التعاون بين مصممي الفنون التطبيقية ودوره في تطوير صناعة الأثاث

مقدمة :

يشغل الأثاث مکانة ذات طابع خاص في تاريخ الفن والتکنولوجيا، حيث يعتبر عمل فني مکتمل الأرکان تکون نتيجة عملية إبداعية قام بها مصمم الأثاث في ظل قدراته فکريَّة وتجاربه المتعددة في مجال التخصص، فضلا عمّا يحمله من قيم ترتبط غالبا بفکرة عقائدية ذات موروث حضاري، فهي تؤدي بالنتيجة إلى انعکاسات تتسم بطابع الذاتيّة. ومن جانب آخر فإن المبدأ الوظيفي و ايجاد أشکال ملائمة لوظيفتها في الفضاء الداخلي ومتناسقة مع طبيعة جسم الإنسان من خلال تشکيلات بصريّة تحکمها قيم فنية وجمالية ترتبط بالمحتوى الثقافي والاجتماعي للمتلقي.

مشکلة البحث :

تکمن المشکلة في غياب التعاون بين مصممي الفنون التطبيقية في مختلف المجالات مما ينعکس بدوره علي جودة قطع الأثاث المصنعة حيث يعاني مصمم الأثاث في إيجاد قطعه قماش للتنجيد تتلائم في تصميمها مع تصميم مقعد جديد مما يدفعه في نهاية الأمر إلي الاختيار بين البدائل المتاحة لتلبية احتياجات السوق مما قد يؤثر بالسلب علي تصميمه دون الوعي بأهمية العمل في فريق تصميمي متعدد التخصصات.     

أهداف البحث: 

 يهدف البحث إلي تحليل نموذج يرجع لعصر لويس السادس عشر حيث أدرک مصنعي الحل المثالي لإنتاج أثاثا متوازنا ناجحا في الشکل والوظيفة نابعا من البيئة ومتوافق معها  يحقق فلسفة ذوبان* الحدود*.  والتي تظهر من خلال ثلاث محاور أولا هو ذوبان الحدود بين عناصر التصميم للوصول إلى تصميم قطعة أثاث متناغمة ومتناسقة وبها اتزان بين الشکل والوظيفة. ثانيا ذوبان الحدود بين المصمم والطبيعة لتصميم قطعة أثاث مبتکرة ومرتبطة بالبيئة المحيطة بها وتوافق ذوق المستهلک. ثالثا ذوبان الحدود بين مصممي الفنون التطبيقية لتحقيق رقي وتطور في صناعة الأثاث.

 الإطار النظري :

جدلية العلاقة بين الإبداع وتصميم الأثاث:

يعد التصميم نشاط هدفه الجودة متعددة النواحي،بالإضافة إلي اکتشاف وتقييم العلاقات الهيکلية والتنظيمية والوظيفية والاقتصادية المنظمة. وکل ذلک هدفه منح المنتجات والخدمات والأنظمة أشکالا ذات جماليات مناسبة. ^{(مرجع 8ص12،13)}  کما يمکن وصف التصميم أيضا بأنه جهد منظم لخطة هادفة، وهذه الخطة عبارة عن مجموعة من الخطوات المتتالية والمتنامية عن طريق الإبداع ^{(مرجع9ص65).} وتتکون عملية الإبداع من أربعة مراحل متتابعة هي: التحضير والإعداد الذاتي  preparation  .اختزان الأفکار  Incubation  وضوح الأفکار (الوميض) illumination .ظهور الأفکار " verification ^{(مرجع11ص24).}

تصميم الأثاث من الشکل إلى الوظيفة:

إن کل مايقوم به الإنسان من أعمال يومية يتطلب قدراً من التصميم والأثاث يمثل جزءا مهما في حياتنا اليومية فنحن نتفاعل معه علي مدار اليوم. ويتضمن الأثاث أربعة إعتبارات هامة هي: الوظيفة، والجانب الاجتماعي فهو مؤشر للتسلسل الطبقي ،المظهر التکنولوجي فهوأحد مقاييس التطور التکنولوجي، الجانب الإبداعي والإبتکاري للأثاث -فالأثاث خادم الخيال-" servent of fantasy."^{(مرجع12ص149)}

"ومن الأسباب الرئيسية التي تدفع المصمم للإنتاج ^"مايلي:

• الضرورة الإنسانية : وهي احتياج المستهلک إلي المنتج ، أو التصميم .
• · السبب الشکلي : وهو نابع من المحاولة لتحقيق متطلبات شکلية معينة.   السبب الفني (التکنولوجي) :تشکيل أي مادة يعتمد علي طبيعتها ، لذللک فإن الخامة المختارة تقود إلي استخدام وسائل تکنولوجية بعينها .
• السبب المادي : تغير شکل المنتج بسبب تغير مادته.

والأسباب السابقة يعتمد کل منها الأخر اعتمادا کليا فالشکل يعتمد علي الخامة والطريقة التي ينفذ بها التصميم^{". (مرجع1ص83،84)} والتصميم الناجح هو الذي يلائم: (احتياجات المستهلک  ، إمکانيات الوحدة الإنتاجية ، نزعات المصمم نحو الابتکارية). فالعملية التصميمية وثيقة الصلة بالعملية الابتکارية "وعند وضع تصور للعملية الابتکارية في عالم الأثاث ،نجد أن هذا التصور يقوم علي المظاهر الشکلية التي تتخذها العملية الابتکارية عند تصميم الأثاث" ^{(مرجع2ص62)}. إلا أن المصمم يسعي في المقام الأول والأخير إلي إرضاء المستهلک ,وإشباع الکثيرمن حاجاته دفعة واحدة  وقد يکون الإحساس بالرضا أو النفور انعکاساً للتقييم النقدي الذاتي للمستهلک تجاه العمل الفني وهنا تظهر نقطة غاية في الأهمية وهي البعد النفسي لقطعة الأثاث علي المستهلک الذي يرتبط بمفهوم الذاتية و"هي مجموعة المشاعر والعمليات التأملية التي يُستدل عليها من خلال سلوک ما".^{(مرجع3ص151)}

إن وعي الشخص الشعوري وتفکيره يقوم بتأکيد أساليب التوجيه والتنظيم والتحکم بمستوى الأداء والفعل لديه وقطعة الأثاث قد تترک أثر ايجابى ويزيد مع الأيام إلي أن تصبح من التراث وفي هذه الحالة يکون المصمم قد أوجد الحل للتوازن بين القيم الجمالية الشکلية والوظيفية.  وقد تترک أثر إيجابي يتحول إلي سلبي بعد الاستخدام وهنا يکون الجانب الجمالي طاغيا علي الجانب الوظيفي وتتوقف نسبة کل منهما علي حسب الفترة الزمنية للتحول من الإيجاب إلي السلب فقد يکون المنتج مريح في الاستخدام لکنه ضعيف وعمر الافتراضي قصير؛ وقد تترک أثر سلبي من البداية وفي هذه الحالة يکون المنتج غير ناجح في الشکل والوظيفة معا.

الأثاث المتوازن في عصر لويس السادس عشر:  

لقد تميز أثاث (لويس السادس عشر)" بالتماثل وعودة الأسلوب الکلاسيکي -عصر النهضة- في صورة مبسطة ، کما استعملت الزخارف الشريطية ذات الوحدة الواحدة القصيرة" ^{(مرجع5ص66)}  وقد تحددت اهم سماته في التالي:

• بساطة الخطوط وأناقة النسب.
• خفة الزخارف ودقة تنفيذها.
• استقامة الخطوط وتماثلها.
• · المزج بين تقليد القديم والطبيعة من خلال تأثير ديدور وجون جاک روسو." ^{(مرجع6ص83،84)} وقد أفرزهذا العصر الکثير من مصنعي الأثاث الذين أحبوا الأثاث وأدرکوا الحل المثالي لإنتاج أثاثا متوازنا نجحا في الشکل والوظيفة ،نابعا من البيئة ومتوافق معها  يشرک في تصميمه وإنتاجه عدد من التخصصات المختلفة. ومن بين هؤلاء المصممين "جورج جاکوب (1739-1814)Georges Jacob  أصبح واحد من النجارين الأکثر شهرة في عصره .^(مرجع15) ويرد الشهرة لجاکوب في تلک الفترة  إلى القطع التي صنعها لبونابرتا في وقت متأخرمن حياته^(مرجع16).

نبذة تاريخية عن القطعة:

. "مقعد رقم58.75.25 موجود بمتحف مترو بولتان يسمي بفوتيه الملکة (Fauteuil à la reine) من تصميم الفنان (جورج يعقوب). وقد عمل يعقوب سنة 1765م ککبير للمصممين الملکيين بفرنسا في فترة حکم لويس السادس عشر ويرجع تاريخ صنع هذا الفوتيه إلى الفترة ما بين عامي 1780م إلي 1785م، وهو من القطع النادرة التي مازالت محتفظة بالتنجيد الأصلي. وقد قام بأعمال التطريز بالقطعة (جوزيف فرانسوا کزافييه بودوان). صورة  (1) مقعد مسطح الظهر طراز لويس السادس عشر من تصميم جورج جاکوب موجود بمتحف مترو بولتان." ^(مرجع17)  

أبعاده  " الإرتفاع H 102.2 cm )) ،العرض W 74.9 cm )) ، العمق D    77.8  cm )).

الخامة :مصنوع من خشب الجوز المذهب أما التنجيد فمن حرير الساتان المطرز." ^(مرجع18) 

وصفوتحليلالفطعة :

يعد هذا المقعد أحد أروع القطع التي يتضح بها طراز لويس السادس عشروينتمي إلي فئة الکراسي ذات المخادع مسطحة الظهر ويتکون من:

أولاً: الأرجلوالجزءالحامللمسنداليد  (المانيلا)  :

- أربعة أرجل مخروطية الشکل  تتسع الأرجل کلما إتجهنا ناحيه الجلسة  وتضيق کلما إتجهنا ناحية الأرض خطأ! لم يتم العثور على مصدر المرجع. .

-    ترتکز الأرجل علي الأرض بجزء من کرة عليها حفر کأنها زهرة مقلوبة لأسفل ،يعلوها حلقة دائرية تفصلها عن هيکل الرجل .

-    عند موضع اتصال الحلقة الدائرية بالرجل ينبت أربع ورقات من الأکنتس حول محيط الرجل.

- حول کل رجل يلتف فرع من نبات الغاربشکل حلزوني ينبت منه ثمار کروية الشکل صغيرة جدا وأوراق نبات الغار التي تنتشربطريقة غير متماثلة وغير منتظمة    .

-    وعند موضع اتصال الرجل بالجلسة  يوجد مربع به روزته متعددة الورقات من الوجه ومن الجانب أيضا .

-     (الروزيتا)* عبارة عن عدد 10 ورقات  تلتف حول دائرة تمثل مرکز الزهرة.

- يبدأ الجزء الحامل لمسند اليد  (المانيلا)* بورقة أکنتس ملتفة حول روزتة متعددة الورقات من الجانبين وينتهي مسحوباً لأعلي بحيث يکون طوله وعرضه أقل عند موضع إتصله بمسند اليد.

- المانيلا من الأمام تحتوي علي عدد من ورقات الغار المتراکبة فوق بعضها  يفصل بينها جزء من کرة .أما من الجانبين فتحتوي علي شکل يتکرر بانتظام عبارة عن  ورقتين ماء يأتي من تحتها ورقة ماء أخرى  . خطأ! لم يتم العثور على مصدر المرجع..

ثانياً: مسنداليد (المخدع) ومسندالظهر( الظهر):

- عند موضع التقاء المانيلا بالمخدع تتشکل روزتة متعددة الأوراق يلتف حولها برعم زهرة يقف عند الإطار الذي يحيط  بالجزء المنجد بالمخدع  ويتکرر ذلک علي جانبي المخدع  ، أما من الأمام فتلتف ورقة أکنتس حول الروزته التي بالجانبين ويکون إتجاهها من أسفل إلي أعلي وتنتنهي عند الإطار الذي يحيط  بالجزء المنجد بالمخدع. خطأ! لم يتم العثور على مصدر المرجع.

-    يوجد إطار يحيط بالجزء المنجد الموجود في المخدع عبارة عن تکرار لوحدة ثلاث کرات ثم خط حلزوني.

-    يتضح ب (صورة5)محاکاه شديدة للطبيعة .خطأ! لم يتم العثور على مصدر المرجع.

- عند موضع اتصال المخدع بالظهر ينحني المخدع لأعلي ثم  تلتف الفروع قليلا للداخل لتستمر في الظهر أسفل وأعلي المخدع وکأن المخدع فرع نبت من الظهر .صورة6)توضح موضع إلتقاء المخدع بالظهر من الداخل وتوقف الإطار التکراري المکون من ورقة الماء علي المخدع . ^(مرجع7)

صورة (5)جزءمنالظهريوضحفروعنباتالغارتلتفحولمحورإسطوانيبشکلحلزونيويوضحالإطارالخارجيالمکونمنورقةالماءويوضحالإطارالداخليالمحيطبالتنجيد

- المسافة بين المخدعين  من الأمام من الداخل تساوي 63.3سم وهي أکبر  من المسافة بينهم من الخلف من الداخل والتي تساوي 52.4 سم حيث يشکل المخدع مع الظهر زاوية <  96ْ .

- الظهر عبارة عن مستطيل  أبعاده   هي طول 70 سم وعرض 63.1 سم يميل الظهر علي الأرض بزاوية < 113ْ . صورة 7) جزء من المسقط الأفقي للفوتيه  توضح الزاوية بين المخدع والظهر وهي تساوي < 96ْ. 

- الهيکل الخشبي المحيط بالظهر مکون من ثلاث إطارات تعتبر إمتداد للزخارف الموجودة في المخدع فالإطار الخارجي مکون من التکوين التکراري لورق الماء ويليه إطار مکون من فروع  نباتات الغار ملتفة حول محور إسطواني

- ويوجد محور وهمي في ظهر المقعد وفي الجلسة تتخذ عنده فروع نبات الغار إتجاهين متعاکسين. يحيط بالتنجيد مباشرة في الجلسة والظهر إطار من التکوين التکراري المکون من ثلاث کرات وخط حلزوني صورة (10)

-    يوجد أعلي کل رجل من الأرجل الخلفية  للمقعد جزء يشبه الکابولي الموجود في العناصر المعمارية يحمل ظهر الکرسي صورة (8) (9) .

النباتات الطبيعية  کمصدر إستلهام للمصمم :

لقد لعبت  الطبيعة دورا هاما وأساسيا في خيال المصممين علي اختلاف تخصصاتهم . فاستلهم المصمم العناصر الزخرفية الموجودة بالمقعد من الطبيعة وبخاصة من النباتات الطبيعية . ظهر ذلک في کل جزء من الهيکل الخشبي للمقعد  لکن الشيء الذي أعطي المقعد قوة وزاده تناغم واتزان هو التصميم الموجود بالتنجيد .حيث تعاون مصمم النسيج المستخدم في التنجيد مع مصمم المقعد فظهرت الأجزاء مترابطة ومتناسقة .

أهم النباتات مصدر الإستلهام بالقطعة :

جدول  (1) العناصر الطبيعية وطريقة توظيفها في المقعد.

التعاون بين المصميمن علي إختلاف تخصصاتهم لإبراز القطعة:

جدول  (2)أمثلة علي التنسيق بين مصمم المقعد ومصمم النسيج المستخدم في التنجيد.

ذوبان الحدود ونهضة صناعة الأثاث بين الماضي والحاضر: 

إن صناعة الأثاث بفرنسا لم تصل لما وصلت له من تفوق جمالي وتقني عبثا ولکن الطفرة الفنية والإنتاجية في فرنسا قد خطت خطواتها الأولي  منذ عام  1667و کان ل(کولبرت) وزير خارجية لويس الرابع عشر دور عظيم في  ذلک بوضوح "استدعي الفنانين من کل بلاد العالم وأسس مصنعاً ملکياً للأثاث والسجاد والزخرفة وحفرالخشب وهو مصنع الجوبلان وقد سمي في البداية بمصنع التاج الملکي لم يکن(الجوبلان) مجرد مصنع تعددت أشکال منتجاته ولکن کان بحق مدرسة لها ضوابطها وقواعدها الصارمة

إهتم القائمون علي مصنع الجوبلان بالتکوين الفني للمتدربين الجدد فالعاملين في المجال لابد وأن تتوافر لديهم المعرفة الکاملة بقواعد الرسم والتصميم ولا يسند لهم الإسهام في کبري المشروعات إلا بعد التأکد من مقدرتهم لذا فإن هذا النظام المؤسس داخل الجوبلان نشأ عن امتياز تقني ووحدة في الأسلوب"^{(مرجع4ص83)} بين کل التخصصات.

وفي العصر الحديث تميزت بلد مثل سويسرا بالتعاون الوثيق بين مختلف التخصّصات و أصبح  ذلک التعاون  معيار وقاعدة تقاس بها جودة المشروعات .ويرجع هذا النهج متعدد الاختصاصات في التصميم إلى المهندس المعماري الإيطالي( ألبرتو سارتوريس ) إن القدرة على تنفيذ الفکرة من البداية وحتى النهاية. هي مکمن قوّة التصميمات السويسرية".

وهم الأن قد تجاوزوا فکرة تلاشي الحدود بين التخصصات ليمتد الأمر ويتحوّل إلى اندثار الحدود بين الهويات الوطنية أيضا فالتأثير المتبادل بين المصممين السويسريين والمصممين الأجانب قد يؤثر علي وضع التصاميم السويسرية في الأسواق العالمية. ^(مرجع20) وينقل خصائص المنتجات من المواصفات المحلية النطاق الدولي والمنافسة في الأسواق العالمية.

النتائج

• إندماج المصمم بالطبيعة يمنح التصميم قوة فالطبيعة هي منبع کل الفنون ومصدر للاستلهام لا ينضب.
• ذوبان الحدود بين التخصصات الفنون التطبيقة المختلفة المرتبطة بصناعة الأثاث له دور رئيسي في النهوض بصناعة الأثاث.