتب الجامعیة الورقیة، وانتهت الدراسة ببعض التوصیات منها: ضرورة الالتزام بمعاییر جودة الکتاب الجامعی، وتوصیف الکتاب طبقًا لتلک المعاییر، مع تطویره بصفة دوریة، وضرورة تدریب الجمیع داخل الجامعة، مع تجهیز ونشر الکتب الإلکترونیة، ووضع سیاسات صارمة لحمایة هذه الأنظمة من أی تهدیدات خارجیة (5، ص ص 196: 228) .

  وفی المجال نفسه أجرى (رشدی أحمد طعیمة 2009) دراسة لتحدید معاییر لجودة الکتاب الجامعی، وتم التوصل من خلال المنهج الوصفی فیها لمعاییر قُسمت لقسمین: الأول ـ معاییر عامة تکونت من تسعة معاییر تعکس فلسفة البرنامج ومکوناته وقیم المجتمع وثقافته، أما القسم الثانی ـ فالمعاییر الخاصة وتکونت من ست وسبعین معیارًا توزعت على ثمانیة مجالات، هی: المادة العلمیة(7معاییر)، وطرق واستراتیجیات التدریس (7 معاییر)، وخصائص الطالب الجامعی(6 معاییر)، والوسائل التعلیمیة (7 معاییر)، والتدریبات(15معیارًا)، ولغة الکتاب (9 معاییر)، وشکل الکتاب واخراجه (16 معیارًا)، والکتاب الإلکترونی فی حالة الاستعانة به(9 معاییر)(17، ص ص 28: 57).

 

  أما (وائل عبد الرحمن التل، ومحمود محی الدین محمد المسریحی 2012) فقد  قدما دراسة هدفت إلى التعرف على درجة مراعاة أعضاء هیئة التدریس بکلیة التربیة بجامعة الملک عبد العزیز لمعاییر جودة اختیار الکتاب الجامعی من وجهة نظرهم، وذلک بالاعتماد على المنهج الوصفی، من خلال استبانة مکونة من (76) مفردة، طُبقت على (96) مفحوصًا من أعضاء هیئة التدریس، وتوصلت الدراسة إلى أن أفراد العینة یراعون معاییر جودة اختیار الکتاب الجامعی فی کل المجالات الستة بدرجة کبیرة، والتی منها مقدمة الکتاب، وأهدافه، ومحتواه، وطریقة عرضه، وتصمیمه، وتقویمه، وإخراجه، کما توصلت الدراسة إلى عدم وجود فروق ذات دلاله إحصائیة فی درجة مراعاتهم لهذه المعاییر تعزى للتربیة الأکادیمیة، أو الخبرة فی التدریس الجامعی، وتوصی الدراسة بضرورة تعزیز الاجراءات الجیدة التی یتبعها أعضاء هیئة التدریس بکلیة التربیة بجامعة الملک عبد العزیز فی عملیة اختیار الکتاب الجامعی، والکشف عن المشکلات التی یمکن أن تواجههم فی هذه العملیة (52، ص ص 379: 418) .

      أما دراسة (لمیاء محمد إبراهیم 2014) هدفت إلى الوقوف على إیجابیات وسلبیات مقرر المناهج فی التربیة الخاصة فی ضوء معاییر جودة الکتاب الجامعی سواء فی الإطار العام للکتاب أم أهداف المقرر أم محتواه والأنشطة والوسائل المتضمنة به، مع تحدید الأسس التی یجب أن تراعى فی هذا الکتاب فی ضوء معاییر جودة الکتاب الجامعی، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفی من خلال استمارة لتحلیل الکتاب فی ضوء معاییر جودة الکتاب الجامعی المتوفرة بوحدة ضمان الجودة بکلیة التربیة الریاضیة بنات بالقاهرة، وکذلک اعتمدت الدراسة على استبانة للتعرف على آراء أعضاء هیئة التدریس فی هذا الکتاب، ومدى مناسبته للمقرر وتوصیفه، وتوصلت الدراسة لعدة نتائج منها: أن الإطار العام للکتاب مناسب بخلاف بعض القصور فی تحدید أهداف المقرر العامة، وأن المحتوى یتسق مع الأهداف الموجودة بتوصیف المقرر، أما آراء أعضاء هیئة التدریس حول الکتاب کانت وجود إیجابیات فی الکتاب منها: الصیاغة السلیمة للأهداف العامة، لکن هناک سلبیات بالمحتوى، وأسالیب التعلم، والأنشطة المقررة، وأنهم غیر مناسبین ولا یراعون الفروق الفردیة للطالبات، وتوصی الدراسة بضرورة الاتساق بین الأهداف العامة الموجودة داخل الکتاب والأهداف الإجرائیة لکل باب من أبوابه، وأن یکون هناک واقعیة فی أسلوب العرض والتقدیم، مع ضرورة مراعاة الصیاغة السلیمة لجمیع محتویات الکتاب (40، ص ص 411: 464) .

 

ودراسة (حصة محمد الشایع، وأفنان عبد الرحمن العیید 2016) التی هدفت إلى الوقوف على أهمیة الکتاب الإلکترونی فی التعلیم الجامعی خاصة فی عصر التعلم الرقمی، وتحدید أبرز خصائصه وممیزاته، والتحدیات التی تواجهه، وکذلک أهم معاییر تصمیم الکتاب الإلکترونی التعلیمی؛ لتحقیق الأهداف التعلیمیة المحددة، والدراسة اعتمدت المنهج الوصفی فی تحقیق أهدافها، وتوصلت إلى عدة نتائج منها: أن من أکبر التحدیات التی تواجه الکتب الجامعیة الإلکترونیة تحدی المخاطر الصحیة، وحمایة حقوق النسخ والاقتباس، والملکیة الفکریة للمؤلفین الأصلیین، وقدمت الدراسة أهم معاییر تصمیم الکتاب الجامعی الإلکترونی، وهی: القابلیة للاستخدام من خلال مجموعة من الخطوات الاجرائیة، وانتهت الدراسة بتصور مقترح لتقویم جودة تفاعل المستخدم مع الکتب الإلکترونیة الجامعیة بالمکتبات الرقمیة، ثم مجموعة من التوصیات لرفع وعی أعضاء هیئة التدریس والطلاب لأهمیة الکتب الجامعیة الإلکترونیة وفوائدها للعملیة التعلیمیة (12، ص ص 43: 66) .

وحدیثًا أجرت (دالیا موسى عبد الله 2017) دراسة هدفت إلى التعرف على مدى استخدام الطلاب بالجامعات فی تخصصات العلوم الاجتماعیة والإنسانیات واللغات للکتاب الإلکترونی، والتأکد من وجود علاقة بین نوع المدرسة التی تخرج فیها الطالب ومدى استخدامه للکتاب الإلکترونی بعد ذلک، والوقوف على أسباب تفضیل أو رفض الطلاب محل الدراسة للکتاب الإلکترونی، وکذلک التأکد من وجود علاقة بین طرق التدریس بالجامعات والتکلیفات والبحوث وعلاقتها باستخدام الکتاب الإلکترونی من جانب الطلاب، واعتمدت الدراسة على المنهج الوصفی من خلال استبانة طُبقت على عینة من طلاب الجامعة أظهرت أن (93٪) من الطلاب لا یفضلون قراءة الکتب الإلکترونیة، وأن (91٪) منهم یرون أن الکتاب الورقی المطبوع لن یندثر، وأوصت الدراسة بضرورة وضع قوانین حاسمة لحمایة حقوق الملکیة الفکریة الخاصة بتألیف ونشر النصوص والمؤلفات على الانترنت (16، ص ص 200: 215) .

       تعقیب عام على الدراسات السابقة:

فی ضوء ما توصلت إلیه نتائج الدراسات السابق تناولها یمکن استخلاص بعض الدلالات المهمة التی ترتبط بموضوع البحث الحالی، والتی تلقی الضوء على موقع البحث الحالی منها وهی:

1ـ أکدت معظم الدراسات السابقة ـ العربیة والأجنبیة ـ على أهمیة وحیویة دور الکتاب الجامعی فی العملیة التعلیمیة ذلک إن کنا نرید الاهتمام بالمستقبل کاتجاه إنسانی معاصر، وإعداد الطلاب للمستقبل القادم، وهذا ما اتفق مع توجه البحث الحالی .

 

2ـ رکزت بعض الدراسات السابقة على أهمیة وجدوى تحدید کتاب واحد لکل مقرر أو مراجع متعددة فی المقرر الواحد، بینما تناولت دراسات أخرى واقع ومشکلات الکتاب الجامعی فی الحیاة الجامعیة، وتناولت دراسات ثالثة جودة الکتاب الجامعی من خلال البحث حول معاییر الکتاب الجامعی الجید، واهتمت دراسات سابقة أخرى بتقویم ونقد بعض الکتب الجامعیة الموجودة ثم تقدیم رؤى وتصورات لتحسین أوضاع الکتاب والنهوض به، بینما البحث الحالی رکز على مستقل الکتاب الجامعی فی جامعاتنا العربیة فی ظل ما ینبغی أن یکون علیه الکتاب الجامعی، وواقع هذا    الکتاب الآن .

3ـ أدرکت بعض الدراسات السابقة أهمیة الدور الحیوی للکتاب الجامعی إلا أنها اکتفت برصد واقعه الحالی دون الخوض فی أوضاعه ومکانته القادمة وسط المتغیرات المتلاحقة، وهذا ما یتناوله البحث الحالی .

4ـ تباینت العینة فی معظم الدراسات السابقة نوعًا ومکانًا فشملت طلاب وأعضاء هیئة تدریس بالتعلیم الجامعی، بأماکن مختلفة داخل الوطن العربی وخارجه، دون التطرق لجامعة القصیم مجال البحث الحالی.

5ـ اختلف البحث الحالی عن معظم الدراسات السابقة التی تناولت الکتاب الجامعی معتمدة على المنهج شبه التجریبی أو الوصفی، بینما البحث الحالی ـ بجانب اعتماده على المنهج الوصفی بأدواته المختلفة ـ اعتمد على منهج دراسة المستقبل بأدواته وأسالیبه وفنیاته المختلفة وخاصة السیناریوهات المطروحة للکتاب الجامعی مستقبلاً .

6ـ ألقت الدراسات السابقة الضوء على نقاط مهمة أفاد البحث الحالی منها فی تأکید مشکلة البحث من أن دور الکتاب الجامعی مهم، وأن النظرة المستقبلیة له لم تحظ بالدراسة ـ فی حدود علم الباحث ـ رغم أهمیة إعداد أبنائنا لعالم المستقبل، کما أفاد البحث الحالی من الدراسات السابقة فی منهجه وأدواته ومراجعه، وکذلک فی إطاره النظری وتفسیر نتائجه .

   الإطار النظری:

       إن العلم بحر واسع فسیح، والکتاب الجامعی سفینة تمخر عباب هذا البحر، شراعها الجامعة، وربانها الأستاذ، والعمل الجماعی المنسق طاقمها، والمصطلحات العلمیة محرکاتها، والحکمة قارب نجاتها، والحداثة رادارها، والأصالة مرساتها، والبحث العلمی وقودها، والمختبرات معینها، والترجمة زادها، والتربیة عَلَمُها، أما ریاحها فشغف العلم والاطلاع، وحمولتها طالب الیوم، وخریج الغد، رجل المستقبل، بوصلتها المنهج العلمی، غایتها النور والحقیقة، وهدفها النهضة والبناء والتقدم والحیاة الحرة الکریمة لجمیع بنی البشر (26، ص152) .

 

     نشأة الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة:

قبل الخوض فی نشأة الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة یشیر البحث الحالی إلى مدى حاجة الطالب الجامعی للکتاب بشکل عام سواء کتاب جامعی محدد یقرره أستاذ المقرر، أو مراجع متعددة یشیر إلیها الأستاذ فی محاضراته المختلفة، فالتعلیم أهم أهداف الجامعات وأقدمها، فمن أجله أُنشئت، وبه استمرت إلى الیوم، ولتحقیق هذا الهدف دأب أعضاء هیئة التدریس على تقدیم المعرفة العلمیة وحقائقها للطلاب من خلال المحاضرات الشفویة والمکتوبة والعملیات التطبیقیة التجریبیة، لکن الطلاب یحتاجون إلى کتاب یُشکل مصدرًا للمعرفة، یرکنون إلیه فی مراجعة وتطویر معارفهم، فسماع المحاضرة أو المشارکة والتفاعل معها وإن کان مهمًا ومفیدًا فغالب الکلام یُنسى، ولا یستقر فی الذهن؛ لأن ما یثبت بالتلقی أو السماع والمشافهة ـ إذا کان واضحًا، وإن رسخ فی الذهن أحیانًا ومؤقتًا، واستنار به العقل فی أثناء السماع، ودفع بالسامع إلى الاستذادة من العلم وحب المعرفة ـ فإنه یزول أثره عما قریب، ویحتاج إلى ما یذکره على الدوام فیرجع إلیه ألا وهو الکتاب الذی یثیر فی النفس کوامن الإندفاع إلى العمل والتطبیق، وبذل أقصى النشاط؛ لیصیر السامع أو القارئ مثل المتکلم، ویحتل مکانته، وینقل الخبرات والمعلومات إلى الأخرین (54، ص 253) .

 لذا فإن أعضاء هیئة التدریس بالجامعات عادة ما یوصون أو یقررون کتابًا أو عدة کتب؛ لتکون مرجعًا للمادة العلمیة التی یدرسونها، ولتکون مصدرًا مساعدًا للطلاب فی عملیة التعلیم والتعلم، فکل عضو هیئة تدریس فی مؤسسات التعلیم العالی یعمل جاهدًا لإرشاد وتوجیه طلابه لمصادر المعرفة فیما یخص المادة العلمیة التی یدرسها، ولا شک فی أن کل واحد منهم یسعى إلى توجیه طلابه لما هو أفضل لهم فی الوصول إلى المعرفة، وبأسهل الطرق وأیسرها، وبما یتواءم ومجموعة العوامل التی تتعلق بالمادة العلمیة والطلاب والکتب العلمیة المتوفرة (19، ص422)، فالکتاب المحدد سهَّل کثیرًا على الطالب العودة إلى محتویات المحاضرة، ووفر بین یدیه مرجعًا علمیًا باللغة المناسبة؛ لتزداد قدرته على استیعاب المقررات وتمکینه من متابعتها بشکل ذاتی، وساعده على سرعة تفهم الأمور الغامضة والمسائل المعقدة، وأعانه على التعبیر عن نفسه، والانطلاق المتحرر فی التفکیر والتحصیل، کما شکَّل الکتاب الجامعی لعضو هیئة التدریس دلیلاً محددًا لموضوعات محاضراته، ومنهجًا واضحًا لمقرره، وساهم فی ترکیز المجهود العلمی والفکری للأساتذة من خلال اشتراکهم فی عملیات التألیف، أو من  خلال تدریسهم لکتب زملائهم، وإطلاعهم على أفضل مصادر المعرفة العالمیة                 (26، ص147) .

 

 أما جذور نشأة الکتب الجامعیة بالجامعات العربیة فیرجعها البعض إلى (اللغة)، وأن اللغة وسیلة التفاهم بین الأمم، وأن المصطلح هو لغة التفاهم بین أقران الاختصاص الواحد، ومن أجل أن یکون ما یکتبه أحدنا مقروءًا مفهومًا علینا أن نتحدث بلغة مشترکة ومصطلحات مستساغة، یتم الاتفاق علیها وتداولها، ومتابعة الالتزام بها فی المحافل العلمیة؛ لذلک توجد العدید من المعاجم بقیت المفردات بها محنطة على صفحاتها؛ لعدم استساغتها أو الاتفاق بین الجهات العلمیة على استعمالها (8، ص161) .

 لذلک یرى البعض أن العدید من الجامعات العربیة قدیمًا کانت تعتمد على جهود الأساتذة فی توفیر ملخصات ومدونات باللغة العربیة للموضوعات المطلوب تدریسها، وکانت تُکتب بالید أو تُطبع بالآلة الکاتبة وتوزع بشکل محدد جدًا، وکانت عملیة صعبة وقاسیة، ونظرًا لخبرة هؤلاء الرواد من ذلک الجیل فی مجال تخصصهم ومعارفهم المتعمقة سار على دربهم من جاء بعدهم، ومع إزدیاد عدد أعضاء هیئة التدریس، وظهور وجهات نظر متضاربة بشأن الکثیر من المصطلحات العلمیة، خاصة فی ظل ما یتمتع به الأستاذ الجامعی من حریة فی اختیار أدواته بدأت المصطلحات تکثُر وتتضارب فی الکلیات المختلفة بل وفی الأقسام المختلفة داخل الکلیة الواحدة، هنا ومع زیادة أعداد الطلاب بالجامعات بسبب التوسع فی التعلیم أُسندت مهمة صوغ هذه الملخصات أو المدونات بعد مراجعتها من لجان متخصصة داخل الجامعات کبدایة ولیدة لما عُرف بالکتاب الجامعی (33، ص139) .

لکن الحال فی تدریس العلوم الشرعیة وبعض العلوم الأخرى کان الاعتماد فیه منذ البدایة على کتب بعینها یتم إقرارها ودراستها داخل الجامعات، ویلتزم بها طلاب العلم والأساتذة کما کان یحدث فی المساجد الکبیرة قدیمًا باعتبارها جامعات حالیًا، مثلما کان یحدث بالأزهر الشریف، واستمر الحال بجامعة الأزهر حتى "صدر مؤخرًا قرار جامعة الأزهر بتطبیق تجربة الکتاب الجامعی الموحد على بعض التخصصات والکلیات بالجامعة، مثل: کلیة الشریعة وأصول الدین واللغة العربیة، وذلک للوقوف على کافة المقررات الدراسیة؛ للحفاظ على طلاب الجامعة من أی فکر متطرفة أو متشددة کانت تُدَّرس فی الماضی، وضمانًا للحیادیة وتکافؤ الفرص، إضافة إلى إظهار الکتاب الجامعی بشکل یعبِّر عن تعاون وتکامل أکثر من أستاذ فی إعداده ومراجعته"          (6، ص2)، ویرى البعض أن فکرة الکتاب الجامعی جاءت لحل بعض القضایا والمشکلات، کالقضاء على جشع بعض الأساتذة حین یُسند أمر الکتاب الجامعی للکلیة أو الجامعة، أو للقضاء على مشکلة ندرة الکتاب أو تأخر طبعه (33، ص71)، وإن کانت هذه الدوافع النبیلة هی ضمن محرکات ظهور الکتاب الجامعی إلا أنها قد تشکل عائقًا نحو تحقیق أهداف التعلیم الجامعی برومته .

 

   

معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید:

تُشکل جودة الکتاب الجامعی أحد عناصر جودة المادة التعلیمیة، والتی تُشکل بدورها أحد عناصر جودة العملیة التعلیمیة بالإشتراک مع عناصرها الأخرى، کجودة العنصر البشری سواء الطلاب أو أعضاء هیئة التدریس والکادر الإداری، وکذلک جودة المکان بما یحویه من قاعات ومختبرات ومکتبات وورش وغیرها، وکذلک جودة الإدارة مع ما تعتمد علیه من قوانین وأنظمة ولوائح وتشریعات وما تتبناه من سیاسات وفلسفات وما تعتمده من هیاکل ووسائل ومواد، وأخیرًا جودة المنتج المتمثل بالخریجین، والخدمات المجتمعیة، والأنشطة البحثیة، بالإضافة إلى الاکتشافات والاختراعات والبراءات وما شابه، ولضمان جودة الکتاب الجامعی لابد من توفر عدد من المواصفات والشروط والأسس التی یجب على مؤلفی الکتاب الجامعی أخذها بعین الاعتبار      (5، ص206)، وهذه المواصفات أو الشروط تمثل معاییر للکتاب الجامعی الجید، تؤمِّن الإطار الضامن لجودة الکتاب الجامعی حینما یُشتق من حاجات المجتمع، والمواد التعلیمیة، وحاجات المتعلم، ویمکن تقدیم هذه المعاییر على النحو التالی:

      أولاً – من حیث المضمون:

1ـ توافق الکتاب الجامعی وخطة المقرر الدراسی:

لابد أن یظهر جلیًا داخل الکتاب الجامعی وضوح الخطة المتبعة فی تقدیم هذا الکتاب، وملاءمة هذه الخطة لمفردات المقرر الوارد ذکرها فی الخطة الدراسیة أو کما یُطلق علیها توصیف المقرر (5، ص 206)، فلابد أن یغطی محتوى الکتاب متطلبات المقرر العلمی بالخطة الدراسیة، ویقود محتوى الکتاب الطالب إلى الحقائق العلمیة المقررة فی ذلک المقرر محققًا أهداف المقرر وغایاته (19، ص430)، فلابد من وجود تکامل وترابط بین أهداف کل من الکلیة التی تُقدم المقرر والقسم المسئول عن تدریس المقرر والتوصیف الموضوع لذلک المقرر ثم توافق الکتاب الموضوع بأبوابه وفصوله المختلفة مع خطة المقرر وتوصیفه (40، ص457) .

  وهذا یؤکد ضرورة مراعاة الکتاب الجامعی لحاجات المجتمع کمصدر أساسی عند تحدید الهدف العام للکتاب، ثم اختیار المادة العلمیة التی تحقق اشباع تلک الحاجات عند تحدید مفاهیم وموضوعات الکتاب فی صورتها المبدئیة أو ما یُطلق علیه توصیف الکتاب، ثم یتم التعرف على حاجات المتعلم فی المادة العلمیة التی ستُقدم له (35، ص376)، ومن دواعی توافق الکتاب والمقرر المحدد ضرورة التأکد من تخصص المؤلف، ومکانته العلمیة، وخبرته، وقد یکون من الأجدر تکلیف مجموعة بحثیة للتألیف المشترک لإنجاز هذا الکتاب، وهذا أدعى وأفضل للتجوید واستکمال جمیع مفردات المحتوى العلمی أو تدارک أی ملاحظات فی الأسلوب والصیاغات .

 

2ـ مناسبة محتوى مقدمة الکتاب للغرض منه:

لابد أن یحتوی الکتاب الجامعی على مقدمة شاملة توضح للطالب الأهداف العامة للمقرر، ولماذا یتم تدریس هذا المقرر له فی هذا التوقیت، أی إبراز أهمیة هذا الکتاب للطالب فی تخصصه، کما تطرح المقدمة فکرة موجزة عن محتویات الکتاب الجامعی بشکل عام، وتوضح الفصول والأبواب المختلفة لهذا الکتاب، وتُقدم أسلوب تنظیم الکتاب وطریقة عرض محتواه، کما ترشد الطالب إلى الطرائق والأسالیب المناسبة لتناول مادة أو محتوى الکتاب، أی تُقدم إرشادات لمساعدة الطالب على تعلم الکتاب، کما تُشیر المقدمة للمبادئ النفسیة والتربویة التی روعیت فی تنظیم المادة العلمیة للکتاب، وکذلک تُظهر المقدمة مصادر التعلم المساعدة فی توظیف مادة الکتاب، وأیضًا تشیر إلى علاقة الکتاب الحالی بالکتب السابقة فی مجال التخصص (52، ص397) (40، ص456) .

3ـ مناسبة المحتوى العلمی للکتاب الجامعی للهدف الذی وضع من أجله:

حتى یحقق المحتوى العلمی للکتاب الجامعی الأهداف العامة للمقرر لابد من       ترجمة هذه الأهداف إلى مادة تعلیمیة من شأنها تحقیق الأهداف العامة، لذلک لابد أن یحتوى الکتاب الجامعی على (المعارف) والتی بدونها لا یمکن أن تتحقق الأهداف،        لکنها کثیرة ومتنوعة، وعلى محتوى الکتاب أن یضم أنواع منها، مثل: البیانات الخام، والحقائق، والمفاهیم، والمصطلحات الأساسیة الصحیحة والتی بدونها لا یمکن          فهم العناصر المعرفیة المختلفة، وکذلک التعمیمات والمبادئ العامة، والقوانین الرئیسیة، وکذلک النظریات والأفکار التی تُساعد على تکوین علاقات صحیحة مع العالم المحیط، وأیضًا جملة من المهارات العقلیة والعملیة، فلکل مقرر أو مادة مهاراتها وقدراتها الخاصة: کالقدرة على التصنیف، والتحلیل، والنقد، ووضع المخططات، واستخدام المراجع والبحث (2، ص65)، وذلک حتى نصل إلى معاییر الکتاب الجامعی الجید الإعداد، والذی عرفته (آرم برستر Armbruster) بأنه الکتاب الذی یُقرأ محتواه ویُفهم بأقل مجهود زمنی ومعرفی (50، ص105) .

 

 

    ومن مواصفات المحتوى العلمی الجید للکتاب الجامعی دقة وصحة المعلومات العلمیة الواردة فیه، وکذلک حداثتها، ومناسبتها لآخر التطورات العلمیة فی مجال المقرر الذی وضع له الکتاب، وأیضًا التوفیق بین الجانب النظری والجانب العملی وفقًا لطبیعة المادة أثناء تقدیم محتوى الکتاب، مُلبیًا لحاجات المتعلمین، ومراعیًا لمستویاتهم؛ حتى یستفیدوا مما تعلموا عندما یمارسون مهنهم المختلفة، وکذلک من الضروری توافق بنود المحتوى مع بنود المقرر أو التوصیف، وأن تُغطی موضوعات الکتاب الجامعی جمیع مفردات المقرر، مع وجود الترابط والتکامل لأجزاء المحتوى مع بعضها بعضًا، وأیضًا مراعاة تسلسل عرض المعلومات وترابطها وإمکانیة تنفیذ المحتوى والاستفادة منه فی الواقع المعاصر (40، ص457)، وهذه اعتبرها البعض نوعًا من (المصداقیة) لمحتویات الکتاب الجامعی، فلابد من تقدیم معارف تتناسب وبیئة ومجتمع تقدیم الکتاب، فلا تُقدم موضوعات یکون الهدف الأساسی منها خدمة المجتمع، أو التطبیق داخل المجتمع، وهی بعیدة کل البعد عن حال المجتمع وواقعه وبیئته ومناخه کما یحدث فی بعض الکلیات التطبیقیة کالزراعة ـ على سبیل المثال ـ ووجود کتب کثیرة تتناول بیئات مخالفة لبیئة مجتمع الدراسة، ولا یمکن الاستفادة أو تطبیق التجارب الخاصة بهم على البیئة المحلیة المختلفة         (8، ص159) .

کما أن المحتوى العلمی الجید یکون قادر على قیادة الطالب للحقائق العلمیة التی یهدف إلیها المقرر، وکذلک یشتمل على بعض الحالات والأمثلة المعاصرة المتعلقة بموضوعات المقرر، وکذلک مراعاة محتوى الکتاب لخصائص المجتمع الثقافیة والاجتماعیة والدینیة، وکذلک اشتمال محتوى الکتاب على قراءات مساعدة إضافیة، مما یدعم قیادة الطالب إلى الاعتماد على النفس فی عملیات التعلم (52، ص401)، ومن الضروری أیضًا الاحاطة بکل ما له صلة بالموضوع؛ حتى تکتمل الصورة، ویتحقق الهدف، ولایکون هناک نقص أو قصور فی الإتیان بالضروریات، والقضایا التی یتوقف إدراکها على بعضها بعضًا، فی ظل واقعیة أصبحت ضروریة تفرض ضرورة الابتعاد عن المسائل والأفکار التی بادت ولم یعد لها وجود (54، ص254)، أی شمول المعلومات الأساسیة والحقائق التی من الضروری أن یتضمنها المقرر الدراسی دون الاستطراد فی موضوعات لا لزوم لها فی عرض محتویات المقرر .

 

 

ومن الضروری مراعاة تصمیم المحتوى العلمی وفق مواصفات وخصائص تهتم بتحلیل محتوى المادة أو المقرر الدراسی، وتحدید أهدافه وترتیبها، مع وضع محکات للأداء وأدوات للقیاس، وتحدید للأحداث التعلیمیة وطرق عرضها، وطبیعة الأمثلة المتخذة فیها، وتقسیم المحتوى إلى أجزاء حسب طبیعة کل کتاب، وسعته، والموقف التعلیمی المقدم فی إطاره (15، ص139)، واتباع نموذج یتم فی ضوءه تقدیم محتوى الکتاب مثل النموذج الذی وضعته (نادیة بکار) لتنظیم وعرض المحتوى من خلال خطوات تبدأ باختیار المعلومات، ثم بناءها على هیئة متماسکة، فی ظل توحید وتنظیم وتکامل لها، وفی ظل نظریات منها: نظریة الأفکار الرئیسیة، وهی جملة تکون أساس للموضوع، تدل القارئ على ما تشیر إلیه معظم الجمل فی الموضوع، مثل العناوین الرئیسیة والفرعیة، وکذلک نظریة أنماط النص کأن یلتزم المؤلف فی ترتیب الأحداث والمعلومات، مثلاً یعرض السبب ثم النتیجة، وهو ما یُعبر عنه بنمط (السبب/ النتیجة)، أو نمط (التعریف/ الأمثلة)، ونظریة التوضیح من خلال عرض المعلومات بشکل واضح لیس ضمنیًا، ونظریة المنظم المتقدم التمهیدی وهی عبارة عن مادة مصاغة بشکل مألوف للطالب فی صورة بصریة قد تکون خرائط مفاهیم، أو رسم تخطیطی أو بیانی تسبق النص المکتوب، وتعبِّر عن العرض الفعال أو قوة العرض الذی یسمح          للطالب رؤیة علاقات جدیدة، وأن یجد روابط بین حقائق تبدوا لأول وهلة منفصلة تمامًا (50، ص ص 110: 124) .

  وکذلک من الضروری (تعدد المحتوى) ـ بمعنى وجود اطناب وإسهاب للمتعلم المتعثر ـ؛ نظرًا لما یوجد بین المتعلمین من فروق فی القدرة العقلیة، وفی القدرة على التحصیل أو فی الخلفیة المعرفیة، فیعد محتوى الکتاب على مستویات مختلفة من حیث الصعوبة والتعمق، بحیث یجد کل متعلم المادة العلمیة التی تناسب قدراته، وهذا یتطلب تحدید الحد الأدنى من الأساسیات التی یتعین على کل طالب إجادتها؛ لتکون هی المستوى الأساسی الذی یشترک فی تعلمه الجمیع لیحققوا أهداف الکتاب، ثم بعد ذلک یشتمل الکتاب أیضًا على مستویات أکثر تعمقًا تُتیح للطالب النابه أن یُشبع رغبته فی التعمق، وتتحدى فضوله (35، ص378)، کما یُفضل أن یشتمل المحتوى على معارف ومهارات تنمی النشاط الإبداعی عند الطلاب؛ لأن قوة الإبداع لا ترتبط بحجم المعرفة، فهناک من یعرف القلیل ولکنه یعمل بإبداع یفوق ذلک الذی یمثل موسوعة معارف؛ لأن الفرد إذا تدرب على استیعاب المعارف الجاهزة وبشکل مفصل دون أن یتدرب على أن یفکر بشکل مستقل لن یستطیع إظهار مواهبه، وهذا یتطلب اهتمامًا خاصًا بالنشاط الإبداعی (2، ص66) .

 

 

 

   ومن الواجب أن یتناسب المحتوى العلمی للکتاب الجامعی مع عدد الساعات المحددة للمقرر، وأن یتم التحقق من ذلک تجریبیًا، وأن یتضمن ما یُحفز الطلاب على التفکیر بمختلف أنواعه، وکذلک احتوائه على العدید من الأنشطة المتنوعة ذات الصلة بالمقرر المحدد بعضها اختیاریة وبعضها اجباریة داخل المقرر بشکل متنوع یتوافق مع الاختلافات فی أسالیب تعلیم الطلاب، وصالحة لمن یُقدم لهم الکتاب، ومتفقة مع مفاهیم وأهداف الکتاب، وأیضًا مراعاة استغلال مصادر المعرفة والتعلم المتوفرة فی البیئة المحلیة، حتى یکون الکتاب الجامعی معین للطالب على حُسن فهم ما یقدم له بالمحاضرات، وینمی أسلوب التعلم الذاتی لدیه، ویزید من قدرته على البحث والاستقصاء (5، ص207)، ومن الأجدر أن ینسجم محتوى الکتاب الجامعی مع المقررات الدراسیة الأخرى التی تُقدم فی نفس المجال أو التخصص؛ حتى یتشکل لدى الطالب معرفة متکاملة بقضیة معینة تعالجها هذه الکتب؛ وحتى تنمو الاتجاهات الإیجابیة لدى الطلاب فی تعاملهم مع مصادر المعرفة المتعددة .

  ومن ضمن خصائص المحتوى الجید أن یکون محتوى الکتاب مطابقًا لعنوانه، وأن یتضمن الکتاب مجموعة من الأسئلة والتمارین والتدریبات الخاصة بکل فصل من فصول الکتاب، کنوع من التقویم المتصل اتصالاً مباشرًا بالأهداف التی تم تحدیدها وصیاغتها منذ البدایة، وأن تُغطی هذه الأسئلة والتدریبات جمیع بنود الفصول والأبواب المختلفة للکتاب، مع ضرورة احتواء کل فصل من فصول الکتاب على خلاصة واضحة له، بالإضافة إلى الخلاصة النهائیة للکتاب ککل، وأن یظهر جلیًا توثیق جمیع المعلومات الواردة بالکتاب بکل دقة وأمانة، وأن یحتوى الکتاب على الحواشی التفسیریة الضروریة (2، ص66) .

    ثانیًا – من حیث التنظیم:

1ـ وحدة ترتیب محتویات الکتاب ومرونته:

   أی ترتیب موضوعات الکتاب التی سیدرسها الطالب فی ضوء الأهداف المرسومة، فی شکل مترابط، وأن کل حلقة أساس لما بعدها من الحلقات بشکل متسلسل، من الأسهل إلى الأصعب، ومن البسیط إلى المعقد، ومن الجزء إلى الکل، ومن القدیم إلى الحدیث، وهذا الترتیب والترابط والتکامل فی المعلومات والمعارف المقدمة یعنی وحدتها، أی تنظیم خبرات الکتاب بصورة تتضح فیها العلاقات بین الموضوعات المختلفة التی یتکون منها الکتاب، وکذلک الاستمراریة فی تعلم موضوع ما فی أوقات متتابعة، وبصورة أکثر عمقًا، وأکثر توسعًا، وأن یکون محتوى الکتاب قابلاً لاستیعاب المزید من المعلومات إذا ما رأى عضو هیئة التدریس ضرورة لذلک، وأن یکون قابلاً للتغییر والتعدیل بما یناسب آخر التطورات البحثیة والعلمیة (2، ص 67).

 

2ـ سلامة اللغة الأسلوب ومناسبة طریقة العرض:

  مقرر معقد، مقرر سهل ممتنع، موضوعات الکتاب غیر واضحة ....، عبارات یرددها الطلاب کل فصل دراسی، وهذه العبارات لها علاقة کبیرة بأسلوب عرض المحتوى العلمی للمقرر، واللغة المُقدم من خلالها المقرر، والتی قد لا تتناسب والمخزون المعرفی لدى الطلاب .

  لذلک فمن معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید: وضوح الأسلوب، ودقة الکلمات، ومعاصرتها، وحسن اختیار طریقة العرض، والبعد عن الاستطرادات کثیرًا، فإنها وإن اقتضت ظروف المحاضرة الإنجرار إلیها أحیانًا، فإنها معیبة فی الکتاب الجامعی إلا إذا احتاجت المسألة مزید بیان، فیحسن التذکیر بذلک فی الهوامش أو الحواشی (54، ص254)، فلابد من الترکیز على تقدیم المعلومات بشکل واضح، وممتع، ومشوق عند قراءته، فبالإضافة لحداثة الحقائق وصحتها فإن طرائق عرضها یجب أن تصل بالطالب إلى أقصى درجة من التمکن لهذه المعرفة وفهمها فهمًا علمیًا یساعده على توظیفها فی الحیاة، وذلک من خلال عرضها بأسلوب مشوق مبسط یتوافق مع قدرات الطلاب (19، ص424) .

   ومن الضروری أن یثیر عرض محتوى الکتاب النشاط الفکری للطلاب، ودافعیتهم للتعلم من خلال لغة سهلة الفهم، تراعی البنیة المنطقیة والنفسیة فی تقدیم المعارف، مع تعریف بسیط للمصطلحات والمفاهیم والمبادئ العلمیة الأساسیة عند ذکرها لأول مرة؛ حتَّى یسهل على الطلاب تتبع موضوعات الکتاب، مع مراعاة الفروق الفردیة بین الطلاب          (52، ص403)، أی یراعی الکتاب (التطویع السیکلوجی لمحتوى المقرر)، وهذه یدخل فیها محاولة الابتعاد عن الصعوبة اللغویة بالنسبة لمستوى الطلاب خاصة فی المراحل الجامعیة الأولى، والتی تتعرض لبعض المفاهیم والفِکَر المجردة التی یحتویها الکتاب، والتی تحتاج أمثلة واقعیة محسوسة، وتحتاج الاقتراب من معجم الألفاظ الخاصة بالمتعلمین فی بدایات المرحلة الجامعیة (37، ص2) .

  ویجب أن تتصف لغة الکتاب الجامعی بالسلامة اللغویة، وخلوه من الأخطاء الإملائیة أو القواعدیة، ووضوح العبارات، ودقة التعبیر، والإیجاز، ووضوح الدلالة، وخلو الکتاب من الأخطاء المطبعیة .

 

 

3ـ مناسبة الکتاب لخصائص ومستوى الطلاب بالمرحلة الجامعیة:

        من الضروری أن یتناسب الکتاب الجامعی مع خصائص المرحلة الدراسیة الجامعیة التی یُقدم فیها الکتاب، باعتباره الوعاء المهم لمحتویات المقرر المقدمة للطلاب، وکذلک من الواجب أن یتناسب مع مستوى نمو الطلاب وقدراتهم العقلیة، کما یحفز الطلاب على التعلم الذاتی، ویتحدى الطلاب المتفوقین ویحفزهم للمشارکة والتعلم، وکذلک یساعد ضعاف الطلاب على التعلم والتقدم (49، ص43)، کما یحتوی إشارات تسهِّل تتبع الطلاب لموضوعات الکتاب لسهولة الفهم والتحصیل، مع تقدیم أمثلة تناسب التدریب الفردی المستقل للطالب، ومن الضروری أن یکون حجم الکتاب ووزنه وسعره مناسبًا، ولا یُشکل عبئًا على الطالب، ویمکنه من حمله، والاحتفاظ به أثناء المحاضرات، وبقاعات الدرس، کما یمکن للطالب الاستفادة به لاحقًا فی دراسته أو حیاته العملیة، وکذلک یتحدى قدرات الطلاب العقلیة لیستثیر لدیهم مزید من الاطلاع والمعرفة فی إطار لا یتعارض مع قیم المجتمع وعاداته (19، ص435)، ومن الضروری أیضًا محاولة التوازن بین الکلفة والنوعیة، رغم أنها معادلة صعبة إلا أن محاولات الجامعات العربیة لدعم الکتاب الجامعی تحاول تقریب هذه الفجوة؛ حتى لا یکون قلة السعر على حساب کیفیة وجودة المنتج النهائی وهو الکتاب؛ وکذلک حتى یظل الطالب قادرًا على الحصول على الکتاب الجامعی الجید دون عناء .

     ثالثًا – من حیث إخراج الکتاب الجامعی:

أظهر (کلیفتون Clifton) أنه من الخطأ الکبیر أن یکون مؤلف الکتاب خبیرًا فی المحتوى العلمی، ولا تتوفر لدیه الألفة بمبادئ تصمیم وإخراج الکتاب (56، ص10)؛ لأنه من الناحیة العملیة لا یستطیع المصمم إنتاج وإخراج الکتاب بشکل مناسب دون فهم القضیة المحوریة التی یتناولها الکتاب، وخصائص من یُقدم لهم الکتاب؛ لذلک لابد لمؤلف الکتاب من توافر ألفة بمبادئ التصمیم والإخراج، وإلمام بکل عناصر الجذب والتشویق التی تعین على تحقیق الأهداف الجوهریة من وراء الکتاب الجامعی، ولا غضاضة فی الاعتماد على فریق متکامل فی إعداد الکتاب الجامعی، لکن جمیعهم لدیه خبرة بالتخصص والمحتوى المطلوب تقدیمه؛ حتى یؤدی ذلک فی النهایة إلى إنتاج کتاب ذی نوعیة جیدة، وفیما یلی مجموعة من الاشتراطات أو المواصفات حتى یتصف الکتاب بالإخراج الجید .

 

 إن الهدف الرئیس لتنظیم وإخراج الکتاب بشکل جید هو الإسراع بعملیة الاتصال بین المؤلف والمتعلم ـ الطالب ـ  ولتحقیق ذلک لابد أن یکون تصمیم الکتاب واضحًا وبسیطًا، ولیس مصدرًا للالتباس، وثبات واستمراریة التفاصیل، وتصمیم الطباعة فی مختلف الصفحات (58، ص280)، وکذلک الاعتماد على الدلالات الطباعیة والفراغیة مثل التسلسل الهرمی البنائی لرؤوس الموضوعات، والعزلة الفراغیة للمفاهیم الرئیسیة عن تعلیقات النص الرئیسیة، واستخدام الدوائر المصمته الصغیرة فی الموضوعات الرئیسیة والشرط للموضوعات الثانویة داخل أجزاء النص، أی الاهتمام بنظام الترقیم، والاعتماد على الحروف المائلة، أو الأسود السمیک، أو الحروف الکبیرة فی الإشارة إلى بعض النقاط التی یجب التأکید علیها، وکذلک التوظیف الجید للألوان مع عدم المبالغة فی الاعتماد علیها (35، ص392) .

والموجهات Signposts من الوسائل المهمة التی تُستخدم لتوجیه المتعلم داخل الکتاب وهذه الموجهات قد تکون لفظیة فی شکل عبارات توجیهیة، أو مصورة، أو مرسومة لها مدلول معین یتم الاتفاق والإشارة إلیه فی بدایات الکتاب، وهذه الموجهات تُضفی بعض الحیویة البصریة، والجاذبیة الشکلیة للکتاب، وتُسهم فی تجزئة المادة المعروضة على نحو مریح للمتعلم، وتوجهه باستمرار إلى أین یذهب فی الوقت المناسب (35، ص393)، أما الملخصات والمراجعات Sumaries and Review التی تقدم داخل الکتاب بعد کل جانب من جوانب أو فصول الکتاب من الوسائل المهمة التی تساعد المتعلم على التحصیل والإلمام بالنقاط الأساسیة، وتوجز المادة العلمیة التی یتم عرضها، ویجب أن ترتبط الملخصات بالأهداف التعلیمیة، ولا تتعرض لموضوعات لم ترد فی الوحدة أو الفصل، وتأتی فی شکل نقاط أو فقرات قصیرة (15، ص164) .

ومن الوسائل التی تُمکِّن الطالب من الکتاب الجامعی وجود دلیل للمصطلحات؛ لأن مدلول الرموز اللفظیة یجب أن یکون محددًا، لکی تکون هناک لغة مشترکة للتفاهم والتواصل بین الأستاذ والطالب، فیحتوى دلیل المصطلحات على تعریف مختصر لکل مصطلح جدید ورد فی موضوع التعلم، ویذکر فی مقابل کل مصطلح المقابل له فی اللغة الإنجلیزیة إذا لزم الأمر، مع ترتیب المصطلحات بشکل واضح (15، ص164) .

 

 أما الأشکال التوضیحیة والصور والرسومات والجداول فهی فی غایة الأهمیة لنجاح الکتاب فی تحقیق أهدافه، فهی عناصر تُستخدم للتوضیح، وإظهار الحقائق، وجذب انتباه الطالب، فهی تضم فی تکوینها العدید من المعانی والأفکار، ومن الواجب تخصیص مساحات مناسبة لها داخل الکتاب إذا اقتضت الحاجة لذلک، وفی حال وجودها لابد من اختیارها بشکل صالح یظهر فیه الارتباط الوثیق بین الهدف منها ومحتواها وتکوینها؛ لأن الصورة تُکمل الکلمة، وتساعد فی أحیان کثیرة على قراءة النص اللفظی، ومن الضروری الانتباه إلى تحدید موقع الشکل أو الصورة والرسمة من الصفحة أو الموضوع حسب دورها فی إظهار الفکرة، مع تحدید أرقام الأشکال تحدیدًا دقیقًا یسهل إرشاد القارئ إلیها  (35، ص416) .

 ومن الضروری وجود قائمة بالمحتویات أو فهرس لمحتویات الکتاب دقیق، وواضح، ومرتب، ومطابق لمحتوى الکتاب وأرقام صفحاته، وکذلک فهرس للأشکال والصور والجداول وکذلک وجود الملاحق الأساسیة للکتاب، وأیضًا مع ضرورة توثیق المعلومات الواردة بکل دقة وأمانة لابد أن یتضمن الکتاب قائمة بالمراجع والمصادر التی اعتمد علیها داخل الکتاب، وکذلک قائمة بالمراجع والمصادر الإضافیة التی یمکن الرجوع إلیها من قِبل الطالب، والتی من شأنها توجیه الطالب ومساعدته فی فهم مفردات المقرر         (2، ص66) .

 أما عن واجهة الکتاب أو غلافه والصفحات التابعة لها حتى بدایة الفصل الأول أو بدایات متن الکتاب فهی مهمة بشکل کبیر؛ لأنها تصف الکتاب، فهی تحتوى اسم الکتاب وعنوانه، والإصدار، وحقوق الطبع والنشر، والإهداء، والتقدیم لبیان أهمیة الکتاب، وبعض القوائم المهمة، مثل: قائمة المحتویات أو الأشکال أو الجداول، ومن الضروری أن یتوافق عنوان الکتاب مع محتواه .

 أما حجم الکتاب ـ سواء من خلال طوله أو عدد صفحاته وأبعادها ـ فإن الغالبیة العظمى من الکتب لها حجم موحد هو الحجم الثمانی Octavo ، وهو لا یزید عن 25 سم فی الطول، أما عدد صفحاته فلیست محددة بعدد واضح، إلا أنه من الضروری إحتواء الکتاب على أهداف کل فصل بإطار نظری وتدریبات واختبارات ذاتیة تساعد الطلاب على أن یتعلموا ویختبروا أنفسهم، وهناک بعض العناوین التی تُطبع فی کل الصفحات کعناوین متکررة مثل عنوان الکتاب أو عنوان الفصل وهذه من مکونات الإخراج الفنی للکتاب الجید، والتی من ضمنها أیضًا مقاس العناوین الرئیسیة والفرعیة ـ فطلاب المرحلة الجامعیة یتناسب معهم بنط 14 فی متن الکتاب

 

و12 للهوامش ـ ولون الخط المکتوب بها، وأیضًا من الضروری ترقیم الکتاب کله سواء فی أسفل الصفحات أو أعلاها، ومن المهم أیضًا إخراج اللغة اللفظیة وظهور الحروف والکلمات بشکل واضح ییسر تحقیق الهدف، وذلک فی ظل اختلاف أشکال رسم الحرف واختلاف عرضه وکثافته ومقاسه، والمسافات المناسبة بین حروف الکلمة الواحدة أو الکلمات بعضها بعضًا، أو المسافات بین السطور والفقرات           (35، ص ص 403: 413)؛ لأنه من الضروری مناسبة طول السطر وخصائص الطلاب فی تلک المرحلة لوجود علاقة بین طول السطر وسرعة القراءة، فالطول المناسب شرط لسرعة القراءة، "فالطول المناسب للسطر لطلاب التعلیم الجامعی یتراوح بین 10.5 – 11.5 سم، وأن یکون عدد الأسطر فی الصفحة ما بین 23- 25 سطرًا" (2، ص67)، هذا علاوة على الاهتمام بطریقة تثبیت غلاف الکتاب وجودة نوع الورق المستخدم سواء غلاف الکتاب أو متنه .

    مشکلات وصعوبات وتحدیات تُضعف الدور الإیجابی للکتاب الجامعی:

 رغم أن هناک مواصفات ومعاییر ومحکات ترسم صورة للکتاب الجامعی الجید إلا أن العدید من العوامل والتحدیات والمشکلات تواجه بل تمنع العدید من الکتب الجامعیة من الاتصاف بتلک المعاییر، سواء کان ذلک سببه صعوبات ومشکلات تواجه الجامعة والقسم نفسه، أم تواجه عضو هیئة التدریس المسئول عن التألیف والإعداد، أم الطالب الذی یحمل بین یدیه هذا الکتاب أم المنتج النهائی .

 ففی کثیر من الأحیان لا یغطی الکتاب الجامعی جمیع مفردات المقرر الدراسی کما ترد بالخطة الدراسیة للطالب، مما یؤثر فی مدى إلتزام وترابط الطالب بالکتاب الجامعی (27، ص 375)، بل قد یجعله یلجأ إلى المذکرات والملخصات التی تجمع جمیع موضوعات المقرر الدراسی، مما أدى لطغیان هذه المذکرات والملخصات على وجود وانتشار الکتاب الجامعی رغم کثرة أخطاءها، وهذا بالإضافة إلى "قلة حداثة المعلومات العلمیة الواردة بالکتاب الجامعی، ومواکبتها للتغییر والتطویر، وقلة احتواء الکتاب الجامعی على أمثلة توضیحیة تطبیقیة، فکثیر من الکتب الجامعیة لا تتم مراجعتها بشکل دوری، بل تتکرر کما هی لأکثر من عام، دون تغییر أو تعدیل، بالإضافة إلى الإخراج السیئ لبعض الکتب سواء نوع الورق أو حجم الخط وغیره، وکذلک عدم مناسبة سعر الکتاب الجامعی المقرر فی کثیر من الأحیان" (19، ص446) .

 

أما عن الجهة المسئولة عن تحدید وإعداد الکتاب الجامعی فهناک عدة اتجاهات تُسبب کل منها مشکلات وضعف للکتاب الجامعی، فأحیانًا یشارک جمیع الأساتذة المشترکین فی تدریس المقرر فی إعداد الکتاب مما ینتج عنه ـ أحیانًا ـ قلة التناغم المثمر بین مؤلفی الکتاب مما یُلاحظ معه تکرار بعض المعلومات الأساسیة فی مقدمات الفصول، أو تباین المصطلحات التی یعتمدها کل مؤلف، واختلاف            الأسلوب والصیاغة، وأحیانًا اختلاف الآراء العلمیة حول ظاهرة أو قضیة محددة         (8، ص162)، وأحیانًا یُقدم کل أستاذ مسئول عن تدریس مقرر کتاب جامعی بمفرده، وهذا قد لا یتلاءم مع الأعضاء الجدد مهما کانت رتبتهم العلمیة، فقد یکون الأستاذ مکلف بتدریس العدید من المقررات مما یتبع ذلک إلزامه بإنتاج الکتب الجامعیة بصورة سریعة، وخلال فترات زمنیة قصیرة، مما یؤثر على المتطلبات الأساسیة التی ینبغی أن تتوفر فی الکتاب الجامعی، فی ظل نقص خبرات إنتاج الکتاب الجید، ودون استشارة متخصص التصمیم والإنتاج (35، ص348)، لذلک عدم وجود أو ضعف الآلیة المتبعة بالقسم الأکادیمی فی تحدید مسئولیة إعداد الکتاب الجامعی لکل مقرر دراسی تُعد مشکلة کبیرة أمام جودة الکتاب الجامعی .

هذا بالإضافة إلى ضعف حوافز التألیف والإعداد للکتب الجامعیة، فالعدید من الأساتذة ترى أن التألیف لا یحظى بسیاسة وقوانین تحکمه، مما یجعل ذلک لیس هدفًا مبتغى لدى کثیر من الأساتذة، بل بعضهم یجد قیود تکبله فی إعداد الکتاب الجامعی من غیر المتخصصین فی المجال، تفرض علیه أحیانًا عدد محدد من الصفحات التی لابد ألاَّ یزید الکتاب عنها، مما یجعل بعضهم یقتضب فی معالجة موضوعات مهمة لاستیفاء کامل المقرر، مما یُحد أحیانًا من فرصة إبداع الطالب (13، ص41)، والتی کان من الأجدر أخذ رأی القسم أو المؤلف أو المعد فی العدد المناسب للکتاب قبل إلزامه بذلک، بالإضافة لصعوبة الحصول على العدید من المعلومات والبیانات من مصادرها تحت دعاوى عدیدة تصب کلها فی خانة المنع .

أما الطالب نفسه وبسبب رکُونه للمذکرات والملخصات الهزیلة، المصاغة بأسالیب لیست علمیة، ضعفت لغته، وقدرته على القراءة الصحیحة، وتحولت الکتب الجامعیة إلى مصدر قلق له، وصعوبة فی القراءة والفهم، وهذا ما أکدته           (ویلثر Walther) فی تناولها للتحدیات التی تواجه الکتاب الجامعی ومنها ما هو مصدره الطالب صاحب القدرة الضعیفة على القراءة، والذی لابد من مساعدته على التعامل مع الکتاب الجامعی والقراءة فیه بطریقة فعالة (63، ص5) .

 

 

     محاسن ومساوئ الاعتماد على کتاب جامعی واحد أو أکثر من مرجع للمقرر الواحد:

  تضاربت الآراء بین المسئولین وأعضاء هیئة التدریس وکذلک الطلاب حول جدوى الاعتماد على کتاب جامعی واحد للمقرر أم الاعتماد على أکثر من کتاب وأکثر من مرجع للمقرر الواحد، فی ظل ازدیاد أعداد الطلاب، وضیق مکان تلقی العلم، وقلة الوسائل والأدوات، وفیما یلی توضیح لمحاسن ومساوئ کلا الفعلین .

  فمن محاسن وإیجابیات الاعتماد على کتاب جامعی واحد للمقرر الدراسی: تیسیر المادة العلمیة فی کتاب یضم أساسیات العلم للطلاب؛ لمساعدتهم بعد ذلک على تحصیل العلم من مصادر متعددة، کما أن هذا الکتاب یُعد مصدرًا للمعلومات یمکن أن یرجع إلیه الطالب، فهو وسیط منظم للتعلم المتسلسل، به الأفکار والقضایا الأساسیة، ومصطلحات العلم الذی یعالجه، والأمثلة التوضیحیة التی تجلی الأفکار، والجداول والأشکال التی تحمل البیانات، والتدریبات التی تُمکن الطالب من إتقان المهارات (5، ص205)، کما أنه یحدد ویُقدم المعلومات المرغوب تعلمها للطالب، والتی یحویها المنهج المقرر، کما یساعد الطالب فی الانتقال من موضوع إلى آخر، ومن فکرة إلى أخرى، دون تشتیت للطالب فکریًا ومنهجیًا، کما یساهم فی الحفاظ على تکافؤ الفرص بین المتعلمین، ومساعدة الطالب على الاطلاع المنظم، مع توحید الثقافة العامة للطالب، ویسهل علیه عملیة الحصول على المعلومات والمحتوى، کما إنه یسهل عملیة التفاهم والتنسیق بین أعضاء هیئة التدریس الذین یدرسون المقرر نفسه ، ویسهل عملیة التدریس، وتحدید أبعاد المحتوى، کما أنه یتلاءم مع نظم الاختبارات السائدة، وطرق تعاملها مع المعرفة المقدمة بالمقررات، کما یرى البعض أنه أقل تکلفة من الأسالیب الأخرى الداعمة للاعتماد على المراجع المتعددة لکل مقرر دراسی (2، ص70) (21، ص51) .

  أما عن سلبیات ومساوئ الاعتماد على کتاب جامعی واحد لکل مقرر: فیرى بعض أن الاقتصار على کتاب واحد محدود الصفحات لکل مقرر، وإلزام عضو هیئة التدریس التقید به عند تقویم الطالب یؤدی ذلک للحد من الأفق العلمی للطالب، الذی لم یکد یرى اختلافًا بین التدریس الجامعی والتدریس فی مراحل التعلیم السابقة علیه، وبذلک یؤکد الکتاب الجامعی الواحد على اکتساب المعرفة فقط دون التأکید على الخبرات والمهارات التی یصعب معها ـ من وجهة نظرهم ـ قیاسها فی عملیة الاختبار، کما یرکز الکتاب

 

الواحد على أن یُعرِّف المتعلم عن الأشیاء أکثر من اهتمامه بمعرفة الأشیاء نفسها وممارستها، فبالرغم من العناء والجهد المبذولین فی إعداد الکتاب الجامعی إلا أنه محدود من وجهة النظر التی یقدمها، ومحدود فی محتواه، فهو لا یقدم للمتعلم الکثیر من وجهات النظر فی المشکلة الواحدة، فلا یوسع أفاقه، ولا یساعده فی تنمیة قدراته على معالجة المشکلات، فالکتاب الجامعی لا یقدم للمتعلم مشکلات تثیر فیه التفکیر أو تحثه على البحث والدراسة والاطلاع، فهو یحصره فی دائرة محدودة من المعارف والأفکار والمعلومات وبعض المهارات (2، ص70، 71)، وبالتالی تقل فرص التفکیر الناقد لدى الطلاب، وکذلک فرص الإثراء القرائی الذی هو التربیة الحقیقیة لسعة الأفق، والابتکار، وممارسة حریة التفکیر، ودیمقراطیة التعبیر، والتحول إلى الاعتماد على السرد والتلقی والحفظ والاستظهار .

     ومن مساوئ الاعتماد على کتاب جامعی واحد ـ أیضًا ـ تحویل الطالب أو المتعلم إلى متلقی سلبی، لا یبذل مجهودًا فی جمع المادة العلمیة التی من المفترض أنه مکلف بالبحث عنها وبحثها، ویقرِّب الکتاب بذلک الطالب إلى ما یسمى بداء اللفظیة، حیث یحفظ الطالب ما یُقدم له لیقدمه فی الاختبار دون إتقان وتفکیر ثم ینساه            (20، ص273)، وبذلک یقتل الکتاب الواحد روح البحث العلمی، ویُحد من الاطلاع الخارجی، ویحصر الطالب فی مجال واحد دون الاطلاع على وجهات نظر أخرى، محددًا بذلک ما یُقدم للطلاب دون حثهم على استخدام المکتبة، وجمع المعلومات والبیانات، والمطالعة الذاتیة التی تُثری الموقف التعلیمی، وتزید من دافعیة التعلم، کما أن الکتاب الواحد یضع الطلاب فی قالب واحد هو آراء وأفکار المؤلف، والتحیز لها دون الاطلاع على وجهات النظر الأخرى (21، ص52)، کما أن هذا الکتاب فی کثیر من الأحیان لا یتسق مع مفردات ومحتوى وأهداف المقرر المحددة من قبل، ویُحد من قدرة عضو هیئة التدریس على العطاء، ففی کثیر من المواقف لا یستطیع أستاذ المقرر إضافة موضوعات وممارسات غیر واردة بالکتاب المقرر، والذی قد یکون لیس من إعداده، أو أنه اشترک فیه مع زملاء آخرین، لذلک فکیف یمکن والحالة هذه أن یواکب الکتاب الجامعی التطورات العلمیة المتسارعة، ومازال فی جامعاتنا العربیة کتب تُدَّرس وقد مضى على تألیفها عشرات السنین (8، ص161)، کما أن الاعتماد على کتاب واحد یؤثر بالسلب على أستاذ المقرر الذی ینتابه ـ أحیانًا ـ کسل علمی لعدم اللجوء للمکتبات للبحث والتقصی فی ظل التطور الهائل للعلم کل یوم .

 

 

  لکن على الجانب الأخر فإن الاعتماد على أکثر من کتاب ومرجع للمقرر الواحد یساعد أستاذ المقرر على جعل طلابه على درایة تامة بما یُقدم لهم من قراءات تتناسب وقدراتهم الفردیة، وتحقق نوعًا من العدالة للمستویات المختلفة من التحصیل، وتوظیف خبرات وقراءات متقدمة، تشجع الطلاب على التحصیل، وتؤدی إلى إنجاز أفضل لهم، کما تُتیح لهم فرص التدریب والاستیعاب للعدید من المصطلحات العلمیة، واکتساب مهارات التعلم التی یتم التدریب علیها، ویعزز الدافعیة لدى ذوی التحصیل المنخفض، کما یعین الطلاب على الاطلاع على الأراء المتباینة للمؤلفین، وینمی لدیهم البحث والاستقصاء المستمر، ویقلل من عملیة تکرار المحتوى فی المناقشات المختلفة            (62، ص65) .

 لکن البعض یرى أن أکثر من مرجع وکتاب للمقرر الواحد له من المساوئ والسلبیات الکثیر، فهذا یسبب الکثیر من العناء والمشقة على طلاب الجامعة، فکل مقرر دراسی أصبح الطالب علیه اللجوء للمکتبات سواء فی الکلیات أو عبر المکتبات الإلکترونیة للحصول على محتویات ومفردات المقرر، ثم إعادة صیاغتها لفهمها والاحتفاظ بها، ویرى البعض أن ما قد یحصل علیه الطلاب قد لا یکون هو المطلوب بموضوعات المقرر، ویترتب على ذلک إخفاق الطالب فی الاختبارات، علاوة على کثرة المقررات التی یدرسها الطلاب والتی یصعب بل یستحیل ـ فی بعض الأحیان ـ على الطالب البحث والحصول على جمیع مفردات هذه المقررات، وبشکل صحیح وجید یسمح له بإتقان هذه المقررات، علاوة على غیاب القاسم المشترک بین الطلاب وأستاذ المقرر، والذی یمکن طرح النقاش حوله، فکلا منهم یحمل بین یدیه معلومات ومفردات قد تختلف بل تتضارب أحیانًا، وکل هذا بالطبع یؤثر على طبیعة عملیة التقویم، وعدم وجود إطار محدد تتم من خلاله^(*) .  

    لکل هذا کانت هناک آراء وأفکار لتطویر الکتاب الجامعی وتحسینه

    تطویر الکتاب الجامعی وتحسینه بجامعاتنا العربیة:

فی ظل الاهتمام بضرورة تطویر التعلیم الجامعی، وأنه من الحلول المُثلى لمواجهة التحدیات المستقبلیة المختلفة والتی على رأسها الإنفجار المعرفی، والذی یصعب معه على أی فرد متخصص أن یُلم بکل ما یُنتج من معارف فی مجال تخصصه، فإن تطویر طرق واستراتیجیات التدریس، والاعتماد على طرق وأدوات فعَّالة للتعلم أصبح ضرورة فی غایة الأهمیة ومن ذلک التعلم الذاتی، والتعلم بحل المشکلات، والتعلم المبرمج، وتفرید التعلیم، کل هذا یفرض على المقررات الدراسیة، والکتب الجامعیة ضرورة التطویر والتقویم المستمر.

وفی إطار ضرورة تطویر الکتاب الجامعی وتحسینه لابد فی البدایة الإلتزام بمعاییر الکتاب الجامعی الجید بکل عناصرها وبنودها، فی محاولة للخروج بمنتج جامعی لائق لتحقیق الهدف منه، وحتى لا نجعل المتعلمین مکتبات حیة متحرکة مما یتعارض مع أهداف الجامعة وغایاتها، وقد یتم ذلک من خلال تدریب أعضاء هیئة التدریس على تلک المعاییر (2، ص71)، مع ضرورة التأکید على أهمیة عدم الاکتفاء بکتاب واحد لکل مقرر دراسی؛ حتى تُتاح الفرصة للطالب للإطلاع على معالجات متنوعة فی الموضوع نفسه ، وعدم الارتباط بآراء وأفکار وخبرات مؤلفین بعینهم (21، ص55)، وکذلک عدم الترکیز على محتویات الکتاب الجامعی المقرر فقط فی قیام أعضاء هیئة التدریس بعملیة تقویم الطلاب؛ لمنح المراجع الأخرى أهمیة فی ذلک الموضوع .

وأیضًا وجوب إضطلاع مجالس الأقسام بالدور الرئیسی فی تحدید الکتب والمراجع للمقررات المختلفة التی تطرحها تلک الأقسام، ووضع سیاسة لتشجیع الأساتذة على التألیف فی المجالات العلمیة المختلفة، ووضع الحوافز لذلک، مع ضرورة إعادة النظر فی جوائز وحوافز التألیف؛ لتُصبح أکثر تعبیرًا عن الجهد الحقیقی المبذول، والغایة المحققة منه، وهذه ستُشجع وتُقدم دعوة لمؤلفی کُتب المقرر الواحد فی الأقسام العلمیة لتألیف المرجع العلمی الاختصاصی، الذی یشترک فیه کل الأعضاء حتى یخرج فی أفضل  صورة له، وحتى یسهل على الجمیع تحدیثه کل فترة قصیرة من الوقت، مع إغناء المکتبات الجامعیة بالکتب الاختصاصیة من أمهات الکتب العالمیة بلغاتها المختلفة التی ألفت بها (26، ص 150) .

کما إنه من الضروری إجراء مزیدًا من البحوث المتعلقة بتحلیل محتوى ومضمون الکتب الجامعیة المقررة؛ للتأکد من مدى تحققها للأهداف المطلوبة خاصة فی بیئتنا العربیة، مع تدریب أعضاء هیئة التدریس على أسالیب تقویم الکتب الجامعیة؛ حتى یمکن التغلب على بعض الهدر فی اختیار وإعداد الکتب الجامعیة، وإزالة جمیع الشوائب التی لا تزال تعانی منها بعض الکتب الجامعیة؛ حتى ترتفع بها إلى جدیة التقویم العلمی، وهذا علاوة على ضرورة عدم التقید فی الکتاب الجامعی المقرر بعدد معین من الصفحات، أو حجم محدد للمادة العلمیة طبقًا لعدد الساعات فی کل مقرر؛ لأن ذلک یُسیئ إلى العملیة التعلیمیة، ویُحد من تحقیق أهدافها (3، ص 238) .

 

وکذلک التصدی بحزم وحسم لظاهرة الملخصات والمذکرات الخارجیة، وتزویر الکتب الجامعیة من خلال مکاتب تصویر لیست مختصة بذلک؛ حفاظًا على قیمة الکتاب الجامعی ومکانته، وتأکیدًا للدور الحیوی للجامعات فی دعم الکتب الجامعیة لتصبح فی متناول الطلاب (3، ص239) .

ومن ضمن الإجراءات التی تدعم تحسین وتطویر الکتاب الجامعی تأسیس صیغ جدیدة یتم توظیف الإمکانیات التکنولوجیة فیها لتنتج مقررات دراسیة فی صیغ إلکترونیة مثل: الکتاب الجامعی الإلکترونی، والإفتراضی أو التخیلی، فهذه کلها صیغ موجودة للکتب الجامعیة بإمکان تصمیمها وإعدادها الجید أن تؤثر بشکل إیجابی فی تحقیق الأهداف المرجوة من الکتب الجامعیة .

الکتاب الإلکترونی أو الافتراضی التخیلی کإحدى صیغ تطویر وتحسین الکتاب الجامعی:

بدایةً الجامعة فی مجتماعاتنا العربیة لها عدة أشکال أو صیغ منها الجامعة الحکومیة التی تُمثل التعلیم الرسمی الجامعی، وتخضع للإشراف الکامل للدولة، والجامعة الخاصة التی یکون مصدر التمویل الرئیسی لها من القطاع الخاص، والجامعة الأهلیة التی یتم إنشاؤها بواسطة هیئة تأسیسیة من متبرعین ومساهمین بأموال وأراضی لیست حکومیة، ولیس هدفها الرئیسی الربح، والجامعة المفتوحة وهی نمط من أنماط التعلیم العالی لتحقیق دیمقراطیة التعلیم، ولمن لم یستطیع الإلتحاق لسبب أو لأخر، مستفیدًا من التقدم التکنولوجی فی مجال المعلومات، وهی جامعة معتمدة وتخضع لإشراف حکومی، وتنقل جمیع أو الجزء الأکبر من مقرراتها وبرامجها بواسطة الانترنت وتطبیقاتها على الشبکة العنکبوتیة           (7، ص253) .

وفی ظل تعدد وتنوع أنماط الجامعات العربیة شهدت العقود القلیلة الماضیة الکثیر من التطورات التکنولوجیة المتلاحقة وتزایدت، ولعل أهم ما شهده مجال أوعیة ومصادر المعلومات وإتاحتها هو ظهور الکتاب الإلکترونی Electronic Book or e-book الذی ظهر عام 1971م کنتیجة طبیعیة لتطور عملیات النشر من ناحیة، وتطبیقًا واستخدامًا لتکنولوجیا الحاسب الآلی مع تقنیة وخدمات ومزایا الاتصالات (16، ص200) .

 

فالکتاب الإلکترونی هو أی کتاب أو کُتیب یوجد على هیئة تقنیة رقمیة إلکترونیة ـ بالرغم أن کل المراحل الانتاجیة من کتابة وجمع ومراجعة ونشر، والتی یمر بها الکتاب شبه واحدة فی حالتی الکتاب الورقی المطبوع والإلکترونی ـ فإن الشکل النهائی للکتاب کمنتج نهائی یختلف تمامًا، فالکتاب الإلکترونی یُقرأ من خلال أنواع متنوعة من شاشات العرض الخاصة بالأجهزة الإلکترونیة المختلفة المربوطة بالشبکات المختلفة والإنترنت (5، ص198)، وکذلک یُعرف الکتاب الإلکترونی أو الرقمی بأنه قالب إلکترونی للکتب الدراسیة المعتاد تقدیمها للطلاب یتمیز بخصائص مماثلة للکتب الدراسیة الورقیة التقلیدیة، التی بالإمکان تقلیب صفحاتها، واحتوائها على خصائص رقمیة تساعد القراء فی القراءة الفعالة من قبیل خصائص نطق الکلمات، ووضع الخطوط البارزة تحت أجزاء معینة من النص، وتحویل النصوص المقروءة إلى أصوات، فضلاً عن استخدام الوسائط المتعددة کالرسوم والفیدیو وغیرها (12، ص48) .

ورغم أهمیة الثورة المعرفیة والفوائد الجمة للنشر الإلکترونی إلا أن هذا لم یُضعف مکانة الکتاب الورقی فی المستقبل المنظور على الأقل، وأن الاثنین ـ الإلکترونی والورقی ـ یتکاملان ولا یتنافسان، لکن ظهر مع الکتاب الإلکترونی من یعارضه ومن یؤیده، وبالطبع من عارضه هو من له علاقة حسیة بالکتاب، ولا یمکن أن یستبدلها بالشاشة، أما المؤید له فیعتبره ثورة فی عالم النشر تُمکن المرء من امتلاک کل کتبه فی جیبه، ویسافر وهو یحمل مکتبه الخاص فی إحدى جیوبه (35، ص421)

أما عن ممیزات أو إیجابیات الکتب الإلکترونیة الجامعیة، فمنها: أنها تحوی طاقة تخزینیة عالیة للمعلومات، مع تکالیف اختزان واسترجاع منخفضة نسبیًا، مع إمکانیة نقل المعلومات من مکان إلى آخر رغم البعد لکن بسرعة شدیدة، وإمکانیة التعامل مع النصوص والصور والأصوات فی وقت واحد، وسهولة استخدام الکتاب الإلکترونی الناطق لمن یعانون من مشاکل فی عملیة الإبصار، کما یسهل تحدیثه بشکل مستمر، حتى تکون معلوماته مواکبة لأحدث التطورات، مع الإمکانیة السریعة للبحث عن الکلمات والعناوین داخل الکتاب، کما أنه یشغل حیز صغیر فی تخزینه مقارنة بالکتاب المطبوع، وکذلک إمکانیة التحکم فی مظهر النص سواء الحجم المناسب أو الخط وکذلک کتابة ملاحظات وحفظها، وکذلک مرونة التفاعل والاتصال بین الطلاب وأستاذ المقرر من خلال ربط موقع المؤلف فی شبکة الإنترنت بالکتاب الإلکترونی، کما أن هناک روابط تشعبیة Links تمکنهم من الوصول إلى المزید من مصادر التعلم الإضافیة الخارجیة (5، ص209)، وکذلک التحمیل الفوری للکتب، فلیست هناک حاجه لانتظار الشحن، ولا توجد کتب نفذت من المخازن أو المطبعة .

 

 

 لکن على الجانب الأخر هناک سلبیات وتحدیات وعقبات ترتبط بالکتب الإلکترونیة، منها: أن القراءة على أی شاشة إلکترونیة مُجهدة جدًا للعین، والتعرض لعدم مواصلة القراءة بسبب أعطال أو انقطاع التیار الکهربائی أو تفریغ البطاریة، وبذلک فالوسیط القارئ للکتاب الإلکترونی قد یسبب بعض المشکلات، کما أن تکلفة القراءة بشکل مریح ـ هنا ـ مرتفعة نسبیًا، کما أن دقة عرض الصورة على أجهزة القراءة لیست جیدة لقراءة النصوص الطویلة، وأن حقوق النشر والتوزیع محدودة بالنسبة للعدید من الدوریات الإلکترونیة، ویرى البعض أن الانتقال بالمطبوع من الشکل الورقی إلى الشکل الإلکترونی لا یُضیف الشیئ الکثیر، ولا یُحدث التغییر الکبیر فی المعلومات الموجودة فی المقرر؛ لأن التقادم سیصیبها بعد فترة من الزمن حتَّى ولو کانت هناک برامج تساعد على التحدیث المتواصل للمعلومات الموجودة على القرص لصعوبة تعمیم هذا التحدیث على جمیع الطلاب عند الضرورة (49، ص48) .

 وبشکل عام فإن الکتب الإلکترونیة حُدِّد لها العدید من المعاییر التی من الأجدر أن تتم فی إطارها، منها: القابلیة للاستخدام العملی وللتعلم، وکفاءة النظام المصمم          والقابلیة للتذکر، والخلو من الأخطاء، ورضا المستخدم، والوضوح، والربط المنطقی الجید، من خلال تحدید العلاقات الارتباطیة بین العملیات المستخدمة ونتائجها، وکذلک وجود التغذیة الراجعة، والفاعلیة ومد ید المساعدة؛ لتقلیل الجهد المبذول والإمتاع والتشویق  (12، ص54)، وکذلک هناک خمس اعتبارات عند إعداد کتاب جامعی تخیلی (افتراضی) هی: فن التدریس من خلال تخطیط جید لتعلم فعال عن طریق وجود هدف لکل موضوع ونموذج لتدریسه طبقًا للمستویات المختلفة، ثم البناء التعلیمی من خلال خطوات متتالیة ومنظمة لتقدیم المعلومات لإتقان کل الأفکار من خلال أمثلة متنوعة، وثالث اعتبار هو التفاعل والتغذیة المرتدة من خلال وسائل تعلیمیة واتصالیة جیدة، ثم الاستخدام الأمثل للتکنولوجیا حتى تتناسب وراحة المشارکین مع النظام وبرمجیاته، وأخیرًا مراعاة خلفیات المتعلمین وضرورة التأکد من إتقانهم لمهارات استخدام الحاسب الآلی وقواعد المعلومات والإبحار فیها (35، ص 434) .

 وهناک العدید من الأفکار ترى أن المستقبل سیکشف لنا أن الکتاب التقلیدی الورقی والکتاب الإلکترونی سیمضیان معًا، وجنبًا إلى جنب، ولن یمحی أحدهما الآخر؛ لأن لکل منهما مستفیدیه وقُراءه ومُریدیه، وعلى الرغم من سلبیات القراءة الإلکترونیة إلا أنه یجب أن نحافظ على وجودها، فلا یمکن أن یکون هناک خریج جامعی لا یستطیع البحث على الانترنت، والوصول إلى کتاب یرید الاطلاع علیه، وهنا على الجامعات وأساتذتها توجیه طلابهم لاستخدام جمیع الکتب سواء الورقیة أم الإلکترونیة والاستفادة منها بشتى الطرق وبشکل فعَّال (16، ص210) .

 

 

واقع استخدام الکتاب الجامعی ومدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید:

تمَّ تناول الإطار العام أو النظری للبحث من تناول نبذة عن نشأة الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة،  ومنها تمَّ الانتقال إلى معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، ثم بعض المشکلات والصعوبات والتحدیات التی تُضعف الدور الإیجابی للکتاب الجامعی، ثم محاسن ومساوئ الاعتماد على کتاب جامعی واحد أو أکثر من مرجع للمقرر الواحد، ثم نبذة عن تطویر الکتاب الجامعی وتحسینه بجامعاتنا العربیة، وبعد أن تمَّ عرض الدراسة النظریة والتی اتَّضح فیها وجود بعض الاختلافات حول مدى التزام الکتب الجامعیة بمعاییر الکتاب الجامعی الجید، وکذلک ضرورة الوقوف على واقع استخدام الطلاب وأعضاء هیئة التدریس للکتاب الجامعی؛ لذلک کانت هناک حاجة ماسة لإجراء الدراسة المیدانیة والإجابة عن بعض أسئلة البحث وتحقیق أهدافه؛ للوصول فی النهایة لرؤیة مستقبلیة عن حال الکتاب الجامعی واستخدامه مستقبلاً .

لذا یدور هذا الجزء من البحث حول الدراسة المیدانیة، التی هدفت إلى الوقوف على مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید، وواقع استخدامه من وجهة نظر الطلاب وأعضاء هیئة التدریس بجامعة القصیم، والتی لم تُجر علیها دراسة لذلک من قبل ـ فی حدود علم الباحث ـ ومعرفة هذا الواقع باعتباره خُطوة أولى للتوصل إلى مستقبل الکتاب الجامعی، وذلک من خلال الاستبانة Questionnaire التی أُعتمد علیها لتحدید الواقع تمهیدًا لإجراء الدراسة المستقبلیة، وقد مرَّت عملیة بناء الاستبانة بمجموعة من الإجراءات بدأت بتحدید الغرض منها، ثم بنائها فی ضوء الإطار النظری للبحث ودراساته السابقة، وتمَّ تحدید محاور استبانة رصد واقع معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی فی محور خاص بالمضمون، وآخر بالتنظیم، وثالث بالاخراج کجزء أول لهذه الاستبانة، أما الجزء الثانی عن واقع استخدام الکتاب الجامعی.

ولتحدید صدق الاستبانة تمَّ عرضها فی صورتها الأولیة (ملحق1) على مجموعة من السادة المحکِّمین من أساتذة التربیة ببعض الجامعات المصریة والسعودیة والعربیة (ملحق2) من خلال صدق المحتوى؛ حتَّى تکون أداة القیاس ناجحة فی قیاس ما وضعت لقیاسه، ومن نتائج التحکیم أجمع المحکِّمون على مناسبة المحاور والعبارات لموضوع البحث بنسبة عالیة وصلت إلى (90 ٪)، ومن حیث صیاغة العبارات بدقة ووضوح، فقد أُجریت مجموعة من التعدیلات على بعض العبارات یُظهرها جدول خاص بذلک (ملحق3)

 

ومن حیث مناسبة المقیاس الثلاثی (کبیرة ـ متوسطة ـ قلیلة/ لم تتوفر) لرصد الواقع أجمع السادة المحکَّمون على مناسبة المقیاس لطبیعة البحث وهدفه، أما عن ثبات استبانة البحث فطُبقَّت الاستبانة على عینة استطلاعیةلحساب الثبات مکونة من (30) طالبًا ومثلهم من أعضاء هیئة التدریس، وتمَّ استخدام معامل "الفاکرونباخ" لحساب الثبات، من خلال الحزمة الإحصائیة للعلوم الاجتماعیة (SPSS) الإصدار الخامس عشر، وکان معامل الثبات لاستبانة رصد الواقع لدى الطلاب (0.828)، ولدى أعضاء هیئة التدریس (0.833)، وهذه القیمة تشیر إلى ثبات مناسب للاستبانة ، وبعد بناء الاستبانة، والتأکد من صدقها وثباتها، أصبحت فی صورتها النهائیة (ملحق4).

وقد تمَّ تطبیق أدوات البحث على (326) طالب و(177) عضو هیئة تدریس بجامعة القصیم، باعتبارهم أصحاب المشکلة والهدف ـ إن جاز التعبیر ـ ومن الضروری تعرف آرائهم حول هذا الموضوع، وهناک جدول یوضح وصف عینة الدراسة المیدانیة (ملحق5)، وقد طُبقت أدوات البحث ببعض کلیات جامعة القصیم بطریقة عمدیة على أساس أعداد الطلاب وأعضاء هیئة التدریس بها، ومدى الانتظام داخل هذه الکلیات، وکذلک التعاون الملحوظ من الجانب الإداری لها، وتمَّ التطبیق النهائی فی المدة من 20 / 1/ 2019 وحتَّى 16 / 2 / 2019، وقد واجهت الباحث بعض الصعوبات والعقبات فی أثناء عملیة التطبیق، اتصل بعضها بالإجراءات الرسمیة للتطبیق والتعامل مع بعض عمداء الکلیات التی تمَّ التطبیق بها، وقد تمَّ التغلب على هذه الصعوبة من خلال الحصول على الموافقات الرسمیة من الجامعة التی تمَّ التطبیق بها، فی حین اتصل بعضها الآخر بتشکیک بعض أفراد العینة من جدوى هذا الأمر، وتخوفهم من الإجابة عن بعض العبارات بالرغم من عدم ذکر أسمائهم، وقد تمَّ التغلب على هذه الصعوبة من خلال إقناعهم بأهمیة هذا العمل لهم أولاً کأعضاء مشارکین فی إعداد جیل لمستقبل قادم ، وبأنَّ رأیهم لن یضرَّهم على الإطلاق، وستکون آراؤهم محل سریة بالغة من جانب الباحث .

    المعالجة الإحصائیة للبیانات الناتجة عن تطبیق استبانة الدراسة المیدانیة:

1ـ تمَّت المعالجة الإحصائیة للبیانات الناتجة عن تطبیق استبانة الدراسة الخاصة برصد مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید وواقع استخدامه من خلال حساب المتوسطات الحسابیة والانحرافات المعیاریة لاستجابات أعضاء هیئة التدریس والطلاب على الاستبانة، وقد تم تحدید مدى توفر تلک المعاییر وواقع الاستخدام فی ضوء جدول (1) التالی:

 

جدول (1)

مدى توفر المعاییر وواقع استخدام الکتاب الجامعی فی ضوء الحدود الدنیا والعلیا لمتوسطات الاستجابات

ـ نتائج تطبیق أداة الدراسة المیدانیة وتحلیلها وتفسیرها:

 بعد تطبیق أداة الدراسة المیدانیة على عینة الدراسة تمَّت معالجة بیاناتها إحصائیًا بما یتناسب معها من أسالیب؛ حتَّى تکون النتائج معبرة عن مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید، وکذلک واقع استخدامه، وهذا للإجابة عن بعض أسئلة البحث کما سیظهر على النحو التالی:

الإجابة عن الأسئلة من الأول إلى الرابع : والتی تنص على

1ـ ما مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس بجامعة القصیم ؟

2ـ ما مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید من وجهة نظر الطلاب بجامعة القصیم؟

3ـ ما واقع استخدام الکتاب الجامعی من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس بجامعة القصیم؟

4ـ ما واقع استخدام الکتاب الجامعی من وجهة نظر الطلاب بجامعة القصیم ؟

         وللإجابة عن هذه الأسئلة کان لزامًا تحدید معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، وقد تمَّ ذلک فی الإطار النظری، وهذا حتَّى تکون هذه المواصفات بمثابة معیار یُسترشد به فی التوصل إلى مدى توفر معاییر الکتاب الجامعی الجید ـ حالیًا ـ، وقد تُرجمت هذه المعاییر إلى محاور ومواقف تضمنتها استبانة الدراسة الخاصة برصد هذا الواقع، والجدول التالی یوضح نتائج تطبیق استبانة رصد الواقع على الطلاب وأعضاء هیئة التدریس.

 

جدول (2)

المتوسطات والانحرافات المعیاریة لاستجابات الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على المحور الأول من الجزء الأول للاستبانة

یتضح من الجدول السابق ـ الخاص باستجابات الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على مفردات محور مضمون الکتاب الجامعی بالجزء الأول من الاستبانة الخاص بمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید ـ أن هناک (5) مفردات اتفقت استجابات عینة البحث من الطلاب وأعضاء هیئة التدریس علیها، وکانت استجاباتهم علیها بالبدیل (قلیلة)، وهذا یشیر إلى اتفاقهم فی کون هذه المعاییر وتلک المواصفات غیر متوفرة وغیر محققة فی الکتاب الجامعی، فالکتاب الجامعی من وجهة نظرهم لا (یتضمن محفزات متنوعة لتناول محتواه بجدیَّة)، ولا (یشمل بعض الأنشطة التعلیمیة الاختیاریة والإجباریة)؛ وهذا قد       یکون مرجعه قلة الامکانیات المتاحة لمؤلف الکتاب، والتی تدعمه فی إفراد وتضمین العدید        من الصور والأشکال والرسوم والخرائط الذهنیة الملونة التی تحفز وتدعم تعلیم طلابه         

 

من خلال هذه المحفزات وغیرها من الأنشطة التعلیمیة التی بإمکانها تثبیت المعلومات،  والسماح للطلاب بالبحث عن المعرفة فی تلک الموضوعات، وبالطبع إن لم یتضمن الکتاب الجامعی بعض الأنشطة المتعددة فلن (یشجع البحث واستثمار مصادر التعلم الموجودة فی البیئة المحلیة) خاصة فی ظل أنظمة تعلیمیة لا تدعم سُبل التعاون بین الجامعات والمجتمع المحلی بشکل واقعی عملی ملموس ونافع، وهذا یتعارض مع ما أکده الکثیر من ضرورة مراعاة الکتاب الجامعی لحاجات المجتمع کمصدر أساسی عند تحدید الهدف العام للکتاب الجامعی (35، ص376)، وحتى تتحقق المصداقیة لمحتویات الکتاب حینما یهدف فی الأساس خدمة المجتمع والتطبیق بداخله               (8، ص159)، کما أکد أعضاء هیئة التدریس والطلاب کذلک أن الکتاب الجامعی المُقدَّم والمطروح حالیًا لا (یضم بعض الحواشی التفسیریة لبعض المصطلحات الغامضة)، وأیضًا لا توجد به (أسئلة وتمارین خاصة بکل فصل من فصوله)، ولا  (یظهر بالکتاب الجامعی مسرد بالمصطلحات الواردة بالکتاب "کشَّاف باستخدام کلمات مفتاحیة")، وهذا قد یکون مرده استمرار التواصل بین أستاذ المقرر وطلابه حینما یسأل الطلاب أستاذهم عن تلک المصطلحات فی کل محاضرة فیستمر للمحاضرة جاذبیتها ومُریدوها من الطلاب، وأیضًا قد یعود ذلک لمحاولة مؤلف الکتاب الالتزام بعدد محدد من الصفحات مما یجبره ذلک على الاستغناء عن تلک الحواشی أو قوائم المصطلحات للوصول للعدد المحدد سلفًا للکتاب، وهذا ما تؤکده بعض الدراسات من وجود بعض القیود التی تُفرض على مؤلف الکتاب الجامعی وتُلزمه بعدد من الصفحات لکل کتاب مما یُقید من فرصة إبداع الطالب فی کثیر من الأحیان (13، ص41) .

     وأیضًا اتفقت استجابات عینة البحث على بعض العبارات بأنها                 (متوسطة أو کبیرة) وهذه إشارة منهم على توفرها بالکتاب الجامعی، فترى عینة البحث أن الکتاب الجامعی المطروح (یُلبی حاجات الطلاب العلمیة بالمرحلة الجامعیة)، وکذلک (یحوی مقدمة شاملة توضح الأهداف العامة للمقرر)، وأیضًا (تتضمن مقدمة الکتاب الجامعی فکرة موجزة عن محتویات الکتاب وطریقة عرضها)، کما (یتوافق عنوان الکتاب مع محتواه)، وهذه کلها مواصفات أولیة للکتاب الجامعی، فدائمًا یستشعر الطلاب بأن الکتب المقدمة لهم بها العدید من المعارف والمعلومات التی تمکنهم من اجتیاز المقرر، وأنه لا داعی لمزید منها، وکذلک کثیرًا ما تُوجد مُقدمة للکتاب الجامعی حتَّى ولو بسیطة توضِّح أهدافه، ممثلة بذلک ـ المقدمة ـ دور حیوی فی تهیئة الطلاب لاستیعاب الکتاب الجامعی بشکل صحیح (52، ص397)، وأیضًا یحرص مؤلف الکتاب الجامعی بشکل واضح على اختیار عنوان لکتابه یتوافق مع محتوى المقرر؛ حتى یسهل الحصول علیه، ویحظى بموافقة القسم والکلیة على إقراره، لکن لیس عنوان الکتاب ـ فی کل الأحیان ـ دلیلا على توافق محتواه مع متنه ومضمونه.

 

 لکن اختلفت استجابات عینتی البحث حول بعض المفردات، فحینما یرى الطلاب أن الکتاب الجامعی (یُقدم الحقائق العلمیة والمعارف والمهارات الواجب تضمینها بالمقرر وفقًا لخطة المقرر وتوصیفه) بدرجة (کبیرة) یرى أعضاء هیئة التدریس أن هذا یتم بدرجة (متوسطة)؛ وقد تکون رؤیة الطلاب هذه لکون جمیع ما یُقدَّم بالکتاب الجامعی هو بالنسبة لهم معارف جدیدة وکثیرة علیهم، أما أعضاء هیئة التدریس ونتیجة إلمامهم بشکل أدق بتوصیف المقرر وخطته الدراسیة فیروا أنه یُلبی بشکل متوسط ولیس کبیر، فمازالت بعض المعلومات والمعارف والأنشطة تحتاج لإدراجها داخل الکتاب، وأیضًا عبَّر الطلاب على کون الکتاب الجامعی لم (یُراع التوفیق بین الجانب النظری والتطبیقی فی فصوله المختلفة)، بینما رأی أساتذة المقرر أنه یراعی بشکل متوسط، وقد یعود ذلک لطبیعة الطالب الذی یحتاج دائمًا الجوانب التطبیقیة العملیة ویرفض ـ کثیرًا ـ الجانب النظری البحت من العلم رغم أهمیته وضرورته لإتمام عملیات التعلم، وقد أشار أیضًا الطلاب إلى کون الکتب الجامعیة (تتسق فی التخصص بعضها مع بعضٍ بدرجة کبیرة)، بینما رأى أعضاء هیئة التدریس ذلک بدرجة متوسطة، وهذا قد یعود لکون الطلاب لم یدرسوا کل الکتب المطروحة فی التخصص ویتم القیاس على ما تم دراسته فقط، بینما أعضاء هیئة التدریس لدیهم إلمام کامل بکل الکتب المطروحة داخل التخصص، والتی تحتاج ـ من وجهة نظرهم ـ مزید من الاتساق وعدم التناقض أحیانًا أو التکرار .

  وانتهى المحور برؤیة لأعضاء هیئة التدریس تنفی مراعاة (تقدیم الکتاب الجامعی معلومات صحیحة ومواکبة لآخر تطورات العلم) إشارة منهم لقلة حرص مؤلفی الکتب الجامعیة على تحدیث کتبهم وسط الزخم المعرفی الهائل، والذی یُلقی بحمل ثقیل علیهم للوصول لذلک التحدیث فی ظل أوضاع متردیة وقلة محفزات ومکافأت مُقدمة حیال تألیف تلک الکتب، وهذا ما أکدته بعض الدراسات من أنه لا یوجد قانون أو سیاسة واضحة تحکم بند الحوافز والمکافأت المرصودة لتألیف الکتب الجامعیة (13، ص41)، لکن أکد أعضاء هیئة التدریس عینة البحث إلتزام مؤلفی تلک الکتب (بتوثیق جمیع المعلومات الواردة بالکتاب الجامعی بدقة وأمانة)، وهذا یؤکد تحمُّل أعضاء هیئة التدریس لمسئولیة عملهم، وتمثلهم لصفات الأستاذ الجامعی الأمین على طلابه وعلمه، وهذا ما تؤکده العدید من الدراسات حول أهمیة وجدوى ضرورة التوثیق الأمین لجمیع المصادر والمراجع (2، ص66)، وبشکل عام فإن استجابات عینة البحث على المحور ککل جاءت (قلیلة) دلیل على قلة توفر معاییر ومواصفات مضمون الکتاب الجامعی الجید من وجهة نظر عینة البحث ککل .

 

 

جدول (3)

المتوسطات والانحرافات المعیاریة لاستجابات الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على المحور الثانی من الجزء الأول للاستبانة

یتضح من الجدول السابق ـ الخاص باستجابات الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على مفردات محور تنظیم محتوى الکتاب الجامعی بالجزء الأول من الاستبانة الخاص بمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید ـ أن هناک تناغم واتفاق کبیر بین استجابات عینتی البحث حول عبارات هذا المحور، فهناک (10) مفردات اتفقت استجابات عینة البحث من الطلاب وأعضاء هیئة التدریس علیها بأنها (قلیلة) مُعبِّرین بذلک عن کون هذه المعاییر غیر متوفرة بالکتاب الجامعی، فالکتاب الجامعی بالنسبة لهم لا (یحوی إرشادات للقراءات المساعدة الإضافیة)، ولا (یُقدِّم دعائم للتعلم الذاتی)، ولا (یشمل بعض الأنشطة الإثرائیة)، وکأن حال الکتاب الجامعی یکشف عمَّا وصل إلیه تعلیمنا بجامعاتنا العربیة من دعم لثقافة التلقین والحفظ والاستظهار والاستدعاء فقط لدخول الاختبار دون الاهتمام ببناء جیل لمستقبل قادم ملئ بالتغییرات، وسط سطوة الانفجار المعرفی والمعلوماتی، الذی لا یمکن

 

 

مجابهته إلا من خلال القراءات الإضافیة والتعود على التعلم الذاتی، وممارسة عدید من الأنشطة الإثرائیة، وهذا ما أکَّد علیه الکثیر من ضرورة دفع الکتاب الجامعی الطلاب للتعلم الذاتی فیکون به من التحدی للطلاب المتفوقین، وبه من مد ید العون للطلاب ضعاف التحصیل والتعلم (49، ص43)، کما انه وفی ظل الزخم المعرفی الذی یشعر فیه مؤلف الکتاب الجامعی نجده أثناء تألیفه لکتابه لم (یراع المستویات المختلفة من الطلاب)، ولم (یعرض محتوى الکتاب الجامعی بأسلوب یسمح بالحرص على استیعاب ومتابعة المعلومات بشکل مناسب وبسیط)، ولم (یطرح بالکتاب الجامعی تعریفًا بسیطًا للمصطلحات والمفاهیم الأساسیة عند ذکرها لأول مرة) کنوع من التنظیم یعین طلابه على متابعة محتویات کتابه بشکل عملی وحیوی، رغم ضرورة عرض المصطلحات الجدیدة أول مرة بشکل مفصَّل مع تقدیم أمثلة على ذلک حتى یتم الاقتراب من معجم الألفاظ الخاصة بالمتعلم (52، ص 403)، وهذا الاغفال لتلک المعاییر والمواصفات قد یکون إشارة إلى قلة تمکُّن من مؤلف الکتاب الجامعی بالمعاییر والمواصفات الضروریة للکتاب الجامعی الجید، والتی من الواجب تدریبه علیها قبل الشروع فی الإعداد والتنفیذ لهذا العمل، وقد یکون هذا سببه کثرة أعداد الطلاب بالجامعات العربیة، والتی یصعُب معها توفیر کُتُب جامعیة تُراعی جمیع مستویات الطلاب ومخزونهم المعرفی، فکثیرًا ما یبنی مؤلف الکتاب محتواه على ما یعتقد أنه حد أدنى من المعارف والمعلومات موجود لدى طلابه وقد یکون الواقع غیر ذلک .

کما أوضح الطلاب وأعضاء هیئة التدریس أن الکتاب الجامعی لم (یخل من الأخطاء اللغویة والمطبعیة)، وأنه لم (ینته بخلاصة نهائیة وافیة للکتاب ککل)، وهذا دلیل واضح على قلة مراجعة هذا الکتاب قبل طرحه للطلاب، فلو تمت مراجعته لتم الانتباه لهذه الاخطاء، ولتمکن مؤلفه من الانتهاء بخلاصة وافیة تعبِّر سریعًا عن محتوى الکتاب وهدفه، وقد یکون ذلک لقلة الوقت المتاح لأعضاء هیئة التدریس فی تألیف وإعداد هذه   الکتب، والتی قد تُطلب منهم فی فترة زمنیة لا تسمح لهم ـ وسط أعباءهم الأخرى ـ بالتحضیر الکافی والإعداد المسبق لمرجع علمی یعتمد علیه مئات الطلاب فی           قاعات الدرس.

وباستجابة (متوسطة) اتفق الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على أن محتویات الکتاب الجامعی (تُعرض فی تسلسل وترابط وتکامل فیما بینها)؛ وقد یکون سبب کونها متوسطة أن الکتاب الجامعی ـ أحیانًا ـ یشترک فی إعداده وتألیفه أکثر من مؤلف، مما  قد یُخل ـ أحیانًا ـ بهذا التکامل وهذا الترابط الذی قد یشعر به الطلاب أنفسهم وبالطبع أعضاء هیئة التدریس، ونتیجة لقلة مراجعة هذه الکتب قبل تقدیمها ـ کما سبق ـ تحدث هذه الأخطاء لکنها بشکل متوسط ولیس کبیرًا، أما عن (مناسبة محتوى وحجم الکتاب

 

 

الجامعی مع عدد ساعات المقرر الدراسی)، وأن (حجم ووزن الکتاب الجامعی مناسب لحمله والاحتفاظ به أثناء المحاضرات) فکانت استجابات عینة البحث من الطلاب وأعضاء هیئة التدریس علیها بأنها (کبیرة) وهذا یعبر عن مدى التزام أعضاء هیئة التدریس ممن یؤلفون تلک الکتب بجمیع التعلیمات التی تحدد حجم ووزن الکتاب الجامعی، ومناسبته لعدد الساعات، وکذلک سهولة حمله وتوظیفه داخل قاعات المحاضرات؛ لحل بعض الأسئلة، أو متابعة العدید من المحاضرات، أو الاستعانة بما فیه من قوانین ومصطلحات وخرائط ـ على سبیل المثال ـ أثناء المحاضرات، کل هذا یعبر عن توفر تلک المعاییر بالکتاب الجامعی، لکن بشکل عام مازالت استجابات عینة البحث على المحور الثانی من الجزء الأول باستبانة البحث (قلیلة) مما یدل ـ أیضًا ـ على قلة توفر هذه المعاییر وتلک المواصفات بالکتب الجامعیة الحالیة .

جدول (4)

المتوسطات والانحرافات المعیاریة لاستجابات الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على المحور الثالث من الجزء الأول للاستبانة

 

یتضح من الجدول السابق ـ الخاص باستجابات الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على مفردات محور إخراج الکتاب الجامعی بالجزء الأول من الاستبانة الخاص بمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید ـ أن هناک اتفاقًا واضحًا بین استجابات عینتی البحث حول مفردات هذا المحور التی أظهرت الاستجابات بأن العدید من المعاییر والمواصفات متحققة بالکتاب الجامعی من وجهة نظرهم، فقد (عُرضت محتویات الکتاب الجامعی وعناوینه فی تصمیم واضح وثابت)، کما (یلتزم الکتاب الجامعی بتسلسل موضوعاته وفقًا لقوائم محتویاته)، کما (یتضمن الکتاب الجامعی قائمة مرتبة بالمحتویات تضم العناوین الرئیسة والأشکال والجداول وأرقام صفحاتها)، وأیضًا (اعتُمد بالکتاب الجامعی على أنواع وأحجام من الخطوط الواضحة والمناسبة للقراءة المریحة والسریعة)، و(أُنتج الکتاب الجامعی بنوعیة أوراق وطریقة تثبیت تساعد على سرعة وحُسن الاستخدام)، وکذلک   (ینتهی الکتاب الجامعی بقائمة مرتبة وصحیحة لجمیع المراجع المستخدمة)، وهذا الاتفاق الواضح بین الطلاب وأعضاء هیئة التدریس حول هذه المفردات وأنها متوفرة فی الکتب المُقدمة؛ قد یعود لعدة أسباب منها: أن العدید من الکتب الجامعیة بعد تألیفها وإعدادها تُعهد لبعض المکاتب المتخصصة لإتمام عملیات الإخراج الفنی لها فتراعی توحید تصمیم الکتاب بمحتویاته وعناوینه فی شکل ثابت فی جمیع صفحات الکتاب؛ لتوفیر نوع من التناغم والترتیب والتنظیم مما یسهل معه متابعة جمیع محتویات الکتاب، وثبات التصمیم هذا یؤکد على أهمیته الکثیر حتى لا یکون الکتاب مصدرًا للالتباس (58، ص280)، وبالطبع هناک التزام واضح بتسلسل الموضوعات وفقًا لقوائم المحتویات أو الفهرس المحدد للکتاب؛ وذلک لکون طبیعة القوائم هذه تُوضع بعد الانتهاء من تألیف الکتاب والانتهاء من متنه، وبالتالی کثیرًا ما تتوافق الموضوعات والأشکال والرسومات مع القوائم المحددة بالفهرس، أما عن أنواع وأحجام الخطوط، فهناک شبه اتفاق بین الجمیع وبین المتخصصین فی إعداد الکتب وإخراجها حول أفضل الخطوط وأنسبها للقراءة المریحة وبالتالی یتم الإلتزام دائمًا بذلک أثناء إعداد الکتب، أما إجماع الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على مناسبة نوعیة الورق وطریقة تثبیت الکتاب فهی راجعة لدور النشر التی بالطبع تعمل فی ظل سوق تنافسی کبیر لا یستمر ویصمد فیه إلا الأجود والأصلح وبالتالی معظم هذه الدور تجتهد لإنتاج کتاب راقی یلیق بها وبتعاملها مع المؤسسات الجامعیة .

وظهر الاتفاق أیضًا بین عینتی البحث لکن کانت الاستجابة هذه المرة بأنها (متوسطة) حول (توظیف علامات الترقیم بشکل صحیح داخل محتویات الکتاب الجامعی)، وذلک لأن هذا یعود لمتن الکتاب الخاص بالمؤلف أو مُعد الکتاب ولیس بالإخراج فی أحیانٍ کثیرة، وهنا وکما سبق لا تتم المراجعات بشکل کامل ومتقن، علاوة على قلة تمکن العدید من مؤلفی الکتب ـ خاصة من غیر متخصصی اللغة العربیة ـ      من علامات الترقیم ومواضعها الصحیحة وحالاتها المختلفة؛ لذلک جاءت الاستجابة بأنها

 

 

متوسطة، وقد حدث اتفاق أیضًا بین عینتی البحث لکن الاتفاق هنا حول قلة توفر هذه المعاییر وتلک المواصفات وذلک فی (توظیف الألوان المختلفة بشکل مناسب داخل محتویات الکتاب الجامعی)؛ وذلک لکون معظم الکتب الجامعیة غیر ملونة رغم أهمیة ذلک فی تفسیر العدید من الأمور والظواهر العلمیة إلا أن ضعف الإمکانیات فی کثیر من الأحیان یجعل طباعة الکتب الجامعیة بدون ألوان سوى الحبر الأسود، وهنا یظهر الدور الحیوی للکتاب الالکترونی الذی یعالج هذه العقبة أمام الطلاب، وأیضًا کانت استجاباتهم قلیلة حول (احتواء الکتاب الجامعی بعض الملاحق الأساسیة إن لزم الأمر) وذلک تماشیًا ـ کما قیل سابقًا ـ مع التزام مؤلفی الکتب بعدد محدد من الصفحات لکل کتاب یعجز معه مُعد الکتاب إفراد بعض الملاحق الإثرائیة حفاظًا على الشروط المحددة من قِبل المؤسسات التعلیمیة حیال عدد صفحات کل کتاب لتناسب ساعات تدریسه.

لکن الاختلاف بین عینتی البحث فی هذا المحور کان بسیطًا ویقتصر على عبارتین فقط الأولى حول (تمتع الکتاب الجامعی بتصمیم وإخراج علمی جیدین) فکانت استجابة الطلاب بأنها متوسطة، وقد یعود ذلک لقلة خبرة هؤلاء الطلاب بمعاییر الإخراج العلمی الصحیح للکتب، بینما کانت استجابة أعضاء هیئة التدریس علیها بأنها کبیرة لمعرفتهم بتلک المعاییر واقتناعهم بوجودها بتلک الکتب،والثانیة (توافق الصور والأشکال والرسومات المتضمنة بالکتاب الجامعی والهدف منه) فکانت استجابة الطلاب حولها کبیرة لأن الصور والأشکال بالنسبة للطلاب تُقرِّب المعنى وتوضحه، وهی بالفعل لها علاقة بما قبلها وما بعدها وموظفة بشکل صحیح، أما أعضاء هیئة التدریس فکانت استجاباتهم علیها بأنها (قلیلة) وذلک لتعمقهم فی المقرر وأصوله واطلاعهم على کل جدید یظهر فیه، وبالتالی کان یأمل هؤلاء الأعضاء تضمین صور وأشکال حدیثة وأکثر ملائمة لتحقیق الهدف منها داخل الکتاب الجامعی، فی ظل وعی کبیر بأهمیة الصور والرسومات والجداول فی جذب انتباه الطلاب، مع ضرورة تخصیص مساحات مناسبة لها داخل الکتاب؛ لأن الصورة تکمل الکلمة وتساعد على قراءة النص اللفظی (35، ص416) .

وبشکل عام فإن استجابات عینة البحث على المحور الثالث من الجزء الأول باستبانة البحث (کبیرة) عند الطلاب، مما یدل على توفر هذه المعاییر وتلک المواصفات الخاصة بإخراج الکتاب الجامعی فی الکتب المُقدمة حالیًا، و(متوسطة) عند أعضاء هیئة التدریس مما یدل على کون الالتزام بمواصفات ومعاییر الإخراج الفنی والعلمی لتلک الکتب به بعض الشوائب والملاحظات التی تحتاج إعادة نظر وتعدیل .

ومن خلال تقدیم استجابات عینتی البحث حول الجزء الأول من استبانة البحث الخاصة بمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، ومن خلال محاوره الثلاثة الخاصة بمضمون الکتاب الجامعی، وتنظیم محتویاته، وإخراجه بذلک یتم التوصل إلى قلة التزام واتصاف الکتب الجامعیة بالکثیر من المعاییر الخاصة بمضمون الکتاب الجامعی وتنظیمه، وأن عملیات إخراجه فقط هی التی حظیت بقبول لدى الطلاب بدرجة کبیرة، وبدرجة متوسطة عند أعضاء هیئة التدریس، وبهذا تتم الإجابة عن السؤال الأول والثانی من أسئلة البحث الحالی

 

وللإجابة عن السؤال الثالث والرابع من أسئلة البحث یتم تناول استجابات عینتی البحث حول الجزء الثانی من استبانة البحث الخاصة برصد واقع استخدام الکتاب الجامعی کما سیظهر من خلال الجدول التالی:

جدول (5)

المتوسطات والانحرافات المعیاریة لاستجابات الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على الجزء الثانی للاستبانة

 

      یتضح من الجدول السابق ـ الخاص باستجابات الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على مفردات الجزء الثانی من استبانة البحث والتی تدور عباراتها حول واقع استخدام الکتاب الجامعی ـ أن هناک (5) مفردات اتفقت استجابات عینتی البحث علیها بأنها (کبیرة) فی إشارة لکونها ممارسات تُوجد وتُفعَّل على أرض الواقع من وجهة نظر الطلاب وأعضاء هیئة التدریس عند استخدام الکتاب الجامعی، فمن وجهة نظرهم أنه (یُحدد لکل مقرر دراسی کتاب جامعی واحد فقط)، وأن (وجود کتاب جامعی محدد یساعد على استیعاب المقررات ومتابعتها بشکل ذاتی)، وأن (وجود الکتاب الجامعی یدعم التواصل الأکادیمی بین الأستاذ والطالب)، وأن (الکتاب الجامعی یمثل دلیلاً واضحًا ومحددًا ومتفقًا علیه للمقرر الدراسی) وهذه الاستجابات دلیل واضح على رغبة طلاب الجامعة فی تقریر وتحدید مصدر واحد لکل مقرر دراسی یلتزم به الجمیع، "فهو مصدر بالنسبة لهم مبسَّط ومتسلسل ویضم مصطلحات العلم بشکل مرتب" (1، ص205)، کما یمثل وعاءًا متفقًا علیه فی مراحل تقدیم المقرر المختلفة، وسط تعدد وتنوع المقررات التی یدرسها طلاب الجامعة، وکذلک دلیل على استشعار أعضاء هیئة التدریس أن تواجد ومتابعة طلابهم بالمقررات التی لها مصدر واحد ومحدد وملزم یکون أفضل، وأکثر مناسبة فی تقیمهم بشکل عادل، وفق معیار واضح ومحدد للجمیع، ورغم ما لدى هذه الممارسة من مسالب تدعوا للحفظ والتلقین والبعد عن التعلم الذاتی إلا أنه بإمکان أساتذة المقررات توظیف تلک الکتب الجامعیة، واستغلال ما بها من أنشطة فی تهیئة بیئة علمیة ثریة ونافعة لطلابهم .

   وأیضًا هناک اتفاق بین عینتی البحث لکن هذه المرة بشکل (متوسط) فی کون (أستاذ المقرر یلتزم ـ حال الاتفاق على استخدام کتاب جامعی واحد للمقرر ـ بمحتویات الکتاب المحدد دون تجاوزها لمحتویات أخرى لیست بالکتاب)؛ وذلک لأن العدید من الکتب الجامعیة قد یضعها أعضاء هیئة تدریس مختلفین عمن یُدرس المقرر للطلاب، وبالتالی دائمًا یمیل أستاذ المقرر لتوضیح وجهة نظره فی موضوعات المقرر، والتی قد تختلف قلیلا عمَّا بالکتاب الجامعی، وهذا یتوافق مع نتائج بعض البحوث التی ترى قلة رضا بعض أساتذة المقررات عن الکتب الجامعیة المؤلفة عن طریق غیرهم والتی أجبرتهم الظروف الأکادیمیة إلى تدریسها (27، ص372)، وبالتالی قد یطرح الأستاذ الجامعی بعض الأدلة أو الأمثلة التی قد لا یجدها الطلاب بالکتاب الجامعی، وهذا من وجهة نظر أساتذة المقررات شیء طبیعی، بل لابد منه لإتمام عملیات التعلم الجامعی للطلاب، وأیضًا جاءت الاستجابة (متوسطة) حول کون الکتاب الجامعی (یُقدَّم بسعر مناسب لمعظم مستویات الطلاب)؛ وذلک لأن تحدید سعر الکتاب تحکمه العدید من العوامل التی قد لا یکون للجامعة دور کبیر فیها، وتخضع لدور النشر والطباعة، ولأعداد الطلاب وغیرها من العوامل التی تجعل من الصعوبة تحدید سعر محدد لجمیع الکتب وإلزام المکتبات به .

 

 

      أما ما تمَّ الاتفاق علیه لدى عینتی البحث وکانت الاستجابة عنه بـ (قلیلة) فکانت (8) عبارات معبرة فیها عینة البحث على عدم تواجدها أو توفرها کممارسات فعلیة أثناء توظیف الکتاب الجامعی، فالکتاب الجامعی من وجهة نظرهم لا (یُقدم خبرات واقعیة تربط التعلیم بسوق العمل)، وهذا قد یکون مرده الفجوة الکبیرة بین التعلیم الجامعی ومؤسسات المجتمع الأخرى، وغیاب الإحصائیات الدقیقة المعبرة عن احتیاجات السوق من خریجی الجامعات ومواصفاتهم، وهذا ما دعا إلیه الکثیر من ضرورة تلبیة الکتب الجامعیة لحاجات المجتمع ومتطلبات سوق العمل (35، ص375)، کما أن طبیعة التعلیم الجامعی أنه یُقدم ما ینبغی أن یکون علیه الخریج فی أی مجال سیعمل فیه، دون الاهتمام کثیرًا ببعض المخالفات فی هذا السوق، وما یدور فیه من مغالطات ـ أحیانًا ـ أو أسالیب خاطئة لإعداد الطلاب بشکل صحیح منذ البدایة، أما عن طبیعة عملیة تحصیل الطلاب للمقررات فهناک العدید من الأسالیب التی أکَّد فیها الطلاب وأعضاء هیئة التدریس أنها غیر ذات جدوى بالنسبة لهم مثل (الاعتماد على الملخصات والمذکرات الصغیرة بمفردها للإلمام بمحتویات المقرر الدراسی)، وذلک لعدم قدرتها على الإلمام بکل مشتملات المقرر الدراسی، والعدید من الطلاب یُدرک هذا، أما (الاعتماد على الکتاب الجامعی بالإضافة لبعض المراجع الأخرى لإتقان مفردات المقرر الدراسی)، أو أنه (یُحدد لکل مقرر دراسی کتاب جامعی واحد ومجموعة مراجع یمکن الاطلاع علیها)، أو أنه (یُحدد لکل مقرر دراسی مجموعة مراجع یمکن الاطلاع علیها دون الالتزام بکتاب جامعی بعینه) فجاءت الاستجابة عنها بأنها قلیلة؛ نتیجة لکثرة المقررات الدراسیة، وقلة ارتیاد الطلاب لمکتبات الجامعة، ولرغبة الجمیع فی الالتزام بمصدر واحد للتقییم متفق علیه ومحدد منذ البدایة، ولأن العدید من أعضاء هیئة التدریس من غیر السعودیین یُفضلون الالتزام بکتاب واحد یتم فی ضوءه تقییم جمیع الطلاب؛ لإیجاد نوع من الحیادیة، والابتعاد عن أی شبه قد تعرضهم للمساءلة، وأیضًا من الممارسات التی أکَّد الطلاب وأعضاء هیئة التدریس على أنها لا تحدث هی (حرص الطلاب على الاحتفاظ بالکتاب الجامعی بعد الانتهاء من اجتیاز المقرر)؛ وقد یعود ذلک لقلة وعی الطلاب بأهمیة هذه الکتب الجامعیة فی حیاتهم العملیة فیما بعد، أو لأن إعدادها وتألیفها منذ البدایة لم یجذب الطلاب نحوها، ولم یحفزهم للحفاظ علیها والاحتفاظ بها حتى بعد إتمام واجتیاز المقرر، فکثیرًا ما یجد أعضاء هیئة التدریس الکتب الجامعیة ـ أثناء الاختبارات النهائیة ـ مُلقاة فی الممرات والاستراحات إشارة منهم لعدم الاهتمام بها أو الرغبة فی الاحتفاظ بها .

 

  لکن اختلفت عینتی البحث حول بعض المفردات التی استجابت عینة الطلاب عنها بأنها (قلیلة) بینما استجاب أعضاء هیئة التدریس عنها بأنها (متوسطة)، ومن ذلک أن (الکتاب الجامعی یُشجع على التفکیر فی المعرفة المُقدمة ونقدها)؛ وذلک لاهتمام الطلاب دائمًا بالرغبة فی الانتهاء من المقرر، والاستعجال فی دراسته، دون البحث والتعمق فی فلسفة هذا العلم، ونقد ما یُقدم لهم، بخلاف أساتذة المقرر الذین یسعون دائمًا لشحذ أذهان طلابهم، ودفعهم لنقد المعرفة المقدمة لدیهم بکل الوسائل، وأیضًا جاءت مفردة (الاعتماد على الکتاب الجامعی بمفرده لإتقان مفردات المقرر الدراسی) بدرجة (قلیلة) عند الطلاب؛ وذلک لاعتمادهم بالفعل على المذکرات والملخصات بجانب الکتاب الجامعی رغبة منهم للوصول إلى مواطن وضع الأسئلة، ولانشغالهم الکبیر بالاختبار وسط فلسفة تعلیمیة تُعلی من شأن هذه الاختبارات القائمة على الحفظ والاستدعاء، وأیضًا یرى الطلاب أن (الکتاب الجامعی المنفرد لکل مقرر یُعِد متخصص جید) مُعبرین بذلک عن کم المعلومات الکثیف المُقدم بتلک الکتب والتی تکفی من وجهة نظرهم لإعداد متخصصین فی ذلک المجال، على خلاف أستاذ المقرر الذی یرى ضرورة البحث والتعمق فی مجال التخصص، وأن هذه الکتب ما هی إلا نافذة صغیرة یُطل منها طالب العلم على بحر المعرفة فی مجال تخصصه، وهذا یتفق مع اعتراف الکثیر بکون الکتب الجامعیة لیس بإمکانها أن تُغطی کامل مفردات الخطة الدراسیة للطالب (27، ص375).

  وفی إطار استمرار اهتمام الطلاب المتزاید بالاختبار واعتراضهم على أیة أسئلة تأتی من خارج الکتاب المحدد کانت استجاباتهم بشکل (متوسط) حول تفضیلهم (لتحدید کتاب جامعی لکل مقرر وضرورة التزام واضع الاختبار به)، وکذلک تأییدهم لکون (الکتاب الجامعی المحدد لا یغطی جمیع أسئلة الاختبارات) فی إشارة متکررة منهم على ضرورة صب عقولهم فی قوالب جامدة، تدعوا للحفظ فقط، ورفض أیة وسیلة أو محاولة من شأنها إعمال تلک العقول فی البحث والتفکیر، مما یحملهم إلى (الاعتماد على الکتاب الجامعی والملخصات والمذکرات الصغیرة لإتقان مفردات المقرر الدراسی) بخلاف أستاذ المقرر الذی یرى ضرورة وضع بعض الأسئلة التی تنشط عقول هؤلاء الطلاب، مؤکدًا على کونها من داخل الکتب الجامعیة، لکنها بأسالیب متنوعة تحتاج من الطالب إعمال العقل والمنطق فی التعامل معها .

 

 

  أما المفردات التی إنفرد بها أعضاء هیئة التدریس دون الطلاب فکانت استجاباتهم عن بعضها بأنها (قلیلة) ومنها (أن الکتاب الجامعی یتم تحدیثه کل عام)، وأن (حوافز ومکافآت تألیف وإعداد الکتاب الجامعی تتناسب مع ما یُبذل من أجل إعداده) فبالفعل لا یتم تحدیث الکتب الجامعیة بشکل دوری؛ لقلة الامکانیات التی تدعم ذلک، وأیضًا لقلة المتابعة والرقابة التی ینبغی أن تتوفر لمراجعة هذه الکتب کل عام مما أوجد بعض الکتب الجامعیة التی مرَّ على تألیفها عشرات السنوات دون تحدیث لمحتواها أو مراجعته، وهذا ما أکدته العدید من الدراسات من أنه مازالت تُدرس العدید من الکتب بجامعاتنا العربیة لسنوات طویلة دون تحدیثها أو مراجعتها (8، ص161)، وأنه من الصعوبة وجود کتاب جامعی حالیًا یفی بمتطلبات التوصیف المحدد للمقرر، ویفی معه بحداثة المعلومات العلمیة ومواکبتها للتطور الحادث (19، ص424)، لکن کانت استجاباتهم أیضًا على بعض العبارات بأنها متوسطة (کالاعتماد داخل الأقسام على سیاسة واضحة فی إعداد واختیار وتقریر الکتاب الجامعی)، و(إجبار مؤلف أو مُعد الکتاب الجامعی بعدد محدد من الصفحات لکل کتاب) فهذه الأمور وإن کانت مقررة بالفعل فإن الالتزام بها یختلف من قسم لأخر ومن کلیة لأخرى، وذلک لصعوبة تنفیذ هذه الممارسات وسط تغییر أعضاء هیئة التدریس داخل الأقسام کل فترة وجیزة من الزمن بین مغادر ووافد، ووسط التعامل مع العدید من دور النشر المنتشرة فی ربوع المملکة، والتی یصعب معها الوصول لعدد محدد من الصفحات لکل کتاب فی ظل أنماط الإخراج التی تتمیز وتختص بها کل دار للنشر والطباعة .

  وبشکل عام فإن استجابات عینة البحث على الجزء الثانی من استبانة البحث کانت (قلیلة) مُعبرة بذلک على قلة توفر العدید من الممارسات المصاحبة للکتاب الجامعی، ومُشیرة بذلک لضرورة إعادة النظر فی أحوال الکتاب الجامعی بجامعاتنا العربیة؛ حتى یستطیع الصمود أمام مستقبل قادم لا محالة، یحتاج لإعداد خاص لطلابه، ومن خلال ما سبق تتم الإجابة عن السؤال الثالث والرابع من أسئلة البحث الحالی . 

وللإجابة عن السؤال الخامس وهو ما مستقبل الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة؟ کان من الضروری التمهید لذلک بنبذة عن الدراسات المستقبلیة ومنهجیتها کما یلی:

 

      أسالیب الدراسات المستقبلیة ومنهجیتها:

  إذا کان الهدف الأساسی والنهائی لهذا البحث هو التوصل لصورة مستقبلیة عن الکتاب الجامعی واستخداماته ومکانته، فإنَّ الأجزاء السابقة من البحث کانت تؤکد أهمیة التوصل إلى هذه الصورة وتُظهر أهمیة الأوعیة التی یُقدم من خلالها کل ما یُراد غرسه فی عقول ونفوس طلاب التعلیم الجامعی، والواقع الراهن لأوضاع الکتاب الجامعی، وهذه کلها ضرورات ومقدمات لا تتم الدراسة المستقبلیة إلاَّ بالتعرف علیها، أما الدراسة المستقبلیة فلا یمکن إجراؤها بشکل مباشر ـ فی هذا البحث ـ دون التمهید لها بإطار نظری یوضح ملامح أدبیات الدراسات المستقبلیة، والتی تعنی بمستقبل التعلیم وصناعته.

علم المستقبل:Futurology": علم یستند إلى مناهج وأدوات علمیة تیسر عملیات الرصد المستقبلی والتنبؤ بدرجة تعلو على التأملات والحدس والتخمین، ویمنح الإنسان رؤیة ومفهومًا عن التحولات التی یمکن أن تطرأ على حیاته ومن ثم إمکانیة وضع بدائل والاختیار من بینها؛ لتوجیه السیاسات الإنمائیة الاقتصادیة والاجتماعیة والتربویة فی الوقت الراهن وفی المستقبل"(47، ص 79) .

أما الدراسات المستقبلیة: تعرف بأنها "تلک الدراسات التی تهتم باستشفاف المستقبل ومشکلاته، والتنبؤ بالقوى المؤثرة فیه والحوادث التی یمکن أن تحدث فیه، ثم محاولة توجیه حرکة سیر الأحداث فی المستقبل، والتحکم فی القوى والعوامل المؤثرة لخدمة أغراض المجتمع والفرد، وهذه المحاولة للتحکم فی صورة المستقبل هی ما تسمى بالهندسة الاجتماعیة أو التکنولوجیا الاجتماعیة" (10، ص85).

والدراسات المستقبلیة من الحتمیات والضروریات التی لا یمکن الاستغناء عنها، فمستقبل مجتمع من المجتمعات لا یمکن أن یُترک للقوى التلقائیة أو للمصادفات التاریخیة، ذلک أنه إذا لم یسارع المتخصصون بتخطیط الصورة المستقبلیة المرغوب فیها فی مجتمعهم من منظور المصلحة العامة فسوف یتولى الآخرون تلک المهمة عنهم، ولکن مع فارق أساسی ألا وهو أنهم سوف یرسمون مستقبل هذا المجتمع طبقًا لمصالحهم هم، ولا شک أن أعتى ما یصیب مجتمعًا هو أن تشکل صورته المستقبلیة قوى خارجیة، تتجاهل إرادة أفراده ومصالحهم المشترکة (34، ص81) .

 

 

منهجیة الدراسة العلمیة للمستقبل:

تبدأ الدراسة العلمیة لمستقبل موضوع ما باختیار أنسب مداخل دراسة مستقبل هذا الموضوع، وفی ضوء المدخل المختار یتم تحدید أنسب نمط من أنماط دراسة المستقبل، وفی ضوء کل من المدخل والنمط المختارین یتم الاعتماد على المنهج أو الأسلوب البحثی المناسب، وهذه صورة مختصرة لتلک المداخل والأنماط لتحدید ما یناسب موضوع البحث الحالی .

ـ مداخل الدراسة العلمیة للمستقبل: Approaches of futurology

صنف أحد الباحثین هذه المداخل إلى ثلاثة مداخل هی: المدخل الاستقرائی وهو یتناول الماضی والحاضر ویستقرئ منهما المستقبل، ومدخل المدینة الفاضلة: وهو یتناول المستقبل من وجهة نظر الحاضر، ویُعد المستقبل مدینة فاضلة (یوتوبیا)، ومدخل الرؤیة الثاقبة: وهو معنِی بالماضی والحاضر معًا، حیث یبحث فیهما عن مؤشرات لتحقیق الأهداف المستقبلیة المأمولة أو إحباط الأمور التی یخشى من وقوعها         (53، ص119).

بینما یرى آخرون أن هناک خمسة مداخل أساسیة لتحدید الصورة المستقبلیة،وهی: أن المستقبل امتداد طبیعی للماضی وهنا لا مجال لتوقع حدوث طفرات (تغیرات جذریة)، وأن المستقبل صورة من الحاضر حیث إن صورة المستقبل مشابهة لما هو کائن فی الحاضر، وأن المستقبل صورةً متغیرةً واحدة: حیث إن صورة المستقبل عبارة عن بدیل واحد هو الصورة المرغوبة التی یجب أن تکون الصورة المستهدفة، وأن المستقبل         شامل: حیث یتم تحدید صورة المستقبل من خلال دراسة شاملة لکل نواحی الحیاة (الاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة)، کذلک یشترک فی رسم تلک الصورة مختلف الجهات والتخصصات بالمجتمع  (14، ص 57) .

وهناک تصنیف آخر یرى أن هذه المداخل أربعة مداخل فی مقابل أربعة مداخل أخرى، المدخل المحافظ فی مقابل المدخل الرادیکالی، والمدخل الکمی فی مقابل المدخل الکیفی، والمدخل الموضوعی فی مقابل المدخل الذاتی، والمدخل الجزئی فی مقابل المدخل الکلی (53، ص122) .

 

 

     أنماط الدراسات المستقبلیة:

النمط الحدسی: Intuitive Type یقوم هذا النمط على الخبرة الذاتیة أو الحیاتیة للباحث أو الشخص الذی یجرى الدراسة المستقبلیة (34، ص51)، أما النمط الاستطلاعی: Exploratory Type یعتمد على استطلاع مستقبل علاقات قامت فی الماضی، حیث یتم التعبیر الصریح عن کیفیة إجراء هذا الاستطلاع، وبذلک فهو یهدف إلى استکشاف صورة المستقبل المتوقع أو المحتمل أو الممکن تحقیقه، لکن فی ضوء افتراضات معینة یضعها الباحث من البدایة، وفی ضوء قاعدة موضوعیة من البیانات ذات الطابع الکمی أساسًا، أی أنه نمط یتحقق فیه قدر کبیر من الموضوعیة (53، ص126) .

  والنمط الاستهدافی أو المعیاری: Normative Type ینطلق النمط المعیاری من العباءة الذاتیة للباحث ولکنه یتجاوزها مستفیدًا بشتى الإضافات المنهجیة التی استحدثتها العلوم التطبیقیة والریاضیة مع عدم إغفال أهمیة الخبرات والاستبصارات، وتبدأ خطواته المنهجیة من المستقبل بتحدید أهداف معینة ثم العودة إلى الحاضر مع تحدید الإجراءات والسیاسات الکفیلة بتحقیق تلک الأهداف فی المستقبل(14، ص50) ، أما نمط التغذیة العکسیة: Feedback Model Type یرکز على مجمل المتغیرات المؤثرة فی النظام فی إطار یجمع بین النمطین الاستطلاعی والاستهدافی فی شکل تغذیة مرتدة، تعتمد على التفاعل المتبادل بینهما (53، ص127).

     السیناریوهات کأحد الأسالیب المنهجیة فی الدراسات المستقبلیة:

ـ مفهوم السیناریو:

 یعرفه البعض بأنه (المشهد) فهو "تصور ذهنی أو فکری لمجموعة من الاحتمالات المتوقعة أو الممکنة لمسیرة ظاهرة ما أو متغیر ما، حیث یُصاغ التصور فی مجموعة من التنبؤات المشروطة التی تنطلق من مفهوم (ماذا ، لو) أی ماذا یمکن أن یحدث لو تحققت عدة شروط".(31، ص59)، ویعرفه (إبراهیم العیسوی) بأنه (وصف لوضع مستقبلی ممکن أو محتمل أو مرغوب فیه، مع توضیح لملامح المسار أو المسارات التی یمکن أن تؤدی إلى هذا الوضع المستقبلی، وذلک انطلاقًا من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائی مفترض (1، ص7).

 

 

   أهداف السیناریوهات:

        تتنوع أهداف السیناریوهات تبعًا لاختلاف تصور الکُتاب عن غرض الدراسة المستقبلیة والتی یمثل السیناریو فیها الأداة المحققة لأهدافها، ومن تلک الأهداف: تنشیط خیال الناس ومساعدتهم على اتخاذ قرارات أفضل بشأن المستقبل الیوم، وصیاغة رؤیة مستقبلیة بعینها من خلال توصیات صریحة بشأن الاختیارات والقرارات التی ینبغی اتخاذها من الآن للوصول إلى الوضع المستقبلی المرغوب، وتحریک الأفراد وتعدیل قراراتهم فی اتجاه تحویل هذه الرؤیة المستقبلیة المرغوبة إلى واقع (22، ص212) (53، ص 178) .

    ـ أنواع السیناریوهات:

من المعتاد أن یتم بناء عدد من السیناریوهات فی أی دراسة مستقبلیة جادة، فالسیناریو الواحد للموقف مرفوض؛ لأنه یصبح قرارًا مسبقًا لا یراعی تطور الأحداث، ویفقد السیناریو مبرره، کما إنه یقضی فی هذه الحالة على الفکرة البدیلة ولیدة علم المستقبل، والأصل فی تعدد السیناریوهات هو ما یحیط بالمستقبل من غموض وظنون واحتمالات، ومن ثم غیاب للیقین uncertainty (1، ص11).

فمن حیث الشمول تنقسم إلى سیناریوهات شاملة: وهی تتعلق بالعالم بأکمله أو إقلیم أو بلد ما وسیناریوهات متخصصة: وهی ترتبط بالنمو المنتظر أو الممکن لصناعة معینة خاصة أمثال (صناعة المعلومات، أو مشکلات المیاه بالشرق الأوسط وبعض من أجزاء العالم، أو النفط الخلیجی) (42، 176).

ومن حیث الهدف: تقسم إلى السیناریوهات الاستطلاعیة: هنا ینطلق کاتب السیناریو من المعطیات والاتجاهات العامة القائمة لاستطلاع المحتمل أو الممکن من التصورات، وذلک دون التزام مسبق بأهداف محددة یُراد تحقیقها فی نهایة فترة الاستشراف، وسیناریوهات استهدافیة أو توقعیة أو مرغوب فیها: هنا تکون نقطة البدء مجموعة أهداف محددة یرجى تحقیقها فی المستقبل، یتم ترجمتها إلى صورة مستقبلیة متناسقة، ثم یرجع کاتب السیناریو من المستقبل إلى الحاضر؛ لکی یکشف المسار أو المسارات الممکنة لتحقیق تلک الصورة، محددًا النقاط الحرجة التی تتطلب اتخاذ قرارات مهمة (53، ص181) .

 

ومن حیث العدد: یرتبط العدد المناسب للسیناریوهات بالأنواع المتصورة لها فیصنفها البعض فی شکل ثنائی أو ثلاثی أو رباعی کما یلی:

1ـ الشکل الثنائی: هناک سیناریوهات استطلاعیة وأخرى استکشافیة کما ورد سابقًا .

2ـ الشکل الثلاثی: سیناریو مد الاتجاه التاریخی أو المرجعی أو الخطی: وهو یفترض استمرار الاتجاهات العامة ـ التی سادت فی الماضی ـ فی المستقبل، وهو یعبَّر عن الوضع الأکثر احتمالاً لتطور الظاهرة محل البحث، ویتعلق باستمرار الأوضاع الراهنة من حیث ما تحمله من تفاؤل أو تشاؤم مع عجز القدرة على التغییر، ویتمیز بإمکانیة التطبیق الفعلی، وسیناریو التعجیل عن الاتجاه التاریخی أو الإصلاحی أو المتفائل: وهو یفترض تحسین الأحوال مما یبکر فی تحقیق الهدف، ویعبِّر عن الأمل فی مسار تطور الظاهرة، وهو متعلق بتکییف وإدخال بعض الإصلاحات بقصد الوصول بالاتجاهات الحالیة نحو انسجام أکثر من أجل إنجاز حد أدنى من الأهداف المتفائلة، ویتمیز بإمکانیة التطبیق الفعلی المشروط، وسیناریو التأخیر عن الاتجاه التاریخی أو المتشائم: وهو یفترض الانتقال إلى وضع أسوأ بافتراض سوء الأحوال، مما یؤخر تحقیق الهدف خاصة فی حالات تدهور الاقتصاد، وهو نقیض للسیناریو الثانی فی حالة عدم توافق الظروف والاتجاه بالحال إلى کارثة أو موقف صعب (31، ص62) (22، ص222) .

3ـ الشکل الرباعی: السیناریو المرجعی أو استمرار الوضع القائم: status quo scenario ، وسیناریو الانهیار: collapse scenario وهو یمثل عجز النسق عن الاستمرار، أو فقدان قدرته على النمو الذاتی، أو بلوغ تناقضات النظام حدًا یفجره من داخله، وسیناریو العصر الذهبی الغابر أو السیناریو السلفی أو سیناریو الحالة المستقرة: Return or steady-state scenario وهو مبنی على العودة إلى فترة زمنیة سابقة، یفترض أنها تمثل الحیاة المستقرة الآمنة الودیعة والنظیفة ، وسیناریو التحول الجوهری: Transformation or fundamental change scenario وهو ینطوی على حدوث نقلة نوعیة فی حیاة المجتمع سواء أکانت اقتصادیة أم تکنولوجیة أم سیاسیة أم روحیة (1، ص14) .

أما عن نوع السیناریوهات فی البحث الحالی فهی سیناریوهات استطلاعیة؛ لأن البحث ینطلق من معطیات قائمة عن الکتاب الجامعی وواقع استخدامه؛ للوصول إلى أوضاع محتملة للکتاب الجامعی، دون التزام مسبق بأهداف محددة للسیناریو غیر رصد الصور المتوقعة عن هذه الأوضاع وتحدید القوى المؤثرة فی ذلک .

 

ـ سمات وشروط السیناریوهات الجیدة:

   حتَّى تکون السیناریوهات قابلة للتطبیق، ومحددة لرؤیة مستقبلیة واقعیة فعلیها أن تتمیز بالآتی: أن تکون ممکنة الحدوث Possible ، سهلة الفهم؛ حتى یمکنها المساعدة على التعلم والتواؤم وتعدیل التصرفات والأولویات لاتخاذ القرار الملائم، وأن یکون بین السیناریوهات مهما یکن عددها قدر واضح ملموس من الاختلاف والتمایز، وأن تکون قادرة على استکشاف النتائج والآثار المحتملة للاختیارات، ومن ثم دعم القرار المتعلق بالمستقبل الذی یتسم بعدم الیقین وإشراک المستفیدین المحتملین لهذه السیناریوهات فی عملیة بنائها وتحلیلها (1، ص 20) (22، ص 222) (23، ص 21) .

ـ خطوات بناء السیناریوهات:

یرى (فایز مراد مینا) أن السیناریوهات المستقبلیة لأی دراسة مستقبلیة تبدأ من تحدید هدف الدراسة المستقبلیة، وتوضیح بعض مسلماتها، ثم تحدید منطلقات هذه الدراسة، ثم تناول واقع الظاهرة وعناصر القوة فیها، وکذلک العوامل الحاکمة أو المؤثرة فی ذلک الواقع، ثم کتابة السیناریوهات والتی تحتوی على المدخل الرئیسی لکل سیناریو وربطه بالأوضاع السائدة، ومتطلبات أساسیة للسیناریو، وسیاسات تُجرى لتحقیق هذه المتطلبات ، وأمور مستبعدة عن التحقق فی السیناریو ، وتقدیم تقدیرات کمیَّة فی کل سیناریو، وخلاصة لصورة العناصر الحاکمة فی کل سیناریو، ونظرة إجمالیة إلى التکلفة والعائد المجتمعین من السیناریوهات   (36، ص39) .

  ویشیر (إبراهیم العیسوی) إلى أن خطوات بناء السیناریو ما هی إلاَّ عوامل تساعد کاتب السیناریو على تنظیم أفکاره حول الماضی والحاضر، وترتیب العوامل المؤثرة فی الظاهرة محل البحث حسب أهمیتها أو حسب قدرتها على التأثیر فی غیرها من العوامل، واکتشاف نوع من المنطق فی تتابع الأحداث والتصرفات، والوقوف على بعض العلاقات الحاکمة لمسار التطور، وحصر البدائل الممکنة أو المحتملة لاختیار عدد محدود منها لصیاغة الأحداث وتسلسل المشاهد فی کل منها، ولکنه قدَّم مجموعة من الخطوات یمکن اتباعها فی بناء السیناریوهات، حیث اقترح ستة خطوات هی:(1، ص ص 30: 50)

 

   الخطوة الأولى ـ وصف الوضع الراهن والاتجاهات العامة: ویتم ذلک الوصف عن طریق:

       استعراض العناصر الأساسیة فی الوضع الراهن للظاهرة أو المجتمع، مع بیان نقاط الضعف والقوة لکل عنصر، وتحدید الاتجاهات العامة ـ خاصة المعارضة ـ حیث تمثل الاتجاهات المعارضة بدایات التغییر التی قد یکون أثرها غیر محسوس فی الوقت الراهن لکنها تنبئ بتحولات مهمة فی المستقبل،.ثم بلورة أسئلة حول الهموم والقضایا الرئیسة محل الدراسة .

الخطوة الثانیة ـ فهم دینامیکیة النسق أو النظام والقوى المحرکة له:

      والغرض من هذه الخطوة هو الکشف عن القوى المحرکة للنظام وتحلیل العلاقات والتشابکات، وکذلک تحلیل سلوک الفاعلین الرئیسیین مما یساعد على فهم دینامیکیة النظام، وکذلک تحریک النظام فی مختلف الاتجاهات عن طریق تحریک العناصر ذات التأثیر الأکبر على غیرها إذا کانت عناصر داخلیة، وکذا عن طریق النظر فی کیفیة الاستفادة من العناصر المؤثرة إذا کانت عناصر خارجیة .

  ویتم تحلیل سلوک الفاعلین الرئیسیین فی النظام من خلال: تحدید الفاعلین الرئیسیین، وهم أولئک الفاعلین الذین یمارسون درجة محسوسة من السیطرة أو التحکم بشکل مباشر أو غیر مباشر فی المتغیرات الرئیسة فی النظام التی حددت من قبل، ثم تحلیل سلوکیات الفاعلین، من حیث أهدافهم، ومشاکلهم، ومواقفهم من القضایا المختلفة، وکذلک تحلیل العلاقات التی یمکن أن تنشأ عن اتفاقهم أو اختلافهم فی الأهداف، ویمکن إجراء هذا التحلیل من خلال أسلوب تحلیل استراتیجیات الفاعلین، وتکمن أهمیة الخطوة الثانیة من خطوات بناء السیناریو فی کونها تُعد عنصرًا مهمًا فی فهم النظام محل الاستشراف، وکذلک فهی تکون قاعدة معلومات وافیة لازمة لتکوین فضاء السیناریوهات البدیلة، ومن ثم یمکن تصغیر ذلک الفضاء إلى حد عملی مقبول .

الخطوة الثالثة ـ تحدید فضاء البدائل والسیناریوهات البدیلة:

  والغرض من هذه الخطوة هو حصر البدائل الممکنة أو السیناریوهات المحتملة، وذلک بالنسبة للعوامل المختلفة فی مجالات التأثیر فی ضوء فهم دینامیکیة النظام والقوى المحرکة له وسلوک الفاعلین فیه.

 

    الخطوة الرابعة ـ فرز السیناریوهات البدیلة واختیار بعضها:

  والغرض من هذه الخطوة هو تقلیل عدد السیناریوهات، بحیث نختار البدائل الممکنة ، والمتمایزة بدرجة واضحة عن بعضها، والتی یتحقق فی کل سیناریو فیها درجة عالیة من الاتساق الداخلی، ویتم تحقیق ذلک بإحدى الطریقتین إما بالمناقشة واستعمال الخیال والحدس عن طریق فریق السیناریو، أو بإجراء تحلیل إتساق، حیث یتم تکوین مصفوفة الاتساق، والتی تحتوی على العوامل الشارحة للمجالات وکذا بدائلها والتی یمکن أن تأخذها فی المستقبل، ثم مناقشة ذلک داخل فریق السیناریو، ثم تتم معالجة بیانات المصفوفة على الحاسب الآلی للحصول على البدائل الممکنة نظریًا، والتی یُختار منها ما تتوافر فیه المعاییر السابقة، وهذه الطریقة ملائمة فی حالة وجود عدد کبیر من العوامل الشارحة للمجالات .

الخطوة الخامسة ـ کتابة السیناریوهات المختارة:

  والغرض من هذه الخطوة تفسیر السیناریوهات المختارة وقد یقتضی ذلک استیفاء مدخلات السیناریوهات المختارة من المعلومات، سواء بإضافة عوامل أو تفاصیل معینة، أو بدمج تصورات مستقبلیة أخرى فی تلک السیناریوهات والتعرف على ردود الفعل المحتملة لکل الأطراف المعنیة، وذلک للتصورات التی یشتمل علیها کل سیناریو، فإذا سارت الأمور على النحو المتضمن فی السیناریو (س) فماذا سیکون رد فعل الحکومة مثلاً وصیاغة کل سیناریو بشکل سردی، وهنا ینبغی إبراز عناصر السیناریو والمتمثلة فی تحدید الشروط الابتدائیة، ووصف الوضع المستقبلی، وکذا المسار المستقبلی، مع ضرورة العنایة باستطلاع احتمالات حدوث انقطاعات أو تحولات فی أی سیناریو .

الخطوة السادسة ـ تحلیل نتائج السیناریوهات:

ویتوقف العمل فی مثل هذه النقطة على الهدف من بناء السیناریو أصلاً، وعلى وجهة نظر فریق البحث لعملیة بناء السیناریوهات من حیث کونها عملیة علمیة فقط أو أنها عملیة تجمع بین العلمیة والاستهداف، کذلک یتوقف العمل فی هذه الخطوة على الطریقة العامة المتبعة فی بناء السیناریوهات حدسیة کانت أم نمذجة أم تفاعلیة .

 

ویُلاحظ على ما سبق من عرض لکیفیة بناء السیناریو أن هناک اتفاقًا على أنه لا توجد خطوات محددة لبناء السیناریو وإنما توجد خطوات مقترحة وعناصر یجب توافرها لتوجیه عملیة بناء السیناریو بشکل علمی، وأن هناک اتفاق على أن نقطة البدایة فی بناء السیناریو هی وضع قائمة بمظاهر ونواحی الموضوع موضع الاهتمام، ثم طرح تساؤلات حول تلک القائمة، ثم الإجابة عنها، ولعل عملیة فهم دینامیکیة النسق هی أهم مراحل بناء وإبداع السیناریو؛ لأنها تحدد المسارات المحتملة وبالتالی المستقبلات الممکنة .

        سیناریوهات مستقبل الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة:

یسعى البحث فی هذا الجزء إلى تقدیم رؤیة لصور مستقبل الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة معتمدًا على ما ورد فی البحث سابقًا، والتی تُعد خطوة ضروریة لا یمکن التوصل إلى الصور المتوقعة بدونها، وذلک بعد التأکید على أن المؤسسات التربویة والتعلیمیة علیها أن تستشرف احتیاجات المستقبل حتَّى تخطط لها وتوفرها، وهنا ستصبح مهمة الکتاب الجامعی أکثر تنوعًا، وقد تکون أکثر احتیاجًا فی ظل عصر یعیش موجة تتسم بالسرعة والتغیرات الفجائیة، وأحیانًا العشوائیة، وأصبح المستقبل ـ فی ظل ذلک ـ مبهمًا، فکیف یواجه التعلیم هذا ؟ فالمستقبل عالم متغیر غیر محدد المعالم، یتمیز بتنبؤاته السریعة، وتقدمه العلمی والتکنولوجی، والانفجار المعرفی، وهنا من الصعب تصور مستقبل الکتاب الجامعی دون دراسة علمیة لها منهجیتها، وهذا ما أید ضرورة دراسة هذا المستقبل من خلال السیناریوهات، وذلک فی ظل یقین تام بأن المستقبل بید الله ـ عز وجل ـ وأن ما یُفعل بشأنه هو بناء فنارات توجه الحرکة نحو رؤیة هذا المستقبل، مع افتراض بَدَهی قائل بأنَّ المستقبل غیر معروف، وهذا یعنی أن القصص أو السیناریوهات التی یتم استحداثها هی افتراضیة، فالصور التی یضعها السیناریو للمستقبل هی مجرد افتراض معقول للمستقبل، ویحتمل أن یتحقق کما یحتمل ألاَّ یتم حدوثه، وعلى الباحث أن یتقصى أقصى درجات الدقة والموضوعیة للوصول إلى سیناریوهات عالیة الاحتمالیة .

لذلک ستتناول الدراسة المستقبلیة الحالیة ثلاثة سیناریوهات عن مستقبل الکتاب الجامعی فی عام 2050 والذی یمثل نهایة فترة الاستشراف، وسوف تمر عملیة بناء السیناریوهات بمجموعة من الخطوات حتَّى یمکن التوصل إلى المشاهد أو الصور البدیلة التی التزمت الدراسة المستقبلیة الحالیة بهاوهی:

 

  أولاً ـ هدف سیناریوهات هذه الدراسة المستقبلیة:

هناک هدف رئیس لسیناریوهات هذه الدراسة هو تحدید الصور أو المشاهد أو البدائل المستقبلیة المختلفة لأوضاع الکتاب الجامعی واستخداماته، وتتکامل مجموعة من الأهداف الفرعیة لتحقیق هذا الهدف، منها: عرض النتائج المترتبة على کل بدیل مقترح لهذه الأوضاع والاستخدامات سواء على الطالب أو عضو هیئة التدریس نفسه، وتحدید الفاعلین الرئیسیین أو (قوى الضغط) أو العوامل المؤثرة فی کل سیناریو، ومدى العلاقة بینهم، والقضایا التی تحظى بالأولویة فی اهتماماتهم، وشحذ أفکار الناس حول هذه الصور؛ لاستثارة النقاش حولها، واستدعاء ردود الفعل تجاهها، والتفکیر فی مستقبل الکتاب الجامعی بالجامعات العربیة لیس فقط فی حدود السیناریوهات الثلاثة المطروحة بل قد یرفضها البعض ویضعون تصورات أخرى هی الأفضل من وجهة نظرهم، ومساعدة صانع القرار فی محاولة السیطرة على مستقبل الکتاب الجامعی، بل وإمکانیة التحکم فی العالم المقبل من خلال التحسُب له، فی إطار فترة الاستشراف المحددة، وفی ظل اکتشاف بعض المشکلات التعلیمیة، والتی تخص عمل عضو هیئة التدریس، ومن ثم التهیؤ لمواجهتها أو الحیلولة دون وقوعها .

ثانیًا ـ نوع السیناریوهات فی هذه الدراسة:

سیناریوهات هذه الدراسة هی سیناریوهات استطلاعیة (استکشافیة) تنطلق من واقع الکتاب الجامعی ومدى توفرمعاییر الکتاب الجامعی الجید به، والعوامل المؤثرة فی ذلک؛ لاستطلاع المحتمل أو الممکن من التطورات فی أحوال واستخدامات الکتاب الجامعی، دون إلتزام مسبق بأهداف محددة یُراد تحقیقها فی نهایة فترة الاستشراف، وهنا یمکن استقراء التصرفات من خلال فهم مصالح الفاعلین الرئیسیین وسلوکیاتهم وحدود حرکتهم، وتمَّ الاعتماد على السیناریوهات الاستطلاعیة أکثر من الاستهدافیة؛ لأن الهدف من السیناریوهات هو تبصیر متخذ القرار بتوجهات واحتمالات المستقبل أکثر من الإشارة علیه بمستقبل معین .

ثالثًا ـ مسلمات سیناریوهات هذه الدراسة:

تُبنى سیناریوهات هذه الدراسة على أساس عدد من المسلمات منها: أن التدریس بالجامعات فکرة أکبر بکثیر من مجرد نقل المعلومات، فهو فی مجمله بناء وتشکیل لفکر طلابه، خاصة فی ظل التعامل مع الإعداد الکبیرة من الراغبین فیه، والتغیر المتسارع للمعارف والنظریات، وأن التعلیم الأمثل یستجیب بدقة لاحتیاجات طلابه المتغیرة مع نضجهم شیئًا فشیئًا، ویعطیهم سیاقًا إنسانیًا وثقافیًا یستوعبون فیه کل ما یحدث من حولهم، ویتحتم على التعلیم الجامعی أن یواکب التغیرات المعرفیة والتکنولوجیة، خاصة وأن التراکم والتکاثر المعرفی والتکنولوجی یؤدی دورًا متعاظمًا فی مستقبل الشعوب .

 

 

رابعًا ـ وصف الوضع الراهن لواقع الکتاب الجامعی بجامعاتنا العربیة:

  المقصود هنا تحدید نقطة الانطلاق، أو (قواعد الانطلاق) فی بناء السیناریوهات، أو ما یُطلق علیها مجموعة الشروط الأولیة، أو خلفیة المشاهد التی ستتتابع عبر الزمن، وتؤدی فی نهایة المطاف إلى صورة مستقبلیة أو أخرى کما هو متبع فی السیناریوهات الاستطلاعیة، وهذه الجزئیة تمثل خلاصة أو تحدیدًا موجزًا لإشکالیات واقع الکتاب الجامعی من حیث تحدید نقاط الضعف أو القصور، وکذلک التعرض لنقاط القوة الملاحظة أو المرصودة، فقد تمَّ رصد هذا الواقع من خلال الإجابة عن الأسئلة من الأول إلى الرابع من هذا البحث، وکانت النتائج فی مجملها قلة الالتزام بمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، وقلة رضى الطلاب وکذلک أعضاء هیئة التدریس عن أحوال ومکانة الکتاب الجامعی فی مسار العملیة التعلیمیة.

خامسًا ـ تحدید القوى المحرکة أو سلوک الفاعلین الرئیسیین فی تحقیق الکتاب الجامعی للدور المنوط به:

  والغرض من هذه الخطوة هو الکشف عن القوى المحرکة، وسلوک الفاعلین الرئیسیین فی الوقت الحاضر، والوقوف على درجة تأثیر هذه القوى على تحقیق الکتاب الجامعی لدوره، ومن ثم استعمال هذا الفهم فی تحریک العناصر ذات التأثیر الأکبر على غیرها فی إعداد السیناریوهات المقترحة، أو رصد الأثر المحتمل لمتغیر على آخر، حیث إن بعض المتغیرات ذات الأثر الضعیف قد یصبح لها أثر قوی فیما بعد .

  وقد توصل البحث الحالی إلى هذه العوامل من خلال ما تمَّ استخلاصه من أُطر نظریة، وکذلک من خلال ما توصلت إلیه الدراسة المیدانیة الخاصة بتحدید واقع استخدام الکتاب الجامعی، وقد توصلت هذه الدراسة إلى مجموعة من العوامل أو القوى المحرکة الفاعلة فی تحقیق الکتاب الجامعی لهذا الدور، ویمکن تناولها فی هذه الخطوة کما یلی:

 

 

1ـ العوامل الخاصة بمؤلف أو مُعد الکتاب الجامعی والتی یکون لها تأثیر إیجابی کبیر فی قیامه بدوره تجاه إعداد وإنتاج کتاب جامعی مناسب لطلابه ولطبیعة المقرر المُقدم للطلاب، حینما یسعى لجعل کتابه یغطی معظم مفردات المقرر الدراسی وفقًا لتوصیفه، مراعیًا خصائص المجتمع ومتطلباته، وحاجات الطلاب العلمیة بتلک المرحلة، مع احتوائه على معظم المعارف والمهارات المطلوبة والمواکبة لأخر تطورات العلم، من خلال أنشطة تعلیمیة إجباریة وکذلک اختیاریة، وأیضًا حینما یجعل من کتابه مصدرًا لاستغلال مصادر التعلم الموجودة فی البیئة المحلیة من خلال العدید من الأسئلة والتمارین المطروحة فی کل فصل من فصوله، والتی من خلالها یُقدم الکتاب الجامعی دعائم للتعلم الذاتی، وإثارة الملکات ومهارات الطلاب الإبداعیة، وکذلک عندما یکون على درایة وألفة بمبادئ التصمیم والإخراج العلمی للکتاب الجامعی، وأیضًا وضع آلیات واضحة تُرشد الطلاب للوصول للجداول والأشکال والرسوم بشکل سهل ومناسب.

 لکن قد یکون المؤلف أو مُعد الکتاب الجامعی  نفسه معوقًا حیال إتمام تحقیق الهدف من وجود الکتاب الجامعی  حینما لا یبالی فی الاهتمام بضرورة مراعاة کافة معاییر الکتاب الجامعی الجید، فلا یهتم بتقدیم کافة العناصر المحوریة التی یشملها توصیف المقرر، ولا یهتم بتضمین الکتاب مقدمة شاملة توضح أهداف الکتاب العامة ومحتویاته وطریقة عرضها داخل الکتاب، وکذلک عدم مراعاته للتوفیق بین الجانب النظری والتطبیقی فی فصول الکتاب المختلفة، وکذلک عدم طرحه لبعض الأمثلة المعاصرة المتعلقة بموضوعات المقرر، وأیضًا إغفاله للمحفزات المتنوعة لتناول محتوى الکتاب بجدیة، کما إنه لایهتم بتوثیق جمیع المعلومات الواردة بدقة وأمانة، وکذلک لا یهتم بوضع إرشادات للقراءات المساعدة الإضافیة لطلابه وبالتالی لا یراعی المستویات المختلفة من الطلاب بما فیهم المتعثرین، کما إنه لا یبالی من تکرار بعض المعلومات فی موضوعات کتابه، وأیضًا لا یحرص على عرض محتویات کتابه وعناوینه فی تصمیم واضح وثابت، مع عدم إلتزامه بتسلسل هرمی لتلک الموضوعات الواردة داخله،  وأیضًا لا یهتم بإنهاء الکتاب بقائمة مرتبة وصحیحة لجمیع المراجع المستخدمة .

 

2ـ العوامل الخاصة بالطلاب أنفسهم والتی تمثل عوامل میسرة لتحقیق الکتاب الجامعی للأهداف المنوطة به عندما یهتم الطالب بمتابعة الکتاب الجامعی لإتمام إتقان مقرراته الدراسیة، مع متابعة جمیع تعلیمات أستاذ المقرر الخاصة بالکتاب الجامعی أو المراجع المساعدة الإضافیة، وعندما یبتعد عن العادات السلبیة فی تعامله مع محتویات المقرر الدراسی سواء بالبحث عن الملخصات مجهولة المصدر، أو الاکتفاء ببعض المذکرات ضعیفة المحتوى، وحینما یشارک الطالب فی الأنشطة التی یتضمنها الکتاب الجامعی، وحینما یناقش ویشارک أستاذه فی محتویات الکتاب الجامعی، لکن قد یکون الطالب معوقًا لنجاح الکتاب الجامعی فی تحقیق أهدافه حینما یتمسک الطالب ببعض الأفکار الخاطئه ویرفض التخلی عنها مثل تمسکه بالاعتماد على الملخصات والمذکرات بدلاً من الکتب الجامعیة، وحینما لا یهتم بالاحتفاظ بکتبه الجامعیة للاستفادة منها لاحقًا، وحینما لا یهتم بممارسة الأنشطة المتعددة داخل الکتاب الجامعی، وحینما لا یهتم بالحصول علیه إلا فی نهایة الفصل الدراسی، وحینما یهجر الکتاب الجامعی ولا یثق به لاجتیاز المقرر الدراسی .

3ـ العوامل الخاصة بإدارة المؤسسة التعلیمیة التی یُقدم من خلالها الکتاب الجامعی والتی یکون لها تأثیر إیجابی کبیر فی تحقیق الکتاب الجامعی لأهدافه حینما تنسق إدارة الکلیة لضرورة الانسجام بین محتوى الکتاب الجامعی المقرر والکتب الدراسیة الأخرى فی ذات التخصص، وحینما تهتم بضرورة توافق محتوى الکتاب وعنوانه، وحینما تنسق للتوازن بین محتوى وحجم الکتاب وعدد ساعات المقرر الدراسی، وکذلک عندما تهتم بمراجعة الکتاب الجامعی لضمان خلوه من الأخطاء اللغویة والمطبعیة، ومناسبة أنواع وأحجام الخطوط للقراءة المیسرة للطلاب، مع الاهتمام بنوعیة أوراقه وطرق طباعته، وحینما تمنح مؤلفی الکتب الجامعیة الحوافز والمکافأت التی تتناسب وما یُبذل من أجل إعداده .

لکن قد تعوق إدارة المؤسسة التعلیمیة تحقیق الکتاب الجامعی لأهدافه وبذلک یتحول دورها إلى دور سلبی تجاه الکتاب الجامعی حینما لا تُلزم الأقسام بضرورة وضع قواعد والالتزام بها فی إعداد وتألیف الکتب الجامعیة، وحینما لا تهتم بالتأکد من کون الکتب الجامعیة تتناسب وتوصیف کل مقرر، وحینما لا تهتم بمراجعة کافة الکتب الجامعیة، وحینما لا تتخذ خطوات إجرائیة تجاه من یُروِّج للملخصات والمذکرات التی لا تهتم بتکوین الطالب علمیًا ومهاریًا، وحینما لا تدعم الکتاب الجامعی بشکل حقیقی حتى یصبح سعره مناسبًا لمعظم مستویات الطلاب .

  ویُعد تحدید الفاعلین الرئیسیین وتحلیل أهدافهم واستراتیجیاتهم وسلوکیاتهم من العناصر المهمة فی فهم النسق محل الاستشراف، وفی تکوین قاعدة معلومات وافیة  تُبنى علیها عملیة تکوین فضاء السیناریوهات البدیلة ثم تصغیره إلى حدٍ عملی مقبول فیما بعد.

 

ویُقصد بالفاعلین الرئیسیین أولئک الفاعلین الذین یمارسون درجة محسوسة من السیطرة أو التحکم بشکل مباشر أو غیر مباشر فی المتغیرات الرئیسة فی النسق، ولیس هناک طریقة یمکن اتباعها لتحدید الفاعلین الرئیسیین، وعادة ما یتم هذا التحدید بشکل حدسی اعتمادًا على ما هو متوافر من معلومات عن النسق وبخاصة المعلومات حول المتغیرات الحاکمة له، وهنا فی البحث الحالی تمَّ تحدید الفاعلین الرئیسیین من خلال الأطر النظریة للموضوع، ثمَّ من خلال الدراسة المیدانیة تمَّ تحدید سلوکیات هؤلاء الفاعلین بشکل أکثر دقة، وفیما یلی جدول (6) یوضح تحلیل هذه السلوکیات، وتحلیل العلاقات التی یمکن أن تنشأ بینهم من حیث أهدافهم ومشاکلهم ومواقفهم من القضیة الأساسیة لهذا البحث، وهی موقع الکتاب الجامعی ومکانته واستخدامته فی التعلیم الجامعی، وطبیعی أن الخلایا المحوریة تعطی تعریفًا لکل فاعل، وهی لذلک ممتلئة فی العادة أما الخلایا الناتجة عن علاقة فاعل بفاعل آخر فقد تکون غیر ذلک .

جدول (6)

استراتیجیات الفاعلین

وباستقراء الجدول السابق یتضح أن الفاعلین الرئیسیین تربطهم علاقات وطیدة من التأثیر المتبادل والضروری، والذی لا یمکن إغفاله، ومن المحتم التعرف علیه بل والتحکم فیه وتحریکه فی بعض الأحیان؛ للوصول إلى هدف إعداد وتوظیف وتفعیل الکتاب الجامعی بشکل جید .

وبعد تحدید الفاعلین الرئیسیین وتحدید استراتیجیاتهم تمَّ تحدید القضایا الرئیسة التی یتقابل فیها الفاعلون، وتحدید الأهداف المرتبطة بها، ویمکن إنجاز ذلک بتکوین جدول (7) استنادًا إلى المعلومات المتضمنة فی جدول (6)

 

جدول (7)

حصر القضایا والأهداف^(*)

وتتمثل الخطوة الثالثة فی تحدید موقف کل فاعل من الأهداف التی تمَّ تحدیدها، ثم ملاحظة التوافق أو التباین فی أهداف کل فاعل بالمقارنة مع الفاعلین الآخرین، ویمکن أن یتم ذلک بإعداد مصفوفة کتلک المعروضة فی جدول (8)، حیث یتم رصد الأهداف المختلفة على الأعمدة، ورصد مواقف کل فاعل على الصفوف، فإذا کان الفاعل ف1 مؤیدًا للهدف هـ2 یوضع الرقم +1 فی الخلیة الناتجة عن تقاطع ف1 مع هـ2، أما إذا کان ف1 معارضًا للهدف هـ2 فیوضع فی تلک الخلیة الرقم  –1، أما إذا کان الفاعل ف1 محایدًا بالنسبة للهدف هـ2 یوضع صفر فی الخلیة المعنیة، ویحتوی جدول (8) على مثال للفاعلین فی هذه الدراسة والأهداف المختلفة التی تدور حولها تصرفاتهم، ویطلق علیها (مصفوفة موقف الفاعلین من الأهداف) .

جدول (8) مصفوفة موقف الفاعلین من الأهداف

وقد تمَّ التوصل إلى هذه المصفوفة من رصد الوضع الراهن، وجدول استراتیجیات الفاعلین، ومن استقراء موقف القوى المؤثرة من تلک القضایا والأهداف التی رُصدت لدیهم، فعضو هیئة التدریس یرى ضرورة وحتمیة إعداد وتکوین الطالب الجامعی بطریقة صحیحة؛ حتى ینخرط فی سوق العمل داخل مجتمعه، من خلال أدوات تعینه على إتقان کافة المقررات التی تُقدم له بجامعته والتی منها الکتب الجامعیة، لکنه یرى صعوبة توظیف واستغلال إمکانیات الکتاب الجامعی والتی کان من الأجدر أن یکون لها کبیر الأثر فی إعداد الطلاب بشکل إیجابی، ولضعف التهیئة المُقدمة لمؤلف أو مُعد الکتاب التی تجعله یکتشف ویقف على قدرات الطلاب ویعمل على توظیفها واستغلالها داخل الکتاب الجامعی، لکنه یقف محایدًا تجاه محاولات توفیر بعض الإمکانیات والموارد المُقدمة لمساندة الکتاب الجامعی حتى تستطیع المؤسسة إعداد کوادر بشریة مثقفة ومدربة ومناسبة لسوق العمل، فی ظل مستقبل قادم یحتاج طلاب بأفکار ومهارات صالحة لمواجهته .

 أما الطالب نفسه بالطبع یحتاج إلى أدوات تعینه على إتمام نجاحه وانخراطه بسوق العمل بنجاح، لکنه یخشى من التعامل مع الکتاب الجامعی، ویمیل إلى الأدوات الأیسر والأسرع فی تحصیل دروسه، دون الاهتمام ببناء معارفه وتکوینه الأکادیمی، کما أنه لا یبالی فیما یُقدم لأستاذه من دعم أو تهیئة لإنجاز کتاب جامعی مناسب یراعی قدراته وطاقاته ویوظفها بشکل جید، کما أنه محاید تجاه نظرته لمدى توفر الإمکانیات التی تدعم

 

الکتاب الجامعی، وتجعله أداة مناسبة لإتقان المقررات رغم رغبته الشدیدة فی الانتهاء من الدراسة والاندماج بسوق العمل لبناء مستقبل أفضل لحیاته الوظیفیة، أما إدارة المؤسسة التعلیمیة فترید إعداد وتکوین الطالب بطریقة فعالة وصحیحة، وتسعى وتهتم باستغلال إمکانیات ومزایا الکتب الجامعیة فی إعداد الطلاب بشکل إیجابی من خلال کتب قادرة على اکتشاف وتحدید قدرات الطلاب وطاقاتهم وتوظیفها داخل الکتاب الجامعی، لکنها لم تُقدم الدعم اللازم من وجهة نظر مؤلفی ومُعدی الکتب الذی یسمح لهم بإنتاج کتب قادرة على تحقیق هدف تکوین وإعداد طالب جامعی جید ومناسب لسوق العمل، مستعد لمستقبل متغیر ملئ بالأفکار والمستحدثات .

  ویمکن استنتاج عدة أمور من الجدول السابق، أهمها: أنه من الواضح تعدد أهداف معظم الفاعلین سواء بالتأیید أو المعارضة، لکن کان التأیید الواضح للهدف الأول ـ الخاص بإعداد وتکوین الطالب الجامعی بطریقة صحیحة للإندماج بسوق العمل داخل المجتمع ـ من جمیع الفاعلین؛ لاقتناعهم التام بأهمیة ذلک لدى الجمیع دون أدنى معارضة، وبالنظر إلى الجدول أیضًا یمکن الوقوف على احتمالات التحالف بین الفاعلین فی حالة التوافق فی الأهداف أو النزاع فی حالة التباین فی الأهداف بینهم، فیلاحظ إمکانیة حدوث تحالف کبیر بین عضو هیئة التدریس والطالب نفسه، بینما النزاع وارد بین عضو هیئة التدریس أو أستاذ المقرر أو مؤلف الکتاب وإدارة المؤسسة التعلیمیة التی لا تقدم سبل الرعایة اللازمة والمناسبة له ولطلابه، ولو حدث تحالف بین الإدارة ومؤلف الکتاب معًا من ناحیة لدعم الکتاب الجامعی والطالب من ناحیة أخرى لأعطى أفضل سیناریو للمستقبل .

   ومن تحلیل استراتیجیات الفاعلین یمکن استنتاج علاقات القوة بین الفاعلین فی الإصرار على إعداد الطلاب بطریقة صحیحة للتفاعل داخل المجتمع بشتى الطرق، ویمکن تکوین بعض الافتراضات حول الاتجاهات العامة والأحداث والانقطاعات التی        قد یشهدها تطور میزان القوى بین الفاعلین فی المستقبل من خلال طرح مجموعة أسئلة رئیسة منها:

ـ هل سیتغیر إدراک واقتناع مؤلفی ومُعدی الکتب الجامعیة بضرورتها وأهمیتها فی ظل التغیر والتطور المذهل للمعارف ؟

ـ هل سیقتنع الطالب بأهمیة وجدوى الکتاب الجامعی فی إعداده لسوق العمل ؟

ـ هل سیتحمل مؤلف أو مُعد الکتاب الجامعی کل العقبات التی تواجهه فی إعداده للکتاب، أم سینهار أمام المزید منها ؟

ـ هل سیتمکن الکتاب الجامعی من البقاء ـ بعد تحدیثه بشکل مستمر ـ فی مواجهة زخم المعلومات المتاحة ؟

 

 

ـ هل سینهار الکتاب الجامعی أمام سطوة الملخصات والمذکرات وبعض جوانب القصور التی یعانی منها الکتاب الجامعی ؟

ـ هل سیتفاعل القسم الأکادیمی مع عضو هیئة التدریس سواء کان هو مؤلف الکتاب أو مؤلف آخر والطالب لإنجاح الاستفادة القصوى من الکتاب الجامعی ؟

ـ هل وسائل التکنولوجیا الحدیثة ستُجبر مؤلف الکتاب الجامعی على صیغة وشکل جدید للکتاب الجامعی کالکتب الإلکترونیة أو الافتراضیة ؟

ـ هل ستقتنع المؤسسة التعلیمیة الجامعیة بأنه لا سبیل لإتمام تحقیق أهداف التعلیم الجامعی إلا من خلال أوعیة أو کتب مناسبة ومُحدَّثة تُقدم للطلاب ؟

ـ هل سیصبح الکتاب الجامعی من أولویات الجامعة کمؤسسة تعلیمیة ؟

سادسًا ـ تحدید فضاء البدائل أو السیناریوهات البدیلة:

    والغرض من هذه الخطوة هو حصر البدائل الممکنة فی استخدام الکتاب الجامعی ودوره فی التعلیم الجامعی فی ضوء العوامل المؤثرة، أو فی ضوء سلوک الفاعلین، فهنا یکون السعی إلى التعرف على عدد کبیر من البدائل أو السیناریوهات، ویکون ذلک عن طریق إعادة النظر فی المجالات التی یمکن من خلالها أن یظهر الکتاب الجامعی، وأن یقوم بدوره، وقد تمَّ تحدید مجموعة من المجالات التی ظهر أن لها أثرًا محسوسًا على تحریک مجال الدراسة، واعتبارها محاور محددة للسیناریوهات، وهی: موقف الکتاب الجامعی من القوانین واللوائح الجامعیة المنظمة له، ومدى تطبیق المؤلف أو معد الکتاب لمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، وطبیعة الأوعیة التی یُقدم من خلالها الکتاب الجامعی، ثم تحدید عدد من البدائل الممکنة عبر المجالات الثلاثة وهی ذاتها المجالات التی تتقاطع أو تتلاقى عندها تأثیرات الفاعلین من عضو هیئة تدریس، وطالب، وإدارة مؤسسیة، وسوف تفترض الدراسة المستقبلیة ـ هنا ـ أن ثمة بدیلین داخل کل مجال من مجالات تعریف السیناریو وهما (تحمی وتدعم الکتاب الجامعی أو تُعرقل مسیرة وجوده بالنسبة للقوانین واللوائح الجامعیة)، و(مقتنع وحریص على انتاج  کتاب جامعی مطابق للمعاییر والمواصفات، أو غیر مقتنع ویُنتج کتاب جامعی غیر مطابق للمواصفات بالنسبة لتطبیق المؤلف أو مُعد الکتاب لمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید)، و(کتب تقلیدیة ورقیة فقط، أو کتب متطورة ورقیة وإلکترونیة بالنسبة لأوعیة تقدیم الکتاب الجامعی)، وهکذا یمکن تألیف ثمانیة سیناریوهات على النحو المبین فی جدول (9) مع ملاحظة أنه یمکن التوصل إلى عدد أکبر من السیناریوهات البدیلة إذا تمَّ السماح بأکثر من بدیلین فی کل مجال من مجالات التأثیر .

 

جدول (9)

السیناریوهات البدیلة والحد الأعلى

سابعًا ـ فرز السیناریوهات البدیلة واختیار عدد منها:

والغرض من هذه الخطوة هو تقلیص فضاء السیناریوهات، وانتقاء عدد محدود منها، مع بیان سبب هذا الاختیار، فی ضوء کون هذه السیناریوهات المختارة ممکنة ومتمایزة بدرجة واضحة عن بعضها بعضًا، ویتحقق فی کل سیناریو منها درجة عالیة من الإتساق الداخلی، وسوف یتم الاعتماد هنا على استعمال الخیال والحدس فی اختیار هذه السیناریوهات؛ نظرًا لضرورة وجود عدد صغیر ـ نسبیًا ـ من السیناریوهات،

 

 

وکذلک فی ظل تشعب العوامل المؤثرة، وسوف یتم انتقاء ثلاثة سیناریوهات؛ لأن أکثر من ذلک ینوء به کاهل الباحث الفرد، ویحتاج إلى جهد فریق بحثی، ومن خلال جدول (9) فإن القوانین واللوائح الجامعیة التی تدعم وتحمی الکتاب الجامعی لا یمکن أن تستمر مع مؤلف أو مُعد لکتاب غیر مقتنع أو حریص على إنتاجه بشکل جید، وکذلک سیُقدم من خلال أوعیة تقلیدیة قاصرة على الشکل الورقی فقط للکتاب الجامعی؛ لذلک یُستبعد البدیل الثانی، وکذلک لا یمکن تصور قوانین ولوائح جامعیة تحمی وتدعم وتساند وأوعیة أو کتب إلکترونیة وورقیة متطورة مع بقاء مؤلف أو مُعد غیر مقتنع بدوره فی إنتاج کتاب جامعی جید؛ لذلک یستبعد البدیل الرابع، وکذلک لا یمکن تصور قوانین ولوائح جامعیة تُعرقل مسیرة وجود الکتاب الجامعی الجید یقابلها  أوعیة أو کتب إلکترونیة وورقیة متطورة وکذلک مؤلف أو مُعد لکتاب مقتنع أو حریص على إنتاجه بشکل جید؛ لذلک یستبعد البدیل الخامس، وکذلک لا یمکن تصور قوانین ولوائح جامعیة تُعرقل مسیرة وجود الکتاب الجامعی الجید مع مؤلف أو مُعد لکتاب مقتنع أو حریص على انتاجه بشکل جید مع أوعیة تقلیدیة قاصرة على الشکل الورقی فقط للکتاب الجامعی ؛ لذلک یستبعد البدیل السادس، وأخیرًا لا یمکن تصور قوانین ولوائح جامعیة تُعرقل مسیرة وجود الکتاب الجامعی الجید ومؤلف أو مُعد غیر مقتنع بدوره فی إنتاج کتاب جامعی جید مع أوعیة أو کتب إلکترونیة وورقیة متطورة؛ لذلک یستبعد البدیل السابع .

  وبذلک تبقى ثلاثة سیناریوهات متمایزة فیما بینها ومتَّسقة داخل کل منها، وهی السیناریو الأول (قوانین ولوائح جامعیة تحمی وتدعم وتساند الکتاب الجامعی، ومؤلف أو مُعد لکتاب مقتنع أو حریص على إنتاجه بشکل جید، وأوعیة أو کتب إلکترونیة وورقیة متطورة)، والسیناریو الثالث (قوانین ولوائح جامعیة تحمی وتدعم وتساند الکتاب الجامعی، مع أوعیة تقلیدیة قاصرة على الشکل الورقی فقط للکتاب الجامعی، لکن صحوة من جانب عضو هیئة التدریس أو المؤلف باقتناعه وحرصه على إنتاج الکتاب الجامعی بشکل جید)، والسیناریو الثامن (قوانین ولوائح جامعیة تُعرقل مسیرة وجود الکتاب الجامعی الجید، ومؤلف أو مُعد غیر مقتنع بدوره فی إنتاج کتاب جامعی جید، مع أوعیة تقلیدیة قاصرة على الشکل الورقی فقط للکتاب الجامعی)، وهذه السیناریوهات الثلاثة تمثل تدهورًا فی الوضع القائم کما فی السیناریو الثامن، أو حدوث بعض التغیرات الإصلاحیة التی تجعل الوضع مستمرًا کما هو بدلاً من التدهور کما فی السیناریو الثالث، أو حدوث تحول کیفی ونقلة نوعیة وإصلاح واسع کما فی السیناریو الأول، وهذه السیناریوهات لا تمثل جمیع البدائل المحتملة والممکنة وإنما تمثل فقط نقاطًا حاسمة فی الأولى منها یقوم سیناریو (تشاؤمی) وهو نهایة خط متصل فی نهایته الأخرى سیناریو تحویلی (تفاؤلی)، وفی المنتصف یقوم سیناریو ثالث یبتعد عن التشاؤم ولکنه لا یُلبی کافة الطموحات الإبداعیة أو التفاؤلیة .

 

ثامنًا ـ کتابة السیناریوهات المختارة:

هنا یتم کتابة السیناریوهات بشکل سردی، مع التعرف على ردود الفعل المحتملة لکل الأطراف المعنیة ـ القوى المحرکة ـ وذلک على شکل الإجابة عن بعض الأسئلة من نوع إذا سارت الأمور على النحو المتضمن فی المدخل الرئیسی للسیناریو الأول مثلاً فماذا یکون رد فعل عضو هیئة التدریس أو مؤلف الکتاب أو الطالب أو إدارة المؤسسة لهذا الحدث أو ذاک؟ وأثناء صیاغة کل سیناریو من الضروری بیان الشروط الابتدائیة أو نقطة الانطلاق، وفی حالة السیناریوهات الاستطلاعیة الحالیة تکون نقطة الانطلاق هی الوضع الراهن، وکذلک توضیح المسار المستقبلی، مع توضیح أی احتمالات لحدوث انقطاعات أو تحولات فی أی سیناریو؛ بسبب أحداث خارجیة، أو تصرفات، أو ردود أفعال قوة من القوى الفاعلة أو المحرکة للسیناریوهات، وکذلک توضیح انعکاسات السیناریو على استخدام الکتاب الجامعی، أو ما یُطلق علیه الوضع المستقبلی المحتمل، وفیما یلی توضیح لکل سیناریو على حدة .

السیناریو الأول: الکتاب الجامعی المهجور، أو منتهی الصلاحیة من وجهة نظر طلابه، أو الذی لا یُباع، أو الراجع للخلف، أو المهزوم فی السباق، أو الکتاب الجامعی التقلیدی غیر المتوافق مع التغییرات المتلاحقة:

لیس معنى عدم إدخال أیة تعدیلات تؤثر على الاستفادة أو حُسن استغلال الکتاب الجامعی، سواء عن طریق الالتزام بمعاییر الکتاب الجامعی الجید، أو توظیف أستاذ المقرر له بشکل إیجابی، أو إدراک الطلاب لأهمیة وقیمة الکتاب الجامعی وغیرها من الأمور أنَّ أوضاع الکتاب الجامعی ومکانته ستظل کما هی ثابتة لا تتغیر، فهناک مؤثرات وعوامل خارجة عن سیطرة إدارة المؤسسة التعلیمیة، أو مؤلف أو مُعد الکتاب، وکذلک الطلاب تؤثر علیه، وعلى دوره داخل المنظومة التعلیمیة، وتجعل من عدم التوافق مع هذه المؤثرات عودة للخلف ولیس ثباتًا، وهذا هو الحال مع السیناریو الأول الذی تُطلق علیه الدراسة الحالیة (الکتاب الجامعی المهجور أو الراجع للخلف) .

والمدخل الرئیس لهذا السیناریو أن العالم من حولنا یتقدم نحو الوصول إلى مجتمع المعرفة والسوق ونحن مازلنا بمؤسساتنا التعلیمیة الجامعیة نُعد قوالب ثابتة من الطلاب دون مراعاة لقدراتهم وإمکاناتهم وتنوعاتهم، ودون توظیف لهذه القدرات أو توجیه لها بشکل صحیح، من خلال أوعیة وکتب جامعیة قیَّمة حقیقیة، تعین الطلاب على التمکن من إتقان برامجهم الدراسیة، وهذا ما أظهرته نتائج الدراسة المیدانیة الخاصة برصد الواقع من قلة توظیف واستغلال من جانب الطلاب للکتاب الجامعی للعدید من الأسباب .

 

  وهنا توجد محاولات من القوى الحاکمة والنظام الجامعی نحو تطویر وتحسین الکتاب الجامعی لکن فی ظل تواجد العدید من أعضاء هیئة التدریس أو مؤلفی الکتب غیر المدربین، وغیر المقتنعین، والمکبلین بالأعباء التدریسیة والإداریة التی تمنعهم من الالتزام بإنتاج کتاب جامعی قیَّم، وهذا یتفق مع ما توصلت له نتائج الدراسة المیدانیة من قلة التزام العدید من مؤلفی الکتب الجامعیة بمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، بالإضافة إلى شعورهم بأن تکلیفهم بإعداد هذه الکتب بمثابة ضغوط علیهم، دون الاهتمام بأحوالهم الاقتصادیة والاجتماعیة لعدم وجود المقابل المادی المناسب من تألف هذه الکتب، وکل هذا فی إطار افتراض عدم ظهور تغییرات جوهریة فی النمط الحالی لردود فعل السلطة الحاکمة والقوى الاجتماعیة الأخرى المؤثرة إزاء التغییرات المحلیة والإقلیمیة والعالمیة، وستظل القوى الغالبة المسیطرة کما هی دون تغییر ملحوظ خلال فترة الاستشراف مما سیؤدی إلى التبعیة السیاسیة للقوى والمصالح الغربیة التی ترفض أی تقدم تعلیمی یضر بمصالحها، وهنا نلاحظ تشتت للموارد على جبهات کثیرة دون الاهتمام الصریح والواضح بالکتاب الجامعی وللتعلیم الجامعی وبالتالی أحوال الطلاب وأعضاء هیئة التدریس .

هدف السیناریو فی هذه الدراسة المستقبلیة هو لفت الانتباه إلى ضرورة توفیر کتاب جامعی مناسب للطلاب ومُطابق لمعاییر إعداده، وأن استمرار الوضع الرافض لاستخدام الکتاب الجامعی أو قلة الاقتناع بدورة فی إتمام دراسة المقررات سیؤدی بالعملیة التعلیمیة إلى أسوأ النتائج، وکذلک لفت أنظار المسئولین عن الکتاب الجامعی بأن جمیع المحاولات الهزیلة ضمن سُبل تطویره لا تُنفذ، ولا یعتد بها إلا شکلیًا مما ینبئ بوضع تعلیمی أکثر خطورة ، وأیضًا تحدید الضغوط المختلفة المعوقة لتوظیف حقیقی للکتاب الجامعی ـ والتی سوف تقدم فی صورة قوى وعوامل حاکمة، لا یحظى الکتاب الجامعی بمکانته ودوره الحقیقی دون التأثر بها ـ وذلک للتحسب لها، ومحاولة تعدیلها .

منطلقات أو مؤشرات السیناریو: هناک مجموعة من المنطلقات أو المؤشرات ـ أو کما یُطلق علیها الشروط الأولیة ـ تؤدی إلى هذا السیناریو، وسوف یتم التعرض لها من خلال تحلیل سلوک الفاعلین المتوقع والقوى المحرکة، وموقفها من الکتاب الجامعی، وردود فعل بعض هذه القوى تجاه تصرفات قوى أخرى، وإظهار المسار المستقبلی لهذه القوى، واحتمالات حدوث أیة انقطاعات فی مسارها .

 

 

عضو هیئة التدریس الذی قد یکون مسئولا عن إعداد الکتاب الجامعی لطلابه فإنه فی ظل هذا السیناریو یظهر فی صورة یشکِّلها هو نفسه، وکذلک تشکِّلها سُبل إعداده ورعایته، فنتیجة استمرار تکلیفه بهذا العمل بناءً على قیامه بالتدریس للطلاب دون دراسة إمکاناته وقدرته على إنجاز هذه المهمة، فسوف یُتوقع مزید من القصور والتدهور فی إنتاج کتب جامعیة غیر ملائمة، وقد یُجبر عضو هیئة التدریس على الالتزام بتدریس مقرره من کتاب محدد لیس من إعداده، مما یترتب علیه قلة اقتناع واهتمام به أو توظیف له، هذا بالإضافة للاهتمام الشکلی والنظری لإعداده وتنمیته مهنیًا دون الاهتمام بالتطبیقات والجوانب العملیة فی ضرورة مراعاة معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، کل هذا سوف یبتعد بعضو هیئة التدریس أکثر عن توظیف الکتاب الجامعی فی تقدیم المقررات بشکل ملموس لطلابه، ونتیجة عجز المؤسسات الجامعیة عن مواکبة مستحدثات العصر، واستخدام تکنولوجیا التعلیم بمفهومها الشامل بشکل عملی سینعکس ذلک على ضعف مستوى عضو هیئة التدریس وبالتالی ضعف مستویات طلابه .

 ونتیجة لثبات تقدیر المجتمع لدور التعلیم وهو الحصول على أعلى الدرجات، دون النظر لمدى مناسبته لهولاء الطلاب، أو إعدادهم وتسلیحهم بمخزون ثقافی ومعرفی مهم فی حیاتهم العملیة، فسوف یستمر عضو هیئة التدریس فی دفع طلابه على التحصیل والحفظ دون اهتمام بتمکینهم من علومهم من خلال کتب جامعیة دراسیة متعمقة، ونتیجة قلة الحریة والإمکانیات المتاحة له سوف یعجز عن توجیه طلابة لاستخدام مراجع إضافیة بجوار الکتب الجامعیة؛ لتأکید وجهات النظر، أو إثبات الحقائق من مصادر متعددة، ونتیجة غیاب بعض المتابعة من جانب إدارة المؤسسة التعلیمیة لمدى الاهتمام بتوظیف الکتاب الجامعی سیسمح هذا لبعض أساتذة المقررات بعدم الاهتمام بالکتاب الجامعی والاکتفاء ببعض الملخصات أو المذکرات الهزیلة، ونتیجة عدم إقناع البعض بأهمیة وجدوى الکتاب الجامعی لن یجهد نفسه فی البحث عن أسالیب وطرق مناسبة لعرض محتویات کتابه تناسب جمیع طلابه مما یُفقد الکتاب الجامعی حیویته وسهولة متابعته، ونتیجة لعدم مراعاة أو تقدیم المسئولین عن الکتب الجامعیة بالمؤسسات التعلیمیة لحوافز مناسبة للقیام بهذه الأعباء فسوف یشغل باله بأمور أخرى کالبحث العلمی والنشر أو حضور المؤتمرات أو المشارکة فی المشاریع البحثیة للحصول على المحفزات المادیة بدلاً من عملیات إعداد الکتب الجامعیة، وکذلک لن یطَّلع على أحدث معاییر وطرق إعداد الکتاب الجامعی، وبالتالی سوف یبتعد عن کونه مصدر ثقة فی إعداد کتب جامعیة مناسبة .

 

 

الطالب نفسه: إذا کان الطالب نفسه هو هدفنا فإنَّه فی ظل هذا السیناریو یظهر بشکل معین یؤثر فی مکانة واستخدام الکتاب الجامعی فنتیجة نقص ثقة الطالب بنفسه وقدرته على القراءة والبحث والاطلاع نجده یبحث عن أسهل وأیسر الطرق للنجاح فی المقررات، فیبحث عن مجموعة أوراق قلیلة لیحفظها ثم یستدعیها فی اختباراته دون وعی وإصرار على بناء وتکوین مخزون ثقافی وعلمی له، ویمیل هنا الطالب إلى تقلید زملاءه فی الاعتماد على الملخصات دون البحث عما یُلائم طموحاته، وسوف تنخفض لدیه دافعیة الإنجاز ویشعر بعدم الرضا عن مستواه العلمی أو إمکانیاته وقدراته، أو سیزید الطموح لدیه ویشعر بالضغوط النفسیة والاحتراق النفسی فی ظل وجود کُتب جامعیة لا تراعی خصائصه .

إدارة المؤسسة التعلیمیة: وهی ضمن العوامل المؤثرة والتی تقف أمام نجاح الکتاب الجامعی فی کثیر من الأحیان، ومن ذلک: نتیجة عدم تمکنها ـ إدارة المؤسسة ـ  من مهارات العمل الإداری ستستمر فی مجرد تسییر الأمور، دون وعی بمسؤلیاتها وفق نمط سلطوی مفرط بعیدًا عن بث روح الانتماء للمؤسسة التعلیمیة، وسیظل ینتابها الخوف من تجریب أیة أفکار جدیدة لطرح الکتاب الجامعی على الطلاب، أو إعداده من جانب عضو هیئة التدریس، فی إطار من تأصیل فکرة الروتین التی لا تضع المسئولیة على عاتق هذه الإدارة، وکذلک محاولة إلزام جمیع أعضاء هیئة التدریس بطرق وإجراءات ثابتة وموحدة فی التعامل مع الکتاب الجامعی وفی استخدامه فی العملیة التعلیمیة، ونتیجة قلة وعی واهتمام إدارة المؤسسة بأهمیة إعداد أعضاء هیئة التدریس لتألیف الکتب الجامعیة وفق المعاییر والمواصفات الصحیحة للکتاب الجامعی الجید فلن تسعى لإقامة برامج تدریبیة تثقیفیة لمدهم بأحدث وأنسب المعاییر والمواصفات للکتاب الجامعی، وهذا رغم أهمیة الدعوات المتکررة للاهتمام بالکتاب الجامعی من العدید من المسئولین لإنجاح العملیة التعلیمیة لکن الإدارة لم تهتم بتدریبهم، بل إن بعض المؤسسات لجأت للکتب الجاهزة التی أنجزتها مؤسسات أخرى قد لا تتلائم بنسبة کبیرة مع کامل توصیف المقرر، وقد لا تتناسب وبیئة تقدیم المقرر، وستظل الکلیات فی هذا السیناریو على حالها من قلة توفیر الدعم للإقسام لإعداد وتألیف کتب مناسبة، وسیستمر تواجد الکیانات ذات الأدوار والمسئولیات المختلفة والمتضاربة من جهات لتحدید مسمیات الکتب، وأخرى لتحدید من یُسمح لهم بتألیف الکتب، وثالثة لمراجعة وإقرار الکتب، ورابعة لتقدیم الدعم والحافز إن وجِد لذلک، کل هذا فی ظل استمراریة عمل کل جهة ـ فی کثیر من الأحیان ـ بشکل مستقل عن الأخرى .

 

  انعکاسات منطلقات السیناریو على الکتاب الجامعی:

هنا یتم وصف مستقبل الکتاب الجامعی المتوقع نتیجة تأثُره بالعدید من العوامل الظاهرة بالمنطلقات السابقة، فی رسم صورة عن موقف الکتاب الجامعی من           (القوانین واللوائح الجامعیة المنظمة لکل ما یخص الکتاب الجامعی، وتطبیق المؤلف أو مُعد الکتاب لمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، وأوعیة تقدیم الکتاب الجامعی) فهنا سوف ینزوی الکتاب الجامعی بأدواره واستخداماته فی إعداد الطلاب فی ظل هذا السیناریو، بسبب المنطلقات السابقة ویظهر فی صور وممارسات لیست من شأنها إعداد الطلاب بطریقة صحیحة لها مردود إیجابی منها: بُعد القُرَّاء بشکل عام عن القراءة والکتب وطلاب الجامعة بشکل خاص وسط انشغالهم واهتمامهم بأنشطة أخرى، مما یترتب علیه غیاب الألفة  فی التعامل بین الکتاب والطالب، وتفتقد العملیة التعلیمیة هنا الجاذبیة والإنجاز، وسوف تتحول عقول الطلاب إلى خزائن للمعلومات التی یتم حفظها دون توجیههم إلى سُبل البحث والاستقصاء حول المعلومات من المصادر المختلفة التی یطرحها الکتاب الجامعی أو المراجع الإضافیة الإثرائیة التی یوجههم الکتاب الجامعی إلیها، وسوف تمنع اللوائح الجامعیة المتوقعة مؤلف أو مُعد الکتاب من طرح ما یرى أنه ضروری فی هذا المقرر، وقد تُلزمه باشتراطات معینة تمنعه من التألیف أو تُقیده بصفحات محددة أو موضوعات معینة، ونظرًا لإجبار مؤلف أو مُعد الکتاب أو حتى أستاذ المقرر الذی لا یضع الکتاب على الالتزام الحرفی بلوائح وقوانین جامعیة لا دور له فی وضعها أو الاعتراض على بعض منها فسیکون غیر راضٍ عن نفسه ودوره، وقد یُقدِّم معلومات خلال المحاضرات قد تتعارض مع محتویات الکتاب، وسیکون أقل حماسًا ودافعیة فی إنتاجه لهذا الکتاب أو تقدیمه لطلابه، ولن یجهد نفسه فی تطبیق طرق وأسالیب تمکنهم من الاستفادة القصوى من الکتاب الجامعی؛ نظرًا لکثرة الأعباء المکلف بها، وقلة مساندة إدارة المؤسسة له، بل وفی کثیر من الأحیان قلة اقتناعه باهتمام الطلاب بالکتاب الجامعی .

 

 

ونظرًا لغیاب تدریب وإعداد عضو هیئة التدریس بشکل مناسب یسمح له بتألیف أو إعداد کتاب جامعی فعال فستظهر العدید من الکتب الجامعیة قدیمة المعلومات ومتهالکة الأفکار وخالیة الخبرات والممارسات، التی لا تجد لنفسها رواج عند الطلاب، ولا اهتمام من أساتذة المقرر ولا إدارة المؤسسة التعلیمیة، فی ظل سطوة الملخصات والمذکرات المُعدة بحِرفیة عالیة مطابقة لاستمرار القوانین واللوائح المؤکدة والمخلفة لطریق واحد للنجاح بالاختبارات وهو الحفظ والاسترجاع، وسوف یؤدی غیاب الحوافز الممنوحة لمؤلف الکتاب الجامعی وسط موجة الغلاء الفاحش إلى سعیه للحصول على ساعات زائدة، أو دخول أخرى دون الترکیز فی عملیات إعداد الکتب، أو البحث عن طرق وأسالیب لتوظیفها بشکل فعال، ونظرًا لبعد أستاذ المقرر عن ثقافة التحفیز والتعزیز وقلة تشجیع إدارة المؤسسة علیها فلن یکافئ أستاذ المقرر طلابه الملتزمین بالکتب الجامعیة والراغبون فی امتلاک قدر من الثقافة والخبرات تمکنهم من الثبات فی ظل موجة الانفجار المعرفی، فهذه أمور بالنسبة له لیست ضروریة، ولا تأتی ضمن اهتماماته، وحتَّى وإن زادت القوانین واللوائح التی تُجبره على الالتزام بالکتاب الجامعی فإنه سوف یقوم بذلک بشکل صوری، ونظرًا لغیاب قدرة أستاذ المقرر على الوقوف بحزم تجاه الأوعیة غیر المشروعة التی تحاول تقدیم محتویات المقرر فی صورة ملخصات أو أسئلة وإجابات یستسهلها الطلاب، علاوة على قلة قدرته على تعدد وتنوع أشکال تقدیم الکتاب الجامعی بین الکتاب الورقی أو الإلکترونی أو الافتراضی، مما یشیر لقصوره فی اللحاق بکل جدید فی الأدوات والوسائل المعینة له فی تقدیم مقرره الدراسی، وقلة معرفته وإتقانه لذلک، فکل هذا سیؤثر على جودة الکتاب الجامعی، وینزع منه صفة الإبهار والتشویق فیتهرب منه الطلاب ویفقدون الثقة به، ولن یکون له دور حیوی فی تعلیمهم .

أمور مستبعدة فی إطار هذا السیناریو أن یحدُث تحول جذری فی مکانة الکتاب الجامعی وسط الطلاب وأعضاء هیئة التدریس، وکذلک الأعباء المکلف بها عضو هیئة التدریس، أو حدوث تغییرات جوهریة فی مهامه أو تدریبه، وکذلک فی طبیعة ومحددات إنهاء المرحلة الجامعیة القائمة على الاختبارات التقلیدیة المدعمة لثقافة الحفظ والاسترجاع، ومن المستبعد تحقیق مرونة وتفهم من النظام الإداری بالمؤسسة التعلیمیة، والاعتراف بضرورة إعداد أستاذ المقرر للکتب الجامعیة، واحتساب بعض الساعات الخاصة بذلک  ضمن أنصبة ومهام عضو هیئة التدریس التی یستحق عنها أجور مناسبة.

 

 

السیناریو الثانی ـ الکتاب الجامعی الساعی للاستمرار فی السباق، أو استمرار الوضع الحالی، أو الحائز على نصف المشجعین من الطلاب مقابل النصف الأخر الذی یشجع الملخصات، أو الذی یُباع نصف نسخه:

          فی هذا السیناریو هناک بعض المحاولات الجادة الساعیة لتحسین أحوال العملیة التعلیمیة ونواتجها، والتی ستؤثر على الکتاب الجامعی وسُبل استخدامه، سواء عن طریق إدخال تعدیلات على القوانین واللوائح الجامعیة، أو إدراج بعض التدریبات المهیئة لمؤلف ومُعد الکتاب الجامعی، لکن هذه التعدیلات وتلک المحاولات فی ظل السرعة المتناهیة لتغییر المعرفة ومتطلبات الجودة وسوق العمل وظهور أوعیة وأشکال وأنماط جدیدة للکتاب الجامعی، وبعض من قلة الاقتناع بأهمیة وضرورة التغییر وأنه لن یستطیع إحراز تقدم ملحوظ یسهم فی تحسین أو تطویر العملیة التعلیمیة بشکل عام ودور الکتاب الجامعی تجاه تعلیم الطلاب، لذلک فإن کل ما تستطیع هذه المحاولات أن تفعله هو المحافظة على الوضع الحالی ـ أی واقع استخدام الکتاب الجامعی          ودوره تجاه الطلاب ـ من الانهیار أو الرجوع للخلف، ویقتصر سلوک المحافظة ـ على الوضع الحالی ـ هنا على السمات الأساسیة للأنظمة القائمة فی المستقبل کلیة،        سواء کان ذلک برغبة الجمهور أی جمیع القوى السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة،        أو بسبب العجز عن إحداث تغییر جوهری؛ لذلک تُطلق علیه هذه الدراسة            (محاولة الاستمرار فی السباق) .

والمدخل الرئیس لهذا السیناریو هو افتراض تنامی إدراک السلطة الحاکمة بل والمجتمع ککل لخطورة النتائج المترتبة على استمرار الأوضاع الراهنة المتردیة فی مستوى خریجی الجامعات، وعلى افتراض السعی للتعامل مع تلک الأوضاع المتردیة من خلال تحالف غالبیة مؤسسات المجتمع حول حل وسط لإصلاح الأوضاع لا تغییرها بشکل جذری، لذلک فهذه المحاولات لیست للانتقال إلى وضع أفضل بکثیر مما هو موجود بل ستساعد على الاستمرار، أو یُطلق علیه تجاوزًا (ثبات) الأوضاع کما هی علیه وسط الزخم المعرفی، وسرعة تغیره، وأدواته المتنوعة، وتناقص الموارد الاقتصادیة المخصصة لتحسین مخرجات التعلم، وکذلک الضغوط الخارجیة فإن بعض الإصلاحات ستحدث جزئیًّا، بشکل غیر مفاجئ وتدریجیًا، فی ظل غیاب القواعد والمنطلقات الأساسیة التی یمکن البناء والإصلاح فوقها .

 

سوف یعترف الجمیع بأن التعلیم الحقیقی هو طوق النجاة من کل التحدیات القادمة، لکن من خلال طلاب بل خریجین مناسبین وملائمین لسوق العمل، ومثقفین وذوی خبرات متعددة، فی بیئة جامعیة تهتم بالکتاب الجامعی وتحمیه من قراصنة نقل المعارف السطحیة السریعة، لکن کل هذه الاعترافات ستکون بشکل نظری وإعلامی دون إجراءات تنفیذیة حقیقیة أو کاملة تؤکد مصداقیة هذه الاعترافات، فلن یوجد مثلاً مراکز مناسبة لإعداد وتهیئة أعضاء هیئة التدریس لتألیف وإعداد الکتب الجامعیة وفق المعاییر والمواصفات العالمیة للکتاب الجامعی الجید، ولن یتم التعامل بحزم مع کل تجاوز فی أوعیة تقدیم المقررات الدراسیة سواء داخل المؤسسة التعلیمیة أو خارجها، لکن ستتبنى الجامعات رؤى جدیدة لتحسین عملیات إعداد وإقرار الکتب الجامعیة یتبعها تخطیط جید لذلک، لکن ذلک لن یصاحبه خطوات إجرائیة واقعیة ملموسة، وسوف تستمر الدعوات المتکررة لإستغلال الأدوات والأسالیب التکنولوجیة الحدیثة فی عملیات إعداد الکتب الجامعیة دون توظیف کامل وسلیم لذلک، کل هذا فی ظل تنامی الصراع بین الأطراف المطالبة بالإصلاح والأطراف المستفیدة من بقاء الوضع على ما هو علیه مما یعوق تحقیق انطلاقة کبیرة فی تطویر الکتاب الجامعی .

هدف السیناریو فی هذه الدراسة المستقبلیة الحالیة هو لفت الانتباه إلى أن أی محاولات إصلاحیة جزئیة للتعلیم ـ لا تأخذ فی اعتبارها کون التعلیم هو الملاذ الآمن من کل التحدیات القادمة، ورصد کافة الإمکانیات له ـ لن تکون خطوة للنهوض أکثر من کونها خطوة لعدم العودة للخلف ـ مع ضرورة تضافر کافة الجهود لتحسین أوضاع الکتاب الجامعی وجعله یحقق الهدف من وجوده لإثراء وتشکیل وعی ومعارف الطلاب والاهتمام بخریجی التعلیم الجامعی ومدى مناسبتهم لسوق العمل من خلال إمکانیات علمیة موثوق بها عن طریق کتب جامعیة مناسبة .

     منطلقات أو مؤشرات السیناریو:

عضو هیئة التدریس: نتیجة الدعوات المتکررة لضرورة إعداد وتدریب عضو هیئة التدریس على إنتاج کتب جامعیة مناسبة یُتوقع أن تُتخذ خطوات إجرائیة حیال ذلک من جانب إدارة الجامعة، لکن سیکون التدریب قاصرًا على إلزامهم ببعض التعلیمات الخاصة بحجم الکتاب، وعدد أوراقه، ونوعیة الطباعة، وضرورة مناسبة محتویات الکتاب لتوصیف المقرر، دون الاهتمام والترکیز على تحدیث محتویات الکتاب بشکل مستمر، أو شموله

 

لأنشطة وخبرات بإمکانها تهیئة الطلاب لعالم سریع التطور والتغییر، أو التقید بمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، وکذلک ستکون هناک دعوات متکررة لحُسن اختیار الکتب الجامعیة المُعدة مُسبقًا ـ فی حالة قلة التألیف داخل القسم الأکادیمی ـ والذی من المتوقع أن تُتخذ خطوات إجرائیة أیضًا حیال ذلک، لکن سیکون الاختیار قاصرًا على إمکانیة توفر الکتب من عدمه، أو أسعار الکتب فقط، ولیس التأکد من مدى مناسبة الکتاب للتوصیف أو مراعاته لأحدث النظریات فی مجال التخصص، وسیتم إلزام جمیع أساتذة المقررات بعدم تجاهل الکتب الجامعیة المقررة والمُتفق علیها، لکن سیُطبق هذا نظریًا إذعانًا لرغبة القیادات الجامعیة، وهذا بدوره سیُعوِّد أعضاء هیئة التدریس على الإلتزام بتوظیف تلک الکتب أثناء تقدیم المقررات، ونتیجة استحداث وسائل وطرق جدیدة یُقدم من خلالها الکتاب الجامعی سیرکز أساتذة المقررات فی محاولة تجریبها بدلاً من الاعتماد على الکتاب الجامعی الورقی فقط، ومع استمراریة قلة التوظیف السلیم للإمکانیات المطروحة سیجهد أستاذ المقرر نفسه لاستغلال واستثمار ما أُتیح له من وقت لاستخدام الکتاب الجامعی بشکل جید، ونظرًا لقلة تدریب عضو هیئة التدریس على انتاج الکتب الإلکترونیة واستخدامها فإنه إن توافرت وهذا من الصعب فی ظل تواضع التوظیف الجید للموارد الاقتصادیة فإنه لن یستطیع استخدامها وتطبیقها فی تدریسه للطلاب وسیستمر الکتاب الجامعی الورقی فقط، وفی ظل استمرار سعی عضو هیئة التدریس لتحسین دخله فلن یستطیع تنمیة نفسه مهنیًا من خلال دورات ومؤتمرات وندوات بأجر، أو شراء وسائل وأدوات تُعینه فی تألیف وإعداد کتب جامعیة مناسبة رغم توفر میل لهذا، وذلک لتقدیمه لأولویات أخرى کرعایته لأسرته والإنفاق علیها، وإن کان مغتربًا فلتقلیل سنوات غُربته .

الطالب نفسه: یُتوقع أن یکون فی ظل هذا السیناریو طالب حریص على إتمام دراسته وتعلیمه الجامعی مُتسلحًا بمخزون علمی وثقافی یمکنه من الاستمرار فی مجتمع ملئ بالتغییرات، متأثر فی ذلک بثورة الإعلام، وانتشار القنوات المتخصصة فی جمیع الأعمال والوظائف التی توضح له احتیاجات سوق العمل ومتطلبات کل وظیفة وأهمیة التمکن العلمی والثقافی، وبالتالی فهو مهیئ للاستفادة من الکتب الجامعیة المقدمة له لإعداده بالشکل الصحیح والمناسب لإمکانیاته حتى یتمکن من التخرج فی الوقت المناسب لسوق العمل، لکن سیعانی هذا الطالب من قلة مناسبة الکتب الجامعیة، وقلة قدرتها على إعداده بالشکل الذی یحتاجه، ومع ذلک سیزیده هذا إصرارًا لإنهاء خطته الدراسیة بأسرع وقت فی ظل قوانین ولوائح جامعیة تحاول دعم الکتب الجامعیة وتوفیرها وتحسینها .

 

إدارة المؤسسة التعلیمیة: نتیجة لاستمرار المرکزیة الحاکمة فی کافة قطاعات المجتمع ومنها التعلیم الجامعی فإنَّ إدارة الکلیات ستظل کما هی، لکن فی إطار مزید من الأفکار المفروضة علیها من هیئات إداریة علیا تسعى إلى الاهتمام بالکتاب الجامعی وإتقان إعداده وتألیفه وحُسن اختیاره وتوظیفه، وفی ظل الدعوات المتکررة نحو الاهتمام بالمجتمع الإیجابی والتعلیم الإیجابی وأن الکتاب الجامعی أحد سُبل الوصول لذلک، وستکون الإدارة هنا مضطرة لقبول ذلک والإشارة إلیه فی کل الاجتماعات دون اقتناع داخلی بقابلیته للتنفیذ، فی ظل إمکانیات لا تسمح بتدریب الأساتذة بالشکل المناسب، وفی ظل أیام دراسیة مکتظة بالمحاضرات، ومن الصعب معها توفیر أوقات طویلة لتلک التدریبات، وستهتم إدارة المؤسسة بمحاضر جلسات مجالس الأقسام کواجهة توثیقیة عما یدور بالکلیة من اهتمام بجودة الکتاب الجامعی، دون ترکیز الانتباه على فنیات إعداد الکتب والمردود الناتج عنها، وستسمح إدارة المؤسسة لأعضاء هیئة التدریس والطلاب تقدیم مقترحاتهم نحو قضایا الکتاب الجامعی کخطوة من جانب الإدارة لرفعها للإدارة العلیا، ولن تستطیع إدارة المؤسسة تنسیق الجهود لإقرار کتب جامعیة مُطابقة لمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، ولائقة باسم المؤسسة، مُحققة لأهدافها، أو تنسیق الجهود لإقناع الطلاب بأهمیة وجدوى الکتب الجامعیة فی إتمام تعلیمهم.

   وستسعى الإدارة إلى فتح قنوات تواصل بین أعضاء هیئة التدریس بالکلیات المختلفة ومتخصصی المناهج وإعداد المقررات بکلیات التربیة بالجامعة؛ کمحاولة متواضعة منها لاکتساب بعض الخبرات فی إعداد الکتاب الجامعی، وستسعى إدارة المؤسسة إشراک أعضائها بأیة دورات وورش عمل ـ خارج أوقات الدوام الرسمی ـ تخص فنیات الکتاب الجامعی مؤکدة للجمیع مدى اهتمامها بقضایا الکتاب الجامعی، خاصة فی ظل التنافس المتوقع بین الکلیات المختلفة، ووسط الطلب الزائد على التعلیم المفتوح والتعلیم عن بُعد، الذی یعتمد بشکل کبیر على الکتب الجامعیة، وسوف یستمر التعامل مع وحدة التدریب بکل کلیة بصورة شکلیة دون الاستفادة من أهدافها الخاصة بتصمیم برامج تدریبیة وعقدها وتنفیذها على مستوى الکلیات، مع تقدیم المشورة لأعضاء هیئة التدریس، ونقل خبرات جدیدة لهم، لکن لن تتمکن إدارة المؤسسة من تقدیم الحوافز المادیة المناسبة لمؤلفی ومُعدی الکتب الجامعیة، بل ستکتفی بتشجیعهم معنویًا إن سمحت الظروف لذلک .

 

 

     انعکاسات منطلقات السیناریو على الکتاب الجامعی:

سوف تؤثر المنطلقات السابقة على مکانة الکتاب الجامعی واستخداماته، حیث سیتأثر هنا بقوانین ولوائح جامعیة أُدخلت علیها العدید من التغییرات حتى تهتم بالکتاب الجامعی وتفعیله، أما مؤلف أو مُعد الکتاب الجامعی فسوف یظهر مدى اقتناعه وحرصه على إنتاج کتاب جامعی مطابق لمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، لکن ستظل الأوعیة التی یُقدم من خلالها الکتاب الجامعی تقلیدیة وقاصرة على الکتاب الجامعی الورقی فقط، تبعًا لتواضع توظیف الإمکانیات والموارد الاقتصادیة فی تلک الآونه، وبذلک فالکتاب الجامعی هنا فی هذا السیناریو ستظهر علیه علامات الالتزام بمواصفات ومعاییر الکتاب الجامعی الجید، لکن العدید من المنطلقات ستمنعه وتحجمه عن ذلک، ولن ینال المکانة المرسومة له فی منظومة العملیة التعلیمیة، وبالتالی فإن کل ما سیحظى به هو الحفاظ على القلیل من مکانته واستخدامه فی تعلیم الطلاب دون السقوط والانزواء للخلف، فی ظل التغییرات المتلاحقة على کافة الأصعدة ومنها التعلیم، لذلک یمکن القول أن السیناریو الحالی یرى استمرار الوضع کما هو دون انهیار ودون تقدم للأمام، وفیما یلی بعض انعکاسات القوى المؤثرة (المنطلقات) على الکتاب الجامعی واستخداماته .

سیستمر وجود الکتاب الجامعی بین أیدی الطلاب لکن بصورته الورقیة التی لن تندثر؛ لما لها من نکهة ومذاق خاص لدى الجمیع، ولکن سیستمر معها الاعتماد على الکُتب المؤلفة مُسبقًا ـ سواء داخل القسم الأکادیمی أم خارجه ـ ولیست من تألیف أستاذ المقرر أو من یُدرِّس المقرر، وهنا سیحاول أستاذ المقرر توظیف الکتاب الجامعی لإعداد طلابه لمستقبل ملئ بالتغییرات والزخم المعرفی الذی یحتاجون معه إعداد علمی منظم، وسیقف الکتاب الجامعی صامدًا فی وجه العدید من الطرق غیر الشرعیة لتقدیم مفردات المقررات الدراسیة کالمذکرات والملخصات، دون قدرة على التخلص الکامل منها، ونتیجة لما یتوفر لدى أستاذ المقرر من اقتناع بأهمیة وجدوى تقدیم کتاب جامعی متمیز سیحاول تبادل الآراء والخبرات مع زملائه الآخرین بقسمه أو بالأقسام الأخرى کخطوة لمزید من الاطلاع على التجارب الأخرى؛ لفائدتها فی إتمام عملیات الإعداد والتألیف، وسیستفید مؤلف الکتاب الجامعی من القوانین واللوائح الجامعیة الداعمة للتألیف والنشر، وسیعمل على توظیفها واستغلالها لإجراء عملیات الإخراج العلمی الموافق للمعاییر والمواصفات، وسینوع مؤلف الکتاب من محفزات متابعة محتویات الکتاب الجامعی لاقتناعه بأن هذا التنوع سیساعد على تحقیق هدف الکتاب الجامعی بسهولة ویسر وتفهم من جانب طلابه حتى ولو کان هذا بشکل ضئیل .

 

 

      وبرغم سعی أستاذ المقرر للاعتماد على معاییر الکتاب الجامعی الجید؛ لتقدیم محتویات الکتاب الجامعی إلا أن استمراره وسعیه الحثیث للحصول على ساعات تدریسیة إضافیة سیفقده قدرًا من حیویته ونشاطه ووقته، وبالتالی لن یستطیع الالتزام بتلک المواصفات والمعاییر، ولن یستطیع متابعة کل جدید فی عملیات تألیف وإعداد الکتاب الجامعی، وسیظل معتمدًا على أدواته التقلیدیة فی إعداد الکتاب؛ نظرًا لعجز قدرته على توظیف الأدوات والوسائل التکنولوجیة المتاحة لتلبیة متطلبات إعداد کتاب جامعی مناسب، وسیحرز الکتاب الجامعی تقدمًا ملحوظًا فی اعتماد الطلاب علیه لتنظیمه وشموله، لکن هذا الالتزام مرجعه الکبیر الدور الإشرافی والتوجیهی من قِبل إدارة المؤسسة لأعضاء هیئة التدریس بشکل توجیهی بل رقابی أحیانًا، مما یجبر الطلاب على الالتزام الشکلی والصوری به فی ظل بقاء لبعض الملخصات والمذکرات .

أمور مستبعدة فی إطار هذا السیناریو نظرًا لاستمرار القوى الفاعلة على حالها، فمن المستبعد حدوث تحول حقیقی فی تخفیف أعباء عضو هیئة التدریس، وتحسین أحواله المادیة، أو تحول فی فکر إدارة المؤسسة نحو تشجیع الأستاذ الجامعی ودعمه لتألیف وإعداد الکتب الجامعیة وتحدیثها بدلاً من رقابته ولومه .

السیناریو الثالث ـ الکتاب الجامعی المشهور، أو الفائز فی السباق (الکتاب المُراد)، أو المرجع الجامعی، صاحب الصلاحیة المتجددة، وصاحب المبیعات الأکثر، والحائز على تشجیع الجمیع بلا منافس، أو الوضع الأفضل:

      فی هذا السیناریو ستتضافر الجهود على کافة المستویات؛ لتحسین العملیة التعلیمیة؛ لاقتناع الجمیع بأن الکتاب الجامعی المناسب لقدرات وإمکانیات الطلاب المراعی لمعاییر ومواصفات الجودة هو أحد أهم سُبل مواجهة تغییرات العصر ومتطلبات سوق العمل، بل یُعد الکتاب الجامعی أحد العوامل المهمة على مستوى تقییم الکلیات والجامعات وترتیبها وفقًا للمعاییر العلمیة والعملیة المعتمدة، وأنه لابد من الاتحاد کید واحدة؛ لتحقیق هدف إعداد وتکوین الطلاب، من خلال کتاب جامعی فعَّال، یُساهم فی تکوین الطلاب بشکل صحیح، أی کتاب جامعی یرضى عنه الجمیع، تکون له سمعة طیبة تحمله بعیدًا  لیغرف منه الآخرون أیضًا، أو کما یُطلق علیه (الکتاب الجامعی المُراد) أو المرجع الجامعی الفائز فی السباق .

 

 

والمدخل الرئیس لهذا السیناریو هو الانتقال من الاعتراف فقط من قِبل المجتمع بکون التعلیم الحقیقی هو طوق النجاة من کل التحدیات القادمة إلى اعتباره قضیة أمن قومی تکرِّس لها القوى الحاکمة کل الإمکانیات والمتطلبات اللازمة لإنجاحها، فی ظل انتصار من مؤیدی الدعوات المتکررة للإصلاح والتحسین، فی مقابل الرافضین لأی حرکة إصلاحیة من شأنها تقلیل نفوذهم وصلاحیاتهم، وسوف یتم الانتقال إلى هذا السیناریو بشکل مرحلی، یرکز على منهجیة التدرج والحوار مع کافة المعنیین؛ لخلق إجماع وطنی مرتکز على ضرورة التغییر، من خلال لجان أو مؤسسات معنیة بالتعلیم الجامعی ترکز على أهمیة هذا الإصلاح، وأنه سیتم على جمیع المستویات، وذلک مع التیقن من أن الکتاب الجامعی الجید أحد دعائم خریجی الجامعات المؤهلین والمناسبین لسوق العمل، من نعتبرهم ثروة المجتمع القومیة والرکائز الضروریة لتقدم المجتمع ورقیه وازدهاره، ومن خلال سیاسة تعلیمیة تعتمد على ثقافة المرجع العلمی المفتوح والمواکب لکل التغییرات، وأن الکتاب الجامعی خریطة للملاحة داخل المادة العلمیة للمقرر الدراسی ولیس کل المادة، فی ظل بیئة تُشرک الطلاب وتعینهم على اکتشاف المعرفة وبنائها، لیصبحوا مشارکین فی عملیة التعلم معتمدین على النهج العمیق للتعلم بدلاً من النهج السطحی المدعوم بکتاب یشجع على التلقین والحفظ فقط .

وأن هؤلاء الطلاب الجامعیین لابد لهم من کتاب جامعی مناسب لإظهار قدراتهم وإمکانیاتهم، فی تلک المرحلة الجامعیة التی لابد أن یظهر فیها مدى إلمام الطلاب بمجالات تخصصهم المختلفة؛ حتى یستطیع الخریج بعد ذلک الإخلاص فی عمله، وأن الکتاب الجامعی داخل أروقة الجامعات هو وعاء شرعی لطرح محتویات البرامج المختلفة داخل الجامعات إذا ما أردنا لهذه النظم التربویة النهوض والرقى، وإذا ما قصدنا للأمة نماءً اجتماعیًا واقتصادیًا وثقافیًا، فی ظل العدید من التحدیات المتوقعة، وذلک من خلال کتب جامعیة محکمة الإعداد والتألیف والإخراج، ویتمیز هذا السیناریو عن السیناریوهات السابقة فی أنه یمثل تغییرات جوهریة، ونقلة نوعیة فی الوضع الحالی، وهذه التغییرات دائمًا ما تکون فی الاتجاه المرغوب فیه، وهذا السیناریو یحتاج إلى تعدیلات فی اللوائح والقوانین الجامعیة، ویحتاج إمکانیات وقدرات خاصة لتنفیذه .

 

 

هدف السیناریو: هدف الدراسة المستقبلیة الحالیة من هذا السیناریو واقتراحه لفت أنظار المسئولین إلى أنَّ أی إصلاح مجتمعی لابد له من خطوات إجرائیة تنفیذیة نابعة من اقتناع تام من قِبل القوى الحاکمة بأهمیة الإصلاح، وبأهمیة تهیئة الظروف المواتیة لتحقیق هذا الإصلاح، ولیس فقط أفکار وتصریحات دون خطوات تنفیذیة، بالإضافة إلى ضرورة تعاون کافة القوى المؤثرة والحاکمة، ولفت أنظار متخذی القرار إلى متطلبات العیش فی مستقبل دائم التغییر من خلال خریج جامعی واعٍ، أُتیحت له سبل تبنی قدراته وإمکاناته، من خلال کتب ومراجع جامعیة هدفها الأساسی إعداد الطلاب لذلک المستقبل، وکذلک رسم صورة لملامح الکتاب الجامعی الحدیث وسط متغیرات العصر ومستحدثاته .

      منطلقات أو مؤشرات السیناریو:

عضو هیئة التدریس: بعد تأکُد القوى الحاکمة والمؤثرة من أهمیة وضرورة الکتاب الجامعی ودوره الجوهری فی إعداد الطلاب بشکل مناسب لسوق العمل، وتنبُّههم لضرورة اختیار وإعداد الکتب الجامعیة بشکل صحیح، فإن أعضاء هیئة التدریس سیضعون أمام أعینهم ضرورة تطویر أنفسهم، وتدریب مهاراتهم؛ لیستطیعوا إنتاج کُتب جامعیة صالحة وسط الدعوات العدیدة لأهمیة جدوى الکتاب الجامعی، ولأنه لن یکون لعضو هیئة التدریس مکان بالجامعة إن لم یقتنع بل ویمارس عملیات الإعداد والتألیف والنشر بتمیز وحرِفیة، خاصة فی ظل العدید من الطرق الإلکترونیة التی تنمو بطریقة مذهلة، وسیکون الهدف من الکتب الجامعیة واضح فی ذهنه، وسیحدث رواج فی تبادل أعضاء هیئة التدریس لطرق وأسالیب إعداد الکتب، وحضور الدورات والندوات الفنیة المتعلقة بالکتاب الجامعی ونظم إعداده، وسیزید الطلب من قِبل الجامعات على أعضاء هیئة التدریس ممن لدیهم خبرات سابقة فی إعداد وتألیف الکتب الجامعیة، وسوف یستند عضو هیئة التدریس فی عملیات إخراج الکتب الجامعیة إلى معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، وسیسعى لتنویع أوعیة تقدیم محتویات المقرر الدراسی بین الکتب الجامعیة الورقیة والإلکترونیة والافتراضیة .

 

  وسیعی عضو هیئة التدریس أهمیة وخطورة الفئة التی یتعامل معها من الشباب، وأنهم نواة التغییر فی المستقبل، لذلک سیهتم بمعرفة خصائصها واحتیاجاتها، ویحاول وضع الکتب الجامعیة بما یسمح بمراعات هذه الخصائص، وسیسعى إلى الاتصال المباشر بمصادر صنع القرار الجامعی والمشارکة فی کل ما یخص مهمته فی إنتاج الکتب الجامعیة أو تدریسها، من خلال عقلیة مرنة، ومنفتحة، وقادرة على توظیف کل الإمکانیات المتاحة؛ لإنتاج کتب تسمح للطلاب بقدر کبیر من حریة التعبیر حیال قضایاهم الأکادیمیة، وسیسعى لأن یکون کتابه الجامعی مرجعًا لطلابه یحرصون على الاحتفاظ به حتى بعد تخرجهم بالجامعة، ونظرّا لتوفیر القوى الحاکمة لکافة الإمکانیات والأدوات التکنولوجیة ستکون لدى عضو هیئة التدریس رغبة شدیدة فی استغلال وممارسة هذه الأدوات فی تنوع أشکال الکتب الجامعیة وسُبل طرحها، ونتیجة اقتناع القوى الحاکمة بأهمیة الکتاب الجامعی ودور عضو هیئة التدریس فی إعداده ستتقلص أعباؤه الإداریة بشکل ملحوظ مما یجعله لا ینشغل بأمور أخرى، ویهتم بعمله الأکادیمی، ویکرس له معظم وقته وجهده .

الطالب نفسه: فی ظل الاقتناع الکامل من الجمیع بأن إعداد الشباب وصقل معارفهم بشکل مناسب من أهم سُبل مواجهة تحدیات المستقبل فإن القوى الحاکمة ستسعى جاهدة لتوفیر کافة الإمکانیات لطلابها رغم التحسب لإنخفاض الموارد الاقتصادیة، وهذه الرعایة لها انعکاسات عدیدة على الطالب ستدفعه لمزید من الترکیز والاهتمام ببناء حصیلة معرفیة وثقافیة تسمح له بعد ذلک بوظائف وأعمال مطلوبة داخل مجتمعه، وستزید ثقة الطالب بنفسه وقدراته فی ظل التشجیع المُقدم له من کافة القوى الحاکمة، وسیتغیر نمط تفکیره أثناء معالجته لمقرراته متجهًا إلى البحث عن استیعاب واقتناء جمیع الکتب الجامعیة التی تُقدَّم له، وسیزید شعور الطالب بالرضا عن مستواه العلمی وإمکانیاته وقدراته فی ظل أسرة جامعیة تُدرک وتراعی ذلک عند طرحها للکتب الجامعیة، فی ظل أسالیب تقویم تم تغییرها لتدعم التفکیر والبحث من خلال کتب ومراجع جامعیة تهتم بذلک دون تقید بکتاب واحد یدعم الحفظ والاستدعاء .

 

 

إدارة المؤسسة التعلیمیة: سیکون التوجه الإداری هنا نحو اللامرکزیة من جانب إدارة الجامعة، والتی تمنح إدارة الکلیات مزیدًا من الاستقلال، وتفویض السلطة، وتوفیر الفرص، والمرونة لصنع القرار الجامعی، وتهیئ لمؤلفی ومُعدی الکتب الجامعیة الاستعداد لتحسین جمیع مقومات إنتاج الکتاب الجامعی الجید، وسیکون الاتجاه نحو اللامرکزیة لیس تنازلاً من قِبل إدارة الجامعة فی أعلى الهرم بل نظامًا مبنیًّا على اقتناع بقدرات الآخرین، وحقهم فی ممارسة العمل فی ضوء خبراتهم واجتهاداتهم للارتقاء بجودة العملیة التعلیمیة، وسیکون هناک تهیئة وتدریب على فکر اللامرکزیة والإدارة الذاتیة للکلیات حسب إمکانیاتها ومواردها وبیئتها، وستتمکن إدارة المؤسسة من توفیر التمویل الخاص بعملیات توفیر الکتاب الجامعی المناسب، وکذلک حوافز ومعززات للطلاب وأعضاء هیئة التدریس بعیدًا عن تحکم سلطة تعلیمیة مرکزیة، فقد تمنح مؤلفی الکتب الجامعیة إجازة لتجمیع المعلومات وتبویبها، وإعداد وکتابة الکتاب، وسوف تُشارک إدارة الکلیة بعض المؤسسات والشرکات الخاصة ودور النشر؛ لتسایر أحدث فنیات إعداد الکتب، کما أنها لن تغفل حقوق الملکیة الفکریة لأعضائها حتى ولو تغیر شکل بعض الکتب وانتقل من الورقی إلى الإلکترونی، وهنا ستتغیر أهداف ومجالات إدارة المؤسسة لتکون عملیة تعاونیة شاملة، هادفة لتهیئة الظروف لکل المشترکین فی عملیات إعداد الکتاب الجامعی .

ونتیجة زیادة صلاحیات الکلیات مالیًا وإداریًا وتربویًا فی صناعة القرار، وتوسیع المشارکة المجتمعیة، فسوف تتمکن إدارة المؤسسة من إعداد خطط لتطویر الکتاب الجامعی، وآلیات للتأکد من مدى التزام الجمیع بتلک الخطط أی تنفیذها ومتابعتها، متضمنة قواعد للثواب والعقاب قابلة للتطبیق، وسیکون لدى الإدارة من المرونة ما تسمح بواسطته لمؤلفی ومُعدی الکتاب الجامعی بالخروج ـ بشکل طفیف ومفید ـ على اللوائح والقوانین، مما یسمح لعضو هیئة التدریس إعمال فکره الناقد فیما یقدمه لطلابه، وستُستحدث آلیة لمنح أستاذ المقرر الاستعانة بالمراجع المهمة بجوار الکتاب الجامعی لتوضیح کل ما أُشکل على الطلاب، وستهتم إدارة المؤسسة وتشجع أعضاء هیئة التدریس على اکتشاف وابتکار طرق وأسالیب جدیدة لطرح الکتب الجامعیة نابعة منهم، وملائمة لمستویات وقدرات الطلاب، وستُشعر إدارة المؤسسة أعضاء هیئة التدریس بأنها تُقدر أعمالهم ومجهوداتهم تجاه ذلک، وستُشجعهم على الاعتماد على وسائل التکنولوجیا الحدیثة فی التواصل فیما بینهم معتمدة على بطاقات لمهام کل وظیفة

 

 

وتوصیفها للاستعانة بها فی التعامل مع کل من له علاقة بالکتاب الجامعی، ومتابعتهم للتوجیه والتحسین والتطویر المستمر، ولإحداث تنمیة مهنیة مستدامة لهؤلاء الأعضاء وغیرهم ممن لهم علاقة بالکتاب الجامعی، وسوف تلتزم إدارة المؤسسة بالمعاییر والمواصفات المحددة للکتاب الجامعی الجید، وتسعى لإلزام الجمیع بها، وستضع لوحات إرشادیة ورقیة وإلکترونیة ثابتة فی أماکن ومواقع متنوعة تشجع الطلاب على اقتناء الکتب الجامعیة سواء للطلاب الجدد أو القدامى.

       انعکاسات منطلقات السیناریو على الکتاب الجامعی:

هنا سیتم وصف الوضع المستقبلی للکتاب الجامعی، فی ظل تأثره بالعدید من المنطلقات السابقة الخاصة بتصرفات ومواقف القوى الحاکمة والمؤثرة فی مکانته واستخدامه، وأثناء تقدیم هذا الوصف سیتم التحدث عن موقف الکتاب الجامعی فی هذا السیناریو من القوانین واللوائح الجامعیة المنظمة له، والتی ستبذل فیها العدید من التغییرات والتحسینات والإصلاحات حتى تمنح الکتاب الجامعی مکانته الحقیقیة، وستکون هذه القوانین مُدعِّمة ومساندة للکتاب الجامعی، وکذلک موقف مؤلف ومُعد الکتاب الجامعی واقتناعه بأهمیة الکتاب الجامعی وضرورة التزامه بمواصفات ومعاییر الکتاب الجامعی الجید، فی ظل مساندة کبیرة من کل من له علاقة بالکتاب الجامعی، وکذلک ستشهد أوعیة تقدیم محتوى المقررات الجامعیة تنوعًا کبیرًا بما یُلائم طبیعة الطلاب واختلاف أنماطهم فی تعاملهم مع الکتب الجامعیة الورقیة أو الإلکترونیة أو غیرها، وبذلک فإن الکتاب الجامعی فی ظل هذا السیناریو سینعم بمظاهر عدة تُظهر مدى رواجه وتفعیله، وسیبذل الجمیع قصارى جهدهم برغبة وتعاون نحو إنجاحه، وفیما یلی بعض انعکاسات ما سیتأثر به الکتاب الجامعی من قوى فاعلة ومؤثرة فی مکانته .

سوف یسعى عضو هیئة التدریس ویجتهد لإخراج کتاب جامعی مناسب ومُطابق للمواصفات، من خلال اقتناع کبیر لدیه بأهمیة وجدوى إتقان الأوعیة التی تُقدم من خلالها المقررات الجامعیة؛ حتى تؤتی ثمارها، فی ظل الحریة الأکادیمیة الممنوحة له بجامعته، وسوف تتقلص بشدة العلاقة الروتینیة الجافة بین الکتاب الجامعی والطلاب، لما سیجدونه بالکتاب الجامعی من تحفیز وتشویق ووضوح، ونتیجة تمکن مؤلفی الکتب الجامعیة من أدواتهم أثناء تقدیم الکتب فسوف ینجح الکتاب الجامعی فی تحقیق أهدافه، فی ظل إدارة لامرکزیة تسمح له بالاعتماد على مراجع إثرائیة متنوعة لإتمام عملیات التعلم، وکذلک سیوفق الکتاب الجامعی بین خصائص الطلاب وأساسیات المقررات الدراسیة، وسیجعل الطالب أکثر ارتباطًا بالقسم الأکادیمی التابع له مما سیوفر للأقسام الأکادیمیة معلومات مهمة وحقیقیة عن أحوال الطلاب الأکادیمیة .

 

      ونظرًا لتخیف الأعباء الإداریة عن کاهل عضو هیئة التدریس فإن حیویته ورغبته فی إعداد کتاب جامعی ممیز ستظهر بشکل أکثر وضوحًا، وسیهتم بجمیع المقررات التی یدرِّسها، وسیجهد نفسه فی تألیف کتبها فی شکل لائق، وسیکون هناک وضوح فی الخطوات الإجرائیة اللازمة لإعداد وتألیف وإقرار الکتاب الجامعی بالقسم الأکادیمی         ثم الکلیة  .

      ونتیجة مزید من التکنولوجیا المتاحة داخل الکلیات، والاتجاه نحو التعلم الذاتی سیقوم عضو هیئة التدریس بتقدیم العدید من الکتب الجامعیة إلکترونیًا عن بعد، الذی سیکون له دور کبیر وواضح ومؤثر ومعترف به عن طریق استخدام التقنیة الحدیثة التی ستتجاوز عقبتی الزمان والمکان عبر برامج متعددة اعتاد الطلاب استخدامها بحرفیة وإتقان کـ (واتس آب، والتیلیجرام، والبلاک بورد) وغیرها من البرامج التی تُتیح لأطراف عملیات التعلم الاتصال عن بعد، فی ظل إتقان ممیز من جانب عضو هیئة التدریس لتلک البرامج؛ نظرًا للتحسُّن المتوقع فی سُبل تدریبه وتهیئته للقیام بمهام هذا الدور من جانب القوى الحاکمة، والتی معها ستتغیر العدید من الکتب الجامعیة أثناء طرحها للطلاب فی صورة وحدات ومنتدیات وأنشطة إلکترونیة کما بدأ یحدث فی أنظمة البلاک بورد بالجامعات .

      وسیسعى عضو هیئة التدریس من خلال الکتاب الجامعی لاکتشاف المتفوقین والموهوبین، ویوفر لهم داخل الکتاب وسائل وإجراءات لتلبیة احتیاجاتهم، وسیدفعهم للاستفادة من مکتبات الجامعة المتنوعة، وإلى مزید من القراءات الإثرائیة المتنوعة، فی ظل وجود مراکز مختصة بإخراج وإنتاج الکتاب الجامعی بکل کلیة؛ لتقدیم خدماتها لأعضاء هیئة التدریس، مع عقد ندوات ودورات تدریبیة بهذه المراکز للأعضاء الجدد؛ لتوضیح فنیات إعداد الکتاب الجامعی الجید، وبعض الأخطاء الشائعة فی عملیات إعداد الکتب، وکیفیة تلافیها فی ظل مفهوم واضح لمهام عضو هیئة التدریس تجاه الکتاب الجامعی قبل قیامه بعملیات التدریس، وسیولی المرکز عنایة خاصة بالطلاب لتوعیتهم بأهمیة الاعتماد على الکتاب الجامعی أثناء الدراسة الجامعیة .

 

ونتیجة التطور والتحدیث المستمر الذی سیحظى به موقع الجامعة الإلکترونی، وکذلک الکلیات وما تحویه من کُتب جامعیة إلکترونیة، کل هذا سیحتم على عضو هیئة التدریس مراجعة کتبه بشکل دقیق؛ لتتناسب وموقعها فی مصاف الکتب الجامعیة المختلفة بموقع الجامعة الرسمی، وهنا لن تُقصِّر الجامعة فی منح أعضائها الحوافز المادیة والمعنویة حین إلتزامهم بمعاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید، وأیضًا لن تتهاون فی لوم من یخالف تلک المعاییر بقصد أو اهمال .

تاسعًا: ـ نظرة إجمالیة إلى التکلفة والعائد المجتمعیین فی إطار السیناریوهات المختلفة:

   یقصد بالتکلفة المجتمعیة فی هذا السیاق ما یتصل بالکتاب الجامعی ومکانته واستخداماته تجاه تقدم الطلاب أثناء دراستهم الجامعیة، وفی القدرة على استثمار طاقاتهم للانضمام إلى سوق العمل، وکذلک مدى توفر کتاب جید به معاییر ومواصفات محددة وصعوبة وندرة ذلک، وکذلک ظهور ووجود العدید من الکتب الجامعیة غیر اللائقة، وفی النهایة یتکون لدى المجتمع الجامعی نظرة مستقبلیة مظلمة حول الکتاب الجامعی، وعلى الجانب الآخر تمثل أهم جوانب العائد المجتمعی فی وجود کتاب جامعی مناسب ومطابق للمواصفات والمعاییر، والارتقاء بأداء أعضاء هیئة التدریس فی تألیف الکتب الجامعیة، وتوظیف الإمکانیات المطلوبة للتوصل لکتب جامعیة متطورة ومناسبة، وقادرة على إعداد قوى بشریة مستعدة لمواجهة المستقبل بکل تحدیاته.

   ونظرًا لتعقد العناصر المکونة للتکلفة والعائد المجتمعیین، والتی یصعب تحلیل کل منها إلى مکونات فرعیة، وقیاسها بصورة رقمیة فإن الدراسة الحالیة ستستند إلى أحکام إجمالیة ذاتیة، تکونت من خلال معرفة الوضع الراهن والانخراط فی الصور المستقبلیة المحتملة، وسوف تأخذ هذه التقدیرات صورة رقمیة تتراوح من صفر إلى 10، وسیکون الحدیث عن التکلفة المجتمعیة بالاتجاه السالب، والعائد المجتمعی بالاتجاه الموجب، وهذه الأحکام الذاتیة عن کل عنصر فی إطار کل سیناریو تُعد نقطة بدء لإثارة حوار وجدل حول هذه الأحکام، ومن الجدیر بالذکر أن العدید من المعطیات والمنطلقات السابقة هی التی جعلت الدراسة تضع التکلفة والعائد بهذا الشکل، ویبیِّن الجدول التالی مصفوفة التکلفة والعائد المجتمعیینلمستقبل الکتاب الجامعی فی إطار السیناریوهات المختلفة .

 

جدول (10)

مصفوفة التکلفة والعائد المجتمعیین لمستقبل الکتاب الجامعی فی إطار السیناریوهات المختلفة

وقد تم تقدیر هذه الدرجات بناءً على شکل کل سیناریو وموقفه من هذه القضایا، ومن خلال رصد الواقع، فمن حیث التکلفة المجتمعیة فإن أکثر السیناریوهات تکلفة هو السیناریو الأول الذی تأثر بأوضاع راهنة سیئة من خلال ما أظهرته نتائج الدراسة المیدانیة من کون الکتاب الجامعی لم یستطع إعداد کوادر بشریة أکادیمیة مناسبة ومدربة لسوق العمل حینما لم یوظَّف بالشکل الملائم لطلاب الجامعة، وأصبح هذا الکتاب مهجورًا وغیر مستغل، خاصة فی ظل ضعف اقتناع مؤلفی الکتاب الجامعی بجدوى هذا العمل، وفی ظل قلة استغلال الموارد والامکانیات بشکل صحیح، إضافة لقلة القوانین واللوائح  التی تسانده فی تحقیق أهدافه، کما إن عضو هیئة التدریس لم یُدرب بشکل

 

 

یساعده على ذلک، وإن قُدمت له مساندة وتوفرت لدیه بعض الإمکانیات فکانت محدودة ـ لذلک حصل هذان العنصران على درجة أقل من السابق ـ، لکن لا ینتظر هذا السیناریو وجود کوادر بشریة مدربة تعمل بجوار مؤلفی الکتب الجامعیة، فکل من یعمل فی هذا المجال ینقصه من التدریب والإعداد کثیر، فأظهرت نتائج الدراسة المیدانیة أن غیاب دور إدارة المؤسسة ودعمها لعضو هیئة التدریس أثَّر علیه سلبیًا بشکل کبیر، لذلک ینظر هذا السیناریو إلى المستقبل نظرة مظلمة فیها من العودة إلى الوراء الکثیر مما یُضفی على هذا السیناریو مزیدًا من التکلفة .

       ولأن بعض التعدیلات والتحسینات والإصلاحات أُدخلت على الوضع الراهن، فجعلت التکلفة المجتمعیة فی السیناریو الثانی أقل من سابقتها فی السیناریو الأول، أما السیناریو الثالث وهو أقل السیناریوهات تکلفة مجتمعیة؛ وذلک لأن القوى والعوامل المؤثرة (الفاعلین) یُفترض أن تسعى جاهدة إلى تقدیم المساندة والدعم الحقیقی لمؤلفی ومُعدی الکتاب الجامعی، وتذلیل کل العقبات أمامه، مع منحه مزیدًا من الحوافز والممیزات مما یدعم توظیف الکتاب الجامعی فی تعلم الطلاب، ویجعل من الکتاب الجامعی کتابًا مُستغلاً ومشهورًا، بإمکانه دعم إنتاج کوادر مناسبة تستطیع التعامل مع المستقبل القادم بل تحریکه فی أحیان کثیرة، وبذلک فإن هذا السیناریو ینظر إلى المستقبل نظرة تفاؤلیة مضیئة .

       أما بالنسبة للعائد المجتمعی فإن أقل السیناریوهات عائدًا هو السیناریو الأول، فمن تحلیل الوضع الراهن من خلال الدراسة المیدانیة التی أظهرت غیاب الدور الحیوی للکتاب الجامعی تجاه الطلاب ـ من خلال العدید من العوامل، أهمها: قلة توفر معاییر ومواصفات الکتاب الجامعی الجید سواء من حیث المضمون أو المحتوى أو تنظیمه أو إخراجه، وکذلک لم یجد طرقًا مناسبة أو إمکانات مساندة لتقدیمه، وکل هذه العوامل وغیرها منعته من التأثیر فی تعلیم الطلاب بشکل جید وصحیح، لذلک فکان من غیر المتوقع أن یکون للسیناریو الأول عائد اجتماعی کبیر، لکن کان للسیناریو الثانی بعض العائد؛ لإدخال بعض التعدیلات والإصلاحات فی العدید من المجالات، أما السیناریو الثالث فکان العائد الاجتماعی له ملحوظًا بدرجة کبیرة؛ وذلک لافتراض إدراک الفاعلین الرئیسیین ـ فی ظل هذا السیناریو ـ لأهمیة البحث فی متطلبات المستقبل، والاقتناع بأهمیة وجدوى الکتب الجامعیة فی إعداد الطلاب، وأن الکتاب الجامعی الجید أحد معابر دخول المستقبل القادم؛ لذلک وفَّرت القوى المؤثرة ـ هنا ـ العدید من الإمکانیات؛ للوصول إلى أعلى مستوى من عملیات إنتاج وتوظیف ورعایة الکتاب الجامعی .

 

  ویمکن وصف السیناریوهات بدلالة کل من التکلفة المجتمعیة والعائد المجتمعی بأن السیناریو الأول (الکتاب الجامعی الراجع للخلف أو المهجور أو المهزوم فی السباق) تکلفة اجتماعیة عالیة، وعائد اجتماعی منخفض، أما السیناریو الثانی (الکتاب الجامعی الساعی للاستمرار فی السباق) تکلفة اجتماعیة فوق المتوسطة، وعائد اجتماعی متوسط، وإن زاد نوعًا ما عن الأول، والسیناریو الثالث (الکتاب الجامعی الفائز فی السباق أو المشهور والمستغل) تکلفة اجتماعیة منخفضة، وعائد اجتماعی عالی أو مرتفع .

     تعقیب:

  من العرض السابق لسیناریوهات مستقبل الکتاب الجامعی یتضح أن السیناریوهات المطروحة من النوع الاستطلاعی ولیس الاستهدافی، فهی لم تتبن أمور محددة، أو صورة محددة یُرجى تحقیقها فی المستقبل، وتنتقل بها إلى الحاضر، لکن هدفت السیناریوهات إلى عرض احتمالات وصور ممکنة الحدوث لحال ومکانة الکتاب الجامعی دون تبنی اتجاه أو خط معین والدفاع عنه، وأن السیناریوهات المطروحة تهدف إلى التحسب للمستقبل والاستعداد له من الآن، فکل صورة لها منطلقات إذا تمَّت منذ اللحظة الراهنة سوف تصل بنا إلى الانعکاسات المتوقعة، وهذا یؤکد إمکانیة صنع المستقبل من الآن، من خلال التأثیر فی القوى الحاکمة والمؤثرة، وجعلها تتجه وجهة محددة، ولیس غریبًا الانتقال من الوضع الراهن إلى السیناریو الثالث مباشرة  دون التوقف على مرحلة انتقالیة؛ لأن السیناریو لیس کتطور المجتمعات ـ وإن کان هذا لا یحدث فی بعضها ـ التی تحتاج إلى تدرج فی الانتقال .

  ومن خلال عرض السیناریوهات الثلاثة کمحاولة للإجابة عن السؤال الخامس الذی یدور حول مستقبل الکتاب الجامعی، فمن المؤکد أن البحث الحالی یرجو أن یتحقق السیناریو الثالث؛ لأنه الأفضل فی حال الظاهرة محل الدراسة، لکن لن تستطیع الدراسة الحالیة تبنی ذلک؛ لأن هدفها منذ البدایة استطلاعی؛ لبیان الصور المختلفة، وطرحها أمام متخذ القرار؛ للتأثیر فی القوى المحرکة وسلوک الفاعلین، وتوجیهه نحو السیناریو المرغوب فیه من وجهة نظره .

 

 

       مراجع البحث:

1ـ إبراهیم العیسوی: السیناریوهات ـ بحث فی مفهوم السیناریوهات وطرق بنائها، أوراق مصر 2020، العدد (1)، منتدى العالم الثالث، القاهرة، مکتب الشرق الأوسط، 1998.

2ـ أسما جرجس إلیاس: الکتاب الجامعی بین الواقع والطموح دراسة تحلیلیة نقدیة لکتب دبلوم التأهیل التربوی فی کلیة التربیة، مجلة جامعة تشرین للبحوث والدراسات العلمیة، سوریا، المجلد (18)، العدد (10)، 1996 .

3ـ المجلس الأعلى للثقافة: المائدة المستدیرة حول الکتاب الجامعی فی مصر قضایاه ومشکلاته وسبل الارتقاء به، مجلة عالم المعلومات والمکتبات والنشر، القاهرة، المجلد (1)، العدد (1)، یولیو 1999.

4ـ الموقع الإلکترونی الرسمی لجامعة القصیم WWW.qu.edu.sa  8/ 2/ 2019

5ـ أمل کرم خلیفة: الکتاب الجامعی بین الحاضر ورؤیة مستقبلیة، مجلة کلیة التربیة، کلیة التربیة، جامعة طنطا، العدد (38)، 2008 .

6ـ باهر القاضی: الکتاب الموحد أزمة جدیدة على أعتاب جامعة الأزهر، مجلة التحریر الجدید، یولیه 2018 متاح على https: // www. Tahrir news .com

7ـ بدر عبد الله الصالح: التعلیم الجامعی الافتراضی دراسة مقارنة لجامعات عربیة وأجنبیة افتراضیة مختارة، مجلة کلیات المعلمین للعلوم التربویة، المجلد (7)، العدد (1)، مارس 2007 .

8ـ بسام بیاعة: آفاق تطویر الکتاب الجامعی، مجلة التعریب، سوریا، المجلد (5)، العدد (10)، دیسمبر 1995 .

9ـ بشار الحجلی: الکتاب الجامعی، مجلة طلبة وجامعات، دمشق، مارس، 2012 .

10ـ ثناء یوسف العاصی: نحو علم لدراسة المستقبل المبررات، الإمکانیة، والحدود، القاهرة، دار الفکر العربی، 2006 .

 

 

11ـ حسین بشیر محمود: حول التعلیم الجامعی رؤیة تحلیلیة، المؤتمر القومی السنوی الرابع عشر آفاق جدیدة فی التعلیم الجامعی العربی، مرکز تطویر التعلیم الجامعی بجامعة عین شمس، القاهرة، المجلد (2)، نوفمبر 2007 .

12ـ حصة محمد الشایع، أفنان عبد الرحمن العیید: الکتاب الإلکترونی الجامعی مراجعة لبعض الأدبیات العلمیة، المجلة التربویة الدولیة المتخصصة، تصدر عن المجموعة الدولیة للاستشارات والتدریب، الأردن،  المجلد (5)، العدد (3)، 2016 .

13ـ حفیظ ملیکة: واقع الکتاب الجامعی فی جامعة قسنطینة، مجلة العلوم الإنسانیة، تصدر عن جامعة قسنطینة، الجزائر، العدد (10)، 1998 .

14ـ خالد قدری إبراهیم: تجوید نظام التعلیم الأساسی بجمهوریة مصر العربیة فی ضوء الدراسات المستقبلیة، القاهرة، المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، 2000 .

15ـ خالد مصطفى محمد مالک: أساسیات توظیف تکنولوجیا التعلیم فی برامج التعلیم المفتوح ومقترحات للإفادة بها فی تطویر البرامج الحالیة بمصر، رسالة دکتوراه غیر منشورة، کلیة التربیة، جامعة حلوان، 2000 .

16ـ دالیا موسى عبد الله: استخدام الکتاب الإلکترونی لدى طلاب المرحلة الجامعیة الأولى فی تخصصات العلوم الاجتماعیة والإنسانیات واللغات بالجامعات المصریة دراسة میدانیة، المجلة الدولیة لعلوم المکتبات والمعلومات، تصدر عن الجمعیة المصریة للمکتبات والمعلومات بمصر، المجلد (4)، العدد (4)، دیسمبر 2017 .

17ـ رشیدی أحمد طعیمة: جودة الکتاب الجامعی، ندوة الکتاب الجامعی، فی 18/ 10/ 2009، جامعة المنصورة،

 

18ـ سحر محمد محمد حرب: التعلیم الجامعی الفلسطینی الواقع والسیناریوهات المستقبلیة، مجلة القراءة والمعرفة، تصدر عن الجمعیة المصریة  للقراءة والمعرفة بکلیة التربیة، جامعة عین شمس، العدد (169)، نوفمبر 2015 .

19ـ سلامة یوسف طناش: الکتاب الجامعی المقرر: معاییر ومعوقات اختیاره من وجهة نظر أعضاء هیئة التدریس فی الجامعة الأردنیة، مجلة العلوم التربویة، الأردن، مجلد (28)، العدد (2)، رجب 2001 .

20ـ شمس الدین محمد حامد التکیتة: الکتاب الفقهی الجامعی الواقع والطموح، المؤتمر الثانی لکلیة الشریعة بجامعة الزرقاء الأهلیة (تدریس الفقه الإسلامی فی الجامعات الواقع والطموح)، عمان، الأردن، أغسطس 1999 .

21ـ صالحة عبد الله یوسف عیسان، عبد الله محمد خطابیة: معاییر واستراتیجیات اختیار الکتاب الجامعی فی کلیتی التربیة والآداب بجامعة السلطان قابوس، مجلة مرکز البحوث التربویة، کلیة التربیة، جامعة قطر، العدد (22)، یولیو 2002 .

22ـ طارق عبد الرؤوف عامر: الدراسات المستقبلیة مفهومها – أسالیبها – أهدافها، القاهرة، دار السحاب للنشر والتوزیع، 2006 .

23ـ عاشور إبراهیم الدسوقی، عدنان محمد أحمد قطیط: السیناریوهات أسلوب لاستشراف المستقبل، مجلة التربیة والتعلیم، تصدر عن المرکز القومی للبحوث التربویة والتنمیة، العدد 43، 2006.

24ـ عالم المعلومات والمکتبات والنشر: الکتاب الجامعی فی مصر واقعه وسبل النهوض به، مجلة عالم المعلومات والکتاب، المجلد (1)، العدد (1)، یولیو 1999 .

25ـ عالم المعلومات والمکتبات والنشر: نظام نشر وتوزیع الکتاب الجامعی، مجلة عالم المعلومات والکتاب، المجلد (2)، العدد (1)، یولیو 2000 .

26ـ عبد الله إبراهیم سعید: واقع الکتاب الجامعی ومدى تحقیقه للغرض المرجو منه، مجلة التعریب، سوریا، المجلد (5)، العدد (10)، دیسمبر 1995 .

 

 

27ـ عبد الله أبو هیف: تطویر الکتاب الجامعی، مجلة جذور، تصدر عن النادی الأدبی الثقافی بجدة، المملکة العربیة السعودیة، المجلد (9)، الجزء (19)، مارس 2009 .

28ـ عبد الله سعید: جودة الکتاب الجامعی وآفاق تطویره، ورقة عمل قُدمت فی الندوة الوطنیة لتطویر المناهج والاختصاصات، خلال الفترة من 30- 31/ 5/ 2007، نظمتها وزارة التعلیم العالی بحلب، سوریا .

29ـ عبد المحسن أحمد العصیمی: تحدیات التعلیم الجامعی فی عصر العولمة، المؤتمر الدولی الخامس (مستقبل إصلاح التعلیم العربی لمجتمع المعرفة تجارب ومعاییر ورؤى)، المرکز العربی للتعلیم والتنمیة (أسد) والجامعة العربیة المفتوحة بالقاهرة، الجزء (1)، یولیو 2010 .

30ـ علی العقلا: سیناریوهات التعلیم الإلکترونی فی المملکة العربیة السعودیة، مجلة مستقبل التربیة العربیة، تصدر عن المرکز العربی للتعلیم والتنمیة بالتعاون مع کلیة التربیة جامعة عین شمس ومکتب التربیة العربی لدول الخلیج وجامعة المنصورة، العدد 41، أبریل 2006 .

31ـ علی قطب حسن العبد: بعض المتغیرات العالمیة المعاصرة وانعکاساتها على الأهداف المستقبلیة للتربیة فی مصر دراسة من منظور إسلامی، رسالة دکتوراه غیر منشورة، کلیة التربیة، جامعة طنطا، 1993 .

32ـ عیسى قریاح، سناء محمد صالح، سالمة محمد صالح: أسباب انخفاض التحصیل الدراسی من وجهة نظر طلبة وطالبات جامعة بنغازی فرع الکفرة، مجلة العلوم والدراسات الإنسانیة، العدد (28)، مارس 2017 .

33ـ غدیر إبراهیم زیزفون: الکتاب العلمی الجامعی، مجلة التعریب، سوریا، المجلد (5)، العدد (10)، دیسمبر 1995 .

 

 

34ـ فاروق عبده فلیه، أحمد عبد الفتاح الزکی: الدراسات المستقبلیة منظور تربوی، عمَّان، دار المسیرة للنشر والتوزیع، 2003 .

35ـ فاطمة الزهراء محمود محمد عثمان: مواصفات الکتاب الجامعی للمواد العلمیة فی ضوء المستحدثات التکنولوجیة المعاصرة، المؤتمر السنوی الثامن للجمعیة المصریة لتکنولوجیا التعلیم (المدرسة الإلکترونیة)، الجمعیة المصریة لتکنولوجیا التعلیم بالتعاون مع کلیة البنات، جامعة عین شمس، أکتوبر 2001 .

36ـ فایز مراد مینا: التعلیم فی مصر الواقع والمستقبل حتى عام 2020، ضمن سلسلة أوراق مصر 2020، رقم (9)، القاهرة، مکتبة الأنجلو المصریة، 2001.

37ـ فتح الباب عبد الحلیم سید: الکتاب المدرسی والجامعی التقویم والتطویر، مجلة تکنولوجیا التعلیم، الجمعیة المصریة لتکنولوجیا التعلیم، القاهرة، المجلد (12)، العدد (3)، 2002 .

38ـ فتح الباب عبد الحلیم سید: الکتاب المدرسی والجامعی، مجلة تکنولوجیا التعلیم، الجمعیة المصریة لتکنولوجیا التعلیم، القاهرة، المجلد (11)، العدد (4)، 2001 .

39ـ فؤاد أبو حطب، آمال صادق: مناهج البحث وطرق التحلیل الإحصائی فی العلوم النفسیة والتربویة والاجتماعیة، القاهرة، مکتبة الأنجلو المصریة، الطبعة (2)، 1996.

40ـ لمیاء محمد إبراهیم: تحلیل مقرر المناهج فی التربیة الریاضیة للفرقة الثالثة من وجهة نظر کلا من الطالبة وعضو هیئة التدریس فی ضوء معاییر جودة الکتاب الجامعی دراسة تقویمیة، المجلة العلمیة للتربیة البدنیة والریاضیة بمصر، العدد (71)، مایو 2014 .

41ـ محمد صالح أحمد نبیه: المستقبلیات والتعلیم، سلسلة موسوعة التعلیم فی عصر العولمة رقم (1)، القاهرة، دار الکتاب المصری، 2002 .

 

 

42ـ محمد صبری حافظ، السید السید محمود البحیری: تخطیط المؤسسات التعلیمیة، القاهرة، عالم الکتب، 2006 .

43ـ محمد ماهر محمود الجمال: مستقبل التعلیم العربی باستخدام مدخل tip، مجلة البحث فی التربیة وعلم النفس، کلیة التربیة، جامعة المنیا، المجلد (17)، العدد (2) أکتوبر 2003.

44ـ محمد محمد سکران: التعلیم الجامعی فی مصر رؤیة نقدیة تطویریة، مکتبة الأنجلو المصریة، القاهرة، 2008 .

45ـ محمد منیر مرسی: البحث التربوی وکیف نفهمه، القاهرة، عالم الکتب، 1994 .

46ـ مرکز البحوث التربویة: مشکلات الکتاب الجامعی بجامعات دول الخلیج العربی، المجلة العربیة للبحوث التربویة بتونس، المجلد (2)، العدد (1)، ینایر 1982 .

47ـ مصطفى عبد القادر: استشراف المستقبل ودور التعلیم المصری فی تحقیقه، مجلة دراسات تربویة، تصدر عن رابطة التربیة الحدیثة، المجلد 5، الجزء 24، 1990 .

48ـ مکتب التربیة العربی لدول الخلیج: أضواء على الکتاب الجامعی فی جامعات دول الخلیج العربی، مجلة مرکز البحوث التربویة، کلیة التربیة، جامعة قطر، العدد (73)، سبتمبر 1985 .

49ـ منى یونس بحری: الکتاب الجامعی بین التحدیث والبدیل، مجلة کلیة الآداب، جامعة بغداد، العراق، العدد (65)، 2004 .

50ـ نادیة احمد بکار: بناء نموذج لإنتاج الکتاب المقرر جید الإعداد، مجلة دراسات تربویة، رابطة التربیة الحدیثة، المجلد (5)، الجزء (26)، 1990 .

 

 

 

51ـ نوار الدمشقی: صدر الحکم بوأد الکتاب الجامعی، مجلة قاسیون، مقال بتاریخ 2/ 12/ 2018 .

52ـ وائل عبد الرحمن التل، محمود محی الدین محمد المستریحی: درجة مراعاة معاییر جودة اختیار الکتاب الجامعی فی کلیة التربیة بجامعة الملک عبد العزیز من وجهة نظر أعضاء الهیئة التدریسیة، مجلة مؤته للبحوث والدراسات الإنسانیة والاجتماعیة، الأردن، المجلد (27)، العدد (2)، 2012 .

53ـ ولید سامی حسن علی: أسالیب دراسة المستقبل ومدى استخدامها فی بحوث تربیة الطفل (دراسة تقییمیة)، رسالة ماجستیر غیر منشورة، کلیة التربیة، جامعة المنصورة، 2002 .

54ـ وهبة محمد الزحیلی: الکتاب الفقهی الجامعی الواقع والطموح، المؤتمر الثانی لکلیة الشریعة بجامعة الزرقاء الأهلیة (تدریس الفقه الإسلامی فی الجامعات الواقع والطموح)، جامعة الزرقاء الأهلیة عمان، الأردن، أغسطس 1999 .

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع الأجنبیة:

55- Arnold, D.: A Discipline Sensitive Model of Textbook Selection Criteria in the Higher Education Faculty. ASHE Annual Meeting Paper, N. 2, November, 1989 .

56- Chadwick, Clifton B. : On the Management of Change: How Not to Develop Textbooks, Educational Technology, 31(3), 1991 .

57- Gagen, luis Bernardo: Toward a Technology of the Textbook, Educational Technology, V. XXIV, N. 12, December, 1984 .

58- Hartley, J.: The Layout and Design of Textual materials for Distance learning, In: Lock wood, - Fred, Ed: The layout and design of textual materials for distance learning in: F. Lockwood (Ed.) Open and distance learning today London Routledge, U.S., new-York, 1995 .

59- KUHLENSCHMIDT, S. Selecting Course Materials: A Collision of Academia and Economics. Western Kentucky University – Faculty Center for Excellence in Teaching, October, 2007. www.wku.edu/teaching/booklets/ materials.html

60- Siegel, M. A. and Souse, G. A.: Inventing the Virtual Textbook: Changing the Nature of Schooling, Educational Technology, 34(7), September, 1994 .

 

61- Summerfield, G.: Online books, What Roles Will They Fill for Users of the Academic Library. A paper on online Books Evaluation project. Columbia University Digital Library Collections, 1995.

62- Trowbridge, L. w., Bybee, R.w. and Powell, J.c.: Teaching Secondary School Science: Strategies for Developing Scientific literacy, Harold H. Harris 6^th Edition, Journal of Chemical Education 74 (10), 1997 .

63- Walther, G.: Textbooks, Handouts, and Other Learning Material: Which Are Effective?, Video available: http://ctl.stanford.edu/AWT/Walther_06.htm. January, 2006 .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Article View: 373

PDF Download: 322